الإثنين, مايو 20, 2024

محمد علي عوني – مترجم ومؤرخ كوردي

القسم الثقافي

شعبان مزيري

هناك كثير من الشخصيات الكوردية لعبوا دوراَ كبيراَ في خدمة ثقافة شعبهم،وتعريفها بالمثقفين العرب . ولكنهم بقوا بعيدين عن الأضواء دون الاهتمام بهم ومن هذه الشخصيات محمد علي عوني الذي كرس نفسه لخدمة أبناء جلدته مدافعاَ عن حقوقهم المشروعة في الوقت الذي كانت هناك أصوات ترتفع هنا وهناك ويقولون:((انه ليس هناك أمة كوردية وشعب كوردي ينطق بلغة واحدة، له ميول واحدة شعور قومي واحد، وان هذه الكتل البشرية ما هي إلا مجموعات متنافرة من قبائل وجماعات. فأباحوا بذلك لأنفسهم القول بان الأجدر بالكوردي والأحرى به، ان يتنازل عن قوميته ويهمل مشخصاته فيندمج في بقايا الأمم ممن تساكنها اليوم وتحكمها في بلادها. وتجاهلوا بحقيقة مطلب الأمة الكوردية وأمانيها الشعبية التي هي في الوقت نفسه ضرورة من ضرورات حياة الأمم)).
وعندما رأى المترجم بان المكتبة الكوردية فارغة وخالية من الكتب العلمية الرصينة التي تتناول أصل الكورد وتاريخ هذا الشعب وكذلك هناك نقص كبير في المكتبة العربية من ناحية الدواوين في تواريخ الشعوب الإسلامية، ولاسيما الشعب الكوردي ، مع ما له من الخدمات الجليلة في إعلاء شأن الإسلام على الساحات السياسية والقيادة والتأليف وفي شتى العلوم طوال القرون الإسلامية. والنقص من ناحية تدوين ذلك كان ملموساَ بصورة توجب الأسى إلى المدة الأخيرة وقد كنت شعرت( القول لـ محمد علي عوني) بهذا النقص يوم أخذت على عاتقي(1929ـ1930)، وضع مقدمة علمية لكتاب شرفنامة وهو كتاب بالفارسية في تاريخ (الدول الكوراد وإماراتهم في القرون الإسلامية الوسطى) اضمنها بأنها أحدث الآراء والبحوث في أصل الكورد وحدودهم القومية.
أذهلني الأمر حينما لم اهتد إلى كتاب مستقل افرده مؤلفه خصيصاَ للبحث عن تاريخ الكورد وكوردستان لا في المكتبة العربية الحديثة ولا في القديمة.
وقد تبين لي أيضا ان هذا النقص ليس بمقتصر على المكتبة العربية،بل تعداها إلى اللغتين الفارسية والتركية من لغات التدوين الإسلامي في الشرقين الأوسط والأدنى.
حيث كانت اللغة الفارسية في القرون المنصرمة لغة الثقافة واللغة التركية كانت لغة الإدارة والسياسة أيام حكم الإمبراطورية العثمانية للمنطقة التي استمرت زهاء أربعة قرون.
وعند ما رأى الأستاذ المرحوم(محمد علي عوني) بان المكتبة الكوردية خالية فأخذ على عاتقه القيام بإنشاء المكتبة الكوردية على شاكلة (المكتبة الصقلية) (والمكتبة الأندلسية)،واخذ يجمع المواد والمواضيع والبحوث التي تبحث عن الكورد والمنشورة هنا وهناك. بهدف ان تكون مرجعاَ لمن يريد ان يكتب عن هذا الشعب.
وعندما صدر كتاب(خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان من أقدم العصور حتى الآن) للمرحوم العلامة محمد أمين زكي، فما ان تسلم نسخة من هذا الكتاب الذي أطلعه عليه احد أصدقائه الأفاضل بالعراق سنة 1933. وهو يقول((فكان سروري عظيماَ ووجدت فيه ضالتي المنشودة وغايتي المقصودة واتصلت بالمؤلف وطلبت منه الأذن بالترجمة وأعرب عن سروره وغبطته بذلك)). ويضيف قائلاَ ((وقد كنت أراسله حينما كنت احتاج إلى فك غوامض بعض النقط ، وحيناَ لاستطلاع رأيه في مراجعة النقول ومقارنة النصوص وكتابة بعض الحواشي والتعليقات))( ). وقد استفاد المترجم من تلك المواد والبحوث والتعليقات التي كان قد جمعها بهدف إنشاء المكتبة الكوردية لكتابة الحواشي(الهوامش) والتعليقات التي كانت ضرورية لتوضيح بعض الجوانب في كتاب( خلاصة كورد و كوردستان). وان ترجمة هذا الكتاب استغرقت ثلاث سنوات حتى اخرج الكتاب بهذا الشكل وعلى وجه ممكن من حيث الأمانة والسبك والتقديم والتعريف والتوضيح،وأصبح أفضل كتاب من ناحية الترجمة. وان المترجم يكتب عن معاناته أثناء قيامه بترجمة آثار العلامة محمد أمين زكي والظروف التي كان يمر بها العالم وخاصة أثناء الحرب الكونية الثانية قائلاَ:((فاني حينما انتهيت من ترجمة المجلد الأول من كتاب (خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان للمؤلف المفضال معالي محمد أمين زكي الوزير العراقي السابق، وأصدرته بعد مراجعة علمية دقيقة في حلة عربية قشيبة في أواخر سنة 1939، اشتعل أوار الحرب العالمية الثانية. فحالت ظروفها بيني وبين مواصلة الجهود لتعريب المجلد الثاني من هذا الكتاب القيم ، لكي تتم بذلك ترجمة سلسلة التاريخ القومي للأمة الكوردية في مختلف العصور كما أراده المؤلف ولما رأيت ان أيام هذه الحرب الضروس قد طالت لا يعرف لها مدى ولا آخر، عاودتني الرغبة وجذبني الشوق إلى استئناف العمل الشاق الذي أخذت نفسي به ، فواصلته حتى أتممت الترجمة واتخذتها أساساَ للبحث والتنقيب، لإصدار المجلد الآخر الذي يتضمن تفاصيل وقائع وحوادث (الدول والحكومات الكوردية) التي قامت بأنحاء كوردستان في مختلف الأدوار في العهد الإسلامي. ولقد شرعت في ذلك مستعينا بالله من سنة 1942 حتى سنة 1945، حيث عكفت على العمل في تلك الأيام والليالي الرهيبة التي كانت تشن فيها الغارات الجوية على مصرنا المحبوبة ـ وقاها الله شر ذلك اليوم ـ فتمطرها بوابل من القنابل والطرابيد)). وعن هذه الظروف الصعبة والحرب والناس منشغلون بالبحث عن لقمة العيش ولكن هو كان في واد آخر يبحث ويجهد من اجل الحصول على معلومة لكي يدون الحواشي التي يحتاجها الكتاب الذي يقوم بترجمته كما يقول فأنني(( كنت غارقاَ في لجة البحث وخضم التنقيب عن النصوص والنقول، للتأكد من الوقائع والحوادث واستخراجها من بطون مصادر التاريخ الإسلامي من عربية وفارسية وتركية وكوردية. سالكا في ذلك، المنهج الذي اتبعته في ترجمة المجلد الأول ومراجعته))( ).

من هو محمد علي عوني:ـ ؟


وهو من مواليد مدينة الصويركي من أعمال آمد(دياربكر) في جنوب شرق الأناضول من كوردستان تركيا سنة 1897م. ـ أتم تعليمه الابتدائي والثانوي في مدينة الصويركي، وقصد مصر لإكمال دراسته الدينية في جامعة الأزهر الشريف التي تخرج فيها والده أيضاَ، حيث حصل على شهادة عالية ، وحاول الرجوع إلى وطنه لكن السلطات التركية منعته بسبب أفكاره القومية فبقى في القاهرة، وكان يتقن عدة لغات منها العربية والتركية والفارسية إلى جانب لغته الأم(الكوردية) والفرنسية( ).
وهذا ساعده إلى ان يعمل مترجماَ للغات الشرقية في قصر عابدين (الديوان الملكي) في عهد الملك فؤاد الأول (1917ـ1936)،ومن ثم لدى الملك فاروق(1936ـ 1952).
وعهد إليه مهمة الإشراف على مكتبة القصر الملكي في القاهرة. وحفظ الفرمانات والوثائق التاريخية الرسمية التي يعود تاريخها إلى عصر محمد علي باشا.ووثائق الحكام الذين جاءوا من بعده.
وحظي باهتمام الملك فاروق الذي خلف الملك فؤاد الأول في الحكم وكذلك شاه إيران محمد رضا بهلوي(1941ـ1979م) اللذين منحاه وسامين رفيعين.
الكتب التي ترجمها:ـ
1ـ القضية الكوردية ماضي الكورد وحاضرهم، لمؤلفه(ثريا بدرخان) ونشرها باسم مستعار(د. بله ج شيركوه) والتي طبعت في القاهرة من قبل جمعية الاستقلال الكوردي. في الثلاثينيات من القرن العشرين واعتبر هذا الكتاب من أهم مصادر التاريخ الكوردي ولحد الآن واعتمد عليه اغلب الباحثين في بحوثهم التي تتناول تاريخ الشعب الكوردي( )
2ـ ترجمة (شرفنامة) من الفارسية إلى العربية، للمؤرخ شرفخان البدليسي من مواليد الخامس والعشرين من شباط 1453 ـ ربما 1603، 1604. في جزءين طبعته وزارة التربية والتعليم المصرية بعد وفاته.
حيث طبع الجزء الأول منه سنة1958 بتكليف من الإدارة العامة للثقافة بوزارة التربية والتعليم ، وهو مكرس لتاريخ الكورد وكردستان، فيما طبع سنة 1962 بالقاهرة أيضا الجزء الثاني منه بإشراف الإدارة العامة للثقافة والتعليم العالي.. وهو مكرس لدراسة تاريخ سلاطين آل عثمان ومعاصريهم من حكام إيران وآسيا الوسطى بين سنتي 1289 و1597 للميلاد.
3ـ(خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان من أقدم العصور حتى الآن) للمرحوم العلامة محمد أمين زكي.
4ـ ترجمة كتاب((تاريخ الدول والإمارات الكوردية في العهد الإسلامي))لمؤلفة محمد أمين زكي.نشره عام 1948.
5ـ ترجمة كتاب مشاهير الكورد لمؤلفه محمد أمين زكي ، طبع عام 1947.
6ـ ترجم الجزء الخاص بمصر من المجلد العاشر للكتاب (سياحتنامه) للرحالة التركي الشهير أوليا جلبي(1611ـ 1679م) طبع مركز تأريخ المعاصر التابع للإدارة المركزية للمراكز العلمية بدار الكتب والوثائق القومية بـ(660) صفحة من حجم كبير.
6ـ وضع رسالة عن العائلة التيمورية الكوردية في مصر وتاريخ نزوحها من كوردستان إلى مصر.
7ـ له دراسات وبحوث ومقالات عديدة حول القضية الكوردية. نشر قسم منها في الصحف والمجلات.
8ـ كان المرحوم احد مؤسسي جمعية خويبون الكوردية في القاهرة،وسورية،وكان داره محطاَ للطلاب الكورد الدارسين في الجامعات المصرية منها جامعة القاهرة وجامعة الأزهر.
9ـ توفي بالقاهرة سنة 1952.
وصفه صحيفة(القاهرة 11) في عددها (213) في 11/ مايو/ ((انه استحق بجدارة لقب الكوردي خادم الثقافة العربية الإسلامية)).
ووصفته الأستاذ الدكتور كمال مظهر احمد((أحد أبرز المطلعين الكورد على تاريخ بني قومه،وحياتهم الاجتماعية وجغرافية بلادهم))( ).
الهوامش:ـ
ـ محمد أمين زكي، تاريخ الدول والإمارات الكوردية في العهد الإسلامي، المجلد الثاني، القسم الأول، نقله إلى العربية وعلق عليه محمد علي عوني، مطابع دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2007، ص11ـ12.
2ـ محمد أمين زكي، خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان من أقدم العصور حتى الآن، القسم الأول،ط2 نقله إلى العربية وعلق عليه محمد علي عوني، مطابع دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2005، ص45.
3ـ محمد أمين زكي، تاريخ الدول والإمارات الكوردية في العهد الإسلامي، المجلد الثاني، القسم الأول، ص8 ـ9.
4ـ محمد علي الصويركي، الكورد في بلاد مصر، القسم الخامس، الاتحاد(صحيفة)، العدد(1610) في 16/ 7 / 2007.
5ـ علماً ان الكتاب لم يشير إلى اسم المترجم. من المحتمل ان يكون قد كتب باللغة الكوردية وقام الأستاذ محمد علي عوني بترجمته إلى اللغة العربية. وان كل الدلائل تشير الى ان مؤلف هذا الكتاب كان ذو ثقافة عالية ومتبحراَ في التاريخ.
والمتفق عليه أيضا من قبل الجميع بان(د. بله ج شيركوه) هو اسم مستعار وترجح المصادر على ان مؤلف هذا الكتاب هو(ثريا بدرخان). ولكن السؤال المحير لماذا حذف اسم المترجم؟!. هذا ما سوف يكشفه المستقبل.
6ـ محمد أمين زكي، خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان من أقدم العصور حتى الآن، ص18.

Taakhi

شارك هذا الموضوع على