وحدة الأطراف السياسية الكردية في سوريا.. مفتاح لضمان حقوق مستدامة
ضياء اسكندر
عانى الشعب الكردي في سوريا على مرّ عقود من الظلم والتهميش، وبلغت هذه المعاناة ذروتها في عهد حكم حزب البعث الذي استمر في السلطة منذ 8 آذار 1963 حتى 8 كانون الأول 2024. ومع أن معاناة هذا الشعب لم تبدأ مع صعود البعث، إلا أن هذه الحقبة تركت بصمات قاسية على حياتهم السياسية والاجتماعية.
ففي عام 1962، أجرت السلطات السورية إحصاءً استثنائياً في منطقة الجزيرة السورية، استُبعد فيه نحو 120 ألف كردي، وجُرّدوا من جنسياتهم ووُصِفوا بـ “الأجانب”، ما حرمهم من أبسط حقوقهم المدنية.
وفي السبعينيات، وبالتحديد عام 1973، شرعت الحكومة في تنفيذ مشروع “الحزام العربي”، الذي كان يهدف إلى توطين العرب في المناطق ذات الغالبية الكردية شمال سوريا، عبر ترحيل الكرد من قراهم لتغيير التركيبة السكانية وتعزيز سلطتها على تلك المناطق، فضلاً عن تغيير أسماء القرى والبلدات إلى أسماء عربية.
لم تتوقف معاناة الشعب الكردي، بل تواصلت في السنوات التالية، حيث شهدت مدينة قامشلو في 12 آذار 2004 انتفاضة ضد نظام الأسد سُميت “انتفاضة قامشلو”، ردت عليها قوات الأمن بإطلاق الرصاص، ما أسفر عن استشهاد العديد واعتقال آخرين، إثر تحريض الأمن السوري لبعض البعثيين العنصريين ضد مشجعي فريق الجهاد في المباراة التي جرت في قامشلو بين فريق الجهاد وفريق الفتوة القادم من دير الزور.
مع انطلاق الحراك الشعبي ضد نظام البعث عام 2011، تفاقم الوضع الكردي بشكل أكبر، إذ تعرّض الكرد لانتهاكات متعددة من مختلف الأطراف، سواء من النظام البعثي أو من مسلحين طائفيين ومن في حكمها، بالإضافة إلى الصراع المستمر بين القوى الإقليمية والدولية على الأرض السورية.
ولكنهم، وعلى الرغم من هذا الوضع المعقّد، تمكّنوا من تأسيس قواتهم الخاصة وإقامة إدارة ذاتية ديمقراطية في مناطقهم، شملت جميع المكونات من عرب وكرد وسريان وآشور وأرمن، ما أتاح للجميع التمتع بحقوقهم الثقافية والاجتماعية والسياسية على حد سواء، في بيئة تتسم بالعيش المشترك والمساواة.
هذا النموذج الديمقراطي أسهم في بناء مؤسسات محلية تشاركية وشفافة، مما مكنهم من فرض نوع من الاستقرار النسبي وحماية مناطقهم من التهديدات المتعددة.
في الوقت نفسه، كانت المناطق الكردية في شمال وشرق سوريا هدفاً للعمليات العسكرية التركية، التي تمثلت في “درع الفرات” (2016-2017)، و”غصن الزيتون” (2018)، و”نبع السلام” (2019). وأسفرت هذه العمليات عن احتلال مناطق عدة مثل عفرين، وسري كاني (رأس العين)، وتل أبيض/ كري سبي، والباب، وإعزاز، والراعي، بالإضافة إلى عدد كبير من القرى شمال غرب البلاد، ما أدى إلى تهجير عشرات الآلاف من المدنيين وتدمير واسع للبنية التحتية، بما في ذلك محطات الكهرباء والمياه والمستشفيات.
وعلى الرغم من محاولات الإدارة الذاتية في إعادة إعمار تلك المناطق، استمرت تركيا في استهداف البنية التحتية، مما فاقم المعاناة الإنسانية.
مع سقوط نظام البعث نهاية عام 2024 بعد 54 عاماً من الحكم الاستبدادي والديكتاتوري، وسيطرة “هيئة تحرير الشام” بقيادة “أبو محمد الجولاني” على دمشق وبعض المحافظات الأخرى، تم الإعلان عن نية عقد “مؤتمر وطني” يضم القوى السياسية السورية لبحث مستقبل البلاد. وفي هذا الإطار، دعت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا إلى تنظيم مؤتمر يضم الأحزاب الكردية والشخصيات المستقلة بهدف التوصل إلى صيغة توافقية لتمثيل مطالب الشعب الكردي.
لا شك أن وحدة الأحزاب الكردية في سوريا تمثل ضرورة استراتيجية، على الرغم من تباينها السياسي. إذ تشترك جميع الأحزاب في مجموعة من المطالب الأساسية مثل حماية حقوق الكرد، والاعتراف بالهوية الثقافية واللغة الكردية، كما تشترك في الدعوة إلى القضايا التي تهم معظم القوى السياسية في البلاد، مثل دعم الديمقراطية، حقوق الإنسان، مكافحة الفساد، وتوزيع الثروة بشكل عادل. بالإضافة إلى ذلك، تتوحد في مقاومة أي تهديدات تستهدف أراضيها، سواء من تركيا أو داعش أو غيرها.
في هذا السياق، يُعد تشكيل وفد موحد من الأحزاب الكردية للمشاركة في “المؤتمر الوطني” خطوة مهمة نحو تحقيق الوحدة السياسية، إذ سيعزز قدرة الكرد على تقديم مطالب موحدة، ويقلل من التشرذم، ما يمنحهم قوة تفاوضية أكبر. كما سيمكّن من طرح رؤية شاملة تمثل جميع فئات الشعب الكردي، ما يزيد من فرصهم في تحقيق نتائج إيجابية على الصعيدين الداخلي والدولي.
إن توحيد الصفوف يفتح المجال لتشكيل تحالفات سياسية مستدامة، ما يضمن حقوق الكرد على المدى الطويل، كما يدعم الحوار بينهم وبين بقية المكونات السورية، ويسهم في بناء سوريا قائمة على التسامح والمساواة.
في الختام، إن غياب التفاهم بين الأحزاب الكردية لتشكيل وفد موحد سيكون له تبعات خطيرة على مستقبل القضية الكردية في سوريا. سيضعف التشرذم السياسي الموقف الكردي، ويعرضهم للتهميش في أي تسوية سياسية قادمة، مما يتيح للأطراف الأخرى استغلال الانقسامات لصالحها.
فالوحدة الكردية هي الخطوة الحاسمة لضمان حقوق الكرد والمشاركة الفعالة في بناء سوريا، لذا يجب على الأحزاب الكردية تجاوز خلافاتها والاتحاد لمواجهة التحديات المقبلة؛ لأن الوحدة هي السبيل الوحيد لضمان موقف قوي ومؤثر في رسم سوريا المستقبل وفتح آفاق الأمل للأجيال القادمة.
المصدر: ANHA
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=60251