منان خلباش
رغم مرور عقود عديدة على رحيله، يبقى جكر خوين، الشاعر الأبرز والأشهر صيتا” والأكثر التصاقا” بقضايا اللغة الهوية والتراث والمكان، وآمال شعبه المضطهد وآلام وطنه الممزق إلى أجزاء وأطراف، بغية نسف وجوده وإبادة ثقافته المادية والمعنوية.
امتلك الشاعر جكر خوين منذ بداية مسيرته الأدبية والنضالية مفاتيح الوصول إلى الفئات والشرائح الشعبية واستطاع بأسلوبه الفريد أن يفجر الأسئلة الكبيرة، التي كان ينبغي عليه القيام بذلك، رغم الخطوط الحمراء والأسلاك الشائكة المتواجدة وبكثرة في أيامه، والتي كانت تكتسب صدى” قويا” من جانب الفئات والشرائح الشعبية التي كانت تصبو نحو الخلاص واليوم الجديد بعد تاريخ مثقل بالآلام والمرارة والجراح والأحزان.
لقد ذهب البعض إلى تسميته بـ “زرادشت العصر” لأنه أدرك، رسم واقع شعبه المرير وكذلك برع في إيجاد لفته الخطابية، التي يخاطب شعبه، وأن يزرع الأمل والشجاعة والإرادة الصلبة رغم الجهل والظروف المحيطة والأمراض والفقر والخوف والخنوع الذي سيطر على العقول؛ وبالتالي تم الابتعاد عن حقيقتهم التاريخية والاجتماعية والثقافية و حصول مقدار التشويش والتشويه الحاصل في تفكيرهم، وإدراكهم نتيجة ممارسات الطبقة الدينية والرموز العشائرية، خدمة للأطراف الغريبة والبعيدة والتوصل إلى نتيجة يائسة كانت تتردد كثيرا، بأنهم باتوا مثل الشجرة اليابسة لا خير فيهم..!
لقد مر جكرخوين منذ بداية شبابه بالكثير من الأحداث الكبرى، وفي أجواء تلك الأحداث من قيام الحرب العالمية الأولى ١٩١٤ وإلى انهيار الدولة العثمانية وتقسيم المنطقة حسب اتفاقيات سايكس – بيكو ١٩١٦ وإلى قيام الدولة التركية على أنقاض الدولة العثمانية، وكذلك تصاعد الثورات والانتفاضات الكردية في مواجهة السياسات الاستبدادية والعنصرية تجاه الأقوام الغير التركية، والتي جلبت الكثير من المآسي والكوارث والمجازر وحملات الإبادة والتهجير القسري وسياسات الإنكار والتتريك وما سوى ذلك.
لقد أدرك جكرخوين، مدى جسامة المسؤوليات التي تلقى على عاتقه أمام ما يحصل حوله من استبداد واستغلال وإنكار وظلم، واضطهاد لذلك، لم يتردد في المشاركة في ثورة الشيخ سعيد البيراني ١٩٢٥بكل ما لديه من إمكانات وكذلك التواصل مع الشخصيات الوطنية والثورية والانضمام إلى الهيئات والحركات السياسية والكتابة في الصحف والمجلات التي كانت تصدر آنذاك باللغة الكردية ومثل مجلة “Hawar” وكذلك “RojaNuh” و سواها.
وكان حريصاً على الكتابة باللغة الكردية رغم قدرته الكتابية باللغات العربية والتركية والفارسية إلا أنه أبى أن يكتب بغير اللغة الكردية، وبذلك جعل الكتابة باللغة الكردية عنوان المقاومة الثقافية، والتي ستكون أساس لكل عمل آخر نحو تأكيد الهوية الكردية والحقيقة التاريخية والاجتماعية والثقافية للشعب الكردي.
لم تكن اللغة أداة للتعبير عن آرائه وأفكاره فحسب بل كان الطريق الأقصر ليخاطب به شعبه ومحيطه لتأكيد الهوية ورفع مستوى الوعي، وعدَّ الكتابة باللغة الكردية سلاحا قويا في وجه سياسة الإنكار والصهر القومي والإبادة والاضطهاد والعبودية.
ولقد نجح في ذلك المسعى إلى حد بعيد، إذ باتت قصائده تحفظ غيبا وتتردد قصائده في المجالس والمناسبات وباتت موضوعاً للأغنيات، التي أبدعها المغنون العظام وتم انتشارها على نطاق واسع، وحتى تعدت حدود الزمان والمكان.
لقد كان جكرخوين يمتلك أفقا واسعا، ولم يكن ينسى نضالات الشعوب المضطهدة من أجل الحرية والاستقلال. كتب أشعارا وقصائد عن فلسطين والجزائر وفيتنام وكوبا وأنغولا وتغنى بنضال وكفاح الشعوب نحو الحرية والاستقلال والسلام.
يقول في قصيدة حول المغني الأمريكي الأسود، بول روبنسون:
” أيها الصديق روبنسون،
المغني العالمي
يا داعية السلام
المعلم والإنسان
في البحار والجبال
شجاع وقوي
في وجه دالاس
لونك الأسود أمام ناظري
صوتك الشجي
في مسامعي”
لم يكف جكر خوين عن الكتابة إلى آخر يوم في حياته ٢٢/ تشرين الأول/١٩٨٤. وما كتبه نحو ثمانية دواوين شعرية وكذلك كتب عن قواعد اللغة الكردية وقاموسا وكتب في تاريخ كردستان والملاحم والأمثال الشعبية والموروث الشعبي وكذلك في السيرة الذاتية التي تضمنت تجربته الحياتية والأدبية والسياسية.
وأخيرا، لم يكن جكرخوين مجرد شاعر، إنما كان أبعد من ذلك وبشهادة الكثيرين، كان مثقفا وثوريا ومناضلا بحيث، كان كل همه أن يستنهض الشعب من أوهامه وأثقاله، وأن يرمي كل ما في أحشائه من خوف وخنوع وأن ينطلق نحو الحياة الحرة بلا قهر واضطهاد وخنوع وضياع.
ويكفي ما قاله الأكاديمي، قناتي كردو مدير معهد الاستشراق في لينينغراد، عن جكرخوين، عندما قال يوما ما: “يحق لنا أن نكون سعداء، لأن شاعرا عظيما وتقدميا وديمقراطيا خرج من كردستان”.
صحيفة روناهي
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=78485





