سلام قرطاجيّ ووداعاً للسلاح!

سربست نبي
جميعاً يتذكر اليوم، الذي خرج فيه علينا أردوغان، بعد تفسخ نظام بشار الأسد وتحلله، وراح يثرر ويتفاصح عن( المكيدة الإمبريالية والصهيونية) لتقسيم تركيا وتفكيك المنطقة. وفي أعقابه ارتدت صدى كلماته وتحذيراته في خطب وبيانات قادة PKK ومنهم الرئيسة المشتركة ل KCK ( بةسى) التي راحت تشيطن المؤامرة( الصهيونية- الإسرائيلية) ضد تركيا وشعوب المنطقة. وحينها عمدنا إلى نقد خطابها المتساوق مع خطاب أردوغان معجمياً، الأمر الذي أثار سخط مؤيدي PKK بشدة وهاجهم. بعد ذلك أُشرعت أبواب إيمرالي أمام زوّار السيد أوجلان، حتى توّجت هذه العملية بندائه الذي( وصف بالتاريخي) ودعا حزبه إلى التخلي عن السلاح وحلّ نفسه، والاكتفاء بالانخراط في عملية بناء( المجتمع الديمقراطي) في تركيا والتخلص من الكوابيس القومية ( كالفيدرالية والحكم الذاتي) التي تضرّ وحدة الترك والكرد لألف سنة قادمة. حينها كنت أحذر في جميع المقابلات واللقاءات والكتابات من أن أردوغان يطرق أبواب إيمرالي وعينه على غرب كردستان، وأن هدفه ليس حلّ القضية في شمال كردستان بقدر ما هو المصادرة على مسيرة تقدم القضية الكردية في غرب كردستان واحتوائها خدمة لأجندته في سوريا، وقد توّج هذا الهدف بالاتفاق الهزيل ل( عبدى/ الجولاني) في 10 مارس ونتيجته كانت انقاذ الجولاني من مسؤولية المجازر الطائفية في الساحل السوري ومسخ القضية الكردية في سوريا..

اتضح الآن بأن PKK انساق وينساق، عن وعي أو دونه، ضد مسار التغيير الجيوسياسي في سوريا والشرق الأوسط، الذي قادته وتقوده الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل والتحقت به دول الخليج العربي، وأعلن الحزب بوضوح انحيازه إلى المسار المضاد، الذي تقوده تركيا بقيادة دولت بهچلي وأردوغان في مواجهة( المكائد الإمبريالية والصهيونية) ضد شعوب المنطقة.

الآن لدي يقين راسخ، أكثر من أي وقت مضى، بأن الاستمرار في هذه اللعبة الأردوغانية ستفوّت على الكرد، وبوجه خاص في غرب كردستان، أعظم فرصة تاريخية، وربما الوحيدة، في تقرير مصيرهم. إننا نعيش الآن مرحلة أعظم تغيير تاريخيّ وجيوسياسي في سوريا والشرق الأوسط، لم نشهده منذ الحرب العالمية الأولى. ولعل المضي المجاني الأعمى والانسياق وراء الأجندة التركية، تحت( عناوين كردية)، كما حدث في معاهدة لوزان، سيدفع بالقضية الكردية، في سوريا خاصة، إلى خارج مسرح التاريخ وإلى الأبد.

إن ما يجري الآن بقيادة وإملاءات تركية صريحة تحت مسمى( عملية سلام) جديدة، ويعرّفها الترك بوضوح شديد ب( نهاية الإرهاب، ودفن السلاح) وارتهان مستقبل الكرد وقضيتهم في غرب كردستان لهذا المسار المريب، المحفوف بالمكائد التركية والتدابير الغامضة، سيفضي إلى دفن القضية الكردية في نهاية المطاف، ولن تكون عملية( السلام ) المزعومة هذه سوى طقس جنائزي لوأدّ تضحيات شعبنا في غرب كردستان وحقوقه.

بطبيعة الحال، ليس بوسعنا رفض أيّة عملية سلام، بضمانات دولية أو إقليمية شفافة من جميع الأطراف تؤول إلى ضمان الحقوق الأساسية للشعب الكردي في تركيا وشمال كردستان. فقد بدا هذا الأمر ملحاً منذ عقد من الزمن، ولايزال ضرورياً، أن يعلن العمال الكردستاني تخليه عن الكفاح المسلح ويعمد إلى تغيير خطابه السياسي وإعادة هيكلة نفسه تنظيمياً والانخراط في عملية سياسية أكثر اتساعاً وعمقاً في شمال كردستان، ويتخلى عن وصايته على مسارات القضية الكردية في الأجزاء الأخرى من كردستان، وبخاصة في غرب كردستان، لكن أن يسارع إلى الاستجابة لمبادرة الفاشي التركي( دولت بهچلي) في البرلمان التركي ووفق القواعد والشروط، التي وضعها مع حليفه رجب طيب أردوغان، فلن تسفر سوى عن( سلام قرطاجيّ)،
كانَ عضو الوفد البريطانيُّ إلى مؤتمر( پاريس للسلام) المفكر الاقتصادي جون مينارد كينز (1883-1946م) يصفَ معاهدةَ فرسايَ بعبارتهِ الشهيرةِ: «سلامٌ قرطاجيٌّ» في إشارة ذكية منه إلى تدمير الرومان قرطاجة كلياً، وتأسيس السلام على أنقاضها. حيث رأى كينز أن المعاهدة ستدمرّ ألمانياً اقتصادياً ومن شأن هذا الدمار أن يحقق السلام في أوروبا. وعملية( السلام) المزعومة هذه أو (نهاية الإرهاب) كما يصفها الأتراك، ستفضي بدورها، في المسار المفترض لها، إلى دمار القضية الكردية أو دفنها في غرب كردستان كي تضمن تركيا أمنها القومي وسلامها.