السبت, يوليو 27, 2024

نُشر في: 22 مايو، 2023

آراء

بايدن يخسر أكبر معركة له في سوريا حتى الآن

تعرضت سياسة الرئيس جو بايدن تجاه سوريا لأكبر ضربة لها حتى الآن، حيث رحبت جامعة الدول العربية بعودة الرئيس بشار الأسد على الرغم من معارضة الولايات المتحدة لحكمه.

ومع حضور الأسد القمة السنوية يوم الجمعة في المملكة العربية السعودية للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، يقول الدبلوماسيون السوريون في نيويورك، إن العودة تحمل معها رسالة للولايات المتحدة لإنهاء وجودها العسكري المستمر والعقوبات التي تستهدف البلاد.

“وفيما يتعلق بتداعيات هذه التطورات على مسألتي الوجود العسكري غير القانوني للقوات الأمريكية في أجزاء من أراضي الجمهورية العربية السورية وفرض الولايات المتحدة الأمريكية إجراءات قسرية من جانب واحد على الشعب السوري”، قالت البعثة السورية لدى الأمم المتحدة لمجلة نيوزويك إن “موقف سوريا من هاتين المسألتين موقف مبدئي وحازم يستند إلى أحكام القانون الدولي ومبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة”.

واستشهدت البعثة بالوثيقة التأسيسية للأمم المتحدة أنها “من ناحية، تؤكد احترام سيادة الدول وعدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، وترفض جرائم العدوان والاحتلال باعتبارها أخطر انتهاك للقانون الدولي، ويقيد، من ناحية أخرى، إمكانية فرض عقوبات على مجلس الأمن”.

وقالت البعثة: “إننا نذكر هنا بأن الأمم المتحدة تتخذ دورياً عدة قرارات تؤكد عدم شرعية التدابير القسرية المتخذة من جانب واحد، مشيرة إلى آثارها السلبية على التمتع بحقوق الإنسان وتحقيق التنمية لشعوب البلدان المستهدفة، وتدعو إلى رفعها”.

اثنا عشر عاماً من التورط الأمريكي
بدأ دور الولايات المتحدة في الحرب السورية بعد فترة وجيزة من تحول قمع الحكومة للاحتجاجات الواسعة النطاق في خضم حركة الربيع العربي 2011 إلى صراع شامل بين الحكومة والجماعات المتمردة. ودفعت الأزمة إلى تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، وبعد أن تم إحباط محاولة لإعطاء الضوء الأخضر للتدخل من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من قبل الصين وروسيا، بدأت الولايات المتحدة وعدد من حلفائها وشركائها، من ضمنهم المملكة العربية السعودية، في دعم قوات المعارضة.

لكن مع صعود الجهاديين في صفوف المعارضين، برز تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تدريجياً كتهديد أساسي في كل من سوريا والعراق المجاور. وشكلت الولايات المتحدة تحالفاً متعدد الجنسيات لمواجهة “داعش” في عام 2014، بالتعاون مع جماعة يقودها الكرد وتُعرف باسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في العام التالي، حيث قامت روسيا بتدخل خاص بها في سوريا، وانضمت إلى إيران في دعم الأسد.

وعادت الحكومة السورية منذ ذلك الحين إلى الظهور كفصيل رائد في الصراع، مع احتفاظ قوات سوريا الديمقراطية والقوات الأمريكية الشريكة بالسيطرة على مساحات شاسعة من الشمال الشرقي، بينما يواصل المعارضون، الذين لا يزال بعضهم مدعومًا من تركيا، السيطرة على الأراضي على طول الحدود الشمالية. وبدأت الانقسامات العامة في المقاطعة الإقليمية للأسد في الظهور في وقت مبكر من كانون الأول/ديسمبر 2018، عندما أعلنت البحرين والإمارات العربية المتحدة أنهما ستعيدان فتح سفاراتهما في دمشق.

تزداد قائمة التفاعلات الرسمية لسوريا مع القوى الإقليمية. وتجدر الإشارة بشكل خاص إلى زيارة الأسد العام الماضي إلى الإمارات العربية المتحدة، والتي كانت أول رحلة له إلى دولة عربية أخرى منذ بداية الحرب. وبدا أن المحادثات التي توسطت فيها روسيا بين مسؤولين سعوديين وسوريين في مارس / آذار، تجاوزت بعض العقبات الأخيرة بعد أسابيع من إبرام الرياض وطهران اتفاقا بوساطة الصين لإعادة إقامة علاقاتهما.

التقى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود بالأسد في 18 أبريل / نيسان وأعلنت جامعة الدول العربية عودة الأسد في 7 مايو / أيار. بعد ثلاثة أيام، دعا الملك السعودي سلمان الزعيم السوري لحضور الاجتماع الإقليمي القادم في جدة بالمملكة.

مطالب لبايدن
اعتبرت دمشق إعادة التأهيل الدبلوماسي بمثابة فوز لسوريا ودول أخرى في المنطقة.

وقالت البعثة السورية لدى الأمم المتحدة: “تعتقد الجمهورية العربية السورية أن التوجهات الإيجابية والتفاعلات الجارية في المنطقة تصب في مصلحة جميع بلدانها، وتساهم في إعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة، وتسمح بتوجيه الجهود والقدرات لتحقيق رفاهية شعبها. لقد تفاعلت سوريا بشكل بناء مع هذه الجهود انطلاقاً من إيمانها بالحوار والدبلوماسية والعمل المشترك وحرصها على بناء أفضل العلاقات مع الدول الأخرى”.

وعندما يتعلق الأمر بالسياسة الأمريكية، فإن مطالب الحكومة السورية لإدارة بايدن تصبح ذات شقين.

من الجانب العسكري، ذكرت البعثة السورية أنه “يجب على الإدارة الأمريكية التخلي عن سياساتها العدائية تجاه سوريا، والبدء في سحب قواتها من الأراضي السورية، والتوقف عن دعم الميليشيات غير القانونية والكيانات الإرهابية”.

وأضافت البعثة السورية أن “الأزمة الاقتصادية والتضخم الهائل الذي يعاني منه الأمريكيون يتطلب منهم التوقف عن إهدار أموال دافعي الضرائب من أجل إنشاء قواعد عسكرية غير قانونية في سوريا تحت ذرائع ثبت أنها كاذبة”، مثل الدفاع عن الأمن القومي الأمريكي على بعد آلاف الأميال من واشنطن”.

أما فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي في سوريا، فقد أكدت البعثة السورية أنه “يجب على الإدارة الأمريكية أيضًا الشروع في الرفع الفوري للإجراءات القسرية المفروضة على السوريين، والتي تشكل عقابًا جماعيًا لهم وأكبر عقبة أمام تحسين الأوضاع الإنسانية والمعيشية، وتوفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والرعاية الصحية”.

انتقادات في واشنطن
من جانبها، أعربت واشنطن عن معارضتها الشديدة لأي رفع للعقوبات أو تطبيع العلاقات مع الأسد، مشيرة إلى سجل طويل من انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة، بما في ذلك السجن الجماعي واستهداف المدنيين واستخدام الأسلحة الكيماوية.

وبعد التواصل للحصول على تعليق، قال متحدث باسم وزارة الخارجية لمجلة نيوزويك إن “عقوباتنا تظل سارية المفعول بالكامل، ولن يتم تخفيفها في غياب حل للصراع الأساسي بما يتفق مع المبادئ الواردة في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254″، وهو القرار بالإجماع لعام 2015 الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار و حل سياسي للصراع.

ورفض وزير الخارجية أنتوني بلينكن، صراحة التطورات الأخيرة التي أعادت الأسد إلى الحضن العربي الأسبوع الماضي عندما قال في مؤتمر صحفي “لا نعتقد أن سوريا تستحق إعادة قبولها في الجامعة العربية”.

وقال بلينكن: “إنها نقطة أوضحناها لجميع شركائنا الإقليميين، لكن عليهم اتخاذ قراراتهم بأنفسهم”. وأضاف: “موقفنا واضح، لن نكون في مجال تطبيع العلاقات مع الأسد ومع هذا النظام”.

ومع ذلك، قال إن إدارة بايدن لا تزال لها “أهداف مشتركة مع شركائنا عندما يتعلق الأمر بسوريا”، بما في ذلك السعي إلى وقف الأعمال العدائية، وتوسيع نطاق المساعدة الإنسانية، ودعم إجراء انتخابات حرة ونزيهة، فضلاً عن “أهمية مواصلة العمل لإضعاف داعش” و”الحد من نفوذ إيران الخبيث ووجودها في سوريا، وكذلك على نطاق أوسع في المنطقة”.

وقال بلينكن: “لذلك، أعتقد أن المنظور العربي، كما تم التعبير عنه من خلال جامعة الدول العربية، هو أنهم يعتقدون أنه يمكنهم متابعة هذه الأهداف من خلال المزيد من المشاركة المباشرة. قد يكون لدينا منظور مختلف عندما يتعلق الأمر بذلك، لكن أعتقد أن أهدافنا متشابهة. لذلك، هذا ما نركز عليه”.

وسعى المشرعون الأمريكيون إلى تسريع وتيرة مواجهة النزعة المتزايدة للتطبيع مع دمشق. يوم الخميس، قدمت مجموعة من المشرعين من الحزبين “قانوناً لمكافحة التطبيع مع الأسد ” الذي من شأنه أن يحظر على أي وكالة حكومية أمريكية الاعتراف بحكم الأسد، ويستوجب على الولايات المتحدة إجراء مراجعة سنوية للجهود لرفض العودة الدبلوماسية للزعيم السوري للسنوات الخمس المقبلة واتخاذ إجراءات أخرى لتشديد العقوبات الأمريكية ضد سوريا.

المخاطر وفرص الحلفاء
قصرت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من البنتاغون وجناحها السياسي، مجلس سوريا الديمقراطية (SDC)، في إدانة هذه التطورات الإقليمية المتعلقة بالأسد، لكنهم قالوا إن مثل هذه الجهود يجب أن تأخذ في الاعتبار مصالح الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بقيادة مجلس سوريا الديمقراطية وكذلك مصالح الشعب السوري بأكمله.

قالت سينم محمد، ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في العاصمة واشنطن، لمجلة نيوزويك: “نحن بصفتنا الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ومجلس سوريا الديمقراطية نقول إننا لسنا ضد إنهاء معاناة الشعب السوري، الذي عانى كثيرًا خلال 13 عامًا من الصراع. لكن أي حل يجب أن يأخذ في عين الاعتبار مراعاة الشعب السوري وأن يكون له تغيير نحو الديمقراطية والاعتراف بحقوق الكرد والنظام اللامركزي”.

ومع عودة حكومة الأسد الآن إلى جامعة الدول العربية، وجهت “محمد” نداءً إلى دول المنطقة للعب دور في تعزيز المفاوضات نحو إنهاء الحرب المستمرة منذ فترة طويلة.

وقالت “محمد” إن ” الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ومجلس سوريا الديمقراطية يطلبان من الدول العربية المساعدة في الحوار مع الحكومة السورية لإحلال السلام والاستقرار”.

وكان لمجلس سوريا الديمقراطية والحكومة السورية علاقة معقدة، في بعض الأحيان يقاتلان ضد بعضهما البعض وفي أحيان أخرى جنبًا إلى جنب، خاصة ضد جماعات المعارضة المدعومة من تركيا. ومع ذلك، فإن جولات متعددة من المحادثات، بوساطة روسيا أحيانًا، فشلت حتى الآن في تحقيق مصالحة دائمة بين الجانبين.

واستضافت موسكو مؤخرًا مناقشات نحو إقامة تقارب بين دمشق وأنقرة. وأشار كل من الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان ومنافسه الانتخابي، زعيم المعارضة كمال كيليجدار أوغلو، إلى استعدادهما لتطبيع العلاقات مع سوريا حيث تمثل عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم قضية رئيسية في سباق ضيق من المقرر أن يدخل جولة ثانية في 28 مايو / ايار.

كما تواصل أنقرة وموسكو وطهران استضافة محادثات ثلاثية حول الصراع، وقد يمثل استئناف التعاون الأمني المباشر بين سوريا وتركيا تهديدًا خطيرًا لقوات سوريا الديمقراطية وكذلك للوجود الدائم للجنود الأمريكيين الذين يدعمونهم.

ومع ذلك، أعربت “محمد” عن ثقتها في التزام الولايات المتحدة بشمال شرقي سوريا، حيث، بالإضافة إلى إجراء عمليات لقتال “داعش”، تحرس قوات سوريا الديمقراطية أيضًا معسكرات اعتقال مزدحمة تضم مسلحي “داعش” وعائلاتهم.

وقالت “محمد”: “سيستمر وجود الولايات المتحدة في شمال وشرق سوريا طالما يستمر تهديد داعش. ولا تزال مراكز المعتقلين لمقاتلي داعش ومخيم الهول الذي يضم آلاف عائلات داعش قضية كبيرة يجب حلها. لذلك، ليس من السهل التوصل إلى حل دون معالجة هذه القضايا الأساسية”.

نفوذ الرجل القوي
ومع ذلك، يبدو أن يد الأسد في السعي إلى انسحاب القوات الأمريكية قد ازدادت قوة. في وقت سابق من هذا الشهر، قبل أكثر من أسبوع من استعادة عضوية سوريا في جامعة الدول العربية ، عقد كبار الدبلوماسيين في مصر والعراق والأردن والمملكة العربية السعودية وسوريا اجتماعهم الأول منذ بدء الصراع في عمان، حيث دعوا خلاله إلى إنهاء التدخل الأجنبي وعودة سيطرة الحكومة في جميع أنحاء سوريا.

كما ضاعفت موسكو وطهران من شراكتهما مع سوريا، حيث دعت كلاهما مرارًا وتكرارًا إلى انسحاب أمريكي فوري. استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسد في موسكو في مارس / آذار، بعد أيام من الاتفاق الإيراني السعودي الذي توسطت فيه الصين، وقام الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بأول رحلة من نوعها إلى دمشق منذ بدء الحرب في وقت سابق من هذا الشهر، بعد وقت قصير من اجتماع وزراء الخارجية العرب في عمان.

وقالت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة لمجلة نيوزويك بعد ساعات من رحلة رئيسي، إن “سوريا دخلت حقبة جديدة من الاستقرار والسلطة، بحسب تقييمنا”.

وقالت البعثة الإيرانية في ذلك الوقت: “خلال السنوات الـ 12 الماضية، أثبتت إيران باستمرار علاقتها بسوريا على أنها لا تشهد تقلبات، وكانت فعالة في هزيمة السياسة المدمرة للغرب وداعش. بالإضافة إلى ذلك، أشارت التطورات الأخيرة في الدول العربية إلى صحة سياسة إيران، والتي دفعت هذه الدول أخيرًا إلى إعادة النظر في سياساتها السابقة والعودة إلى المسار الصحيح”.

وفي الأسبوع الماضي، أعلن بيان مشترك لميخائيل ميزينتسيف وحسين مخلوف، رئيساً مقر التنسيق الروسي السوري المشترك، أن “فقط انسحاب القوة العسكرية الأمريكية ونقل مخيمات اللاجئين إلى سيطرة الحكومة السورية يمكن أن يضمن احترام حقوق الإنسان والعودة الكاملة لسكان الأراضي التي يحتلونها حاليًا إلى حياة سلمية”.

سياسة الباب المفتوح لكن بشروط
لقد ازدادت الحالة الإنسانية في سوريا سوءا نتيجة للصراع والأزمة الاقتصادية على مدى السنوات 12 الماضية. تدهورت الظروف في البلاد بشكل أسوأ بعد أن ضرب زلزال مدمر تركيا وسوريا في فبراير / شباط، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من 60،000 شخص في البلدين وإحداث فوضى في البنية التحتية.

في التعليقات التي تمت مشاركتها مع نيوزويك، رفضت البعثة السورية لدى الأمم المتحدة الحجج الأمريكية بشأن الإعفاءات الإنسانية المقدمة للعقوبات الأمريكية، بحجة أنها “لم تؤد إلى أي تداعيات إيجابية” حتى بعد الكارثة الزلزالية.

في حين يمكن رؤية الدمار الذي أحدثته الكارثة إلى اليوم، فقد اجتذب الزلزال أيضًا استجابة متعددة الجنسيات التي كان من شأنها توحيد الدول المتنافسة في المنطقة معاً لتقديم العون والمساعدات الطارئة، مما ساعد في تمهيد الطريق أمام القوى الإقليمية لضم الأسد مرة أخرى.

والآن، قالت البعثة السورية إن الحكومة مستعدة للعمل مع أي دولة تعارض التدخل العسكري والاقتصادي غير المصرح به.

وقالت البعثة السورية إن “أبواب سوريا ستظل مفتوحة لمن يؤمنون بالحوار والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، بعيدًا عن سياسات التدخل ومحاولات فرض الإملاءات وتجويع الناس لتقويض خياراتهم الوطنية”.

كتبه توم أوكونور لمجلة نيوز ويك الأمريكية وترجمته نورث برس

شارك هذا الموضوع على