السبت, يوليو 27, 2024

نُشر في: 11 مايو، 2023

القسم الثقافي

الآداب والفنون السومرية.. نظرة تاريخيّة في الأصالة والإبداع

وليد المسعودي_
من أكثر ما تميزت به المدنية السومرية هو ظهور فن الكتابة، ذلك المشروع، الذي حقق الخلود لجميع منجزات السومريين، وعلى مختلف الأصعدة والمستويات بدأ بتسجيل أحداث الماضي، وما يحمل من مخلفات سياسيّة، واجتماعية، وثقافية، يضاف لها أيضا كتابة الحاضر، وما يحمل من حياة يومية معاشة بجميع تفاصيلها وشؤونها، وانتهاء باستخدامها للتعبير عن الأفكار، والتطلعات نحو المستقبل، حيث تسجيل يومياتهم في التجارة، والشعر، والدين، وصولا إلى الاحتفاظ بالأحكام القضائية، وعائدية الممتلكات والأموال.
ويعود الفضل في بقاء الكتابة السومرية، وأثرها إلى طبيعة الكتابة بواسطة استخدام الآلات الحادة، والألواح الطينية، تلك التي جعلت حضارتهم متنقلة ليس داخل مجتمعاتهم فحسب، بل إلى بقية المجتمعات الأخرى كالبابلية، والمصرية، واليونانية على حد سواء.
والكتابة السومرية من حيث تاريخها في الظهور تعود إلى عام ٣٦٠٠ ق م، حيث ظهرت في مدينة الوركاء ضمن شكلها الصوري الأولي، في حين بدأت الألواح الطينية في الظهور عام ٣٣٠٠ ق م (٢)
الخط المسماري من الصوت إلى الصورة
وهكذا لم تكن الكتابة السومرية منفصلة عن البيئة الطبيعية المعاشة في بداية نشوئها، حيث ارتبطت بتطابق المادة وصورتها مع الكتابة، إذ إن الأخيرة تعبر من خلال الصور، أي بواسطة الكتابة الصورية، وهذه الكتابة شكلت في بدايتها نقيصتين، كما يقول صومئيل كريمر، الأولى بصعوبتها، وتعقيدها حيث الحاجة إلى استعمال المزيد من العلامات الصورية، وذلك الأمر شكل صعوبة من الناحية العملية، في حين تعد النقيصة الثانية مرتبطة بالقدرة على الاختزال في عدد العلامات، والصور إلى درجة المعقولية ضمن طرق، وأساليب مختلفة، مكنت الكتابة السومرية من الانتقال من كتابة الصورة إلى الكتابة الصوتية.
إذ تم اختزال عدد العلامات الصورية من (٢٠٠٠) علامة في عصر الوركاء إلى (٨٠٠) علامة في عصر فجر السلالات الثاني، لينتهي الأمر إلى الانتقال من التعبير الصوري إلى التعبير بواسطة الأصوات، حيث تم إيجاد كل كلمة صورية مدركة ماديا ما يقابلها من صوت معين، وكذلك الانتقال في شكل الكتابة من (الأعلى إلى الأسفل) إلى الكتابة بشكل أفقي من اليسار إلى اليمين.
علاقة المعبد بالكتابة
لقد تم اكتشاف أقدم كتابة في المعبد، وليس في أي مبنى آخر، كما يقول طه باقر، وكل ذلك ماثل في علاقة أهمية المعابد اقتصاديًّا، وسياسيًّا، واجتماعيًّا، وثقافيًّا، والمعابد ليست أماكن مخصصة للصلاة فحسب، بل مدارس حكومية يتعلم فيها الأولاد فن الخط، إضافة إلى كونها مؤسسات دنيوية حافلة بالكثير من المهام، من حيث كونها مصانع، ومكتبات، ومخازن، ووسائل راحة ونوم، إذ تحتوي على غرف خاصة للكهنة، والعبيد والنساء، اللواتي يهبن أنفسهن للمعبد، فضلاً عن غرف خاصة للأطفال يتم تعليمهم هناك، وبذلك يشبه المعابد السومرية (وولي ليوناردو) باديرة ومعابد القرون الوسطى المسيحية.
وكل ما يحدث من صفقات تجارية، أو أعمال، وقضايا اجتماعية وجودية معاشة، بحاجة إلى التوثيق كالزواج والبيع، والشراء، والإيجار، وغيرها حيث يتطلب الأمر فيه ذكرا وتوثيقا كتابيا، وكل ذلك يتم توثيقه داخل المعابد، والأخيرة تقوم بتخريج الكتبة، والكهنة، وموظفي الدولة، وبالتالي تعد الكتابة في المعابد (قضية سندية) ضمن تصورنا تسجل، وتثبت الحقوق والواجبات، وفي حالة فقدان أي من هذه الوثائق المسجلة كتابيا للعقود المذكورة أعلاه، يتم اللجوء إلى الحلف باليمين باسم الملك أو الإله، وهنا العودة إلى الشفاهي داخل المعابد نفسها، وكل لوح يتم تسجيل التوثيق فيه يتم حفظه في المعابد، وذلك لضمان حفظها من الضياع، ويتم التسجيل على شكل وثائق مكونة من ظروف مصنوعة من الطين.

​الثقافة – صحيفة روناهي

شارك هذا الموضوع على