الأحد, مايو 19, 2024

الكرد في بلاد مصر – الحلقة الاولى

القسم الثقافي

الدكتور محمد علي الصويركي

تعد مصر من اكثر البلدان العربية التي لها علاقات وثيقة بالكرد، فقد كانت هناك علاقات قديمة بين الميتانيين الكرد والملوك الفراعنة منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد، برزت من خلال زواج بعض الأميرات الميتانيات من الملوك المصريين أمثال الملكة الجميلة نفرتيتي التي حكمت عرش مصر، ورغم قلة المصادر التي توضح لنا صور وأشكال تلك العلاقات التي كانت قائمة بينهما، لكننا نستطيع رصدها بشكل واضح بعد الفتح الإسلامي لكردستان ودخول الكرد كمكون جديد للأمة الإسلامية، ودورهم الكبير في صنع الحضارة الإسلامية الزاهية، فأخذ الكرد ينزلون مصر على هيئة رجال حكم وادارة وقادة عسكريين وجنوداً وتجاراً وطلبة علم خلال الحقبة الإسلامية الطويلة الممتدة عبر خمسة عشر قرنا من الزمان، ومن الكرد من استقر بمصر واتخذها دار سكن واقامه، ومع الزمن اندمجوا مع السكان وانقطعت جذورهم مع موطنهم الأول، ولم يبق لهم من تلك الصلة سوى الاسم، ومن صلب الذين استقروا في ديار مصر برز العديد من القادة العسكريين ورجال الإدارة والأدباء والشعراء والفقهاء والمحدثين والفنانين، وأسدوا خدمات جلى لوطنهم مصر، ومع ذلك لم ينكروا كرديتهم .

وفي مصر شكل الكرد لهم فيها دولتان عظيمتان، الأولى الدولة الأيوبية التي أسسها صلاح الدين الأيوبي وأسهمت في رد الغزو الصليبي عن المنطقة، وبناء نهضة اقتصادية وعمرانية وزراعية وثقافية يشهد لها التاريخ، مع إعادة نشر المذهب السني ونشره في مصر وبلاد الشام. أما الدولة الثانية فهي التي انشاها محمد علي باشا الكبير – اصله من أكراد ديار بكر – في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، واعتبر بحق مؤسس مصر الحديثة وصانع نهضتها العلمية والزراعية والعسكرية والصناعية.

كما نبغ في مصر طوال القرن العشرين عباقرة وقامات كردية كانوا من رواد حركة الإصلاح والتحرر والفكر والأدب والفن في مصر والعالم العربي، أمثال: الإمام المصلح محمد عبده، ومحرر المرأة قاسم أمين، والأديب عباس محمود العقاد، وأمير الشعراء احمد شوقي، والشاعرة عائشة التيمورية، والقاص محمود تيمور، والشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد، والباحث حسن ظاظا، والفنانة سعاد حسني، والمخرج السينمائي احمد بدرخان وابنه علي.. والكثير الكثير من الرموز الكردية التي ساهمت في صناعة نهضة مصر الحديثة. وفي هذا المقال المطول نسلط فيه الضوء على طبيعة العلاقة التاريخية بين الكرد ومصر منذ القدم وحتى اليوم. أن اقدم علاقة تاريخية سجلت بين الكرد والفراعنة المصريين ترجع إلى الميتانيين ( الحوريون) – أجداد الكرد – الذين شكلوا مملكة ميتاني في القرن السادس عشر حوالي سنة 1500ق.م، وعاصمتها ( واشوكاني) على نهر الخابور، وامتد نفوذها على جميع كردستان ، وعرفهم المصريون باسم نهارين، وشكلوا طبقة أرستقراطية كانت مسؤولة عن إدخال الحصان والعربة إلى المنطقة. وانتهت هذه المملكة في عهد الملك الآشوري ( آشور ناصربال) سنة 1335ق.م. وقد تعرضت مملكتهم للغزو المصري بزعامة تحتمس الأول، لكن الميتانيين استطاعوا التخلص من التبعية المصرية باتفاقهم مع الحثيين في أواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد واصبحوا يملكون قرارهم بنفسهم وأحرارا من السيطرة المصرية، لكن في المقابل كانت هناك علاقات وطيدة بين الطرفين ترسخت في عهد الملك الميتاني ( توشرتا نحو 1390ق. م) الذي وصفته الوثائق المصرية بالصديق الموالي لمصر، وكانت بينه وبين ملوك مصر رابطة مصاهرة ونسب، وله مراسلات مطولة مع امنحوتب الثالث ( توفي 1375ق. م). وامنحوتب الرابع( توفي 1358ق.م). ووجدت بعض من هذه الرسائل المتبادلة في تل العمارنة مكتوبة باللغة الميتانية في نحو ستمائة سطر. وكانت إحدى شقيقاته من بين زوجات امنحوتب الثالث، كما أن إحدى بناته المدعوة ( نفرتيتي) كانت زوجة امنحوتب الثالث ومن بعده امنحوتب الرابع. وفي إحدى رسائل الملك الميتاني الشهير( توشرتا ) التي كتبها لزوج أخته الفرعون المصري امنحوتب الثالث( توفي 1375 ق.م) يخاطبه بهذه الكلمات:

إلى ميمّوريا الملك العظيم، ملك مصر، أخي،

صهري الذي يحبني والذي أحبه،

هكذا يقول توشراتا الملك العظيم ، حموك،

الذي يحبك، ملك ميتاني، أخوك:

أنني في حالة حسنة، عسى أن تكون في حالة حسنة! وبيتك، وشقيقتي وسائر نسائك وأولادك،

ومركباتك وخيولك وجيشك،

وبلادك وجميع ممتلكاتك.

ليكثر السلام عليك!(1)

كما تأثر المصريون القدماء بالديانة الحورية في عهد ملكهم أمنحوتب الرابع ما بين عام (1371 – 1358 ق.م )، ومشاركة العديد من الأميرات الميتانيات مع أزواجهن في حكم مصر أمثال الملكة المشهورة ( نفرتيتي ).

نفرتيتي الميتانية على عرش مصر

نفرتيتي الملكة الميتانية الجميلة التي حكمت مصر في ظل ديانة التوحيد (1369 ق.م) هي زوجة الملك أمنحوتب الرابع الشهير بأخناتون ( 1369-1353 ق.م) عاشر فراعنة مصر من الأسرة الثالثة عشر، وأول من أعلن ديانة التوحيد بطريقة رسمية، ونادى بوحدانية الله الواحد الأحد، وكان يراه في قرص الشمس، وحطم الأصنام، وأعلن زهده.

واسمها ( نفرتيتي) يعني الجميلة المقبلة، كانت شريكة زوجها في إعلان التوحيد، وعاشت معه حياة وردية رقيقة، أنجبت له ست بنات، وشاء القدر أن يحرمها من إنجاب من يرث العرش، وشاركت زوجها في الحكم، وصفها زوجها بقوله:” مليحة المحيا، بهيجة بتاجها ذي الريشتين، تلك التي إذا ما أصغى إليها الإنسان طرب، سيدة الرشاقة، ذات الحب العظيم، تلك التي يسّر رب الأرضين صنعها”. كما وصفها في مناسبات أخرى:” الجديرة بالمرح، ذات الحسن، حلوة الحب، جميلة الوجه، زائدة الجمال التي يحبها الملك، سيدة السعادة، سيدة جميع النساء”. لذلك تميزت بجمالها وجاذبيتها، وشخصيتها القوية على زوجها وانعكاساتها على عصرها. تولت عرش مصر لفترة محدودة، ومنحت ألقاباً عديدة منها ” الزوجة الملكة العظمى” و” سيدة مصر العليا والسفلى، سيدة الأرضين”. ثم وقعت في محنة الردة التي شقيت بنتائجها بعد وفاة زوجها، انتهت حياتها بمأساة، لها تماثيل نصفية خلدت جمالها الرائع موجودة اليوم في متحفي برلين والقاهرة(2).. العصر الإسلامي

أما في العصور الإسلامية فقد ذهب الكثير من رجالات الكرد إلى مصر والقاهرة على شكل جنود وقادة عسكريين وطلبة علم لتلقي المعرفة من الجامع الأزهر، ومن الشخصيات الكردية التي برزت في مصر في العصر الفاطمي احمد بن ضحاك أحد الأمراء الكرد الذي تولى في عهد الخليفة الفاطمي القادر بالله مناصب هامة في الجيش المصري، واتفق أن جردت حكومة روما الشرقية جيشا على قلعة ( آفاميا ) بالقرب من نهر العاصي تحت قياد القادة دوقس ( داميانوس ــ دهلاسينوس )، واحتدمت المعارك بين الجيش الرومي والجيش المصري الذي كان بقياد القائد ( جيش بن محمد بن الصمصامة )، وأسفرت عن اندحار الجيش المصري الذي لم يبقى منه سوى خمسمائة خيال، في حين كان قائدة الجيش المنتصر يتمتع بنشوة الظفر من فوق ربوة عالية .

فلم يتمالك القائد الكردي احمد بن ضحاك من الاندفاع نحو القائدة الرومي فهجم عليه بمفرده وأراده قتيلا. وصاح عندئذ بصوت جهوري قائلا : ” أن عدو الله قد قضى نحبه “، فأثر ذلك على معنوية الجيش المصري المدحور وعاد إلى ميدان النضال فهزم الجيش الرومي، فكتب النصر بذلك للجيش الفاطمي(3).

وبرز أيضاً الملك العادل أبو الحسن سيف الدين علي بن سالار، وزير الظافر العبيدي صاحب مصر. وكان كرديا من عشيرة ( زرزائي ) الساكنة في إيران، وقد ربي في القصر بالقاهرة، وتقلبت به الأحوال في الولايات بالصعيد، فعين والياً على الإسكندرية، وتولى الوزارة للظافر في القاهرة في رجب سنة (543 هـ)، ونعت بالعادل أمير الجيوش. واستمر في الوزارة إلى أن قتل بيد حفيد امرأته أم عباس ( نصر بن عباس ) في يوم الخميس المصادف 6 محرم (548 هـ/ 1152م). بعد أن كان شهما مقداما ذا سطوة مع صحبته لأصحاب العلم والإصلاح. عمر بالقاهرة المساجد، وبنى مدرسة في الإسكندرية للشافعية(4).

الكرد يؤسسون الدولة الأيوبية في مصر

من أرض مصر استطاع البطل الكردي الخالد صلاح الدين الأيوبي ( 1137-1193م) من تأسيس دولته العظيمة التي استمرت اكثر من مائة عام، ومن القاهرة انطلق إلى الشرق لتوحيد بلاد الشام، ومن هناك قاد الجيوش الإسلامية لمقارعة الصليبين ودك معاقلهم واستطاع هزيمتهم وكسر شوكتهم عقب معركة حطين الشهيرة 1187م، والتي مهدت السبيل لاسترجاع القدس وتحرير المنطقة من الغزو الصليبي.

يعد الملك المنصور أسد الدين شيركوه أول من ولي مصر من الأكراد الأيوبيين. وهو أخو نجم الدين أيوب. وعمّ السلطان صلاح الدين. وكان من كبار القواد في جيش نور الدين زنكي بدمشق، وقد أرسله على رأس جيش إلى مصر (سنة 558هـ) لنجدة شاور بن مجير السعدي الوزير الفاطمي في مصر، واشتبك مع جيش ضرغام في بلبيس وانتصر عليه وحاصره في القاهرة، ومن ثم وقعت الفسطاط في يده، واستلم القاهرة وقتل ضرغام. وبعد ذلك نبذ شاور صداقة شيركوه ومنعه من دخول القاهرة. وعلى اثر ذلك أرسل شيركوه الأمير صلاح الدين لاحتلال بلبيس والشرقية، فلما علم شاور بالأمر استعان بملك القدس الصليبي وطلب مساعدته. وأرسل له جيشا قوياً ووجهه إلى بلبيس، ودافع شيركوه عن بلبيس ثلاثة اشهر دفاع الإبطال وانتهى الأمر باتفاق ملك القدس مع شيركوه وأخلى الاثنان مصر سنة 558هـ . رجع شيركوه مع جيشه إلى الشام. ولكن جيش ملك القدس خلافا للمعاهدة وبدسيسة من شاور بقي في مصر، وعلى أثر ذلك قرر السلطان نور الدين زنكي مع شيركوه احتلال مصر. وبعد ثلاث سنوات من الحملة الأولى قام شيركوه على جيش يربو على ألفين محارب وتوجه إلى مصر بقصد احتلالها سنة 562هـ، وبعد متاعب كثيرة وصل إلى الجيزة وتقابل مع جيش القدس الإفرنجي على الضفة اليسرى من نهر النيل، وعلى حين غرة هجم جيش القدس ولولا قيادة وحزم شيركوه لانتصروا عليه، ولكنه لم يقبل بالمصادمة وتوجه إلى الصعيد واشتبك في الحرب معه بالقرب من البابين وانتصر، واحتل الإسكندرية ونصب الأمير صلاح الدين قائدا عليها وترك نصف جيشه هناك، واخذ الباقي وتوجه إلى الصعيد. أما ملك القدس فقد انسحب بعد خذلانه إلى القاهرة واخذ معه جيش مصر وحاصر الإسكندرية وعلاوة على ذلك أرسل أسطوله لمحاصرة القلعة بحرا. فدافع الأمير صلاح الدين مقابل تلك القوة البحرية والبرية سبعين يوما دفاعا لا نظير له.

أما شيركوه فانه تقدم بالقسم الباقي من جيشه وحاصر مصر. فإدارة شيركوه الحازمة وبطولة الأمير صلاح الدين ادخل الذعر إلى قلوب الأعداء واضطرهم إلى طلب الصلح، فلم يقبل شيركوه الصلح إلا على شرط إخلاء مصر من قبل الطرفين.

وفي الواقع أخليت مصر ورجع شيركوه إلى الشام، ولكن بعد فترة قصيرة أرسل ملك القدس جيشا إلى بلبيس بقصد الاستيلاء على مصر وقام بافضع الأعمال فيها مما اجبر الحكومة الفاطمية نفسها أن ترسل هيئة من قبلها حاملة كتاباً وفي طيه جدائل نساء القصر تستغيث بالسلطان نور الدين زنكي. فأرسل السلطان شيركوه للمرة الثالثة على رأس جيش كبير إلى مصر قدر بحوالي سبعين ألفا. فلما وصل خبر جيش الشام إلى ملك القدس خاف عواقب عمله وعاد إلى القدس في سنة 564هـ.

وصل شيركوه إلى القاهرة واستقبله أهلها استقبالا حارا ورحبوا به، وعلم بان شاور بن مجير يأتمر به لقتله هو ومن ومعه من كبار القواد. فتعاون مع صلاح الدين على قتل شاور وأرسل رأسه إلى الخليفة ” العاضد” . الذي خلع عليه السلطنة ولقبه بالملك المنصور أمير الجيوش، وولاه الوزارة سنة 564هـ. ولم يقم غير شهرين وخمسة أيام. فتوفي فجأة سنة 564هـ /1169م. ودفن بالقاهرة. ثم نقل مع أخوه نجم الدين أيوب إلى المدينة المنورة ودفنا هناك، وقلد العاضد منصبه إلى ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي ولقبه بالملك الناصر(5).

تولى صلاح الدين الوزارة وقيادة الجيش ولقب بالملك الناصر، ثم أنهى حكم الفاطميين وأصبح صاحب السلطة في مصر واستقل بها.

بعد وفاة نور الدين زنكي شهدت الشام اضطرابات دعي صلاح الدين إلى ضبطها، فقام هناك بتهدئة الأوضاع وتوحيد البلدان حولها وبدأ إصلاحات فيها وكذلك في مصر التي بنى قلعتها الشهيرة ( قلعة الجبل) والعديد من المدارس والمستشفيات والمساجد والطرق، وحافظ على المذهب السني وأعاد نشره من مخالب التشيع الخطير آنذاك، وتتابعت إنجازاته حتى دانت له البلاد وأصبحت دولته الأيوبية تمتد من النوبة في أقصى جنوب مصر إلى بلاد الأرمن شمالا، ومن الجزيرة والموصل شرقا إلى برقة غربا، وحينها بدأ يكرس جهده لمواجهة حملات الصليبيين وغاراتهم.

تمكن صلاح الدين من توحيد شتات المسلمين بعد تفرقهم في دويلات متناحرة هيأت للصليبيين السيطرة على أراضيهم ومنها بيت المقدس سنين طويلة، وكان رجل سياسة وحرب بعيد النظر، كما عرف بعطائه وإنفاقه في سبيل الله حتى إنه لم يدخر لنفسه مالا ولا عقارا، وكان يهتم بإصلاح الشؤون العامة من عمران ومجالس علم وحلقات أدب. كما يسجل لصلاح الدين حماية المسيحيين الشرقيين وخصوصا أقباط مصر الذين أحبوه ووضعوا صورته في كنائسهم وأديرتهم، فصورة صلاح الدين المنشورة في جميع أرجاء العالم اليوم منقولة من كتاب روسي مأخوذ من دير قديم بمصر. ويدل البيتان الآتيان لحكيم الزمان عبد المنعم الأندلسي الذي هبط مصر في عهد صلاح الدين في نظم قصائد في مدحه، على أن المسيحيين في ذلك العهد رسموه ووضعوا رسمه في الكنائس؟ يقول :

فحطوا بأرجاء الكنائس صورة لك اعتقدوها كاعتقاد الأقانم

يدين لها قس ويرقى بوصفهـا ويكتبه يشفي به في التمائم

وعن هذا الموضوع كتب احمد زكي باشا المصري مقالة في مجلة” رعمسيس” يقول فيها: ” كان القبط يحبون هذا الملك العظيم صلاح الدين، الذي حماهم ورعاهم، وعرفوا في كل أيامه السعادة والهنا، وأي دليل على هذا اكبر من وضع صورته إلى جانب الأيقونة المقدسة”. كما كان صلاح الدين بطلا عربيا إسلاميا كرديا عالميا، ومن أهم الشخصيات في التاريخ الإسلامي، شهد له بذلك الشرق والغرب معا، ودخل الحروب وخرج منها مرفوع الرأس، مخالفا سير العظماء أمثال الاسكندر المكدوني ونابليون وغيرهما، فالاسكندر انتصر في البداية لكنه اندحر في النهاية ومات قتيلا على يد عبيده، ونابليون دوخ العالم لكنه مات منفيا مسموما في إحدى الجزر النائية… نعم سيبقى العالم يذكر انتصاراته وإنجازاته السياسية والعمرانية على مر الأيام والسنون، وخير من رثاه يوم وفاته والدته التي خاطبته بقولها:” سأضع سيفك في كفنك، وسيعرفك الله، فأنت سيفه”(6). وحكم مصر الملك العادل الكبير سيف الإسلام أبو الفتح محمد أبو بكر بن نجم الدين أيوب بن شادي بن مروان (1145ـ 1218م)، وكان نائب السلطنة بمصر عن أخيه صلاح الدين أثناء غيبته في الشام، وتنقل في الولايات إلى أن استقل بملك الديار المصرية (سنة 596 ) وضم إليها الديار الشامية، وأرمينية وبلاد اليمن حتى أصبح سلطان الدولة الأيوبية سنة 596هـ/1199م. ولما صفا له جو الملك قسم البلاد بين أولاده، وعاش ارغد العيش. ملكا ً عظيما ً حنكته التجارب، حسن السيرة محباً للعلماء. توفي بقرية (عالقين) في حوران سنة 615هـ/1218م، وهو يجهز العساكر لقتال الإفرنج، ودفن في مدرسته المعروفة إلى اليوم بالعادلية وهي المتخذة أخيرا ً دارا ً للمجمع العلمي” بدمشق. وفي أيامه زال أمر الإسماعيلية من ديار مصر، بعد أن قبض على كثير منهم، ولم يجسر أحد بعدها أن يتظاهر بمذهبهم(7).

شارك هذا الموضوع على