الجمعة, مارس 29, 2024
آراء

سؤال الهوية و أزمة العلاقة مع الآخر – ياسر إلياس

ياسر إلياس

ألم يحن وقت الطلاق ؟
طالما فقد الإمساك بالمعروف!

رأي لإبداء الرأي
……….

التركيز على اللغة الأم لأنها وعاء تاريخ و تراث و حضارة الأمة و عماد هويتها القومية ، مع انكباب مماثل على اللغات العالمية التي أصبحت لغات العلوم و التكنولوجيا و الاتصالات و الأعمال و التجارة و السياسة و المعلومات بوصفها لغات مصطلحية دقيقة غير عاطفية و بوصفها لغات غير عرقانية غير عنصرية و غير متمحورة أو مرتبطة بإيديولوجيا قومية أو دينية !

تركيز الكرد على لغتهم القومية و اللغات العالمية ذات الانتشار و التأثير و الزخم هو بداية الطريق لتنقية العقل من بقايا الجهل و التخلف و الخزعبلات و القصص الخرافية و وسيلة لتحرير العقل من قيود المغتصب و محدداته ، و نافذة مشرعة على الهواء النقي لعالم حقيقي غير أسير لمصالح و توجهات و منافع محتلي كردستان غير ملوث بضوابط و نواهي و فلاتر أفكار مغتصبي كردستان و مضطهدي الشعب الكردي .

ليس على الكرد الارتباط بلغات و ثقافات الشعوب و الدول التي تحتل كردستان و تضطهد الشعب الكردي ، لأنها لغات و ثقافات مؤدلجة، و مسيسة ، و مرصوصة بعناصر التفوق العنصري الوهمي، كما إنها حشيت بالأفكار الفوقية المعادية للأمة للكردية، و ملئت بالمعلومات و المفاهيم المضللة غير الأصيلة، كما إنها لغات لأقوام شديدي التمركز على الذات، و غير قابلين للتعايش مع الثقافات و اللغات و الأقوام الأخرى ، بحيث يجب تعلم هذه اللغات إلى حدود إمكانيات قضاء الحوائج ، و التواصل الاجتماعي ، أو تعلمها إلى أقصى حدود ما يفرضه اضطرار الإجبار و الإكراه من قبل الدول المغتصبة لكردستان لتأمين لقمة العيش أو أداء الوظائف العامة .

أما الاهتمام المستحق و الجدير بالالتفات ، و العناية فيجب أن يتوجه نحو اللغات العالمية التي لا تحتوي تكوينياً و تطوريا ميول النزعة العنصرية ، و الخلفيات العرقية و الدينية، و التي لا تعاني من رهاب الإيديولوجيا
لجماعة قومية ، أو دينية ،قبلية، إثنية.

مزايا الارتباط باللغات اللاعنصرية ، الانفتاح على العالم
، مواكبة العلوم ، تطور الفكر و الإبداع و الإنجازات و الاختراعات و النظريات و الحضارات و الثقافات و السياسات و تحطيم القوقعة الضيقة لعالم المعلومات الهزيل و المضلل المزيف الذي يتم حشر الإنسان الكردي فيه باللغات التركية و الفارسية و العربية لأنها تكون مقننة و مراقبة و مراجعة من قبل جيوش من حراس الدين و السياسة و الثقافة في تلك البلدان.

الارتباط باللغات العالمية لا يلغي الهوية القومية للأمة الكردية و لا يتضاد مع ثقافتها ، و لا يزيل وجودها بل يقويها و يفتح الآفاق نحو إدراك الصلات الوشيجة للغة الكردية بتلك اللغات .

ابتعاد الكرد عن لغات الأنظمة و الشعوب التي مارست الإذابة و الصهر و القهر المتسلسل المنظم المبرمج على الكرد و اقترابهم من لغات العالم الحر المتمدن الذي يكوّن في مجموعه الصيغة النهائية لما وصلت إليه البشرية من تقدم في كافة مجالات الحياة و علومها و فنونها هو عملية ملحة لدمج الكرد في سياق حركة التاريخ و الحياة و العالم بكل إنجازاته و إبداعاته و إسهاماته الفذة ، و خلق الإنسان الكردي العصري المتمدن المثقف الواعي الحر و بالتالي الإنسان القادر على تجاوز أزماته ،و الانخراط في حركة التقدم و اللحاق بعجلة التطور لصناعة المستقبل الذي يحلم به و يستحقه بأدوات العصر و آلاته .

اللغة الكردية لغة أم ، عريقة ، و هي بامتداداتها الپهلوية، الميدية ، الآفستانية، الإيرانية القديمة تشكل إلى جانب السنسكريتية أولى منابع مغامرة العقل البشري مع اللغة ،و المعين الرافد لما حولها من ثقافات و نحن بهذا المعنى لا نرى أي مزية للغات المنطقة على اللغة الكردية و لا أي فضل لثقافتها على الأمة الكردية ، بل العكس صحيح حيث سخرت كل إمكانات الأمة الكردية بحضارتها المعنوية و المادية في تشكيل هويات الشعوب المستعمرة لكردستان و خلقت صورة متورمة متضخمة لهوياتها لا تعبر عن واقعها الحقيقي على حساب حرية و استقرار و استقلال الشعب الكردي ، جهود على مراحل وقرون طويلة ذهبت سدى في خدمة الأمم الأخرى و كان المقابل -جزاء سنمار أخاه بيثرب – كما يقول المثل ،
أي كان الجزاء : هو النكران و الجحود و التنمر .

العرب و الفرس و الترك لم يفكروا يوماً بتعلم الكردية أو دراستها ، و لم يقدموا أي خدمة للغة الكردية و أهلها ، بل إنهم منعوا أهلها و أصحابها من التحدث بها و عدوها جريمة تستحق الإعدام !

ماذا تركتم لإسرائيل !

لغات الأقوام التي تحتل كردستان يظهرها البحث اللساني في مرحلة متأخرة كثيراً عن اللغة الكردية ، فيما لو ضعت الأمور في سياقها الصحيح بعد صحوة ثورية شاملة مرتكزة على مناهج و معايير علمية و تاريخية استقصائية لإعادة الاعتبار لما تسببت السياسة في تهميشه و إهماله و نسيانه.

شعوب المنطقة و أنظمتها سواء بسواء لا يبادلون الكرد الاحترام بالاحترام و لا الود بالود و لا التبادل الثقافي بالتبادل الثقافي ، و عليه فإن مئات القرون من الخدمات الجليلة ( وطنياً ، و قومياً ، لغويا، فكرياً ، عسكرياً -و التي قدمها الكرد لتلك الشعوب ذهبت أدراج الرياح ، و كان ينبغي لتلك الجهود الجبارة الهائلة أن تصب في خدمة الأمة الكردية و ثقافتها و ترابها الوطني ، و الحب من طرف واحد ضرب من الحماقة و الغباء و البلادة!

هؤلاء الشعوب و الأنظمة لا يخفون كراهيتهم و حقدهم و مقتهم للكرد ، و احتقارهم لكل ما هو كردي ( موسيقا، لغة، ثقافة ، عادات ، تقاليد ، أزياء، أعلام ، و لا يستحون أو يخجلون من الصراحة و البوح و الاعتراف بذلك ..
حتى إنهم في المناطق التي احتلوها تحت بند ما سمي بعمليات نبع السلام و غصن الزيتون يقبضون على أي كردي لمجرد كرديته ، و يسومونه سوء العذاب !

يهدمون البيت لأن أهله كرد
يهجرون أهل المنطقة لأن سكانها أكراد
يقتلون يخطفون و يطالبون بفدية
يغتصبون الحرائر الشريفات لأنهن كرديات
و كان أحقر و أحط و أسفل ما وصلت إليهم الشوفينية الفاشية في بعدها العرقي التركي و العربي في المناطق الكردية المحتلة بعد كل ممارسات التطهير العرقي و حروب الإبادة و الصهر و الترحيل القسري هو ما تم ممارسته ضد الأقلية القليلة المتبقية من الأكراد المتشبثة بأرضها عقب وقوع الزلازل و هو التمييز في قصر المساعدات و الإغاثات الإنسانية على السكان العرب فقط و حرمان الكرد منها ، و ترك المنكوبين تحت الأنقاض إذا كانوا أكراداً .

و الحال هذه فإن الأحوال السياسية و الاجتماعية و المصالح السياسية و الاقتصادية و البنى الفكرية و الثقافية الفاشية و مكونات العقل الاستبدادي التاريخية لعنصرية الأقوام التي لا تقبل بالكرد إلا عبيداً تعلن كل يوم بكل صورة و شكل و أسلوب عن القطيعة مع الكرد كجيران و أخوةو ترفض العلاقة معهم على قاعدة من العدالة و المساواة و الندية في الهوية و الثقافة و اللغة و الحقوق القومية و الإنسانية و السياسية و الاقتصادية و اعتبار الكرد على الدوام عدواً أولاً و خصماً لدوداً و خطراً مقدماً على سواه تجب محاربته بكل الوسائل ، و بما أن الآخر يرفض تغيير عقليته في التعاطي و التعامل أليس حرياً بالكردي أن يدرس خياراته و يعيد النظر في طريقة تعاطيه مع كل ما يكتنف و يلف مصيره و وجوده و حضارته فيما يخص علاقته بهذا الآخر الناقم الغاضب الحاقد أبداً …