في الذكرى السادسة لرحيله.. سعيد يوسف أحد عمالقة الفن الكردي
دجوار آحمد آغا
لن نبالغ إن ذكرنا، أن الشعب الكردي يُعدّ من أكثر شعوب العالم حباً للموسيقا والفن والغناء، رغم تعرضه للكثير من المصائب والويلات على يد الغزاة والمحتلين والمستعمرين الذين لم يكتفوا بغزو كردستان واحتلالها، بل قاموا بتقسيمها بين عدة دول لتصبح كردستان “مستعمرة دولية”. لكن حتى هذه لم تشفِ غليلهم وحقدهم الدفين على الكرد، فقاموا بسرقة الألحان الكردية العريقة ونسبوها إلى أنفسهم لأن الكرد لم يكن لهم من يحمي تراثهم وثقافتهم من السرقة والاستيلاء.
رغم هذه المعاناة الصعبة، التي يمر بها الشعب الكردي، إلا إنه لم يتخلَّ عن هويته القومية وحافظ عليها. وكان الغناء أحد أبرز الطرق والوسائل التي حافظ بها الشعب الكردي على تاريخه وحضارته من خلال سرد البطولات والملاحم عبر الأغاني والطرب الأصيل الذي حافظ على اللغة والتاريخ والتراث الكردي من الضياع.
عمالقة الطرب الأصيل
يُعدُّ الغناء من أعظم الفنون التي لا يستطيع أي شخص عادي ممارسته بل يحتاج إلى مهارة عالية وصوت مناسب. وكما ذكرنا سابقاً فالشعب الكردي غنيّ بالفنانين والمطربين والموسيقيين، كيف لا وهو من عشاق الحياة والغناء والفرح والموسيقا لدرجة دفعت العديد من أبناء الشعوب الأخرى للغناء بالكردية، كربيت خاجو، آرام ديكران الأرمنيان نموذجاً.
ظهر بين أبناء الشعب الكردي الكثير من عمالقة الغناء والطرب الأصيل، والذين تركوا بصمة في تاريخ هذا الشعب إلى يومنا هذا. نذكر منهم على سبيل الذكر لا الحصر: (كاويس آغا، حسن زيرك، مريم خان، أُوسف جلبي، كُلبهار، محمد عارف جزراوي، محمد شيخو، خضر وحسين أومري، عيشة شان، عيسى برواري، فاطمة عيسى، صلاح أوسي، تحسين طه، صلاح رسول، حزني، سعيد يوسف وغيرهم.) سوف نكتب في هذا المقال عن صاحب مدرسة موسيقية متميزة، هو الراحل الكبير العملاق سعيد يوسف.
الولادة والنشأة
لعائلة قادمة من باكور كردستان مؤلفّة من الأب يوسف سعيد عثمان والأم أمينة أحمد عيسى، استقرت منذ ما يزيد عم مائة عام في منطقة الجزيرة، وفي العام 1947 كان حيّ قدور بك في قامشلو مسرحاً لولادة طفل لهذه العائلة أطلقوا عليه اسم سعيد.
سعيد يوسف الذي أسعد عائلته بقدومه، عاش مثل سائر الأطفال الكرد حياة مليئة بالصعوبات والآلام، والده كان عاملاً عادياً يعمل في البناء. إلى ذلك ولأنه كردي في هذه البقعة الجغرافية، يُعتبر جريمة وعليك أن تدفع ثمنها سواء فعلت شيئاً أم لم تفعل. درس سنة ونصفاً على يد الملا محمد الخزنوي وفي العام 1956 نال السرتفيكا (الابتدائية) من مدرسة العنترية، ثم قدم البروفيه (التاسع) وبعدها الثانوية.
تزوج في العام 1969 ا أميرة ملول التي أنجبت له العديد من الأبناء والبنات لعل أبرزهم ابنه البكر زورو سعيد يوسف مواليد 1970 الذي تعلم على يد والده العزف، وهو من أشهر العازفين على آلة البزق ويعتبر خليفة والده الراحل أميراً للبزق، إلى جانب الفنان المبدع لاوين سعيد يوسف، وابنته شبال سعيد يوسف.
البداية الموسيقية
برع سعيد يوسف في العزف على آلة البزق وهو في ريعان الصبا 19 عاماً سنة 1966 حيث تأثر كثيراً بالفنان الكبير العملاق محمد عارف جزراوي وكذلك الفنان الشعبي القدير وعازف الكمنجة مراد كنه. كلمات معظم الأغاني التي قام بغنائها هي من تأليفه وألحانه.
قام بإحياء العديد من حفلات الأعراس والأفراح في روج آفا حيث اشتهر بشكل كبير خاصة، وأنه تميّز بلونه الخاص. غنى سعيد يوسف مختلف الأغاني الوطنية والقومية والعاطفية، التي اشتهر بها كثيراً وكان الشبان والشابات يرددونها على نطاق واسع خلال الحفلات والرحلات واللقاءات بينهم. تميّزت كلمات أغانيه بالبساطة والدخول إلى القلب من دون استئذان خاصة في ظل الألحان الرائعة.
انطلاقته الفعلية من بيروت
رغم أنه سافر في العام 1968 إلى بغداد بناء على دعوة تلقاها من راديو بغداد – القسم الكردي، والتقى خلالها بالكثير من نجوم الفن الكردي أمثال: محمد عارف جزراوي، وعيسى برواري، وكُلبهار، وحسن جزراوي، وتحسين طه، وغيرهم، إلا أن الانطلاقة الحقيقية والفعلية له كانت من بيروت التي سافر إليها في العام 1970. قام بتأسيس فرقة فنية للرقص والغناء الكردي وتم تسميتها بفرقة “نوروز”. الفرقة ضمت ما يُقارب 45 عضواً بينهم فنانون أمثال محمود عزيز شاكر، والفنان عبدو علاني، والراحل الكبير محمد شيخو. قدّمت الفرقة حفلة غنائية على مسرح سينما ريفولي في بيروت سنة 1972 حضر الحفلة رئيس الوزراء اللبناني وقتها صائب سلام. كما سافر الراحل الكبير سعيد يوسف إلى الأردن برفقة الفنان محمود عزيز شاكر، وشيرين ملا، قدّما العديد من الأغاني الكردية الجميلة للجماهير الكردية في العاصمة الأردنية عمّان.
وبدعوة من منظمة اليونيسكو سافر سعيد يوسف ومحمد علي تجو، ومنير بشير إلى أوروبا، حيث أقاموا العديد من الحفلات الغنائية في فرنسا وألمانيا وفي العام 1974 قامت وزارة السياحة اللبنانية بإرساله برفقة 12 موسيقياً كردياً في رحلة سياحية إلى أفريقيا.
أشهر الأغاني والألحان
أكثر من 700 أغنية ومئات الألحان وغيرها لفنانين من الكرد والعرب هي ميراث عملاق الفن الكردي سعيد يوسف. صاحب الأسطوانة الذهبية التي سجّلتها اليونيسكو أواسط سبعينات القرن الماضي، كما ألّف كتاباً موسيقياً بعنوان “بدائع تعليم آلة البزق” تضمّنت نوتات ألحان أغانيه إلى جانب كلمات القصائد، التي غنّاها خلال مسيرته. وقدّم الكثير من الألحان الجميلة للفنانين أمثال صباح، وسميرة توفيق، وسعاد محمد، وكلودا الشمالي وغيرهم كما أن الفنان زياد الرحباني تبنّى عشر مقطوعات موسيقية فقام بتوزيعها عن طريق الأوركسترا. وأشهر أغانيه العربية أغنية “زوروا لبنان يا خيّ زوروا لبنان”.
اشتهرت معظم أغانيه بين الشعب الكردي منها على سبيل المثال: قامشلو باجاري أفيني، أوي فلك، مالا وه لجم مالا مه يه، أز جفان كورا حزدكم” من سريه خوا راكر، كوفي كري دا، از هاتم ناف بيريفانا، كيه دنيا هجاند، أي نوروز، وغيرها.
مرضه ووفاته غريباً
تعرّض الفنان الكبير إلى وعكة صحية في مكان إقامته في العاصمة اللبنانية بيروت، نهاية عام 2019 مما تطلّب الأمر إلى نقله لأحد مشافي إسطنبول لتلقّي العلاج. لكن المرض تمكّن منه، وفي يوم الأربعاء المصادف 26 شباط 2020 فارق الحياة عن عمر ناهز 73 عاماً قضى أكثر من 53 سنة منها في العطاء المثمر والمتواصل للموسيقى والغناء الكردي والعربي.
أعلنت عائلة الفنان الكبير وفاته عبر بيان جاء فيه: “إذا كانت خسارتنا كبيرة كأسرته التي كان عمودها الفقري، فإن ما شهدناه من تضامن أبناء شعبنا معنا خفف عنا وطأة الحزن الكبير، باعتبار كل أسرة كردستانية قد خسرته، فقد تربت أجيال متتالية على كاسيتات أعماله الغنائية، وكان أول من غنى لإنسانه، وبإباء وكرامة، ومن دون أي استعراض لمواقفه التي كانت جميعها لخدمة رسالته وشعبه”.
هذا وقد تم نقل جثمان الرحل الكبير من إسطنبول إلى إقليم كردستان العراق ومنه عبر معبر سيمالكا إلى روج آفا حيث ووري الثرى في مقبرة قدور بك في قامشلو يوم السبت 29 شباط 2020 بحضور جماهيري غفير من محبي وعشاق الأسطورة الكبيرة سعيد يوسف.
الجوائز التي نالها الراحل الكبير
استحق الفنان القدير سعيد يوسف وبجداره الحصول على العديد من الجوائز وشهادات التقدير من مختلف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية التي بلغت 25 جائزة. لعل أبرز هذه الجوائز هي الطابع التذكاري الذي أصدرته جامعة أوبسالا السويدية وعليها صورة الفنان الكبير. أيضاً أقام معهد الموسيقا في النرويج للفنان الكبير تمثالاً من البرونز.
تبقى توصية عازف البزق الأشهر الراحل الكبير محمد عبد الكريم بإهداء آلة البزق الخاصة به إلى الفنان سعيد يوسف. كما منحته مؤسسة آرتا للإعلام والتنمية جائزة آرتا للعطاء والابداع عام 2017.
كما حصل على العديد من شهادات التكريم والتقدير نذكر منها شهادة من دار الأوبرا في دمشق، شهادة من معهد صلحي الوادي بدمشق، شهادة تقدير من غبطة متروبوليت جرجيس الأول من كنيسة مار آليان في حمص. وتبقى مقولة الموسيقار المصري الكبير محمد عبد الوهاب عنه بعد سماع معزوفاته “أصابعه تتلف بحرير”.
ومن الجدير بالذكر أن عائلة الراحل الكبير تُقيم سنوياً احتفالاً تأبينيا في ذكرى رحيله 26 شباط ويتم خلاله إلقاء كلمات، وتخصيص جائزة لأحد ا
لعاملين في مجال الفن بمختلف أنواعه.
المصدر | صحيفة روناهي
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=63546