لمحة موجزة عن تاريخ الكورد قبل الاسلام ” 3 “

كوردأونلاين |

ب. د. فرست مرعي

لقد تباينت اراء الباحثين والمؤرخين حول الانتماء الحقيقى للكورد وجنس اسلافهم التاريخيين، وهذا ما انعكس بدوره على العصر التاريخى الذى يستطيع الباحث ان يعتمده كبداية للتاريخ الكوردى قبل الاسلام. ولكن استنادا الى مصادر تاريخ الكورد قبل الاسلام، والرأى الراجح بانتماء اللغات الميدية والكوردية والفارسية الى أرومة اللغات الهندو – ايرانية؛ يبدو للباحث أن ظهور الدولة الميدية على مسرح الاحداث فى تاريخ الشرق الادنى القديم يعتبر كبداية للتاريخ الكوردى اعتباراً من عام700 ق.م.

أولا: تاريخ الكورد فى العصر الميدى والاخمينى

لقد جاء ذكر القبائل الايرانية التى كانت فى حالة مستمرة فى انحاء الهضبة الايرانية فى بداية الالف الاول قبل الميلاد. وان اول اشارة تاريخية الى القبائل البارسية – الفارسية ما ذكره الملك الآشورى شليمنصر الثالث(858-824 ق.م) فى غزواته على مناطق الهضبة الايرانية وجبال زاكروس(844ق.م)، وجاء ذكر الميديين فى حملة عام(836ق.م)، ولكن سبق ذكر القبائل الفارسية فى الغزوات الآشورية لا يعنى بالضرورة ان هذه القبائل سبقت فى هجراتها الميديين .

وقام فى هذه الفترة من بين الميديين زعيم حربى هو (ديوكو Daika ) الذي يعتقد بانه نفس الملك الذى ورد فى تاريخ هيرودوت باسم (ديوكس Dioces ) الذي يعد مؤسس الدولة الميدية. وقد تحالف هذا الملك مع ملوك الدولة الاورارتية، ولكن الملك الآشورى “سرجون الثانى” (722-705ق.م) تمكن من القضاء على التحالف الميدى- الاورارنى وأسر ديوكو حيث نفى مع اسرته الى مدينة حماه بسورية. وقد اعقبه على عرش المملكة الميدية ابنه “فراوريتس phraortes ” (655-633ق.م)، وقد بلغ هذا الملك مبلغا من القوة استطاع ان يوحد تحت سيطرته معظم القبائل الميدية والقبائل الايرانية الاخرى مثل :الفرس، والكميريين، والاسكيثيين، وقد بلغت الجرأة بهذا الملك بحيث انه قرر الهجوم على العاصمة الآشورية نينوى، ولكن الآسكيثيين اللذين كانوا قد تحالفوا مع الآشوريين هاجموه من الخلف مما ادى الى اندحار الميديين ومقتل ملكهم فراورتيس – فرهاد عام653 ق.م .

واعقب الملك الميدى (فراوريتس) ابنه “كى اخسار- كيخسر kaikhosra ” ( 633-584ق.م) الذي عمل على تنظيم جيشه وجعل عاصمته(همكتانا – أكبتانا) التى يعنى اسمها فى اللغة الميدية (ملتقى الطرق). وبعد قضائه على الدولة الآشورية عام 612ق.م بالتعاون مع البابليين بقيادة ملكهم ” نبوبلاصر” واحتلال عاصمتها نينوى. ولكن انغماس خليفته (استياجز Austuges ) في حياة اللهو والبذخ ساعد حفيده ابن بنته”كورش الكبير – الاول” (560 – 529ق.م) فى القضاء على الدولة الميدية وتأسيس مملكة جديدة عرفت باسم الدولة الاخمينية التي تعد أول دولة فارسية حكمت الهضبة الايرانية ؛ وهذ ما جعل شاه ايران”محمد رضا بهلوي”(1941 – 1979م) يحتفل بهذه المناسبة عام 1971م بمناسبة مرور 2500 عام على تأسيس أول دولة فارسية في التاريخ.

وهكذا خضعت المناطق الكردية للسيطرة الاخمينية حيث وزعت مقاطعاتها استنادا الى التنظيم الذى اوجده الملك الاخمينى “دارا الاول”(522-486ق.م) بتقسيم الدولة الى عشرين ولاية ضمن ولايات: ارمينيا، آشور، وميديا .

ولكن الحدث الأهم الذي جرى في العصر الاخميني هي الحملة التي قادها (كورش الصغير) حاكم المقاطعة الأخمينية في آسيا الصغرى ( ليدية ) ضد أخيه الملك” اردشير” ( 402 ـ 359 ق . م ) بقصد الإستيلاء على السلطة، ولكنه هزم في المعركة وقتل، وانسحب خلفاؤه الاغريق باتجاه المنطقة الكردية حيث دون القائ والرحالة اليوناني (زينفون – أكسينوفون) حوادث هذه الحملة في كتاب سماه ( أناباسيس – البعث من الداخل) وتطرق فيها الى ذكر الأهوال واالمشقات التي لاقاها جيشه بعد دخوله المنطقة الكردية، وخاصة (مضيق – كلي زاخو) حيث خسر من الرجال بواسطة المقلاع الكردي أكثر مما خسره خلال فترة حملته الطويلة .

 

ثانياً : تاريخ الكورد في العصر الأغريقي والفرثي

بعد ان احتل “الاسكندر المقدوني” ( 336 ــ 323 ق.م ) سوريا ومصر رجع منها قاصداً بلاد مابين النهرين، حيث عبر نهر دجلة قرب قرية شيخابور ولكنه لم يستمر باتجاه الجبال الكردية وانما سار بمحاذاة النهر، ثم انحرف الى الجنوب الشرقي باتجاه مدينة اربيل حيث التقى مع الجيش الفارسي الأخميني بقيادة “دارا الثالث- داريوس” ( 335 ــ 331 ق.م ) فى موقع تل يسمى ( كو كميلا Gaugamela ) أي ـ سنام الجمل في منطقة أسكي كلك قرب إربل، حيث دارت فى هذا الموقع احدى المعارك الفاصلة فى التاريخ الانسانى كان من نتيجتها هزيمة الجيش الفارسى وهروب الملك ( دارا ) دخل بعدها الاسكندر مدينة اربل- اربيل فى الاول من تشرين الاول عام 331ق.م .

وبعد احتلاله لمدينة بابل توجه الى بلاد ميديا حيث سقطت عاصمتها ( أكبتانا – همدان الحالية) فى قبضته وبذلك خضعت المناطق الكوردية الجنوبية لسيطرته .

وبعد وفاة الاسكندر عام 323ق.م اصبحت اغلب المناطق الكوردية من حصة قائده “سلوقس الاول نيقاطور”(311ـــ 281ق.م)، وطغت فيها معالم الحضارة الاغريقية واصبح اليونانيون الطبقة السائدة بين المجتمع انذاك، لذا فليس من العجب ان اغلب المسكونات المكتشفة فى كوردستان تعود الى هؤلاء، سواء التى تحمل منها صورة الاسكندر نفسه او خلفائه الملوك السلوقيين .

ولكن ظهور قبائل الساكا (= الاسكيث) البدوية فى منطقة بارتيا جنوب شرق بحر قزوين وانتهازها ضعف الدولة السلوفية بسبب انغالها فى القسم الغربى من الامبراطورية، حيث تمكن احد ملوكهم ويدعى “مثريداتس الاول” (171ــــ 138ق.م) من ان يستولى على بلاد فارس وبابل والمناطق الكوردية، وقد اتخذ مثريداتس الاول الذى يعد المؤسس الحقيقى للمملكة الفرثية لقب الملك العظيم بصفته وريثا للامبراطورية الاخمينية .

كان النظام الادارى للدولة الفرثية قائما على شكل مقاطعات يحكمها ملوكها المحلين، لذا اشتهرو فى المصادر الاسلامية بملوك الطوائف، اما المناطق الكوردية مثل ولايتى كوردوئين (دياربكر )، وآديابين (اربيل) فكان يحكمها ملوك ينحدرون من سكان البلاد نفسها على غرار بعض الاقاليم الاخرى .

وفى نهاية القرن الثانى وبداية القرن الاول قبل الميلاد، ومع توسع النفوذ القرثى واصطدامه بالنفوذ الرومانى المتوثب للانطلاق نحو الشرق ، تميزت هذه الفترة بكثرة الحروب التى جرت بين الدولتين التى كانت المنطقة الكوردية مسرحا لها. وقد ساعدت هذه الظروف على ظهور قوة سياسية جديدة فى المنطقه الا وهى مملكة الارمن بقيادة زعيمها”تيكران الكبير” (94ــــ 55ق.م ) الذى تمكن من استقلال الظروف واستولى على مقاطعة كبدوكية وكوردوئين وقتل ملكها الكوردى (زاربيوس) بتهمة التعاون مع الرومان؛ لذا قررت روما على اثر الوضع الناشىء فى الشرق وتحديدا ( آسيا الصغرى)ا التحرك سريعا حيث اوعزت الى الاسطول الرومانى بقيادة (لوكلوس) بالانقضاض على القوات البحرية التى نظمهها “مثيرادات السادس” ملك البنطس صهر الملك تيكران وحليفه، وكان النجاح حليف الرومان فى هذه المعركة البحرية مما ادى الى فسح المجال امام تغلغل القوات البرية الرومانية بقيادة سولا وتم عقد معاهدة صلح بين ملك البنطس والرومان عام 85ق.م .

ولكن حدوث تطورات جديدة منها ظهور السفن الكيلكية ومهاجمتها للرومان فى البحر المتوسط بدون هوادة اضافة الى التوسع الارمنى من جهة اخرى، حدا بالرومان ارسال حملة عسكرية بقيادة لوكلوس الذى تمكن من دخول العاصمه الارمنية تكرا نوكرتا (= ميافارقين – سليفان الحالية) الواقعة على بعد 70 كم شرق دياربكر فى 6 تشرين الاول عام 69ق.م .

وكان الملك “باسيليوس” قد اعقب الملك المقتول زاربيوس فى حكم منطقة كوردوئين، لذلك تصدى له القنصل الرومانى بومبي اثر تعينه من قبل مجلس الشيوخ الرومانى قائدا عاما للقوات الرومانية خلفا لوكلوس الذى خسر معركة نهر الارزانى امام القوات الارمنية بقيادة تيكران الكبير عام 67ق.م .

وقد امر بومبي بطرد الملك افرانوس الذى بعث لاستلام الحكم فى منطقة كوردوئين ، وتم تسليمه الى آريوبارزان الاول الكبدوكى .

اعقبت تلك الحروب والنزاعات ما بين الفرثين والرومان أن عقدت معاهدة صداقة بينهما قبل الميلاد بسنة واحدة ، تنازلت بموجبه الدولة الفرثية عن مناطق ارمينيا وكوردوئين للدولة الرومانية، لكن القتال تجدد بين الطرفين فى عهد الملك الفرثى ارتبان- أردوان الثالث.

المصدر: كردستان 24

شارك هذه المقالة على المنصات التالية