الثلاثاء, مايو 7, 2024

خورشيد دلي: الإعلام الكردي … هل له بوصلة ؟ وهل هناك استراتيجية ؟

آراء

مع الثورة المعلوماتية التي أحدثتها الانترنيت، والتطورات الدراماتيكية التي تشهدها منطقتنا ولاسيما في العراق وسوريا، عقب ما عرف بثورات الربيع العربي، شهدت الصحافة الكردية نقلة نوعية، إذ تأسست عشرات القنوات التلفزيونية والإذاعات ووكالات الأنباء والصحف فضلاً عن مئات المواقع الإعلامية، على شكل فورة كبيرة، رافقها ظهور جيوش من الذين أُدخِلوا إلى الحقل الإعلامي دون ضوابط مهنية، عرفتها مهنة الصحافة في بقاع أخرى من العالم، وهو ما جعل هذا الحقل يحمل مؤشرات خطرة لجهة الدور والوظيفة والتأسيس لوعي جماهيري بحجم قضية الكرد وتطلعاتهم.

 كيف يمكن فهم رسالة الإعلام الكردي؟ وهل يحقق هذا الإعلام دوره المنشود؟ وهل يقدم معلومة يمكن البناء عليها في فهم الأشياء وتفسيرها والتصرف على أساسها؟ هل يقدم رؤية واقعية تساعد الآخر على تفهم قضيته وعدالتها ؟

من دون شك، طرح هذه الأسئلة وغيرها، تضعنا أمام حقيقة مرة، وقد تجد مثل هذه المرارة عندما تتحدث إلى الآخر، سواء أكان عربياً أو تركياً أو إيرانياً أو حتى من أي جنسية أخرى عن واقع قضية الكرد وتطلعاتهم القومية وحقوقهم التي حرموا منها عبر التاريخ، إذ ما أن تتحدث إلى هذا الآخر حتى يقول لك: أين إعلامكم ؟ لماذا لا تصل إلينا هذه المعلومات والحقائق ؟ وكثيراً ما يتحدث محدثك عن معلومات مشوهة إن لم نقل مغلوطة عن الكرد وتاريخهم وواقعهم.

قراءة بسيطة لواقع الإعلام الكردي، تضعنا أمام جملة من الوقائع السلبية في مهنة الصحافة وممارستها، ولعل من أهم الوقائع:                     

 1- صحافة حزبية : تشهد الساحة الكردية حالة غير صحية لجهة تأسيس أحزاب جديدة إلى درجة يستحيل حتى على المتابع أن يحفظ أسماء هذه الأحزاب أو عددها الذي تجاوز في سوريا على سبيل المثال 40 حزباً، معظمها دون فعالية، وهي غالباً ما تكون أقرب إلى العشائرية أو المناطقية أو العائلية أو حتى الشللية، وفي ظل هذه الظاهرة المرضية تجد أن لكل حزب موقع أو صحيفة هي أقرب إلى نشرة حزبية، غالباً ما تتحدث عن مآثر زعيم الحزب ولقاءاته وبياناته، في حين النتيجة المعرفية والمعلوماتية لهذا النموذج من الصحافة هي صفرية لجهة الوظيفة الإعلامية المنشودة.

  2 – صحافة الضد: معظم إن لم نقل جميع وسائل الإعلام الكردية تبدو أسيرة الصراعات الحزبية التي أنهكت الساحة الكردية، إذ أن قراءة سريعة لواقع هذا النموذج، تضعك أمام معادلة ضدية، وهكذا تجد كأن بعض القنوات التلفزيونية تعيش في صراع مع أخرى، كما يمكن تلمس ذات الشيء بين مواقع إخبارية منتمية لتيارات سياسية متنافسة، وفي حمأة الصراع تكون مهنة الصحافة وقيمها وأخلاقها هي الضحية وهو ما ينعكس في الشارع الكردي صراعاً واضطراباً  وتوتراً معرفياً.

 ولعل الخبر الذي نشره أحد المواقع قبل أيام عن إقالة الجنرال مظلوم عبدي وتعيين محمود برخودان بدلاً منه في قيادة قوات سوريا الديمقراطية ( قسد ) يشكل نموذجاً لهذه الأخبار، في حين كان يمكن ببساطة أن يتصل محرر الخبر المذكور بالجهات الرسمية في قسد وتتأكد من صحة الخبر قبل نشره كي لا تحدث مثل هذه البلبلة.

 ولعل نشر مثل هذه الأخبار دون قواعد مهنية، تزيد من حالة التوتر وتوجيه الاتهامات وشن حملات إعلامية إلى حد اتهامات متبادلة بالعمالة والخيانة.

3- الافتقار إلى المهنية والموضوعية: من يدقق في الخطاب الإعلامي الكردي، سيجد الافتقار إن لم نقل غياب المهنية، فمعظم الخطاب الإعلامي الكردي يغلب عليه الطابع الايديولوجي والحزبي، كما أن اللغة المستخدمة هي غالباً ما تكون لغة الخطابات والايديولوجية وأحياناً الشعر، في حين يقوم الإعلام اليوم على البساطة واللغة السهلة والمعلومة والرقم والصورة والوثيقة والحصول على موقف من الجهة المعنية سواء أكان مسؤولاً أو حزباً.. وما إلى ذلك من المعطيات الحسية التي تترك في نفوس المتلقي أثراً معرفياً.

 وبموازاة هذا الافتقار المهني تبدو الموضوعية والتوازن والتحليل المنطقي والخلاصات وغيرها من المعايير المهنية المعتمدة في حقل ممارسة الإعلام غائبة، وهو ما يشير إلى ضعف كبير في خبرة الكوادر الإعلامية، والقائمين على إدارة المؤسسات الإعلامية الكردية.           

 4- الكوادر الإعلامية: من أين تأتي وسائل الإعلام الكردية بكوادرها الإعلامية ؟ هل مثلاً هم خريجو كليات الإعلام ؟ وما هي المعايير التي تعتمدها هذه الوسائل في اختيار كوادرها؟ هل هو  الولاء الحزبي مثلاً أم الخبرة والمؤهلات الإعلامية ؟ مع الإشارة إلى أنه ليس بالضرورة أن يكون كل خريج كلية إعلام هو إعلامي ناجح بالضرورة، وليس كل من لم يدرس الإعلام لا يمكن أن يكون إعلامياً ناجحاً، إلا أن المعايير الإعلامية الواجب توفرها في إدخال أي شخص إلى مؤسسة إعلامية تبقى ضرورية، نظراً لأن نجاح هذه الوسيلة في تحقيق وظيفتها ودورها وإيصال رسالتها يتوقف أولاً وأخيراً على هذا الشخص.                                   

 5 – بوصلة الخطاب: أحد أهم المعايير العلمية لنجاح وسيلة إعلامية ما، هو تحديد الجمهور الذي ينبغي أن تخاطبه، وفي معرفة القضايا والأجندة التي ينبغي طرحها وإثارتها، وما نلاحظه في خطاب معظم وسائل الإعلام الكردية وكأنه مسخر لخدمة الصراعات الحزبية الداخلية وليس لطرح القضية الكردية كقضية شعب محروم من حقوقه ويسعى إلى نيلها بوصفها قضية مشروعة، وهكذا تجد أن هذا الخطاب من دون بوصلة تخدم القضية بقدر ما تزيد من الشقاق الداخلي وفقدان الثقة.                     

 6- الكم على حساب النوع : تقول التقارير إن عدد العاملين في حقل الإعلام وأقصد هنا المسجلين الرسمين في إقليم كردستان العراق بلغ نحو 10 آلاف شخص، دون شك أنه رقم كبير يضاهي عدد الجيوش في بعض دول العالم، كذلك فإن عدد المواقع الاعلامية الكردية في سوريا يفوق التصور وهو في ازدياد مستمر، والسؤال هنا، هل هناك حاجة فعلية إلى هذا الكم الهائل من الجيوش الإعلامية والمواقع؟ هل المادة الإعلامية لتغطية البث والنشر متوفرة ؟ وكيف يتم التعويض عن نقص هذه المادة ؟

بنظرة دقيقة لمعظم المادة الإعلامية المنشورة في هذه الوسائل تضعك أمام أسوأ ظاهرة في الإعلام الكردي، وهي ثقافة النسخ واللصق دون أي معايير مهنية أو ضوابط أخلافية إلى درجة أن بعض المواقع تنشر مقالات لكاتب ما دون الإشارة إلى المصدر الأصلي الذي نشر المقال، مع أن مثل هذا الأمر يعد من الجرائم التي يحاسب عليها القانون في دول متقدمة.

 الظاهرة الأخرى السيئة جداً في حقل الإعلام الكردي، هو نسب الوسيلة الإعلامية أخبارها إلى مصادر خاصة دون أي معيار مهني في التعامل مع المصادر وكيفية اعتمادها، إذ أن كلمة مصدر خاص باتت كلمة سحرية ومرادفة لنشر الأخبار المدسوسة والكاذبة والتي تثير الفتنة والشقاق والقلق والخلافات. والسؤال هنا، ماذا ستخسر الوسيلة الإعلامية إذا أشارت إلى مصدرها أو حددته ؟ أليس أفضل ذلك لمصداقيتها ؟ ربما يتفهم البعض ذلك في حالات نادرة وهي غالباً حالات أمنية خاصة إلا أن ذلك لا يعني أن يصبح مثل هذا السلوك قاعدة عامة في ممارسة مهنة الاعلام. 

في الواقع، هذه النقاط وغيرها تشكل نقاط ضعف خطرة تهدد تجربة الإعلام الكردي ومستقبله، وهو ما يتطلب من المعنيين التفكير في وضع استراتيجية بعيدة المدى من أجل اعلام يعبر عن طموحات الكرد ورسالتهم، تخرج المؤسسات الإعلامية الكردية من الحالة الحزبية الضيقة التي تشبه الدكاكين، وهذا أمر ممكن في ظل الانتشار الإعلامي الكبير وتوفر الظروف التقنية والبشرية شرط توفر التخطيط والإرادة والأموال والإيمان بأهمية ودور هذا المشروع الحيوي بعد أن تحول الإعلام إلى أهم سلاح في عصرنا الرقمي، وفي الطريق إلى ذلك، لا بد من طرح أسئلة أساسية، وفي مقدمة هذه الأسئلة، هل يمكن التفكير بإقامة مؤسسات إعلامية كبرى على غرار الشبكات الإعلامية الدولية ؟ هل يمكن انشاء إعلام قادر على إيصال رسالته إلى دول وشعوب العالم ؟ هل يمكن استمالة إعلاميين عرب وأتراك وإيرانيين إلى العمل في المؤسسات الإعلامية الكردية ؟ هل يمكن الاستفادة من الإعلاميين الكرد الذين شقوا بجهود ذاتية صعبة طريقهم إلى بعض المؤسسات الإعلامية الإقليمية والعالمية ؟ هل يمكن جلب شبكات إعلامية كبرى أو على الأقل مراسليها إلى العمل الإعلامي في المناطق الكردية ؟

أسئلة كثيرة ينبغي التفكير بها من أجل الوصول إلى إعلام كردي منشود بمستوى التحديات ومتطلبات الثورة المعرفية.

نورث برس

شارك هذا الموضوع على

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *