الجمعة, مارس 29, 2024
القسم الثقافي

الثور ومكانته في الميثيولوجيا القديمة

عبد الرحمن محمد_
تكتنز الأرض في باطنها ما ينوف ويطغى على ما تجاهر به على سطحها، وبخاصة ما يهمنا من تاريخ الحضارات وما مرت به البشرية جمعاء، من تطور لافت، ربما كان ذلك عبر مراحل عدة وفي قفزات، عُدّت ثورات في تاريخ البشرية الحضاري والتاريخي والثقافي، ومهما تقدمت العلوم والمعارف، فإن تلك الكنوز المعرفية والعلمية، وحتى الدينية والروحية منها تعد أساساً ومنطلقاً للإنجازات العلمية والتطور المعرفي الذي نشهدهما اليوم.
الكثير من الديانات، والحضارات اتفقت بشكل أو بآخر على بعض الرموز، والطقوس، التي ترمز إلى مناحي متعددة وقوانين في حياة كثير من الأمم، ومن ذلك خبر اكتشاف جديد في منطقة نجران جنوب السعودية، وهو رأس ثور برونزي، وثلاثة خواتم ونقوش كتابية، وتعد هذه المكتشفات ذات أهمية كبيرة، وقد نوهت على ذلك هيئة التراث السعودية، مشيرة إلى حضور صورة الثور الدائم في آثار ممالك جنوب الجزيرة العربية في عصور ما قبل الإسلام، كرمز للقوة، والخصوبة، والعطاء.
صحيفة الشرق الأوسط وفي عددها رقم /16157/ وفي مقال بعنوان “رأس الثور… رمز القوة والخصوبة والعطاء” للكاتب محمود الزبيدي أشارت إلى تكرار ذكر الثور، ورمزيته في الكثير من الثقافات، والديانات القديمة، ومما أورده الكاتب عن مكانة الثور في ميزوبوتاميا (برز الثور في مختلف أنحاء الشرق القديم، وتعدّدت وجوهه دينياً ومدنياً، غير أنه حضر في المقام الأول كرمز للقوة، والخصوبة، والعطاء، في بلاد ما بين النهرين، قيل عن جلجامش: «الكامل القوة» إنه «الثور النطوح»، وقيل: إنه «الظاهر فوق جميع الرجال كثور وحشي»، وجلجامش، هو الذي رفض دعوة المعبودة عشتار، فثارت وطلبت من والدها أن ينتقم لها، فأرسل من السماء ثوراً مقدساً لهذا الغرض، ونجح جلجامش في الإجهاز على هذا الثور، بعد أن أمسك رفيقه أنكيدو بقرنيه، والثور حاضر في فنون بلاد الرافدين، وصوره في هذا الميدان عديدة ومتنوعة، كما أنه حاضر في نواحي الهلال الخصيب، حيث يقترن اسمه بأسماء كبار الآلهة نعوتأ وألقابا، وهو في مصر «آبيس» الذي وُلد نتيجة نزول شعاع من أشعة الشمس من السماء على بقرة، وكان على صورة عجل ذي لونين، أبيض وأسود، مع مثّلث أبيض فوق جبهته، وهلال قمري على جانبه الأيمن.
 الثور حاضر في التوراة، والميراث اليهودي، وفي أكثر من موضع، إن كان في الحياة الاجتماعية، أو كإرث ديني في المعتقد، والدين، والمنهج الروحي، وحتى في الفنون العبرانية، ويسوق الكاتب في المقال ذاته أمثلة منها الثور حاضر في الميراث اليهودي، حيث كانت العجول تقدم كذبائح كما في “سفر الخروج 29، وسفر اللاويين 4″، وفي هيكل سليمان صُنع البحر المسبوك، «وكان قائماً على اثني عشر ثوراً: ثلاثة متوجهة إلى الشمال، وثلاثة متوجهة إلى الغرب، وثلاثة متوجهة إلى الجنوب، وثلاثة متوجهة إلى الشرق»، كما جاء في “سفر الملوك الأول 7: 23″. وفي التقاويم العبرانية، والكنعانية، يُشار إلى الفصول الأربعة باثني عشر ثوراً، منتظمة في أربعة أقسام، وفي كل قسم ثلاثة ثيران”.
كذلك للثور مكانته في “الميثولوجيا النوردية”Norse mythology ، فقد ذكرت النصوص القديمة عدة قصص عن الآلهة كحامل المطرقة، وحامي البشر الإله ثور، الذي استمر في القضاء على أعدائه بلا هوادة، وأفنى حياته في الصراع لأجل ذلك.
أما في الإسكندنافية القديمة فإن “ثور أو بور Thor” يحتل مكانة أرقى فهو إله الرعد، والسماء، والزراعة، وهو ابن زعيم الآلهة “أودين” وزوجته “يورد” وهو والد كل من “مودي وثرود” وهما ولده وابنته من زوجته الآلهة “سيف”، ووالد “ماغني” ابنته اللا شرعية من الآلهة العملاقة “يارنساكسا”.
ولأن الميثولوجيا الاسكندنافية القديمة كانت تقسم العالم إلى عالمين هما: عالم الآلهة “الإسغارد”، وعالم البشر “ميدغارد” فقد أنيطت مهمة الحماية بالإله “ثور Thor ” وبرزت بطولاته الخارقة من خلال معاركه الكبرى في قتال العمالقة، ومنها معاركه الطاحنة مع الثعبان الكبير، الذي يقضي عليه في النهاية بعضة سامة بينما يتمكن ابناه وابنته من الخلاص.
وتتلخص مهام ثور الإله في مهام عدة منها: “إن الثور هو سيد الرعد، والبرق، والعاصفة، والمطر، والطقس اللطيف، والمحاصيل”، وقد قدم الوثنيون الأضاحي له، عندما هددهم الجوع أو المرض، وحافظ الثور على شعبيته في يومنا الحالي، ويشير بعض المختصين إلى ذلك منوهين إلى إن يوم الخميس في اللغتين الإنكليزية، والألمانية يشير إلى “ثور”.
ويحضرنا هنا ومع كارثة الزلزال الاعتقاد الميثولوجي الكردي، القائل: إن ثوراً ضخماً يحمل الأرض على قرنيه، وإن نقله الأرض من قرن لآخر، يسبب الزلازل في بعض الأحيان.

​الثقافة – صحيفة روناهي