بيان:
التحالف السوري الديمقراطي
المكتب السياسي
9/4/2025
موقف التحالف السوري الديمقراطي من الحكومة الانتقالية السورية وإنشاء الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية
يرحب التحالف السوري الديمقراطي بتشكيل الحكومة الانتقالية باعتبارها خطوة أولية نحو استقرار مؤسسي يجب البناء عليه بشكل جدي ومسؤول. ويتابع التحالف في الوقت ذاته عن كثب التطورات المرتبطة بهذا الأمر والنتائج المترتبة عليه، ويعرب عن قلقه البالغ تجاه المسار الذي سارت عليه الأمور في تشكيل هذه الحكومة، ويشير بوضوح إلى أن عملية التشكيل هذه تميزت باحتكار خطير من قبل تيار سياسي واحد للوزارات السيادية الرئيسية، والتي تشكل في الوقت نفسه القوام الأساسي لمجلس الأمن القومي، الذي أُعلن عن تشكيله قبل الإعلان عن الحكومة نفسها. هذا الأمر يثير مخاوف جدّية حول تكريس مركزية السلطة، ويعرقل قيام نظام ديمقراطي تعددي يضمن مشاركة واسعة لكل القوى السياسية السورية.
إن استئثار التيار السياسي المذكور ذاته بوزارات حساسة من شأنها توفير استدامة نفوذه وسيطرته، ويمنع فتح الهوامش الضرورية أمام المشاركة السياسية الديمقراطية، ويشكل دليلاً واضحاً على غياب الرغبة الحقيقية في تحقيق إصلاحات فعلية وإتاحة المجال لتطوير الديمقراطية المحلية، ما يعكس رغبة مقلقة في إبقاء منظومة السيطرة والنفوذ المركزي قائمة دون أي تغيير جوهري.
يعبّر التحالف أيضًا عن تحفظه على اختيار وزيرٍ للعدل من خلفية غير حقوقية وعلى أساس خبرة مُفترضة في تأسيس محاكم شرعية وإدارتها خلال مراحل سابقة وفي مناطق محدودة المساحة والتنوّع، الأمر الذي يثير قلقاً بشأن استقلالية القضاء وقدرة الوزارة على تنفيذ إصلاحات قانونية ومؤسسية ضرورية في المرحلة الانتقالية، خاصّة وأنّ قانون السلطة القضائية النافذ، والذي لم يتم وقف العمل به يعطي الوزير صلاحيات واسعة جدًا في إدارة مرفق العدالة الذي هو بشكل أو بآخر السلطة الفصل بين سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية وبين هذه السلطات والدولة بمؤسساتها كلّها والمواطنين.
كذلك يعبّر التحالف عن قلقه العميق من التصريحات التي أدلى بها السيد نعيم عرقسوسي أحد أعضاء مجلس الإفتاء العام لصحيفة “القدس العربي”، والتي أكّد فيها رؤية مجلس الإفتاء لموقعه في بنية الدولة وفرضه الرقابة على القوانين وقرارات الوزراء، الأمر الذي لا يعبّر عن رأي شخصي فحسب ولا عن توجّه المجلس فقط، بل يؤكّد اتجاه الحكومة السورية لدمج المؤسسات الدينية في مؤسسات الدولة، بغرض استثمارها في تعزيز موقعها، واستئثار فئة محددة بالسلطة السياسية، وإقصاء بقيّة الفئات المجتمعية والسياسية عن المشاركة الفاعلة في بناء الدولة الجديدة.
وفي سياق متصل، نشير إلى تداعيات الإعلان الدستوري الجديد، الذي منح الرئيس الانتقالي صلاحيات واسعة على حساب دور الوزارات، الأمر الذي يفتح الباب أمام استمرار الهيمنة الفردية ويعرقل بناء مؤسسات دولة حقيقية ذات قدرة وكفاءة. كما يلاحظ التحالف أن الإعلان الدستوري قد ألغى فعلياً منصب رئيس الوزراء، إذ منح الرئيس الانتقالي صلاحيات كاملة في تعيين وعزل الوزراء، دون أن يضع تصوراً واضحاً لمهمة إدارة الحكومة وتنسيق عمل وزاراتها ومتابعة أدائها. هذا الفراغ المؤسسي يهدد بتحوّل الحكومة إلى جُزر معزولة تفتقر إلى استراتيجية موحّدة وآليات تنسيق ضرورية في مرحلة انتقالية معقدة تتطلب وضوحاً في المسؤوليات التنفيذية.
كما يعبر التحالف عن استغرابه من تجاهل الخطاب الحكومي الرسمي للقضايا الأساسية والملحة التي يعاني منها السوريون والسوريات، وعلى رأسها ملف عودة النازحين والمهجرين، وقضايا إعادة الإعمار، والعدالة الانتقالية والتغير المناخي الذي يؤثر على الحياة اليومية للسوريين والصحة العامة للمجتمع ويتطلب استراتيجيات خاصة تعالج آثاره في الزراعة والمياه وتلوث الهواء. هذا التجاهل يشير إلى غياب رؤية شاملة ومسؤولة في التعامل مع الأزمة السورية وتداعياتها الإنسانية والاجتماعية، ويشكل عائقاً أمام تحقيق مصالحة وطنية شاملة وعودة الاستقرار.
ويؤكد التحالف السوري الديمقراطي أن ضعف تمثيل المرأة في الحكومة الجديدة لا يمثل مجرد إشكالية شكلية، بل يعكس رؤية سياسية قاصرة وتهميشاً واضحاً لدور النساء السوريات اللواتي أثبتن فعاليتهن وأهميتهن في مختلف مراحل العمل الوطني والديمقراطي.
ومن جهة أخرى، يحذر التحالف من خطورة إقصاء القوى السياسية السورية المختلفة عن المشاركة في الحكومة، والاكتفاء بتوزيعات مناصب وفق محاصصة شكلية، موجهة للالتفاف على مطالب المجتمع الدولي بأطرافه المتعددة، ما يؤدي إلى حكومة عاجزة عن كسب ثقة المجتمعين السوري والدولي، ولا يؤسس لانتقال ديموقراطي ورفع للعقوبات.
ويلحظ التحالف أنّ مسار الأمور يدلّ بشكل قاطع على توجّه النظام السياسي الجديد لتمكين مجموعة واحدة قد تكون عائليّة أيضًا، وما تشكيل الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية وتسليمها لقيادة السيد ماهر الشرع شقيق رئيس الجمهورية في المرحلة الانتقالية إلا مؤشرٌ واضحٌ على ذلك.
انطلاقاً مما سبق، يوصي التحالف السوري الديمقراطي بما يلي:
1. إعادة النظر في الإعلان الدستوري، وتعديله بما يضمن اعتبار الشعب مصدر السلطات، ويحقق توازن الصلاحيات بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع استقلال الأخيرة، ويحدّ من تركيز السلطة بيد الرئيس الانتقالي من أجل تعزيز مبدأ فصل السلطات وتفعيل دور الحكومة ومؤسسات الدولة.
2. توسيع قاعدة التمثيل السياسي وإشراك جميع القوى السياسية السورية في العملية الانتقالية، بما في ذلك القوى الوطنية الديمقراطية، وذلك على قاعدة الأثر الفاعل وليس الانتقاء الفردي لأعضاء من مكونات مختلفة أو تكنوقراط لا يمثلون توجهًا سياسيًا واضحًا، وعدم ترك المجال لتيار واحد للهيمنة على القرار السياسي والإداري.
3. مراجعة التعيينات الوزارية وإعادة النظر في المعايير المعتمدة لاختيار الوزراء، وخاصة في الوزارات ذات الطابع الفني أو القضائي كوزارة العدل، لضمان الكفاءة والاختصاص، وليس فقط الخلفية السياسية أو الدينية.
4. التركيز على القضايا الجوهرية المهملة، ومطالبة الحكومة بوضع ملفات عودة النازحين والمهجرين، وإعادة الإعمار، والعدالة الانتقالية والإصلاح المناخي على رأس أولوياتها، باعتبارها قضايا لا يمكن تجاهلها في أي مسار جاد للانتقال السياسي.
5. تعزيز المشاركة النسائية رفع تمثيل النساء في الحكومة وفي مواقع اتخاذ القرار، باعتبار ذلك جزءاً أساسياً من بناء دولة ديمقراطية عادلة وشاملة.
6. رفض المحاصصة الموجهة للخارج التحذير من المحاصصة التي تهدف للالتفاف على مطالب المجتمع الدولي، والمطالبة بمسار سياسي نابع من الداخل السوري ويلبّي تطلعات مواطنيه.
7. تنسيق الجهود الوطنية ودعوة كافة القوى الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني إلى توحيد صفوفها والضغط من أجل تصحيح المسار السياسي وضمان تشكيل حكومة أكثر تمثيلية وفعالية.
8. اتّباع سياسة شفّافة في توزيع المهام وتحديد المسؤوليات دون استئثار مجموعة أو عائلة بكل شيء على حساب المصلحة الوطنية العليا التي تقتضي التشاركية الواسعة.
9. اتخاذ الإجراءات السريعة والفعالة لتوحيد الصفوف الوطنية في مواجهة التحديات الكبيرة أمام الدولة والمجتمع السوري داخليًا وخارجيًا، والتي لا تكون حقيقة إلا بإعادة تعريف الهويّة الوطنية والدولة والوطن بما يتّسع للجميع والكلّ وليس للبعض والجزء.
10. إعادة النظر بأمر تسمية السيد ماهر الشرع أمينًا عامًا للأمانة العامة لرئاسة الجمهورية، ووضع معايير وطنية عند اختيار الوزراء وكبار موظفي الدولة، بحيث تكون قابلة للقياس، قائمة على اعتبارات الكفاءة وبعيدة عن الولاءات والتماثل العقدي أو القرب العائلي.
وفي الختام، يدعو التحالف السوري الديمقراطي جميع القوى السياسية الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني إلى العمل المشترك لوقف هذه الممارسات وإعادة مسار الانتقال السياسي إلى طريقه الصحيح، عبر تشكيل حكومة انتقالية جامعة تحقق التمثيل الحقيقي لجميع السوريين والسوريات، وتعالج بجدية القضايا الوطنية الأساسية، وتضمن مشاركة حقيقية للنساء، وتؤسس لمرحلة ديمقراطية جديدة تحقق آمال السوريين والسوريات وتحترم نضالاتهم.
التحالف السوري الديمقراطي
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=66898