قراءة فلسفية لكتاب ” نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ” لفردريك أنجلز- عبد الجبار نوري
في زمن الكورونا وكأنّي محاصر في صومعتي قسراً من عدة محاور للحجر الصحي ، ورفعتُ أسلحتي للتصدي لهذا العدو الغادر الكورونا وبثقة عالية بوعيي الثقافي الصحي بخطورة هذا الوباء ولأتقاني لقواعد الأشتباك ، ولأجل أستثمار الزمن في التخفيف عن مآلات العصرنة الرقمية الصاخبة ومن فوبيا عدوى الجائحة ، ( وربَ ضارة نافعة) وأطلاق نداءات منظمة الصحة العالمية بضرورة الحجر الصحي ولتكن أستراحة محارب ، وللتنفيس عن الضغوطات النفسية لذتُ إلى مكتبتي المتواضعة ، وأخترتُ منه كتاباً عنوانه “فيورباخ نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية” لفردريك أنجلز ، وقد قرأته سابقا ، واليوم تكون قراءتي الجديدة بسيمياء العنوان أعلاه .
أولاً أودُ أن أوضح بعض الحقائق البارزة والمهمة لدى المفكر الفلسفي ” أنجلز ” أثناء قراءة كتابه هذا :-نظرة أنجلز إلى المادية التأريخية والتأريخ بالذات وكأضافة منهُ لما كتب كارل ماركس ، ولكن بعبقرية انجلز تناول الموضوع بعدهُ بأسهاب وبعباراتٍ قويّة يقول في كتابه هذا :
{التأريخ لا يفعلُ شيئاً ، التأريخ لا يملك أية ثروات طائلة ، التأريخ لا يشعل المعارك ، أنهم البشر ، البشر الحقيقيون الأحياء هم الذين يفعلون كل ذلك ، هم الذين يملكون ، هم الذين يحاربون ، أما التأريخ فلا وليس هو ألا نشاط البشر الساعين لتحقيق أهدافهم } .
2-والأعتقاد الآخر للمفكر أنجلز الذي وجدتهُ في هذا الكتاب : هو أن أنجلز لا يؤمن بحتمية التأريخ في صنع الثورات حيث يقول في كتابهِ ” فيورباخ نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ” :
{ —- لأكون صادقاً معكم ، إذا علمتُ أن الأشتراكية حتمية تأريخية لكنتُ جلستُ عاقداً ذراعيي مبتسماً الأشتراكية قادمة !!! ، لستُ مضطراً البدأ بأي شيءلأن التأريخ سيعمل ذلك هذا ( هراء ) !!!؟؟؟ الأنسان هو المحرك الديناميكي للتأريخ ، فالذي صنع الثورة البلشفية هم أولئك الرجال الأبطال الشجعان في تحريك التأريخ ، أي لم يكن التأريخ من صنع الثورة الروسية بل العمال والجنود الروس هم من فعل ذلك ، ولم يكن للتأريخ الفرنسي هو من أقتحم سجن الباستيل بل الرجال والنساء الذين قهروا ذلك السجن الجبار في 14 تموز 1789 .
3 -كتابه ” فيورباخ نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ” والذي أخترته في هذا البحث ربما أنهُ ركز على الفهم المادي ، وحاول دراسة التأريخ الأوربي من فضاءات الأقتصاد السياسي وصراع الطبقات ، وقد أجمع نقاد عصرهِ وما بعد عصره ِ أنهُ نسخة ثانية من ماركس.
4-وأقول بل أكثر من مجرد نسخة ثانية لتكن النسخة الألف المهم هو ماركس الذي أظهر مفهوم ” مركزية الطبقة العاملة ” للمرة الأولى في تأليف كتابه ” حال الطبقة العاملة في أنكلترا 1844 ، يعد هذا الكتاب مقدمة رائعة لدور الطبقة العاملة ليس فقط في التأريخ بل في مستقبل المجتمع أيضاً .
وللدخول في مثل هذا البحث الفلسفي يحتاج إلى (مناظرة نقدية) علمية بنّاءةً لفلسفة كل من الفيلسوف هيغل وفيورباخ من قبل العبقري فردريك أنجلز :
– لودفيغ أنرياوس “فيورباخ” فيلسوف وعالم أجتماع ألماني 1804-1872 بافاريا / ألمانيا ، زاوج بين الأنثروبولوجيا والفلسفة التأملية في أنٍ واحد للبحث عن فلسفة المستقبل ، أي البحث عن المفقود في الأنسان ، مستعيناً باللاهوتية في أبقاء الأنسان (غائباً ) داخلها سجيناً للوهم والخيال ، بيد أنهُ ألزم تحديث فلسفتهُ لاحقاً بالتقرب من المادية متأثراً بأفكار الشبان الهيغليين في مفهوم المادية وتبنى فكرة المادية وترويجها بيد أنه وضع آراءهُ للظروف التأريخية في ألمانيا قبل الثورة العلمية للدياليكتيك ، وللواقع أصبحت آراء فيورباخ تمثل المثل العليا للديمقراطية البورجوازية الثورية ، لكونهِ لم يتغلب على الطبيعة التأملية السابقة ، فأصبحتْ مثاليتهُ واضحة وخاصة في دراسة التأريخ والأخلاق .
– وفي الحقبقة التأريخية (يعد) فيورباخ المفصل التأريخي بين نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية المتمثلة ب (هيغل ) وبداية الفلسفة المادية كنتاج بشري تراكمي متمثلة ب( ماركس ) وأكد هذه الحقيقة الفلسفية أنجلز بعمق موضوعي في كتابه ( فيورباخ نهاية الفلسفة الكلاسيكية ) :{ أن الطريق من هيغل —إلى — ماركس— يمرْ بالضرورة عبر فيورباخ }.
– أن نظرة ” فيورباخ ” للمادية – وحتى من سبقهُ – هو أن الشيء الواقع المحسوس عرضها بشكل موضوع تأملي لا بشكل نشاط بشري حسّي فأسطفتْ مع المثالية الطوباوية ، ففي كتابه ” جوهر المسيحية ” لم يعبر عن شيئٍ حقا ألا النشاط النظري متجاوزاً على النشاط العملي فأنه لم يدرك النشاط الثوري التقدمي ، لأن النشاط العملي يحتم على الأنسان أبراز الحقيقة المتمثلة بالواقعية الملموسة
– أن أعتقاد ” فيورباخ ” وبقية فلاسفة ألمانيا من (الماديين) يجب أن يغيروا أعتقاداتهم السابقة عن الماديّة : لأنّ الناس هم نتاج زمكنة الظروف ودالة التربية ، يرد ” ماركس مع شريكه الفلسفي الثوري أنجلز ” :
كلا — هم نسوا بأنّ الناس هم الذين يغيرون الظروف ، والمربي هو الآخر يخضع للتربية والذي يصمد ويبقى هو النشاط الأنساني العقلاني الواقعي المحسوس الذي هو العمل الثوري .
– في الفلسفة التأملية لفيورباخ يجعل الأفراد مهمشين ومعزولين عن بعضهم كما هو واضح في تناحرات المجتمع البورجوازي ، ومفهوم المادية القديمة بنظر فيورباخ هو وجهة نظر المجتمع البورجوازي ، بينما يطرح ماركس المادية الجديدة بأعتبارهامبصومة بالأنسنة التي تعلن وجهة نظر المجتمع الأنساني .
– أما نقد الفلسقة الهيغلية : في كتابه ” فيورباخ نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية” : يذكر أن ( هيكل ) مثالي لأنهُ ركز على دراسة الأفكار والنظريات المجردة في حكايتهِ عن عالم الروح الذي أستخلص منهُ الواقع المادي ولأنهُ يميل إلى العلاقات المادية البرجوازية والروح عند هيغل يعني التعبير عن الطريقة التي تطورت بها “الحرية ” على مستوى المجتمع ككل ، بينما الصحيح هنا عند أنجلز الكشف عن أمكانية الفرد وتطوره الحركي كشرط لتطور المجتمع ، وفي نقد فلسفة ( الحق ) عند هيغل أنهُ تعمق في اللآهوت والغيبيات في أن الدين هو الذي يصنع الأنسان ، يتفق أنجلز وماركس في رفض هذه النظرية جملة وتفصيلاً لكون (الدين هو الأحساس الواعي للذات البشرية ).
– وكانت شروحات العبقري أنجلز التصوّر الجديد للمادية التي أوصلتهُ إلى مفهوم الواقع الأشتراكي في العالم ، لأنّ الأشتراكية لا تقوم على رؤية مثالية للمجتمع القادم بل على تحليل للحركة التأريخية وجدلية الصراع الطبقي للتنظيم الأقتصادي والأجتماعي ، وأن وسيلة تغيير العالم في تشخيصهِ للأنسان … ثُمّ الأنسان لا كما ظهر في تشخيص تحليلات ميتافيزيقية لهيغل وبرونو باور ، أو بمفهوم غامض كما عند فيورباخ ، مركزاً على{ الوجود الواقعي العملي وليس الآنجاز الروحاني الغيبي} .
وقد كشف كل من أنجلز وماركس هذه الأفكار الواقعية العقلانية المحسوسة الحداثوية وصاغاها بتنقيحٍ دقيق في أنجازهما الأممي {للبيان الشيوعي } 1848 تلك الوثيقة الثرّة والثربة الواعدة لغدٍ أفضل للأجيال القادمة ، والذي أصبح واحداً من أكثر الكتب السياسية تأثيراً بالعالم حين قدم نهجاً تحليلياً للصراع الطبقي ، ومشاكل الرأسمالية المتوحشة المتعددة الرؤوس أو ما تسمى تهكما بالقطط السمان وبذلك { بشّر بشكل المستقبل الشيوعي القائم على الأشتراكية العلمية }، أي لاحميدة ولا رشيدة هي ( أشتراكبة علمية ) كما يقول المفكر الأقتصادي الأكادبمي الفقيد الدكتور أبراهيم كبه .
-وأن شروحات ” أنجلز” مبادىء الجدل الفلسفي في نشوء الطبقة العاملة المعتمدة والموكلة بأستلام المهمة التأريخية في تحقيق المنهج الأشتراكي ، تمكن من كسر القشرة الهلامية الهشة التي أهتم فيورباخ في تشكيلها ، فكان للشريكين ماركس وأنجلز دورا في (أنسنة) هذا الجدل الفلسفي ، تطرق ” أنجلز ” في هذا الكتاب عن مفهوم الدياليكتيك يقول :
أنهُ علم القوانين العامة للحركة سواءً في العالم الخارجي أم في الفكر الأنساني ، وبشكلٍ مختصر مبسط هو : ( الأنعكاس المفهوم والواعي للحركة الواقعية للعالم ) الذي أدى إلى قلب دياليكتيك ” هيكل ” المشفرة !! .
-اليوم يمكن أن نقول : أن أنجلز هو مؤسس قوانين الدياليكتيك ، وبهذا الأنجاز العلمي أثبت ” أنجلز ” عدم واقعية هيغل وفيرباخ وبأخراجهما من الساحة الفكرية المؤثرة على ظهور ” الأشتراكية العلمية ” أنهُ رفض منطقهما الذي يقوم على الفكر الطوباوي ، وأن صيرورة الفكر هي التي تؤسس صيرورة الواقع من خلال رؤية الأنسان الواقعي ( الأنسان المجتمعي) فأتجه في كتابه لتحقيق الأشتراكية أهتم بمركزية الطبقة العاملة ودورها في أدارة ( النقابات ) التي كانت مبهمة ومغيبة في عموم الدول الغربية خصوصا ما شاهدهُ في أنكلترا وألمانيا .
مصادر البحث وبعض الهوامش /
– أطروحات ماركس حول فيورباخ 1845 – ماركس
– هيغل – محاضرات في فلسفة الدين – ترجمة مجاهد عبد المنعم – القاهرة
– كتاب فيورباخ- ماهية الدين – تأليف وترجمة د-أحمد عبدالحليم عطيه القاهره 2007
– كتاب أنجلز / فيورباخ نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية .
كاتب وباحث عراقي مقيم في السويد
حزيران 2023
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=24915