الحب والتصوف – الشاعر المتصوف نور الدين البريفكاني بين الحب والتصوف – رؤية جمالية فكرية تصور الحب بروح وجمال قدسي الجزء / 11 

كورد أونلاين |
عصمت شاهين الدوسكي
 

الشعر الكلاسيكي الكردي يعتبر من أغنى الميادين المزدهرة وجنان غناء بألوان الأزهار والورود بل يعتبر من أوسع المجالات وعياً وأكثرها جلبة لراحة القلب وسرور الروح وانتعاش النفس من كل الهموم والأحزان ، تبحر معه إلى الصفاء والنقاء والوضوح والسناء والنور والضياء وتحلق بلا أجنحة إلى أوسع فضاء حيث أكثر الكواكب إشعاعاً من بين الشعراء الكرد مع ملاحظة الزمن الكبير بحساب الزمن من خلال المسافات والمساحات لا يترك الشعر الكلاسيكي لغيره من الأنواع إلا مسافة قصيرة إذا قيست بمساحة الشعر الكلاسيكي ومن ضمن الشعراء البارزين علي الحريري وفقيه طيران واحمد الجزيرى وخالد الزيبارى واحمد خانى والشاعر والمتصوف نور الدين البريفكاني وغيرهم ، الحب عند الشاعر نور الدين البريفكاني عالم من الجمال والوله والعشق النقي والشوق الذي لا ينتهي أبداً ، ولد الشاعر ” البريفكاني ” في قرية ” بريفكا ” التابعة لمحافظة دهوك كردستنان العراق ولكنه قضى مدة طويلة من حياته التصوفية في قرية ” ايتوت ” وفي كهوف ومغارات الجبل المطل على القرية ، حفظ القرآن الكريم وهو بن عشر سنوات ، جلس أسوة بأقرانه في الكتاتيب وشرع بدراسة العلوم الدينية مرتشفاً من مناهل العلم على يد أشهر علماء زمانه ومنهم الملا يحيى المزوري والشيخ عبد الوهاب الشوشي والشيخ عبد الرحمن أفندي الدباغ مفتي الموصل وغيرهم ، ويبدو الشاعر والمتصوف نور الدين البريفكاني متأثر بجده من ناحيتي التصوف والشعر وسار على نهجه ، يعتبر الشاعر ” البريفكاني ” شاعر فصيح بليغ نظم الشعر باللغة الكردية والعربية والفارسية وبلغت شهرته في التصوف والمعرفة أنحاء البلاد حيث كان العديد من العلماء والأدباء من يزور قبره في قرية “بريفكا” إلا وأن يكتب عنه شعراً أو دراسة  لحياته وفكره وتصوفه وهو شاعر متمكن في الشعر الكلاسيكي الكردي ورغم اشتهاره بالزهد والعلم والتصوف إلا أن الشاعر لم ينسى واقع الناس وما عليه من مظالم لأبسط الناس بين فلاح وتاجر وما يضمن بينهما من بساطة وعفوية الفلاح ونيته الصافية وبين جشع بعض التجار الذين يتعاملون مع الفلاح وإنتاجه بالحيل والمكر من أجل ربح فاحش فاني وغيرها من المضامين الشعرية والفكرية التي كان يراها برؤية الحق والعدل وبث نور الحب والاحترام والوئام والألفة بين الناس بدلاً من الأنانية والحقد والمكر والخداع ، ومن المضامين الأخرى إحدى غزلياته الصوفية الرائعة التي تلم الكيان الروحي والسمو الأخلاقي والوله الحسي والوعي الفكري مدعومة بقناعة واقعية قوية بوضع الأشياء ضمن نطاق الحواس الملهمة بنور وجودها وتأثيرها الطبيعي “روح البلبل،العندليب مع الورد، النرجس أم السنبلة ،البرعم ذو الأشواك ” وأياً كانت معرفة ودرجة الحب فالوصف الجميل يصل للسبل التي تتجه نحو الجوهر وهي تشكل جزءاً منه ومدركاً لذاته ،إن عالم الحب والتصوف يشتمل على الكثير من العجب والأسرار التي تمارس تأثيرها على الروح والعواطف والإحساس والفكر وربما بطرق غير خاضعة للتفسير رغم إنها تعطي مبررات لفهم الحب الحقيقي والحياة بوصفها حالة وقوعها في السحر الروحي وهي بالتالي تعطي سحراً إضافياً آخر لوجود الأشياء في الطبيعة وليس مصطنعاً .

(( هل هذا هو روح البلبل

   أم هو العندليب مع الورد ؟

   هل هو النرجس أم السنبل

   أو أن “الحب” هو البرعم ذو الأشواك ؟ ))

يبوح الشاعر نور الدين البريفكاني بأسئلته بأسرار العشق الإلهي والحب على طريقته المتصوفة بتعريف الحب بصور مختلفة ومنها إنه روح البلبل الذي يدفعه للتغريد على أغصان الزهر والورد أم إنه برعم بعيد المنال إذ يحيط بالأشواك ، وهذه نواحي تريح القلب والروح المتأثرة بالنواحي الحميمة والبالغة الدقة التي تميز علاقتنا مع الأشياء والأحياء الجميلة وهو أمر ورؤية جمالية تقرب العذب والصفاء والنقاء الروحي ،أدرك الشاعر عالم الحب الحقيقي الواسع وعالم آخر بالوعي لا يمكن إحاطته بالغموض والدهشة فالخيال الخلاق يوجه الحواس بكل أمانة نحو العوالم المختلفة ونحو النفس الإنسانية كون الإنسان جزء من هذا العالم ،يحاول إن يكشف الظواهر الغريبة أو البعيدة ويحتاج إلى ” نور ” ليحدد الظواهر المظلمة ويتفوق عليها بروح الحب بين ” الجن أم الإنسي” يتفوق ” البريفكاني في عرض العوالم الطبيعية واللا طبيعية بعلاقتها مع الإدراك الحسي والفكر الواعي ” الملاك القدسي ، العصا أو الحيًة ” والعصا تشير إلى عصا موسى عليه السلام التي كانت تصبح حيًة تلقف ما يأفك به أصحاب فرعون ،فالحب له سحر بلا حدود حيث تنطوي عوالمه مع عوالم الظواهر الطبيعية واللا طبيعية في إطار أسئلة ورؤية إنسانية جمالية .

(( هل هذا النور أم العرش والكرسيً ؟

   هل هذا هو الجنً أم الإنسيً ؟

   أم هذا هو الملاك القدسيً

   أو أن “الحب” هو العصا أو الحيًة ))

هذا العرض الرائع لمسالة الحب عن طريق الإحساس والروح والخيال الفعال تحلق بأجنحة إنسانية لا تتوارى في السماء بل تضيء النجوم الغائرة وتسمح للضياء أن يرى هذا الحب والعشق العميق الذي يغطي مساحة الروح والقلب والهيام والإلهام المرغوبة للبصيرة المنشودة دون ضباب وسراب ويتفاعل مع الأشياء والأحياء مرة أخرى “البحر ،الحوت”  وهو البحر الذي التهم النبي يونس عليه السلام وألقمه الحوت ثم قذفه بعد أن ذكر الله في بطن الحوت، أم الحب هو ” النفط أو البارود ، جيش طالوت ” وجيش طالوت مذكور في القرآن الكريم ،صور الحب المختلفة تشكل محور قوة غيبية مشعة في الروح والتصرف والسلوك وإن احتدم الصراع بين الرغبة والخوف بما فيها أن الرغبة واعية لا تضعف أمام الخوف بل هي رغبة وسائل نتعلم منها أشياء عن عالمنا وأنفسنا وأرواحنا.

(( هل هذا هو البحر أم الحوت

   أم هو النفط أو البارود ؟

   أم هو جيش طالوت

   أو أن “الحب” هو النهر أو البحر ذو أمواج ))

إن إحدى خصائص الإدراك الحسي والاستجابة لها هي إننا لا نستطيع أن ننظر للأشياء على إنها مجرد أشياء أو حجرة عثرة أمام أرواحنا وعواطفنا وإلهامنا وفي ذات الوقت من خصائص الطبيعة الإنسانية مستعدون أن ننسى أو نتناسى النواحي التي لها مساس مباشر برغباتنا ونتعامل معها بنور الإحساس والحكمة والمعرفة ولا يمكن إن نحط من شان الأشياء والأحياء من قريب أو بعيد ، الشاعر والمتصوف نور الدين البريفكاني برؤية جمالية فكرية وبغزلية صوفية مفعمة بالحب يؤكد عبر أسئلة على تعريف الحب وإظهاره بعوالم وصور دقيقة مختارة بعمق وإحساس متناهي الجمال بل غاية في التصور والجمال القدسي فإن كان الحب هو روح البلبل أو برعم أو بحر أو عصا أو نفط وبارود فهي صور شعرية من ينابيع معرفية نقية تسيل في الأعماق لتلمس شغاف القلب وتنطوي لمضامين ومعاني إنسانية شاملة ومعاني سماوية لأزمنة بلا حدود.

*********************************

الشاعر والمتصوف الشيخ نور الدين البريفكاني

–        هو بن السيد عبد الجبار بن السيد نور الدين بن السيد أبا بكر بن السيد زين العابدين بن العالم والصوفي والشاعر الشهير في زمانه شمس الدين الإخلاطي ” قطب ” .

–   ولد عام 1250هجرية الموافق لعام 1790 ميلادية في قرية بريفكا التابعة لمحافظة دهوك كردستان العراق .

–   ينحدر من عائلة ” بريفكان ” الدينية الصوفية القادرية الشهيرة وتعتبر هذه الطريقة مع الطريقة النقشبندية أوسع الطرق الصوفية انتشارا في كردستان العراق .

–        متأثر بجده من ناحيتي التصوف والشعر وسار على نهجه

–   كتب عنه الكثير من الباحثين والعلماء ومنهم تلميذه الشيخ محمد النوري الموصلي والمؤرخ أنور المائي وعبد الرقيب يوسف وصادق بهاء الدين وحفيده وحيد الدين البريفكاني وآخرين .

–        كتب الشعر بعدة لغات الكردية والعربية والفارسية

–   من مؤلفات الشاعر نور الدين البريفكاني ( البدور الجلية في التصوف عام 1986 اربيل – ديوان شعر باللغة الكردية عام 1991 أربيل المسمى ” ذخره السالكين ” – ديوان شعر باللغة العربية – بهجة السالكين – آداب الخلوة – مرام الإسلام – تنبيه المنام – تلخيص الحكم وغيرها ).

–        توفي الشاعر في قرية ” بريفكا ” عام 1268 هجرية الموافق لعام 1851 ميلادية .

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

تابعونا على غوغل نيوز
تابعونا على غوغل نيوز