الأربعاء 09 تموز 2025

لقاء مع الحفيد

مصطفى عبد الوهاب العيسى

في آربيل ورغم الحر الشديد والجو الذي لا يُطاق حينها كان لِزاماً علي أن أقف لدقائق مع صديقٍ رافقني بسهراتٍ وقرأتُ عنه لساعات ، وكثيراً ما صادفتُ اسمه في قصائد و كتب ومقالات ، وهنا نص الحوار الذي دار بيني وبين تمثال صديقي الحفيد ..

 

* وها قد التقينا .. كيف وجدتني ؟

 

= يراك الكثير من الكُرد قائداً و رمزاً قومياً يستحيلُ تكراره في التاريخ الحديث على أقل تقدير .

 

* وأنت كاك مصطفى كيف وجدتني ؟

 

= يراك بعضُ العراقيين قامة وطنية مميزة لبت النداء و أدت ما عليها من واجبات وطنية تجاه العراق ، وما كان جيشك في البصرة والجنوب إلا مثالا على ذلك .

 

* سؤالي واضح .. أنت كيف وجدتني ؟

 

= لا شك بأنك كنت شاعراً وأديباً وأن دورك في رعاية الفكر والثقافة مشهودٌ له ، ولكن جحود بعض المثقفين من كارهي السياسة بالتركيز فقط على دورك الأدبي والثقافي ومساهمتك في أول صحيفة  كردية أو في جعل الكردية لغة رسمية يُخفي كثيراً من شخصيتك .

 

* هل أكلمك بالكردية !! أنت كيف وجدتني ؟

 

= علاقاتك الطيبة مع عشائر وقبائل عربية تجعلهم يؤكدون أنك كنت شيخ عشيرة بارز في العراق ، وبطبيعة الحال ستبقى في نظر البرزنجية وغيرها من العشائر الكردية ملكاً كردياً في التاريخ الحديث .

 

* يبدو أنك لا تريد الإجابة .. أتعبني تكرار السؤال نفسه .. أنت كيف وجدتني ؟

 

= أحاول أن أكون موضوعيا معك يا صديقي ، ففي الوقت الذي ينظر إليك فيه البعض على أنك ثائر ومناضل حارب العثمانيين والبريطانيين والسوفييت يحتج وينظر إليك كثير من أهل الطرائق الدينية على أنك كنت شيخ دين ومجاهداً في سبيل الله .

 

* أنت صديقي ولا موضوعية بين الأصدقاء .. وللمرة الأخيرة أسألك : كيف وجدتني ؟

 

= لا أعلم يا صديقي إن كنت قد قرأتَ الأمير لميكافيللي ، وطبعاً لم تترك خلفك مؤلفات كهوبز ، ولكن مسيرة حياتك بما فيها من أحكام إعدام ونفي واستقدام بعد النفي ، وبما تخللها من حروب ومناورات واتفاقات ، و دورك المحوري في أزمنة الاحتلال والانتداب والملكية خلقا شيئاً من المبالغة في حديثي عنك عندما أقول : لم تكُن مجرد محنك أو داهية في السياسة ، بل كنت ملهماً سياسياً لعشرات القادة السياسيين من الكُرد على وجه الخصوص .

 

* قرأتَ بما فيه الكفاية يا صديقي ، و يبدو أنك عرفتَ الكثير ، ولكن مع الأسف لم تجدني !!

أنا إنسان .. أُخطئُ وَ أُصيب ..

في الساعات الأولى بعد وفاتي في بغداد ، وقبل نقل جثماني لأدفن في السليمانية تذكرتُ أشياء وأسرار لا يعلمها إلا الله .

حاولتُ جاهداً أن أُصيب الخير ، ولم أكن لأصيبه مرة واحدة دون توفيق من الله .

لم أكترث في تلك الساعات لشيء ، ولم أكن أسأل الله شيئاً سوى الرحمة والمغفرة والعتق من النار .

يا صديقي ما خنتُ وما بعتُ .. سأقولها والله أعلم بها :

عسى أن تكون رِشوة رفضتها يوماً شفيعة لي ولذنوبي يوم القيامة .