الافتتاحية*
تمرّ سوريا بمرحلةٍ حسّاسة، وهي أمام سيناريوهات مختلفة من التطور والأحداث، في ظلّ صراعٍ داخلي لن تنتهي فصوله العنيفة بسهولة وفي زمنٍ قصير، وصراعٍ إقليمي ودولي عليها لن تتفق أطرافه بيُسر على تقاسم المصالح والنفوذ، لا سيّما وأنّ حكومة دمشق الانتقالية برئاسة أحمد الشرع لم تمتلك بَعد القدرات الكافية لخلق بيئة آمنة ومناخات صحية ورؤية سياسية واضحة ومعبّرة عن تطلعات كافة مكوّنات الشعب السوري، لأجل تحريك عجلة الاقتصاد والخدمات وإعادة الإعمار، وكذلك في تحقيق توازن بين الأطراف المتدخلة بالشأن السوري، دون تقديم تنازلاتٍ على حساب الداخل السوري، خاصةً وأنّ أنقرة تمارس وصايةً غير مسبوقة على دمشق، وإسرائيل تستمرّ في توغلاتها جنوب سوريا وتشن هجمات عسكرية على مواقعها كلّ فترة.
الرئيس الشرع وفريقه يجدون صعوبةً كبيرة في تقديم ضمانات كافية وخطوات عملية لإجراء إصلاحات سياسية ديمقراطية جذرية، تصون حقوق الشعب السوري بكافة مكوناته، ويواجهون مصاعب أكبر في تفكيك التنظيمات الإرهابية والمرتزقة المسلّحة، تشكيلات جهاديي الخارج وميليشيات ما سمي بـ»الجيش الوطني السوري» والمجموعات الأكثر تشدداً من «هيئة تحرير الشّام» وفصائل موالية لها؛ وكذلك في وضع حدٍّ لخطاب الكراهية والتحريض الطائفي والتكفيري لدى الحاضنة الشعبية لتلك الجماعات؛ فلا يجاهرون صراحةً ولا يصدرون تعاميم وتعليمات واضحة لردع العنف اللفظي والمادي المنفلت، حيث أنّ أحداث السّاحل السوري و»جرمانا وأشرفية صحنايا» بريف دمشق ومحافظة السويداء تؤكد على ضعف الحكومة في ضبط الأوضاع وتأمين الاستقرار على النحو المطلوب، فهي مسؤولة عن وقوعها بمنطق الدولة ولرعايتها لتلك الجماعات.
ورغم الأجواء السورية المضطّربة، استطاعت الأحزاب الكردية في سوريا برعاية مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية ودعم التحالف الدولي وأحزاب كردستانية، من عقد مؤتمرٍ في مدينة قامشلي، صدر عنه بيان ختامي باللغتين العربية والكردية، الذي لخّص ما صادق عليه المؤتمر، ورؤية سياسية مشتركة حول حلّ القضية الكردية العادلة في سوريا والقضايا الوطنية عموماً، الذي جاء موضع ارتياح وتأييد عموم الكُـرد في سوريا ومباركة كافة القوى الكردستانية والأصدقاء والأحرار، إلّا أنّ موقف الرئاسة السورية جاء سلبياً متسرعاً عبر بيان رسمي، فيما الرؤية المعتمدة لا تتناقض مع فحوى اتفاق الشرع – عبدي الموقع في 10 آذار.
كما أنّ إعلان حزب العمال الكردستاني في مؤتمره الأخير تلبيةً لنداء رئيسه المعتقل عبد الله أوجلان حلّ نفسه وهيكله التنظيمي وإنهاء الكفاح المسلّح الذي اتبعه أفرز أثراً إيجابياً في المنطقة وسوريا، وتتجه الأنظار إلى ما ستُقدم عليه أنقرة من تعديلات دستورية وإصدار قوانين جديدة تضمن حلّ القضية الكردية في تركيا وغيرها من قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلاد.
إعلان الرئيس دونالد ترامب لرفع العقوبات عن سوريا والمتوقع من قبل الاتحاد الأوربي أيضاً يشكّل فرصةٌ تاريخية للسوريين جميعاً، للتكاتف وطي صفحات الماضي العنيف الأليم، والالتفاف حول المشتركات الوطنية والإنسانية وأسس العيش المشترك، لأجل بناء سوريا جديدة، لعلّ حكومة الشرع تتحمل المسؤولية الكبرى في هذا المضمار، بحيث تلبي شروط الداخل السوري أولاً، وتلك التي طلبها الخارج ثانياً بما ينسجم مع مصالحنا الوطنية العليا، ولتتخلص سوريا من تصنيف دولةٍ راعية للإرهاب.
ومن المفيد لسوريا، أن تعلن حكومة الشرع انفتاحها حيال الرؤية السياسية الكردية المعلنة وتحاور حولها، وتعمل جاهدةً لإنهاء الاحتلال التركي لمناطق «عفرين، كري سبي/تل أبيض، سري كانيه/راس العين» وغيرها وإلغاء وجود الميليشيات فيها ولإعادة أهاليها المهجّرين، وتفتح المجال للعمل السياسي وتصدر قانون أحزاب عصري، دون استفراد أو إقصاء، لتبث روح الاطمئنان والثقة بين أبناء سوريا، وتعطي صورةً إيجابية أمام العالم.
—————
* جريدة “الوحـدة” – العدد /348/ – 15 أيار 2025م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=68876