نظرة سريعة على تصريحات الجولاني، بعد مظاهرات الساحل السوري، رغم تدريبه الطويل، لدى أجهزة المخابرات، تكشف لنا سطحيته وانعدام ثقافته.
لنأخذ تصريحاته واحدا واحدا ….
- (مؤسسات الدفاع والأمن والخارجية والاقتصاد غير قابلة للتجزئة).
هذا كلام يردّده عادة من يفتقر إلى فهم أساسي لعلم السياسة المقارنة. الواقع أن كل مؤسسة في الدولة قابلة للتنظيم بطرق مختلفة، مركزية أو لامركزية، فيدرالية أو كونفدرالية أو هجينة.
النماذج الناجحة في العالم (سويسرا، ألمانيا، كندا، الولايات المتحدة، بلجيكا) تُظهر أن وحدة الدولة لا تُختزل في مركز واحد يحتكر القوة، بل في عقد اجتماعي متوافق عليه.
الجولاني هنا لا يدافع عن “مبدأ سياسي”، بل عن احتكار السلطة. من يجهل أن الفيدراليات المتقدمة تُدار فيها الصحة والتعليم والأمن وحتى الضرائب محلياً لا يتحدث بلغة سياسة، بل بلغة قائد عسكري يخشى فقدان السيطرة.
- (الجغرافيا السورية تعيش على بعضها ويستحيل أن تكون للساحل سلطة قائمة بذاتها).
نعم، الجغرافيا تتكامل. لكن الجغرافيا ليست حُجة لإكراه الناس على العيش في إطار سياسي واحد.
كيف يمكن لشخص جاء من خارج الساحل وأقام سلطته بالقوة أن يتحدث عن “استحالة” الانفصال بينما يشرعن منطق الغلبة؟
هو لا يقدّم فكراً سياسياً، بل يعيد إنتاج منطق سلطوي بدائي: “لأنني أريد هذا الشكل للدولة، فهو الشكل الوحيد الممكن.”
هذا ليس تحليلاً سياسياً، بل رغبة في السيطرة مغلّفة بلغة جغرافيا مدرسية.
- (الساحل يشكل أولوية لأنه يطل على الممرات التجارية عالمياً)
هذا تصريح يفضح جوهر نظرة الجولاني للساحل:
ليس باعتباره مجتمعاً، ولا شعباً له مطالب، ولا تاريخاً، بل عبارة عن منفذ وعائد تجاري.
أولويته ليست الناس، بل الموارد.
وهو يعلم أن السيطرة على الساحل تعني السيطرة على الاقتصاد، ولهذا يتم استبعاد السكان الأصليين منه، وإحلال مجموعات موالية له، مثل استقدام أشخاص من بنّش إلى مرافئ الساحل، وكأن بنّش أصبحت “منطقة بحرية” بقدرة قادر.
هذا تفكير غنائمي، وليس تفكير دولة.
- (أتفهم المطالب المحقة للناس… وبعضها مسيّس)
مصطلح “مسيّس” يستخدمه عادة من يجهل أن السياسة هي التعبير المدني عن المصالح والحقوق.
اتهام الناس بأن مطالبهم “مسيّسة” يعني ببساطة: “مطالبهم تتعارض مع سلطتي.”
هل هو نفسه غير مسيّس؟ هل عملية انتقاله من مقاتل في القاعدة إلى “رئيس” ليست حدثاً سياسياً من الدرجة الأولى؟
التناقض هنا يكشف هشاشة خطابه، لأنه يستخدم السياسة حين تخدمه، وينزع الشرعية عن السياسة حين يستخدمها الآخرون.
5– (من المستحيل أن يكون للساحل سلطة قائمة بذاتها)
لا يوجد “مستحيل” في السياسة. ممّا كان مستحيلاً أن يتحول قيادي في القاعدة إلى “وجه سياسي”، ثم حدث.
ممّا كان مستحيلاً أن يخضع الشمال السوري لحكم فصيل واحد، ثم حدث. فالحديث عن “المستحيل” هنا لا يعكس قانوناً سياسياً، بل يعكس خوفاً من فقدان السيطرة.
الدول تُبنى على التوافق، لا على إعلان “المستحيل” بلهجة أبوية.
- (الفيدرالية هي إدارة محلية… والقوانين الحالية قريبة منها).
هذا جهل بنيوي بالمفاهيم:
القوانين ليست الدستور. الدستور هو الذي يحدد شكل الدولة ونظام الحكم وتوزيع السلطات. القوانين تأتي لاحقاً لتنظيم التفاصيل داخل هذا الشكل.
الخلط بين الدستور والقانون يكشف أن المتحدث:
لا يفهم الفارق بين التشريع والقانون ولا بين السلطات ولا بين إدارة محلية ونظام اتحادي ولا بين الحكم من خلال عقد اجتماعي والحكم من خلال الاستيلاء العسكري هذا ليس “طرحاً سياسياً”، بل استغفال واضح.
- (أصحاب المصالح الضيقة في الانفصال يحملون جهلاً سياسياً)
التهمة هنا ليست توصيفاً، بل إسقاطاً نفسياً كاملاً.
من يتهم الآخرين بالجهل السياسي هو نفسه لم يقدّم في كلامه جملة واحدة مبنية على فهم سياسي حقيقي، لا تاريخياً ولا دستورياً ولا اجتماعياً.
أما الجهل الأخلاقي، فهو ما يتجلى حين ترفض حق مجتمع أن يناقش خياراته بينما تعتبر لنفسك الحق أن تحدد مصير البلاد كلها.
…
استخدام كلمة “ضيق” هنا يعني ببساطة:
“مصالحهم لا تتطابق مع مصالحي.”
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=80731





