السبت, يوليو 27, 2024

نُشر في: 1 مايو، 2024

القسم الثقافي

سليفــان (مَيَّـافَارقِـين) .. لمحات من التاريخ والجغرافية والتراجم

الدكتور محمد علي الصويركي

فخر الإسلام الفارقي

الإمام العلامة، شيخ الشافعية، فقيه العصر، المفتي، المدرس ، أبو بكر محمد بن احمد بن الحسين بن عمر المياهاني، الفارقي، الشاشي، المستظهري، البغدادي، الشافعي . ولد فخر الإسلام بمدينة ميافارقين وهي أشهر مدينة بديار بكر سنة 429هـ/ 1124م، تفقه فيها على مشايخها أمثال : أبي عبدالله محمد بنان الكازروني الآمدي ، وعلى القاضي أبي منصور الطوسي، ثم رحل في طلب العلم فدخل بغداد ولازم الشيخ أبا إسحاق الشيرازي، ثم رحل إلى نيسابور بصحبة شيخه الشيرازي ثم عاد إلى بغداد.

ومن ابرز شيوخه في بغداد أبو إسحاق الشيرازي، شيخ الشافعية الذي يعد من أهم شيوخه، إذ لازمه ملازمة شديدة وتأثر به تأثرا كثيرا، حتى صار معيد درسه.
وأخذ عنه العلم كثير من الطلبة الذين أصبحوا فيما بعد من العلماء الأفذاذ، أمثال: أبو طاهر السلفي، أبو بكر بن النقور البغدادي، فخر النساء شهدة الدينورية، أبو معمر الأزجي الحافظ .
ومن أهم أعماله في بغداد :
التدريس: درس في مدرسة بناها لنفسه، ثم في المدرسة التاجية التي بناها تاج الملك أبو الغنائم. ثم درس في المدرسة النظامية التي درس فيها قبله شيخه الشيرازي وأبو نصر بن الصباغ وشيخ الإسلام الغزالي. يذكر ابن خلكان في وفياته، أنه يوم جلس للدرس في النظامية وضع منديله على عينيه وبكى بكاء كثيرا، وهو جالس على السدة التي جرت عادة المدرسين بالجلوس عليها، وأنشد:
خلت الديار فسدت غير مسود
ومن العناء تفردي بالسؤدد
وجعل فخر الإسلام يردد هذا البيت ويبكي، وهذا إنصاف من واعتراف لمن تقدمه بالفضل والرجحان عليه.
ألف وصنف مصنفات عديدة منها:
“ حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء”: وهو في ثمانية مجلدات وهو المسمى بالمستظهري، الذي ألفه للخليفة العباسي المستظهر بالله، ويعد هذا الكتاب من أهم مؤلفاته على الإطلاق الذي يعرف به. “ الشافي في شرح الشامل لابن الصباغ”. “ الشافي في شرح مختصر المزني في الفروع”، “ الفتاوى ويعرف بفتاوى الشاشي”. “ المساعد في معرفة القواعد.” ،” الترغيب والعمدة في الفروع” وغيرهما.
أهمية ومكانة كتابه “ حلية العلماء”:
يقول محقق الكتاب الدكتور ياسين احمد إبراهيم :” وهذا الكتاب يدل على غزارة علمه، لأنه صور المسألة وأظهر جميع الأقوال فيها، للموافق لمذهبه، وللمختلف عن مذهبه….. والناظر في كتاب حلية العلماء يجد أنه من أجلّ كتب السادة الشافعية من حيث الموضوع وتلخيص الأقوال الفقهية للمذاهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وأحيانا يأتي بأقوال الشيعة والظاهرية. فالحلية ليست موجزة إيجازا شديدا وليست مطولة جدا، وهي سهلة العبارة، قريبة المنال، وتعتبر مرجعا هاما للناظرين في كتب الفقه، ومن يريد المقارنة بين المذاهب، يجد طلبته في الحلية، وقد فصّل جميع الأقوال والآراء.
ويقول عن أمانته العلمية: ولقد تتبعت كتابه فوجدت أراء الأئمة الثلاثة التي كان يدونه صحيحة، كان ينقلها بأمانة نقل العالم المعتمد بشخصيته العلمية مشيرا إلى ذالك، وينسب كل نقل إلى قائله إلا في بعض المسائل القليلة جدا “.
من شعره حيث قال في طلب العلم:
تعلم يا فتى والعود غض
وطينك ليّن والطبـــع قابل
فحسبك يا فتى شرفا وفخرا
سكوت الحاضرين وأنت قائل
وقال في الصحبة:
لو قيل لي وهجير الصيف متقد
وفي فؤادي جوى للحر يضطرم
أهم أحب إليك اليوم تشهـدهم
أم شربة من زلال الماء قلت : هم
مكانته العلمية:
مدحه تلميذه أبو المجد البالسي بقصيدة مطلعها:
يا كعبة الفضل أفتنا لمَ لم يجب
شرعا على قصادك الإحرام
ولما تضمخ زائريك بطيب ما
تلقيه وهو على الحجيج حرام
قال تاج الدين السبكي: كان إماما جليلا، حافظا لمعاقد المذهب وشوارده، ورعا، زاهدا، متقشفا، مهيبا، وقورا،متواضعا، من العاملين القانتين، يضرب به المثل.
وقال ابن قاضي شهبة: كان مهيبا وقورا، متواضعا، ورعا، وكان يلقب في حداثته بالجنيد لشدة ورعه، وانتهت إليه رئاسة المذهب الشافعي بعد شيخه.
توفي في شوال سنة 507هـ/ 1113م ببغداد، ودفن بجانب الشيخ أبو إسحاق الشيرازي.
كان له ولدان فقيهان، مناظران، الأول أسمه احمد، وقد أفتى في حياة والده وحدّث. توفي في رجب سنة 529هـ . والثاني عبد الله، توفي ببغداد سنة 529هـ/ 1124م، ودفن بجانب والده.
حفيده أبو نصر احمد بن عبدالله، تفقه على ابن الخل، حدّث. توفي سنة 576هـ /1172م وكان لفخر الإسلام أخ يقال له أبو حفص تفقه على الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وسمع الحديث. توفي سنة 550هـ/1154م (1).

الحسين البشنوي الكردي

أبو عبد الله الحسين بن داود الكردي البشنوي: من الشعراء المجاهرين في مدائح العترة الطاهرة عليهم السلام كما عده ابن شهر آشوب منهم في (معالم العلماء)، ويشهد لذلك شعره الكثير فيهم المبثوث في كتاب (المناقب) للسروي، فهو في الرعيل الأول من حاملي ألوية البلاغة، وأحد شعراء الإمامية الناهضين بنشر الأدب، وينم عن مذهبه قوله:
أليّـة ربــي بالهدى متمسكا
بإثنـي عشر بعد النبي مراقبا
أبقى على البيت المطهر أهله
بــيوت قــريش للديانة طالبا
وله قوله:
ولســت أبــالي بأي البلاد
قضى الله نحبي إذا ما قضاه
ولا أيـن حطت إذا مضجعي
ولا مـــن جفاه ولا من قلاه
إذا كنـت أشهــد أن لا إله
هـــو الله والحق فيما قضاه
وأن محـمداُ نِ المصطفى
نبـــيّ وأن عـــليا أخــاه
وفاطمة الطهر بنت الرسول
رســــولا هدانا إلى ما هداه
وابناهما فهما ســــادتي
فـطوبى لعــــبدهما سيداه
وله قوله:
يا ناصبي بكل جـــهدك فاجـهد
إنــي علقت بحـب آل محمد
الطيبين الطاهرين ذوي الهـدى
طـابوا وطاب وليهـم في المولد
واليتهم وبرئت مـن أعدائهــم
فاقـلل مـلامك لا أبا لك أو زد
فهـم أمـان كـالنجوم وإنهم
سفن النجاة من الحـديث المسند
ونظرة في شعره ما يظهر منه تضلعه في التشيع، فهو من شعراءهم، وما كان يقال: من أنه شاعر بني مروان ، فالمراد بهم ملوك ديار بكر من أولاد أخت باذ الكردي أولهم أبو علي بن مروان استولى على ما كان يحكم عليه خاله من ديار بكر، وبعد قتله ملك أخوه ممهد الدولة، وبعد قتله قام أخوه أبو نصر و بقي ملكه من سنة 420 إلى سنة 453، وخلفه ولدان: نصر وسعيد، أما نصر فملك ميافارقين وتوفي سنة 453، وملك بعده ابنه منصور، وأما سعيد فاستولى على آمد .
وكان البشنوي يستحث الأكراد البشنوية أصحاب قلعة فتك لمؤازرة باذ الكردي خال بني مروان المذكورين في وقعة سنة 380 التي وقعت بينه و بين أبي طاهر والحسين إبني حمدان لما ملكا بلاد الموصل سنة 379 وله في ذلك قوله من قصيدة:
البشنــية أنـصار لدولتـكـم
وليس في ذا خفا في العجم والعرب
فإنتماء المترجم إلى بني مروان هؤلاء بعلاقة خالهم باذ المتحد معه في العنصر الكردي : توفي البشنوي بعد سنة 380 هـ .
ذكر صاحب (معالم العلماء) له كتاب “ الدلائل: والرسائل البشنوية”، وقال ابن الأثير: وله “ ديوان مشهور”(2).

ابو القاسم المغربي

(390-418هـ = 999-1026م )
الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن محمد بن يوسف، أبو القاسم، المغربي: وزير من الدهاه والعلماء والأدباء. ولد في مصر، قتل الحاكم الفاطمي أباه وعمه وإخوته، فقصد حسان بن مفرج الطائي ومدحه فأكرم مورده، وتقلبت به الأحوال إلى أن استوزره مشرف الدولة البويهي. ثم وز لصاحب ميافارقين احمد بن مروان الكردي، توفي بميافارقين وكان عمره ستاً وأربعين سنة، وسار به أصحابه إلى مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
له مصنفات منها:” الإيناس وأدب الخواص”، و” مختصر إصلاح المتقن”، و” ديوان شعر” ونثر(1).

هوامش
ــــــــــــــــ
(1) ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/219. السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 4/72. ابن قاضي شهبة: طبقات الشافعية 1/298. الأسنوي: طبقات الشافعية 2/9. الذهبي: سير أعلام النبلاء 19/393. الذهبي: العبر 2/390. ابن الأثير: الكامل 8/268. ابن الجوزي: المنتظم17/138. ابن كثير: البداية والنهاية 12/177. إسماعيل باشا الباباني: هدية العارفين 2/81. حاجي خليفة: كشف الظنون 201. ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب 4/16.الملك المؤيد: المختصر في أخبار البشر م1، ج2،277. خير الدين الزركلي: الأعلام 5/316، ط4، محمد أمين زكي: مشاهير الكرد 2/140.
(2) راجع تاريخ أبي الفدا ج 2 ص 133 و 189 و 204. كامل ابن الأثير ج 9 ص 24. ذكره صاحب أعيان الشيعة ج 1 ص 387. ابن الأثير: اللباب،1/ص127
جزيرة ابن عمر: بلدة فوق الموصل بينهما ثلاثة أيام ولها رستاق مخضب واسع الخيرات، وهذه الجزيرة تحيط بها دجلة إلا من ناحية واحدة شبه الهلال ثم عمل هناك خندق أجرى فيه الماء فأحاط بها الماء من جميع جوانبها، ويقال في النسبة إليها: جزري (معجم البلدان)
اما (البشنوية): فكانت في شرقي دجلة طوائف كثيرة من الأكراد ينتمون إلى حصون وقلاع وبلاد كانت لهم في نواحي الموصل والأربل، وكانت تسكن هذه الطائفة فوق الموصل قرب جزيرة ابن عمر (4) بينهما نحو من فرسخين، وما كان يقدر صاحب الجزيرة ولا غيره مع مخالطتهم للبلاد عليها، قال ياقوت الحموي في (معجم البلدان ): وهي بيد هؤلاء الأكراد منذ سنين كثيرة نحو الثلاثمائة سنة وفيهم مروة وعصبية ويحمون من يلتجئ إليهم ويحسنون إليه.
ولهذه الطائفة هناك قلاع منها قلعة برقة، وقلعة بشير، وقلعة فنك، ومن أمرائها صاحب قلعة فنك الأمير أبو طاهر، والأمير إبراهيم، والأمير حسام الدين من أمراء القرن السادس.
(3) ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 8/162، ابن كثير: البداية والنهاية،12/25، الزركلي: الأعلام، 2/266، أبو الفلاح: شذرات الذهب،3/210

(انتهى البحث.)

إعداد: الدكتور محمد علي الصويركي

شارك هذا الموضوع على