السبت, يوليو 27, 2024

نُشر في: 4 مارس، 2024

حقوق الإنسانرئيسي

التقرير رقم /2/الصادر عن المكتب الحقوقي وتوثيق الانتهاكات في لجنة مهجري سري كانيه/ رأس العين والمتعلق بالانتهاكات المنظمة في منطقة سري كانيه/رأس العين وأريافها

نص التقرير:

عمليات استيلاء ونهب ومصادرة أملاك خاصة نفذتها فصائل ومجموعات مايسمى ب (الجيش الوطني السوري) في سري كانيه /رأس العين :

حشدت تركيا فصائل سورية معارضة للقتال إلى جانبها في عملياتها العسكرية في شمال شرقي سوريا، أطلقت عليهم تسمية “الجيش الوطني السوري”، وهم بعض فصائل التي تدعي بالمعارضة المسلحة، وقد تلقت دعما من تركيا بالأسلحة والذخيرة والمال، فضلاً عن التدريب, ومعظم هذه المجموعات كانت تحت مظلة “الجيش السوري الحر” وقد جمعت تحت “قيادة عسكرية منتظمة ومحترفة” قبل العملية العسكرية الأولى لتركيا في سوريا، التي أطلقت عليها تركيا تسمية “درع الفرات ” في أغسطس/آب 2016.
وقبل عملية الاجتياح التركي لعفرين في أوائل عام 2018، أسست قوة عسكرية نظامية من مجموع الفصائل المعارضة أطلق عليها اسم “الجيش الوطني السوري”, وكانت الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا في إدلب تعرف أيضا قبل ذلك تحت مظلة واحدة تعرف باسم “جبهة التحرير الوطني”, وفي الرابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، أي قبل خمسة أيام من بدء الهجوم التركي على شمال شرقي سوريا، قامت تركيا بضم “الجيش الوطني السوري” مع “جبهة التحرير الوطني” في إدلب ، تحت اسم “الجيش الوطني”.
ينضوي تحت لافتة “الجيش الوطني السوري” نحو 40 ألف مقاتل في عفرين وفي المنطقة التي شهدت عمليات درع الفرات في شمال غربي سوريا, وظلوا يتمركزون في تلك المناطق منذ أن أنهت تركيا عملياتها هناك, ولدى “جبهة التحرير الوطني” في إدلب نحو 70 ألف مقاتل, ويتكون الجيش الجديد من الأربعين ألف مقاتل في الجيش الوطني السوري وجزء من عديد المقاتلين في إدلب, وليس ثمة تعداد رسمي عن حجم هذا الجيش وعديده، لكن هيئة الإذاعة التركية العامة TRT تقول إن مجموعه نحو 60 ألف مقاتل, ومن الجماعات المنطوية تحت لواء “الجيش الوطني” هناك أكثر من 30 مجموعة مسلحة في الجيش الجديد، بينها أربعة فصائل كبيرة. اثنان منهم من المقاتلين التركمان السوريين الذين كانوا موالين لتركيا لسنوات عديدة خلال عملياتها العسكرية في سوريا وهما: كتائب السلطان مراد وكتائب السلطان محمد الفاتح, أما المجموعتان العربيتان الكبيرتان فهما كتائب حمزة والمنتصر بالله, وقد سلحتا ودربتا على أيدي مجموعة مشتركة من الجنود الأتراك والأمريكيين في عام 2015, وقد واصلت الولايات المتحدة دعمها لهاتين المجموعتين حتى نهاية عام 2017، بيد أنهما لم يحافظا على هذه العلاقات مع الولايات المتحدة بعد هذا التاريخ, ولعبت هذه الألوية أيضاً دوراً رئيسياً في عمليات تركيا العسكرية السابقة في سوريا.
وفي سياق التقرير ومن خلال مقابلة اشخاص من سكان ونازحين سري كانييه/راس العين والانتهاكات بحق أملاكهم, والمعلومات التي قدموها والإثباتات الموجودة لديهم, تبين سيطرة (الويه و كتائب و فرق) التابعة للجيش الوطني السوري, على العقارات و الأراضي الزراعية ( بكافة محتوياتها ) التابعة للسكان المحليين, حيث وبعد نهب البيوت من محتوياتها بما فيها الأساسية ( من أبواب ونوافذ ) ونهب معدات المشاريع الزراعية المروية (من جرارات ومرشات الأسمدة وبدارات), ولم تتوقف الانتهاكات عند ذلك, فقد قاموا بجلب عوائل الفصائل التابعة للجيش الوطني السوري عبر تركيا وإسكانهم بدل السكان الأصليين, رغم الانتشار الواضح لانتهاكات حقوق الأنسان والأرض و الملكية في منطقة سري كانييه /راس العين, ألا انه من الصعب محاسبة الأطراف المسؤولة عنها وعلى نطاق أوسع, مع ذلك, تكشف دراسة دورة تركية في عملية نبع السلام لم تحول وتدرب و تجهز الفصائل السورية فحسب, بل شاركت أيضا في تنظيم و تنسيق و تخطيط أعمالهم العسكرية جنبا إلى جنب مع عملياتها.

بيع الممتلكات المصادرة إلى أصحابها الأصليين:

يسوّق كل طرف من أطراف الصراع في سورية نفسه على أنه نموذج يحتذى به في إدارة المنطقة التي يسيطر عليها، وأنه الأجدر بأن يكون جزءاً من أي حل سياسي مقبل, وفي الوقت ذاته، يبتدع كل طرف شتى الطرق لابتزاز المواطنين الذين يعيشون تحت سيطرته، من أجل تمويل نفسه من جيوب المواطنين المعدمين أصلاً. إلا أن أخطر الممارسات التي تقوم بها تلك الأطراف، هي الاستيلاء على ممتلكات المواطنين، الذين اضطروا لتركها بسبب الحرب، والنزوح أو الهجرة إلى مناطق أخرى. في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”، فأملاك المعارضين لها تعتبر غنائم حرب، وخاصة أملاك السوريين الذين ما زالوا في مناطق النظام, كما قامت الهيئة بمصادرة تجمعات سكنية غير مكتملة الإكساء، كان تم التسجيل عليها من خلال جمعيات سكنية قبل الثورة، وتم دفع معظم ثمنها، وذلك على الرغم من تقديم أصحابها كل ما يثبت ملكيتهم لها, ولا يختلف الوضع في مناطق سيطرة “الجيش الوطني” عن مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”، إذ تتم مصادرة أملاك الغائبين. ولكن مع اختلاف التهمة، التي غالباً ما تكون “العمالة لقوات سورية الديمقراطية” (قسد), فيما وثّقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها, استيلاء فصائل “الجيش الوطني” في عفرين على ممتلكات السكان الكرد ونهبها وتدميرها، وإسكان عائلات المقاتلين في منازل الأهالي، دون تعويض أصحابها, وقالت المديرة المؤقتة لقسم الطوارئ في المنظمة، بريانكا موتابارثي، “على الجيش السوري الحر ألا يدمر أو يسكن أملاك من اضطروا إلى الفرار من القتال عند قدومه، بدل حماية المدنيين الضعفاء، يقوم هؤلاء المقاتلون بتعميق الانتهاكات”.ودعت المنظمة السلطات الحاكمة إلى وجوب توفير مأوى للعائلات النازحة، دون انتهاك الملكية الخاصة للمالكين، أما استخدام الممتلكات الشاغرة فيجب أن يكون “مؤقتًا”، دون أن يلحق أي ضرر فيها, وأكدت المنظمة أن قوانين الحرب تحظر النهب أو الاستيلاء على الممتلكات الخاصة بالقوة، أو استخدامها لأغراض شخصية أو تدميرها، وهو ما يمكن أن يشكل “جريمة حرب”.
أشارت “لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سوريا”، في تقرير لها، إلى ورود كثير من البلاغات عن مصادرة الممتلكات ونهبها في عفرين على نطاق واسع، وإسكان مقاتلين من “الجيش الوطني” أفراد أسرهم في بعض المنازل التي يمتلكها كرد فروا من المنطقة، وتقديم عقود إيجار للساكنين الجدد، كما تحدثت عن طلب مقاتلين في “الجيش الوطني” سندات الملكية من المالكين الكرد الذين بقوا في منازلهم، لافتة إلى أنه في بعض الحالات لم يكن أمام العائدين من خيار سوى تقاسم منازلهم مع أفراد أسر مقاتلي “الجيش الوطني” الذين انتقلوا إليها.وأضافت اللجنة أنه عندما اشتكى بعض المدنيين إلى ضباط كبار في “الجيش الوطني” لاستعادة ممتلكاتهم قوبلوا بالتهديد والعنف، وأدى حجم مصادرة الممتلكات إلى إنشاء آلية للتظلم داخل هياكل “الجيش الوطني”، غير أن الأهالي أشاروا إلى عدم فاعليتها بشكل كبير.عقب إجرائها تحقيقات مستفيضة حول الأوضاع المعيشية في عفرين، أصدرت منظمة العفو الدولية” (أمنستي) تقريرًا اتهمت فيه فصائل “الجيش الوطني” بارتكاب انتهاكات “جسمية” لحقوق الإنسان في عفرين، بتواطؤ تركي, وأشارت المنظمة إلى أن هذه الانتهاكات تتراوح بين الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، ومصادرة الممتلكات، وأعمال النهب، متهمة تركيا بأنها تمد “الجماعات المسلحة المسؤولة عن هذه العمليات بالعتاد والسلاح”.

عند دخول تركيا والفصائل الموالية لها إلى مدينةسري كانيه/ رأس العين في نهاية عام 2019، تم تشريد وتهجيرأكثر من 250 ألف شخص من أهالي المدينة والريف المحيط بها، بينهم كرد وعرب ومسيحيون ومسلمون، نزحوا إلى مدن أخرى مثل الحسكة وعامودا والقامشلي والدرباسية، وأقاموا في المخيمات أو المدارس، كما لجأ قسم منهم إلى كردستان العراق المجاورة، هؤلاء تركوا جميع ممتلكاتهم من منازل ومحال وأراض زراعية، وقد استولت الفصائل على الغالبية العظمى من هذه العقارات, منعت الفصائل العسكرية الأهالي من العودة إلى المدينة لتغيير الطبيعة الديموغرافية للمنطقة، كما أن حالة عدم الاستقرار كانت تحول دون عودة البعض، إذ ارتكبت الفصائل العديد من الانتهاكات كعمليات الخطف والقتل والابتزاز”.وثقت “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا” بتقريرها الأخير استيلاء فصائل “الجيش الوطني” على ممتلكات المدنيين في منطقةسري كانيه/ رأس العين بعد تهجيرهم من المعارك خلال عملية “نبع السلام”.
وقد احتل مسلحو “الجيش الوطني” وعائلاتهم ممتلكات المدنيين بعد فرارهم منها، كما قاموا في نهاية الأمر بإجبار السكان، وأغلبهم من أصل كردي، على ترك منازلهم من خلال التهديد والابتزاز والقتل والاختطاف والتعذيب والاحتجاز.وأعرب مدنيون للجنة عن مخاوفهم من البقاء، وعدم قدرتهم على العودة إلى منازلهم، كما لفت بعضهم إلى أن قادة مايسمى“الجيش الوطني” ومقاتليه أمروهم بعدم العودة, وأشارت اللجنة إلى استيلاء أفراد من “لواء الحمزة” على منزل أسرة كردية وتحويله إلى معهد للدراسات القرآنية، تديره منظمة غير حكومية تركية، وقد دشنه رسميًا والي شانلي أورفة في 22 من حزيران الماضي, كما لفتت إلى استخدام القوات المسلحة التركية منازل مدنيين في قرية الداودية لأغراض عسكرية، ومنع سكانها من العودة إليها.أسكنت الجماعات المسلحة آلاف الأهالي الذين قدموا من مناطق سورية أخرى تخضع لسيطرة المعارضة المسلحة في منازل تم الاستيلاء عليها، خاصة في الأحياء الشرقية والشمالية الشرقية من المدينة التي لم يعد غالبية سكانها، مثل الحوارنة (زورآفا) والخرابات (روناهي)، ذات الغالبية الكردية، بالإضافة إلى حي زرادشت جنوبي المدينة، وأن عدد العائلات التي تم استقدامها من مدن أخرى على دفعات يزيد عن ألفي عائلة، بالإضافة إلى المسلحين وعائلاتهم. منذ سيطرة فصائل “الجيش الوطني” على مدينة رأس العين عمدوا إلى تقسيمها إلى قطاعات، يتحمل كل فصيل المسؤولية عن قطاع معين، ويقوم قادة الفصائل بكتابة أسمائهم أو اسم الكتيبة التي يتبعون لها على أي منزل أو محل تجاري يعجبهم، وهو ما يعني استيلاءهم عليه، كما يقوم الفصيل المسؤول عن كل قطاع بتأجير البيوت والمحلات الواقعة في المنطقة التي يشرف عليها إلى العائلات القادمة من مناطق أخرى مثل حمص وحماه وإدلب، وقد شمل ذلك عيادات الأطباء الواقعة عند مشفى “الطب الحديث” ومشفى “السلام”. أما وضع الريف فلا يختلف كثيرًا عن وضع المدينة، بل تزيد الانتهاكات الحاصلة فيه، إذ إن غالبية سكان الريف الأصليين متواجدون فيه ولم يغادروه، وهو ما يعرضهم لمزيد من الاعتداءات إذ تكثر حالات الاغتصاب والاعتداء الجنسي, كما أن الفصائل قسّمت الريف أيضًا إلى قطاعات، وعمدت إلى سرقة ممتلكات الأهالي، وآلياتهم الزراعية وسياراتهم وأغنامهم، وحتى الممتلكات العامة مثل الكابلات الكهربائية والمحولات والترانسات الكبيرة لم تسلم منهم.
ورد في التقرير الأخير لـ “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا” أن ممتلكات الأهالي المنهوبة في سري كانيه/ رأس العين، نُقلت من قبل مسلحي “الجيش الوطني” وكبار ضباطه بحرية عبر نقاط التفتيش التي يشرف عليها، وتم تخزينها في مستودعات أو بيعها بطريقة منسقة في أسواق مفتوحة. وفي ظل عمليات الاستيلاء والنهب الحاصلة قدم مدنيون شكاوى إلى ضباط كبار في “الجيش الوطني” بمنطقتي عفرين ورأس العين، وقد تعرضوا إثرها للتهديد والاحتجاز والابتزاز على يد أفراد من “الجيش الوطني”، كما تعرض بعضهم للاختطاف والإجبار على دفع فدية لقاء إطلاق سراحهم,وخلصت اللجنة إلى أن لديها أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن قادة “الجيش الوطني” ارتكبوا جريمة الحرب المتمثلة في النهب مرارًا وتكرارًا بمنطقتي سري كانيه /رأس العين وعفرين، وربما كانوا مسؤولين عن جريمة الحرب المتمثلة في تدمير ممتلكات الخصم أو الاستيلاء عليها, ووردها ملاحظات تفيد بأن القوات التركية كانت على علم بوقوع حوادث نهب ممتلكات المدنيين والاستيلاء عليها إلا أنها امتنعت عن التدخل بل متورطة , وحمّلت اللجنة تركيا مسؤولية ضمان النظام العام والسلامة العامة، مذكرة بالتزاماتها التعهدية واجبة التطبيق في مجال حقوق الإنسان، تجاه جميع الأفراد المتواجدين بالمناطق الخاضعة لسيطرتها الفعلية. أجرت اللجنة تحقيقاتها في الفترة ما بين 11 كانون الثاني و1 تموز من عام 2020، واعتمدت خلالها على 538 مقابلة أجريت شخصيًا في المنطقة ومن جنيف، كما تم جمع وتحليل وثائق رسمية وتقارير وصور فوتوغرافية وأشرطة فيديو من مصادر متعددة, وأكدت اللجنة على وجود “زيادة في أنماط الانتهاكات المستهدفة، مثل الاغتيالات والعنف الجنسي ضد النساء والفتيات، ونهب الممتلكات الخاصة أو الاستيلاء عليها، مع وجود طابع طائفي”. اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية في تقرير أصدرته بشهر تشرين الثاني من عام 2019، الفصائل المسلحة الموالية لتركيا باحتلال ونهب منازل ومتاجر المدنيين الخاصة في سري كانيه/رأس العين بصورة غير قانونية، إلى جانب منع أصحابها أو عائلاتهم تعسفيًا من العودة إلى المدينة, وقالت مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة، سارة ليا ويتسن، “إن الجماعات التي تستخدمها تركيا لإدارة المنطقة ترتكب انتهاكات ضد المدنيين وتُميز على أُسس عرقية”.

يتبع…

شارك هذا الموضوع على