الجمعة, يناير 3, 2025

فكرت بلا: هل يعلن بارزاني الاستقلال؟

مع ازدياد نفوذ قوات الحماية الكردية وحزب «العمال الكردستاني» في شمال سورية، بدأ مسعود بارزاني يطلق إشارات الاستقلال والانفصال عن العراق. وحين رفضت تركيا المشاركة في حرب إسقاط نظام صدام حسين في العراق في 2003، اعتمدت أميركا على الأكراد في شمال العراق، وفتحت جبهة حرب من أراضيهم. وجائزة هذا التعاون الكردي- الأميركي، كانت حيازة جلال طالباني منصب رئاسة الجمهورية العراقية، وفوز مسعود بارزاني برئاسة حكم إقليم كردستان العراق، وهو اليوم إقليم قوي ووازن. ودعمت أميركا البيشمركة الكردية عسكرياً وتولت تدريب القوات هذه. كما تركت (أميركا) لها سلاح الجيش العراقي في تلك المناطق لتظفر به. ولم يكن بارزاني وطالباني فحسب من استفاد من هذا التعاون، بل حقق «الكردستاني» مكاسب، وسحب قواته من تركيا إلى شمال العراق. وقدمت له واشنطن دعماً سياسياً وعسكرياً حينها، وسمحت له بالتمدد في شمال العراق. وبعد ذلك تعاظم التنافس بين تياري بارزاني و«العمال الكردستاني»، وهو تنافس قديم بين تيارين متباينين أيديولوجياً وتفاقم مع الوقت. وعلى رغم سجن عبدالله أوجلان في تركيا، إلا أن «العمل الكردستاني» مضى قدماً في سياساته وصار نموذجاً منافساً لنموذج بارزاني.
واليوم، صار حزب «العمال الكردستاني»، إثر تجاربه في سورية وتمدده في العراق، مصدر خطر وجودي على مسعود بارزاني، وهو يهدد – مع بعض حلفائه – بقلب الطاولة عليه في شمال العراق. وإثر 2003، غيرت تركيا سياساتها في كردستان العراق ومسعود بارزاني. وبعد أن كان استقلال كردستان العراق خطاً أحمر (محظوراً) في حسابات أنقرة، حملها تعاظم خطر حزب «العمال الكردستاني» إلى توطيد العلاقات مع بارزاني ودعمه وإقليم كردستان العراق سياسياً واقتصادياً. وتقارب كذلك بارزاني مع أنقرة وانفتح عليها، وزادت المسافة بينه وبين حزب «العمال الكردستاني»، أي بينه وبين مشروع أوجلان الرامي الى «كونفيديرالية كردية في الدول الأربع» (سورية والعراق وإيران وتركيا). ويسعى «الاتحاد الديموقراطي» الكردي السوري التابع لحزب «العمال الكردستاني» الذي يمسك بمقاليده عبدالله أوجلان، الى ترسيخ وجوده في سورية، ودعم جناح «العمال الكردستاني» في شمال العراق من أجل الإطاحة ببارزاني هناك، ثم العمل على وصل إقليم كردستان العراق بالكنتونات الكردية في شمال سورية، وهو مسعى يصطدم برفض تركيا وإيران ودمشق وبغداد. ولتركيا وإيران القدرة على التدخل عسكرياً ضد هذا المشروع، لكن ليس لدمشق أو بغداد مثل هذه القدرة مع سوء الأحوال العسكرية للجيشين العراقي والسوري.
وعليه، يسعى حزب «العمال الكردستاني» الى الإسراع في إرساء أمر واقع في شمال سورية وشمال العراق مستفيداً من ضعف الحكومتين المركزيتين هناك، وقبل ظهور أي بوادر تحرك إيراني أو تركي، بل في ظل خلاف تركي – إيراني حول مستقبل سورية. وفي هذا السياق، لا يستخف بموقف واشنطن وموسكو من مشاريع حزب «العمال الكردستاني». ولا يخفى أن روسيا وأميركا لا تعارضان نشوء كيان كردي ما في المنطقة. ولكن علاقات بارزاني القوية مع واشنطن والغرب قد تساعده على عرقلة مشروع حزب «العمال الكردستاني» البديل. ولذا، يبدو أن دعم تركيا لمسعود بارزاني لن يفتر، في وقت يتعاظم نفوذ «العمال الكردستاني» في المنطقة. لكن أنقرة تخشى أن هذا الدعم قد يؤدي في النهاية إلى إعلان بارزاني الاستقلال وإعلان دولة كردية مستقلة. لذا تسعى الحكومة التركية الى إقناع موسكو وواشنطن بحدود الدور الكردي في المنطقة. ولا شك في أن أولوية تركيا اليوم هي حماية أمنها القومي من طريق الحؤول دون اتفاقات إقليمية تضر بمصالحها وعرقلة مثل هذه الاتفاقات. فهي لا تريد أن تضطر في نهاية المطاف الى التعاون مع إيران لإطاحة أي مشروع كردي في المنطقة، إذا قررت روسيا وأميركا دعم مثل هذا المشروع.

* كاتب، عن «حرييات» التركية، 19/2/2017، إعداد يوسف الشريف
“الحياة”

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *