الأربعاء, فبراير 19, 2025

العلاقات الكردية المصرية 3

شكري شيخاني

كما لعب الكُرد دورا كبيرا في الميدان العسكري وخاصة في العصر الأيوبي حيث أصبح لهم الريادة في قيادة الجيش وإدارة البلاد. كما برزت في هذا الإطار “القوات الشهرزورية”، وهي فرقة عسكرية من الكرد من منطقة شرزور في باشور كردستان “شمال العراق”، والتحقت بالجيش المصري في مواجهة المغول بموقعة “عين جالوت” وكان لهم دور في تحرير الشام.
بجانب ذلك، ففي ناصية تاريخية متميزة، يقف الوالي محمد علي الذي يعرف بكونه مؤسس مصر الدولة الحديثة، والذي ينتمي لأسرةٍ كُرديةٍ ترجع جذورها إلى مدينة آمد/ ديار بكر (باكور كردستان)، كما كشفت ذلك إحدى حفيدات الأمير محمد علي عام 1949م لمجلة المصور المصرية. وخلال حكم محمد علي اتسعت الصلات الكردية المصرية حتى أنه حينما زحف الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا، قامت العشائر الكردية (عشائر الملي الكردية) بقيادة الأمير “تيماوي الملي”، وهو أحد أمراء أعالي ما بين النهرين وسليل عائلة كردية، بدعم ومساندة قوات إبراهيم باشا، بن محمد علي وقائد الجيش المصري، في مواجهة العثمانيين. وفي المقابل، يذكر أن الكرد قد استفادوا من صناعة الأسلحة، التي ازدهرت بمصر في هذه الأثناء فانتعشت صناعة الأسلحة في مقدينة رواندوز (بمحافظة أربيا، كردستان العراق).
ويُذْكَر أن الوالي محمد علي قد اعتمد على العناصر الكردية في تثبيت دعائم سلطته على مصر، فكان “حجو بك” الذي أصبح في مرحلة ما الساعد الأيمن لمحمد علي في تأسيس الدولة المصرية، كما ظهر شاهين باشا على أغا، ذو الأصل الكردي، الذي تدرج في الرتب العسكرية حتى تولى وزارة الحربية في وزارة محمد شريف باشا سنة 1879م، وهناك أيضا (تيمور كاشف) محمد بن إسماعيل بن علي، الذي كان من خاصة محمد علي، حيث أُسْنِدَت له ولاية المدينة المنورة لمدة خمس سنوات. وهناك أيضا شخصيات كردية أخرى لمعت في ظل حكم محمد علي، ومنهم إسماعيل حقي باشا، وعلى رضا بك المعروف بالكردي، وعباس البازارلي، وكلهم قدموا خدمات جليلة لإدارة الدولة في عهد أسرة محمد علي باشا.

تمازج الفكر والثقافة عند المصريين والكرد
رُغم وضوح هذا الحضور لذوي الأصول الكردية في التاريخ السياسي المصري، إلا أن الأمرَ يبدو أكثر وضوحاً في ميادين الفكر والأدب والثقافة، فقد لمعت الكثيرُ من الأسماء المصرية من ذوي الأصول الكردية، والتي أسهمت في إثراء الحياة الثقافية وتشكيل الوجدان المصري وفي مقدمةِ هؤلاء يمكن الإشارة إلى واحدٍ من أشهر قُرَّاء القرآن الكريم في مصر والعالم الإسلام، وهو الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، الذي وُلِدَ لأسرةٍ مصريةٍ ذات أصولٍ تركيةٍ في صعيد مصر (محافظة قنا، مركز أرمنت)، وغيره من رموز الفكر والثقافة مثل الشيخ محمد عبده أحد مُجَدَّدي الفكر الديني في القرن العشرين، والكاتب الشهير عباس محمود العقاد، والأديب محمود تيمور، واخته الأديبة عائشة تيمور، والمفكر قاسم أمين أشهر من قادِ حركة تحرير المرأة في مطلع القرن العشرين، وأمير الشعراء أحمد شوقي، والكاتب الصحفي محمود السعدني، وشقيقه الممثل الشهير صلاح السعدني وغيره من الممثلين والمطربين مثل محمود المليجي، وعادل أدهم، وأحمد رمزي، وسعاد حسني، والموسيقي عمر خورشيد، وشقيقته الممثلة شريهان، والمخرج أحمد بدرخان وابنه علي من رواد السينما المصرية، وغيرهم ممن أسهموا في تشكيل الوجدان المصري، وجميعهم من ذوي أصول كردية، رغم أن ذلك قد لا يبدو شائعاً بين جماهيرهم.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية