الإثنين, يناير 20, 2025

العنصريةُ في الإعلام العربي: إسكات الأصوات الكوردية وتهميش التنوع

آزاد فتحي خليل

اسمٌ بسيط، ” آزاد “، يعني الحرية. لكن هذا الاسم، الذي يحمل في طياته أثمن ما يناضل الإنسان من أجله، تحوّل في عيون البعض إلى تهمة، إلى سبب للإقصاء والتهميش. تجربتي الشخصية، حيث واجهتُ رفضًا لمجرد أن اسمي “آزاد”، تكشف عن وجه قبيح للعنصرية التي لا تزال تُمارس في الخفاء والعلن، وتُكمم الأفواه الحرة وتُعيق مسيرة التنوع والتقدم.

في عالمنا اليوم، حيث يُفترض أن تكون حرية التعبير حقًا مكفولًا للجميع، لا يزال هناك من يُمارس الإقصاء على أساس الاسم والهوية. تُرفض مقالات وكتابات لمجرد أن صاحبها يحمل اسمًا يُشير إلى خلفية قومية أو عرقية مُعينة. هذا ليس مجرد رفض لنشر مقال، بل هو رفض لوجود شخص، رفض لهويته، رفض لحقه في التعبير عن نفسه.

أتذكر جيدًا ذلك الرجل في حلب قبل الثورة السورية، سؤاله البسيط الذي يحمل في طياته الكثير من التحيّز: “لماذا لا تسمي اسمك أحمد أو عبد الله؟ ما هذا؟ ماذا يعني آزاد؟” وكأن الأسماء الأخرى تحمل صكوك الغفران، بينما اسمي، الذي اختاره لي والداي كرمز لحلمهما بالحرية، يحمل وصمة عار. شرحتُ له معنى اسمي، وأن اختياره كان تعبيرًا عن شوقهما للحرية، لكنني شعرتُ أن المشكلة أعمق من مجرد فهم معنى الاسم. المشكلة تكمن في عقلية ترفض الآخر المختلف، عقلية تربّت على فكر الإلغاء ومحو الهوية.

هذا الفكر الإقصائي لا يقتصر على الأفراد، بل يتغلغل في المؤسسات، حتى تلك التي تدّعي الدفاع عن حرية الفكر. هناك مواقع إلكترونية ومنصات إعلامية تدّعي الحيادية والمهنية، لكنها في الواقع تُمارس التمييز بشكل مُقنّع. تُرفض مقالات وكتابات لمجرد خلفية كاتبها، بحجج واهية لا تُخفي سوى تعصّبًا أعمى. تُفضّل هذه المنصات أصواتًا مُعيّنة تتوافق مع أجنداتها وسياساتها، بينما تُكمم أي صوت يُخالفها، حتى لو كان يحمل فكرًا نيّرًا ورؤى مُستنيرة.

هذا السلوك يُناقض أبسط مبادئ حرية التعبير، التي تُعتبر حجر الزاوية في أي مجتمع ديمقراطي. إن حرية التعبير ليست امتيازًا يُمنح لفئة مُعينة ويُحجب عن أخرى، بل هي حق أصيل لكل إنسان، بغض النظر عن اسمه أو لونه أو عرقه أو دينه.

إن التنوع والاختلاف هما مصدر قوة وثراء للمجتمعات. عندما نُقصي صوتًا أو نرفض فكرة لمجرد اختلافها، فإننا نُفقد أنفسنا فرصة ثمينة للاستفادة من هذا التنوع. إن إغلاق المنابر أمام أصوات مُعينة يُؤدي إلى تهميش فئات مُجتمعية بأكملها، ويُساهم في نشر الكراهية وتعميق الانقسامات.

كما قال الله تعالى: “وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا”، فالاختلاف هو سُنة كونية، وهدفها هو التعارف والتكامل، وليس التناحر والإقصاء. يجب أن نُدرك أن ما يجمعنا كبشر هو أكثر بكثير مما يُفرّقنا. يجب أن نُعلي قيم التسامح والاحترام المتبادل، وأن ننبذ كل أشكال الكراهية والتعصب.

إن وظيفة المثقف والكاتب هي تسليط الضوء على القضايا المُهمة ومعالجة المشاكل الاجتماعية، وليس مُجرد زيادة عدد القراء. الكلمة مسؤولية، والقلم سلاح، فلنستخدمهما لنشر قيم التسامح ونبذ الكراهية، وللدفاع عن حرية التعبير كحق أساسي لكل إنسان. لنُحوّل اسم ” آزاد “، الذي يعني الحرية، إلى رمز للتنوع والقبول، بدلًا من أن يكون سببًا للإقصاء والتهميش.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية