الجمعة, مارس 29, 2024
حقوق الإنسانرئيسي

رابطة حقوقية: تصاعد منحى الهجمات التركية على شمال شرق سوريا يُهدد حياة المدنيين ويعرض حقوقهم الأساسية للخطر

اشتعال النيران في حقل نفطي بريف المالكية/ديريك، بتاريخ 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، نتيجة القصف التركي على شمال شرق سوريا. مصدر الصورة: Mohammed Hassan ©

قالت رابطة “تآزر” للضحايا في تقرير إن تركيا لم تُراع في هجماتها على شمال وشمال شرق سوريا، خلال تشرين الثاني/نوفمبر 2022، حماية حياة المدنيين، وعمدت إلى تنفيذ غارات جوية مترادفة/متتالية على مشفى ومحطة لتوليد الكهرباء، مُستهدفةً في القصف الثانِ مدنيين حاولوا إسعاف ضحايا القصف الأول، وصحفيين أرادوا تغطية آثاره، مما أسفر عن مقتل 11 مدني، بينهم صحفي، وإصابة آخرين.

وجاء في نص التقرير:

ملخص تنفيذي:

تصاعدت وتيرة الهجمات العسكرية التركية على مناطق في شمال وشمال شرق سوريا، خلال النصف الثاني من عام 2022، ووصلت ذروتها منذ 20 تشرين الثاني/نوفمبر، حيث قصفت الطائرات التركية مناطق مأهولة بالسكان وعدداً من المنشآت الحيوية ومصادر النفط والطاقة، ما أدى إلى مقتل 11 مدني، بينهم صحفي، وإصابة آخرين.

تزامنت الهجمات/الاعتداءات التركية الأخيرة، مع إعلان الجيش التركي عملية أسماها “المخلب-السيف” في شمال سوريا والعراق، بتاريخ 20 تشرين الثاني/نوفمبر، قال إنّها جاءت رداً على الانفجار الذي وقع في “شارع الاستقلال” في إسطنبول، يوم 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، وأدى لمقتل 6 أشخاص وإصابة أكثر من 80 آخرين، حيث اتهمت “أنقرة” قوات سوريا الديمقراطية – قسد بالوقوف خلفه. لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الانفجار الذي وقع في الشارع المخصص للمشاة في العاصمة التركية، كما نفت قسد مسؤوليتهما عنه.

اقتصرت العملية التركية على الهجمات الجوية، بواسطة عشرات الطائرات الحربية والمسيّرة، وهي العملية التركية الأكبر منذ عملية “نبع السلام”، في تشرين الأول/أكتوبر 2019، التي احتلت تركيا خلالها المنطقة الممتدة بين رأس العين/سري كانيه وتل أبيض شمال شرق سوريا.

استهدف القصف الجوي التركي أعياناً مدنية[1]، من بينها مدرسة ومشفى مُجهّز للأطفال، تمَّ استخدامه سابقاً لاستقبال مصابي “كورونا” في كوباني/عين العرب في ريف حلب. ومركز/صوامع لتخزين الحبوب في ريف الدرباسية بالحسكة، إضافةٍ إلى محطة لتوليد الكهرباء في ريف المالكية/ديريك.

عمدت تركيا إلى تنفيذ ضربات جوية متتالية على موقعين على الأقل، هما مشفى الأطفال في كوباني ومحطة الكهرباء في ريف المالكية/ديريك، فبعد قصفها كل من الموقعين، قامت بقصف تلك المواقع مرةً أخرى بعد تجمع فرق طبية ومدنيين وصحفيين في مواقع القصف الأولى.

وقد أدّت تلك الهجمات إلى مقتل 11 مدنياً، بينهم صحفي، قُتل أثناء أداء عمله في ريف المالكية/ديريك، فيما جُرح آخرون. أفادت “لجنة حماية الصحفيين” أن المنطقة التي كان يغطيها كانت هدفا لغارة جوية منفصلة في نفس الموقع قبل ساعات فقط.

تزامن استهداف مدرسة ابتدائية ومشفى مُجهز للأطفال في كوباني، مع اليوم العالمي للطفل، الذي يصادف 20 تشرين الثاني/نوفمبر من كلّ عام، ويدعو إلى الحماية والصحة والسلام لجميع أطفال العالم، ويُكرس للدفاع عن حقوق الطفل وتعزيزها والاحتفال بها، وترجمتها إلى نقاشات وأفعال لبناء عالم أفضل للأطفال.

عقب يوم واحد، أي بتاريخ 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، أعلنت وزارة الدفاع التركية عن انتهاء عمليتها السريعة شمال سوريا والعراق، وقال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، إنَّ طائراتهم قامت بتنفيذ 89 غارة جوية. لكن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” قال في تصريحات صحفية أثناء عودته من قطر، التي زارها للمشاركة في افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم، إن عملية “المخلب – السيف” في شمال سوريا والعراق لن تقتصر على الضربات الجوية فقط، مشيراً إلى أن بلاده ستُحدد حجم القوات البرية التي ستشارك في هذه العملية.

اتسع نطاق الهجمات التركية بعد ذلك، لتشمل مناطق جديدة في ريفي الحسكة ودير الزور، ووصلت حتى “مخيم الهول”، وأخذت منحاً أكثر عدائية، حيث قصفت الطائرات التركية عدداً من المنشآت الحيوية ومصادر النفط والغاز والكهرباء، ما أدى إلى خروج العديد منها عن الخدمة وحرمان مئات آلاف السكان من الطاقة، وتضرر ملايين آخرين في عموم الجغرافية السورية. في الوقت الذي تعاني المنطقة من بنى تحتية متهالكة أساساً، بسبب النزاع الدائر في البلاد منذ 2011.

هذا التطور في منحى الاعتداءات التركية على مناطق شمال شرق سوريا، مؤشر على نيّة تركيا بتدمير اقتصاد المنطقة وحرمان سكانها من الخدمات والحقوق الأساسية.

أثرت الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للطاقة بشكل كارثي على حياة سكان شمال شرق سوريا، التي باتت ملجأ لمئات آلاف النازحين داخلياً، وأدت إلى تفاقم الأزمة الإنسانية القائمة، حيث أسفر هجوم على محطة توليد الكهرباء بالقرب من المالكية/ديريك، إلى انقطاع كبير في الكهرباء في مختلف مناطق محافظة الحسكة، كما إنّ محطة الكهرباء تلك تغذي محطة مياه علّوك، التي تعتبر مصدراً رئيسياً للمياه في الشمال السوري، حيث تلبي احتياجات 800.000 شخص من سكان المنطقة، لا سيما سكان مدينة الحسكة وبلدة تل تمر وضواحيهما، كما يتم نقل المياه منها بالشاحنات لمخيمات الهول والعريشة وواشو كاني/التوينة، وذلك بحسب اللجنة الدولة للصليب الأحمر.

كما أدى استهداف منشآت النفط والغاز إلى تفاقم النقص الحاد في الوقود، الذي كان يشكّل أصلا أزمة في شمال شرق سوريا، ما زاد من معاناة المدنيين في توفير غاز الطهي ووقود التدفئة في الشتاء.

لقد أدّت الهجمات التركية إلى عمليات نزوح بالفعل، ومن المرجّح أن يؤدي الهجوم في حال استمراره والبدء بعملية عسكرية برّية إلى نزوح مئات آلاف السكان، وهو ما سيُجهد الاستجابة الإنسانية التي بلغت بالفعل حدود إمكاناتها بفعل التوغلات السابقة.

وقالت “هيومن رايتش ووتش” في تقرير لها صدر بتاريخ 7 كانون الأول/ديسمبر 2022، إنَّ “الغارات الجوية التركية التي بدأت في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 ألحقت أضرارا بالمناطق المكتظة بالسكان والبنية التحتية الحيوية في شمال وشمال شرق سوريا، وفاقمت الأزمة الإنسانية الكارثية القائمة والتي تؤثر على الأكراد، والعرب، والمجتمعات الأخرى في المنطقة”.

وانضمت “تآزر” إلى 199 منظمة سوريّة في بيان صدر بتاريخ 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، يدين بشدّة التهديدات والأعمال العدائية المتكررة في الشمال السوري ويطالب مجلس الأمن الدولي بالتدخل الفوري لوقفها، واتخاذ إجراءات حازمة لمنع زعزعة الاستقرار وعدم السماح بأي عمليات عسكرية جديدة في شمال سوريا، لا سيما وأن العمليات العسكرية السابقة قد أدت إلى تشريد عشرات الآلاف من السكان الأصليين، وتوثيق انتهاكات لحقوق الإنسان، لا حصر لها، من قبل المنظمات الدولية والهيئات الأممية المستقلة حول سوريا.

 

المسؤولية القانونية:

لم تُراع تركيا في هجماتها الجوية على مناطق شمال وشمال شرق سوريا، حماية حياة المدنيين، علماً أن الغارات التركية جاءت بعد أيام فقط من تبني تركيا و81 دولة أخرى إعلان سياسي يسعى إلى تحسين حماية المدنيين حول العالم من استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة.

استمرت الحكومة التركية في قصف المناطق الآهلة بالسكان، وهو ما يخالف المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي، ويشكّل انتهاكاً لقوانين النزاع المسلّح. تحظر قوانين الحرب بشدة الهجمات التي تستهدف المدنيين أو الأعيان المدنية ما لم تكن لأغراض عسكرية، وتحظر الهجمات العشوائية التي لا تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية.

بموجب القانون الدولي، على القوات المسلحة التركية اتخاذ جميع التدابير الممكنة لتجنب الخسائر في أرواح المدنيين، وإصابة المدنيين، وإلحاق الضرر بالأعيان المدنية أثناء العمليات العسكرية، وتقليلها في كل الأحوال. أي أنَّه عليها التقيد الصارم بالمعايير والإجراءات الدولية فيما يتعلق بوسائلها وأساليبها الحربية المصممة لمنع وقوع إصابات في صفوف المدنيين، وعليها الإبلاغ بشكل دائم وشفاف عن الغارات الجوية وخسائر العدو والمدنيين.

في جميع الأحوال، على السلطات التركية بدء تحقيق شامل ونزيه بسرعة في أي خسائر مدنية تنجم عن عملياتها ينبغي أن تحدد المسؤولين عن وفيات المدنيين الناجمة عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي، وتحاسبهم وأن تقدم تعويضات عن الوفيات والإصابات غير المشروعة في صفوف المدنيين، وتعويضات مناسبة عن الأضرار التي لحقت بهم.

 

التحذير الأمريكي:

بتاريخ 18 تشرين الثاني/نوفمبر2022، حذرت الولايات المتحدة الأمريكية، عبر قنصليتها في أربيل/هولير بإقليم كُردستان العراق، مواطنيها من السفر إلى مناطق شمال سوريا وشمال العراق، تحسباً لعمل عسكري تركي مُحتمل في المنطقة.

التحذير الأمريكي جاء بعد أيام من تفجير وقع في “شارع الاستقلال” وسط مدينة إسطنبول، بتاريخ 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، أسفر عن مقتل ستة أشخاص وإصابة 81 آخرين.

عقب التفجير مباشرة أعلنت مديرية الأمن العامة في إسطنبول، إلقاء القبض على منفذة التفجير، وقالت إنها امرأة تُدعى “أحلام البشير”، تلقت تدريبات على يد قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب في شمال شرق سوريا.

الاتهامات التركية قُوبلت بالرفض من قبل قوات سوريا الديمقراطية، التي نفت الرواية التركية ووصفتها بالمُضللة وقالت في بيانٍ لها “ننفي تماماً أي علاقة أو دور لنا في تفجير مدينة إسطنبول”.

وفي 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، أصدر حزب الاتحاد الديمقراطي ((PYD الذي يشكّل نواة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بيانًا قال فيه: “إنَّ تركيا تُهيئ الأرضية لهجمات جديدة على مناطقنا من خلال اتهاماتها لقواتنا ومناطقنا في انفجار إسطنبول”. جاء ذلك على لسان الرئيس المشترك لـحزب الاتحاد الديمقراطي “صالح مسلم” الذي أضاف أيضاً أنَّ “تركيا هيّأت سيناريو التفجير وسيشنون هجوماً عندما تحين لهم الفرصة” حسبَ تعبيره.

 

التهديد التركي:

على الرغم من نفي قوات سوريا الديمقراطية “قسد” الاتهامات التركية، لم تتوانَ تركيا في شن ضربات جوية على مناطق عدة في شمال وشمال شرق سوريا، أسفرت عن وقوع ضحايا مدنيين، وتفاقم الأزمة الإنسانية الكارثية القائمة.

عقب الغارات التركية توعدت قوات سوريا الديمقراطية في بيان بالرد على القصف التركي في الزمان والمكان المناسبين. وقالت: “لن تبقى هجمات دولة الاحتلال التُّركيّ هذه دون رَدٍّ، في المكان والزَّمان المُناسبين سنرُدُّ، وبشكل قويّ ومؤثِّرٍ عليها”.

منذ أيار/مايو 2022، يُهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتوغل عسكري جديد في شمال شرق سوريا. هذا التوغل المخطط له سيكون الرابع لتركيا في شمال سوريا منذ عام 2016، حيث تصاعدت هجمات الطائرات المسيّرة التركية والقصف من قبل قواتها والقوات السوريّة المدعومة منها، على مدن وبلدات شمال شرق سوريا، ما أسفر عن مقتل وإصابة مدنيين بينهم أطفال.

جميع العمليات العسكرية التركية في سوريا منذ 2016 كانت حافلة بالانتهاكات، رافقت تلك العمليات العسكرية تهديدات وأعمال عدائية متكررة في قرى وبلدات ومدن الشمال السوري أدت إلى زعزعة الاستقرار النسبي في هذه المناطق، التي باتت ملجأ لمئات آلاف النازحين داخلياً من مختلف الجغرافية السورية المنكوبة.

 

الاعتداءات التركية تفاقم الأزمة الإنسانية:

ألحقت الغارات الجوية التركية أضراراً بالعديد من المناطق السكنية والمرافق الخدمية والمنشآت الحيوية في شمال وشمال شرق سوريا، في وقتٍ تعاني فيه المنطقة من اقتصاد متدهور وبنى تحتية متهالكة أساساً.

بتاريخ 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، نفذت الطائرات التركية ثماني غارات جوية، على الأقل، على مدينة كوباني/عين العرب، حيث استهدف القصف مواقع مختلفة، من بينها تلة “مشتنور” وغابة كوباني، ما أدى إلى تدمير مدرسة ومشفى مُجهّز للأطفال، تمَّ استخدامه سابقاً لاستقبال مصابي “كورونا”.

كما أصيب الصحفي “محمد جرادة” مراسل قناة Stêrk TV، أثناء قيامه مع صحفيين آخرين بتغطية آثار القصف الذي طال مشفى الأطفال فوق تلة “مشتنور” في كوباني، حيث تعرض الموقع نفسه لهجمتين مترادفتين/متتاليتين، فبعد تعرض موقع المشفى لغارة أولى وتوجه طواقم طبية وصحفيين وآخرين غيرهم إلى الموقع، قصفت الطائرات التركية ذات الموقع مرةً أخرى، ما أسفر عن إصابة “جرادة” بجروح في رأسه، وتمَّ نقله من قبل زملائه إلى مشفى آخر. نشرت القناة مقطع فيديو للغارة الجوية على المستشفى ونقل مراسلها إلى مستشفى آخر.

روى الصحفي “جهاد نبو” لـ “تآزر” مشاهداته حول تفاصيل الهجمات التركية على مدينة كوباني، فقد واكب الأحداث عن قرب، كونه يعمل لصالح وسيلة إعلامية إقليمية كردية.

“مع حلول فجر يوم 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 تعرضت عدة مواقع في مدينة كوباني لغارات جوية تركية، بينها تلة “مشتنور” التي قُصفت بأربع صواريخ حربية متتالية، خلفت أضراراً مادية جسيمة في المنطقة المأهولة بالمدنيين، رغم خلوها من أيّ مواقع عسكرية”.

صور رقم (1) و (2)، تُظهر الدمار الذي لحق بالمشفى المُجهز للأطفال في كوباني، نتيجة تعرضه لغارة جوية تركية بتاريخ 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2022. مصدر الصور: وكالة أنباء هاوار.

كما استهدف القصف التركي مدرسة قرية “كوران” الابتدائية بريف كوباني الشرقي، ودمرها بالكامل، ما نشر الخوف والهلع بين الطلاب وسكان القرية. حرمت الهجمات التركية آلاف الأطفال من متابعة تعليمهم، بسبب تعليق الدوام المدرسي في 19 مدرسة ابتدائية بريف كوباني، والتي تقع بالقرب من خطوط التماس مع مناطق نفوذ القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض التي تدعمها “أنقرة”، وتتعرض لقصف متكرر من قبل تركيا وحلفائها.

وعبّر شاهد من قرية “كوران” في كوباني لـ “تآزر” عن نيّته في الهجرة مع عائلته، بسبب انعدام الأمان إثر الهجمات والتهديدات التركية المستمرة على مناطق في شمال وشمال شرق سوريا، وخاصةً كوباني ومنبج وتل رفعت شمالي حلب، وتحدث قائلاً:

“حُرم ابني الوحيد، وهو طالبٌ في الصف الثالث الابتدائي من التعليم، لأن تُركيا قصفت مدرسته، وتمَّ تعليق الدوام المدرسي في العديد من مدارس كوباني إثر ذلك، والآن يصعب عليّ إقناعه بالبقاء في المنزل، فهو يبكي يومياً طالباً ارتياد مدرسته المُدمرة، لذا قررت الهجرة مع عائلتي خارج سوريا، فلا مأمن لنا هُنا، طالما أن الجارة تركيا ترى مدارس أطفالنا خطراً على أمنها”.

تزامن استهداف مدرسة ابتدائية ومشفى للأطفال في كوباني، مع اليوم العالمي للطفل، الذي يصادف 20 تشرين الثاني/نوفمبر من كلّ عام، ويدعو إلى الحماية والصحة والسلام لجميع أطفال العالم، ويُكرس للدفاع عن حقوق الطفل وتعزيزها والاحتفال بها، وترجمتها إلى نقاشات وأفعال لبناء عالم أفضل للأطفال.

صورة رقم (3)، تُظهر الدمار الذي لحق بمدرسة قرية “كوران” الابتدائية بريف كوباني، نتيجة تعرضها لقصف جوي تركي بتاريخ 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2022. مصدر الصورة: هيئة التربية والتعليم – إقليم الفرات.

وأضاف شاهد/مصدر آخر من كوباني[2] لـ “تآزر” أنَّ القصف الجوي التركي طال مواقع عدة بين تل أبيض وكوباني، وأسفر عن مقتل عنصر وإصابة آخر من القوات الحكومية السورية التي تتولى مهمة حماية الحدود السورية التركية.

وفي ريف مدينة الدرباسية، استهدفت الغارات التركية صوامع تخزين الحبوب في قرية “ظهر العرب“، ما ألحق ضرراً كبيراً بها، فضلاً عن استهداف مناطق مأهولة بالسكان بلدة أبو راسين/زركان شرقي رأس العين/سري كانيه، ونقاط تابعة للقوات الحكومية السورية.

صورة رقم (4) تُظهر آثار القصف التركي على صوامع الحبوب في قرية “ظهر العرب” بريف الدرباسية، بتاريخ 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2022. مصدر الصورة: وكالة Baz الإخبارية.

وقال شاهد من ريف بلدة أبو راسين/زركان[3]، التقت به “تآزر”، يوم 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، إنّ القصف الجوي التركي أودى بحياة ثلاثة عناصر من القوات الحكومية السورية في قرية “تل حرمل” بريف البلدة الشمالي.

كما قالت الوكالة العربية السورية للأنباء “سانا“، وهي الوكالة الرسمية التابعة للحكومة السورية، إنَّ عدداً من عناصر القوات الحكومية قُتلوا نتيجة الاعتداءات التركية على الأراضي السورية في ريفي حلب والحسكة، فجر يوم 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2022.

وكانت الهجمات التركية أكثر عداءً في المنطقة الممتدة بين القامشلي/قامشلو والمالكية/ديريك، حيث استهدفت تركيا مناطق مأهولة بالسكان وبنى تحتية حيوية، من بينها محطة للكهرباء وعدد من حقول النفط والغاز. هذا التطور في منحى الاعتداءات التركية على مناطق شمال شرق سوريا، مؤشر على نيّة تركيا بتدمير اقتصاد المنطقة وحرمان سكانها من الخدمات والحقوق الأساسية.

وكانت محطة تحويل الكهرباء في قرية “تقل بقل” قد تعرضت لهجمتين مترادفتين بشكل متوالٍ، فبعد أن قُتل عامل في المحطة وأصيب آخرون نتيجة الغارة الأولى، وحينما وصل مدنيون يقطنون الجوار إلى الموقع وبدأوا بإسعاف الجرحى، قصفت الطائرات التركية الموقع ذاته مرةً أخرى، وقتلت 10 مدنيين آخرين، بينهم عدة مسعفين، وصحفي قُتل أثناء أداء عمله، كما أصيب أكثر من 10 آخرين بجروح مختلفة، فضلاً عن خروج المحطة عن الخدمة، وانقطاع الكهرباء عن أكثر من 60 قرية في ريف المالكية/ديريك.

وكان الصحفي “عصام عبد الله” مراسل “وكالة أنباء هاوار”، والذي عُثر على جثته وكاميرته محترقة في الموقع الذي تعرض لهجمتين متتاليتين، وقال ناجِ قابلته “تآزر” إنَّ الضحية كان يقوم بتصوير آثار الغارة الأولى، بينما كان هو وآخرون يحاولون إسعاف الجرحى. طالبت لجنة حماية الصحفيين [4] السلطات التركية بإجراء تحقيق كامل وشفاف على الفور حول ما إذا كان مراسل وكالة أنباء هاوار وصحفيين آخرين قد استُهدفوا خلال الغارات الجوية التركية في المنطقة، وقال شريف منصور، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين، إنَّ “الصحفيون مدنيون ويجب حمايتهم أثناء قيامهم بعملهم“.

تحدثت “تآزر” إلى “سعيد علي” (36 عاماً)، وهو ناجِ من القصف الجوي المتتالي الذي استهدف محطة توليد الكهرباء في قرية “تقل بقل” بريف المالكية/ديريك.

أُصيب “علي” أثناء تفقده لضحايا القصف الأوَّل، ذلك نتيجة تعرض الموقع لقصفٍ ثانٍ، حيث وصف مشهد قائلاً:

“عند تعرض المحطة لقصف جوي، هرولتُ مسرعاً مع آخرين من أبناء القرية نحو مكان القصف لإنقاذ العاملين في المحطة، لكن وبينما كنا نسعف المصابين، تعرضت المحطة لقصف ثانٍ، أدى إلى إصابتي بجروح عدة، أُسعفتُ على إثرها إلى المشفى الوطني في مدينة ديريك”.

صورة رقم (5)، تُظهر آثار الدمار في محطة الكهرباء في قرية “تقل بقل” بريف المالكية/ديريك بعد قصفها مرتين متتاليتين من قبل الطائرات التركية، بتاريخ 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2022. مصدر الصورة: وكالة أنباء هاوار.

وابتداء من 20 تشرين الثاني/نوفمبر، كان القصف عنيفا بشكل كبير، حيث أنّه تم القصف 108 مرّة على مناطق مختلف في شمال وشمال شرق سوريا، وكانت بلدة زركان/أبو راسين كذلك ضمن هذا الاستهداف،

وتعرضت بلدة أبو راسين/زركان شرقي رأس العين/سري كانيه وقراها أيضاً لقصف جوي تركي، فضلاً عن تعرضها بشكل مستمر لقصف مدفعي وصاروخي من قبل تركيا وفصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض التي تدعمها “أنقرة”.

التقت “تآزر” بشاهدة أصيبت والدتها ودُمر منزلها بشكل جزئي، نتيجة تعرّضه لقصف تركي، خلال تشرين الثاني/نوفمبر 2022، حيث قالت حول ذلك:

“تعرّض منزلنا لوابل من القذائف الصاروخية، حيث سقطت إحداها في محيط المنزل، وأصابت الأخرى منزلنا بشكل مباشر، وخلّفت أضراراً كبيرة، كما أدت إلى إصابة والدتي المُسنّة بعدة جروح”.

ووفقاً للشاهدة، فأن كثافة القصف على بلدة أبو راسين/زركان وريفها حال دون قدرة الفرق الطبية على التدخل العاجل لإسعاف الجرحى، وتابعت حديثها قائلةً:

“استهدف القصف المدفعي منزل أخي بجوارنا أيضاً، وكامل الحيّ الذي نقطن فيه، ولم يتمكن أحد من مساعدتنا بسب كثافة القصف، واضطررنا إلى حماية أنفسنا والانتظار حتى توقف القصف، لإسعاف والدتي إلى مستوصف مدينة الدرباسية لتلقي العلاج”.

صورة رقم (6)، تُظهر القصف العشوائي على قرى بريف بلدة أبو راسين/زركان. مصدر الصورة: صفحات محلية عبر موقع فيس بوك.

وفي قرية “بوبي” بريف بلدة أبو راسين/زركان الشمالي، والتي تعرضت لقصف مدفعي هي الأخرى، قال أحد سكان القرية لـ “تآزر”:

“تتعرّض قريتنا والقرى المجاورة كـ دادا عبدال ومحرملة والمطمورة لقصف مدفعي بشكل متكرر منذ ثلاث سنوات، لكن وتيرة القصف قد ازدادت مؤخراً، وأصبح البقاء هُنا خطراً”.

وبحسب الشاهد فأن العشرات من سكان القرية والقرى المجاورة قد نزحوا إلى مخيمي واشو كاني/التوينة وسري كانيه/الطلائع في ريف الحسكة، نتيجة الاستهداف التركي المتكرر لقراهم ومزارعهم.

——————————————

[1] أعيان لا تُستخدم لأغراض عسكرية، كالمناطق المأهولة بالسكان.

[2] تمَّ إجراء المقابلة عبر الأنترنت بتاريخ 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، وتمَّ التحفظ على معلومات الشاهد بناءً على رغبته.

[3] تمَّ التحفظ على معلومات الشاهد بناءً على رغبته.

[4] لجنة حماية الصحفيين هي منظمة مستقلة غير ربحية، مقرها نيويورك، تعمل على تعزيز حرية الصحافة في جميع أنحاء العالم.