د. محمد العرب
مع إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تتزايد الآمال حول إمكانية تحقيق حلم الدولة الكوردية، حيث إن سياسات ترامب الخارجية تميل نحو الجرأة في اتخاذ القرارات الدبلوماسية، مما يفتح أمام الكورد آفاقًا جديدة للاستفادة من هذا التوجه في تحقيق استقلالهم. في هذا السياق السياسي الديناميكي، يصبح من الضروري تحليل أبعاد هذا الحلم الكوردي من زوايا سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية، واستشراف مستقبل هذا الكيان الواعد في ظل التحديات الإقليمية والدولية.
على الصعيد السياسي، قد تكون إدارة ترامب الأكثر تقبلاً لفكرة الدولة الكوردية من بين الإدارات الأمريكية السابقة، نظرًا لاختلاف الحسابات السياسية في المنطقة، ونتيجة للتقارب الشخصي بين ترامب والقيادات الكوردية، وإدراكه لأهمية الدور الفعّال الذي يلعبه الكورد في محاربة الإرهاب وتحقيق الاستقرار الإقليمي. هذا التقارب يمكن أن يخلق دعمًا غير مسبوق في واشنطن للقضية الكوردية العادلة، حتى لو كان ذلك على حساب بعض العلاقات التقليدية مع دول مثل تركيا. على الرغم من أن سياسات ترامب قد تتسم بالبراغماتية، فإن موقفه قد يُفضي إلى تحولات إيجابية على الخريطة السياسية في الشرق الأوسط، مما يجعل من الممكن إعادة رسم الحدود بطرق تعزز الاستقرار وتدعم طموحات الكورد.
اقتصاديًا، تحمل الدولة الكوردية المحتملة آفاقًا واعدة لبناء اقتصاد مستقل ومستدام. ورغم التحديات التي قد تواجهها، فإن الدعم الأمريكي والاهتمام الدولي بإمكانات الموارد الطبيعية في المناطق الكوردية يوفران قاعدة قوية للنمو الاقتصادي. إلى جانب النفط، يمكن للكورد تعزيز قطاعات أخرى مثل الزراعة، والطاقة المتجددة، والسياحة، والتكنولوجيا، مما يساعد في تنويع الاقتصاد وتجنب الاعتماد المفرط على مصدر واحد. في هذا السياق، قد تلعب شركات الطاقة الأمريكية دورًا محوريًا في دعم البنية التحتية وتوفير التكنولوجيا، مما يساهم في تمهيد الطريق لاستقلال اقتصادي حقيقي.
من الناحية الاجتماعية، فإن ولادة دولة كوردية مستقلة ستكون بمثابة ولادة هوية جديدة ومتجددة للكورد، حيث ستعيد لهم تضحياتهم بعد عقود من الاضطهاد. تأسيس الدولة سيسمح للكورد بإعادة بناء نسيج اجتماعي موحد، يستوعب جميع مكونات المجتمع الكوردي، ويعزز التعايش مع الأقليات الأخرى داخل الدولة الكوردية الموعودة. كما سيساهم هذا الكيان الجديد في تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية، مما يخلق قاعدة صلبة لاستقرار مجتمعي طويل الأمد. يمكن للكورد بناء دولة تقدمية تحتضن جميع فئاتها وتعزز حقوق الأقليات، مما يعكس نموذجًا مشرقًا في منطقة تعج بالتوترات.
فكريًا، ستشهد المنطقة نهضة فكرية وثقافية كوردية، حيث ستتيح الدولة المستقلة للكورد تعزيز هويتهم القومية والثقافية، وإعادة إحياء تراثهم الغني الذي تم محاربته ومحاولة طمسه على مدى العقود. هذه النهضة ستشكل نموذجًا حضاريًا يُظهر للعالم قدرة الكورد على إدارة دولة حديثة ومتقدمة، تحترم التنوع وتعمل من أجل السلام الإقليمي. كما سيسهم قيام الدولة الكوردية في إعادة صياغة الفكر الجيوسياسي في المنطقة، حيث ستصبح مسرحًا للتعاون الدولي، بدلاً من التوترات.
في الختام، يبدو أن عهد ترامب يحمل فرصة ذهبية لتحقيق حلم الدولة الكوردية، ومع دعم المجتمع الدولي واستفادة الكورد من هذا المناخ السياسي الفريد، قد يكون بإمكانهم التغلب على التحديات وإقامة دولتهم المنشودة. ستكون الدولة الكوردية إضافة إيجابية إلى المنطقة، معززة للاستقرار، ومقدمة نموذجًا للتعايش، ومساهِمةً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
—–
*د. محمد العرب: كاتب بحريني، خبير في شؤون المنظمات الدولية، وخبير في الشأن الإيراني، ومهتم بالقضايا الإسلامية وشؤون الأقليات.
المصدر: باسنيوز
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=55743