الثلاثاء, أكتوبر 22, 2024
القسم الثقافي

قرية تل ديك.. تجسيد مادي لتاريخ عريق وحاضر محافظ على التراث

الدرباسية/ نيرودا كرد

مع كل زيارة لقرية جديدة من قرى إقليم شمال وشرق سوريا، نتشارك مع قرائنا جزءاً جديداً من تاريخ هذه المنطقة، ذلك التاريخ الذي يُعرف بعراقته وأصالته، والذي يعدُّ انطلاقاً لحاضر المنطقة الغني بتلاحم أبنائها.
في عمق تاريخ القرى، تتجلى عراقتها وروحها المميزة، فهي تمثل شاهدًا حيًّا على التراث والثقافة الشعبية، التي انبثقت من ترابها وأشجارها، تعكس القرى دفء الحياة الريفية ورونق العادات والتقاليد التي تنتقل من جيل إلى جيل.
العلاقة بين القرية وسكانها
وتمثل العلاقة بين القرية وسكانها، نسيجًا اجتماعيًا متينًا يحكي قصصًا عميقة عن التضامن والتعاضد والانتماء، إذ تجمع في القرى أسرٌ كبيرة تعيش حياةً بسيطة وقريبة من الطبيعة، حيث يتشارك الجميع في مجهود تشييد المنازل وزراعة الحقول وتربية المواشي.
وتعدُّ القرى العمق الجذري لأي مجتمع، فتحتضن ذاكرة الماضي وهي حاضر مليء بالحيوية والنشاط، من خلال تاريخها العريق، تتعاظم أهمية القرى لأنها محافظة على التراث والهوية الثقافية؛ الأمر الذي يبرز أهمية الحفاظ على هذه البقع الصغيرة في الأرض، التي تشكل جزءًا أساسيًا من تراثنا العريق وقيمنا الاجتماعية.
إن ما ذُكر يتجلى بأبهى صوره في مدينة الدرباسية، التابعة لمقاطعة الجزيرة بإقليم شمال وشرق سوريا، حيث تحتضن هذه المدينة مئات القرى التي لا تزال تحافظ على ذاتها، من خلال تواجد أهلها السكاني، وكذلك حضور تراثها وتاريخها إلى جانب حاضرها الغني.
قرية تل ديك
وتتبع قرية تل ديك مدينة الدرباسية، التي تبعد عنها 20كم باتجاه الجنوب، وتبلغ مساحتها قرابة (3800 دنم) ويحدها من الغرب قرية خربة بلك، ومن الجنوب قرية الحمدانية، ومن الشرق قرية العزيزية، ومن الشمال الشرقي قرية قرقوي.
وللحديث أكثر عن تاريخ قرية تل ديك، التقت صحيفة روناهي “محمود المجيد” 79 عاماً، من أهالي قرية تل ديك: “بنى والدي هذه القرية عندما أتى إليها من قرية كوتيا، وكان معه “سعيد قرزي، ورزقو موسى”، وكان لكل منهم الثلث، وفيما بعد اشترى والدي حصة سعيد قرزي، ولكن قانون الإصلاح الزراعي في ذلك الحين جاء، واستولى على هذه الحصة إلى يومنا هذا”.
وأضاف: “وبعد بناء القرية، جاء أقرباؤنا جميعهم، ممن كانوا موزعين في مختلف قرى المنطقة، ونتيجة لذلك، بني في القرية 50 منزلاً، كانت كلها من عشيرة الأومرة، وقد بدؤوا في ذلك الحين بأعمال الزراعة وتربية المواشي، وذلك على الرغم من صعوبة هذه الأعمال في تلك الفترة، حيث كانت تتم الفلاحة عن طريق الدواب، والحصاد كان يتم بالأيدي، وكذلك الفرز وغيرها من الأعمال، حيث لم تكن هنالك آلات زراعية حديثة كما هي اليوم، وكانوا يزرعون حينها القمح والشعير بالدرجة الأولى”.


عادات وتقاليد تراثية
وتابع المجيد: “ومنذ ذلك الحين يعيش أهالي القرية عائلة واحدة، حيث كانوا يتشاركون الأفراح والأحزان معاً، كما أن سيادة الألفة والمودة في القرية، منعت حدوث المشاكل، أما تلك الخلافات البسيطة التي كانت تظهر، فكانت تُحل على الفور من خلال تدخل الكبار وفرض حكمتهم على الجميع”.
وأضاف: “ناهيك عن تلك العادة السائدة، وهي عادة المضافة، حيث الجميع يجتمعون فيها كل مساء كباراً وصغاراً، والتي كانت تعدُّ في ذلك الزمن مدارس تُعلم الأجيال الناشئة كيفية ملاقاتهم لمصاعب الحياة”.
وزاد: “وإلى جانب ظواهر الألفة والمودة بين أبناء القرية أنفسهم، فإن للقرية علاقات جيدة ووثيقة مع القرى التي تحيطها كافة، حيث إننا منذ البداية حافظنا على المودة التي جمعتنا، ولم نسمح لأي حدث، أو خلاف أن يُفسد هذه العلاقة، وبشكل عام؛ فإن قرى مدينة الدرباسية تتميز بهذا النوع من العلاقات بين بعضها البعض، حيث في النهاية نُحن أقارب”.
هموم أهالي القرى
وتطرقاً لبعض المشاكل التي تُعاني منها غالبية أهالي القرى، قال المجيد: “تعتمد منطقتنا بمجملها على الزراعة، والقرى هي الأرضية الأساسية لهذه الزراعة، ونحاول قدر الإمكان أن نُحافظ عليها نظراً لأهميتها للمنطقة وأهلها”.
مضيفاً: “ولكن مع الأسف باتت هذه الزراعة مُكلفة في يومنا هذا، ووصلت حد أن تُثقل كاهلنا نحن المزارعين، فكافة مستلزمات الزراعة باتت مرتفعة اليوم، وبالمقابل؛ فإن أسعار تسويق المحاصيل، خاصةً، في الموسم الأخير كانت أدنى من المطلوب، الأمر الذي دفع بالكثير من المزارعين، ومن ضمنهم أنا، إلى التفكير بالعزوف عن الزراعة خلال الأعوام المقبلة، مع علمنا المسبق بأن هذا الأمر قد يعود بالضرر على أهالي المنطقة، ولكننا في ظل هذه الظروف وهذه الأسعار لم يعد باستطاعتنا أن الاستمرار فيها، لذلك نتمنى أن تتم إعادة النظر في بعض القرارات المتعلقة بالزراعة، وكذلك العمل على تخفيض أسعار مستلزماتها، لمساعدة المزارع على الاستمرار في الزراعة لما لها من نفع على المنطقة عموماً، فالزراعة هي من الموارد الاستراتيجية لمنطقتنا”.
واختتم “محمود المجيد” حديثه: “على الرغم من كل ما حل ويحل بنا، إلا إننا عازمون على البقاء في أرضنا وقريتنا ومنزلنا مهما حصل، وهذا ما يُفسر بقاء أهالي قرية تل ديك في قريتهم وتمسكهم بها، وكما حافظنا على تواجدنا من قبل، فإننا سنحافظ عليها ما حيينا”.

 

الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين

شارك هذه المقالة على المنصات التالية