قالت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في تقرير إنه إلى جانب عشرات آلاف الكرد السوريين/ات من فئة “مكتومي القيد” يواجه عشرات آلاف السوريين/ات الآخرين خطر انعدام الجنسية بسبب النزاع السوري وخاصة اللاجئين/ات في دول الجوار السوري.
وجاء في ملخص لتقرير نشرته المنظمة:
يشكّل الحرمان/التجريد من الجنسية و/أو (انعدام الجنسية)، أحد أهمّ القضايا التي مازالت تلقي بتبعاتها الخطيرة على فئات عديدة من المجتمع السوري، داخل سوريا وخارجها، لذا تحاول “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، من خلال هذا التقرير، أولاً: التذكير باستمرار محنة آلاف الكرد السوريين/ات المحرومين/ات من الجنسية من فئة “مكتومي القيد”، تزامناً مع حلول الذكرى السنوية الـ60 للإحصاء الاستثنائي في الحسكة عام 1962. إضافة إلى محاولة تسليط الضوء على خطر انعدام الجنسية الذي يهددّ فئة أطفال العديد من اللاجئين السوريين في الخارج، نتيجة النزاع السوري الدائر منذ أكثر من 11 عاماً، (هذا ثانياً).
علماً، أن فئات سوريّة عديدة، بدأت تواجه خطر “انعدام الجنسية” الذي بات لا يقتصر على هاتين الفئتين الآنفتيّ الذكر، لذا تعمل “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” على إعداد تقرير لاحق يتطرق إلى بقية الفئات بشكل تفصيلي، وخاصة تلك التي ظهرت بعد العام 2011.
فئة “مكتومي القيد” من الكرد السوريين/ات الذين مازالوا محرومين من الجنسية:
جرى إحصاء الحسكة الاستثنائي في يوم عمل واحد في محافظة الحسكة ذات الكثافة الكردية في شمالي شرق سوريا، حيث وجد الكرد السوريين/ات المحرومين/المجردين من الجنسية، أنفسهم في فئتين: إحداهما فئة “أجانب الحسكة” أصحاب “البطاقات الحمراء”، والأخرى من فئة “مكتومي القيد” من حاملي “شهادات التعريف”.[1]
وبحسب إحصائيات حصرية حصلت عليها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في العام 2018، من مصدر داخل مديرية الشؤون المدنية/النفوس في الحسكة، فقد بلغت أعداد الكرد السوريين المجردين من الجنسية ما بين العام 1962 (عام الإحصاء) حتى العام 2011 (عام منح الجنسية للغالبية من الكرد السوريين وخاصة فئة الأجانب) حوالي (517) ألف شخصاً، كان من بينهم أكثر من (171) ألفاً من فئة “مكتومي القيد” الذين حرمهم المرسوم 49 لعام 2011 من حقّهم بالحصول على الجنسية السوريّة أسوة بفئة “أجانب الحسكة”.[2]
علماً أنّ التقديرات أشارت في عام إجراء الإحصاء (1962) إلى حوالي 120 ألف كردي/ة سوري/ة، ممن تمّ حرمانهم أو تجريدهم من الجنسية السورية آنذاك، ثم إلى حوالي 300 ألف شخص، بعد عقود من إجراء الإحصاء.[3]
ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها “سوريون” آنذاك، فقد استطاع أكثر من (50) ألف شخص من فئة مكتومي القيد “تصحيح” وضعهم القانوني من تلك الفئة إلى فئة “أجانب الحسكة” ومن ثمّ استطاعوا الحصول على الجنسية السوريّة.
وتشير تقديرات “سوريون” إلى أن هنالك حوالي (150) ألف كردي/ة سوري/ة محرومين من الجنسية السورية حتى تاريخ كتابة هذا التقرير (تشرين الأول/أكتوبر 2022)، من بينهم حوالي (20) ألف من فئة أجانب الحسكة، وأكثر من (120) ألف من فئة مكتومي القيد.[4]
بقي الكرد السوريون من فئة “مكتومي القيد” محرومين من كافة الحقوق المدنية والسياسية والثقافية والاقتصادية، المنصوص عليها في المواثيق والعهود الدولية، كما أنهم لا زالوا محرومين من الاعتراف بهم كأشخاص موجودين على الأرض السورية.[5]
وتقول الحكومة السورية بإنها “دأبت في عام 2011 على معالجة كثير من الحالات وفق قانون الأحوال المدنية الصادر وفق المرسوم 26 لعام 2007 وتعديلاته اللاحقة وتعليماته التنفيذية وتعديلاتها”، وذلك بعد تعديله بالقانون 20 الصادر في 23 تشرين الثاني/أكتوبر 2011، حيث أعقب ذلك صدور أربع تعديلات على القانون حتى العام 2017، كما عدلت لائحته التنفيذية لنحو 10 مرات خلال ذات الفترة كان أخرها القرار (رقم97/م.ن الصادر في11 نيسان/أبريل 2017).
ووفق وثيقة لوزارة العدل السورية، نشرها عضو لمجلس الشعب السوري في الأول من شباط من العام 2021 على “موقع فيسبوك” عبر منشور، فإن الأوراق المطلوبة لمعاملة مكتوم القيد تمر بستّ خطوات، أخرها هي الموافقة الأمنية.[6] وبحسب العديد من المصادر الحقوقية والمحامين ممن عملوا على متابعة أوراق بعض وكلائهم من مكتومي القيد، فإن هذه الإجراءات تكون معقدة، وإن القرار النهائي في منح الموافقة على معاملة مكتوم القيد هو “قرار أمني” بامتياز.
وتظهر وثيقة وزارة العدل السورية المذكورة إن قرار منح مكتومي القيد لا يزال قرارا إفرادياً، وذلك بخلاف المرسوم 49 الصادر في العام 2011، الذي أنهى بشكل جماعي مشكلة عديمي الجنسية من الكرد السوريين من فئة “أجانب الحسكة”.
فئة أطفال اللاجئين السوريين المهددّين بخطر انعدام الجنسية:
سجّلت “سوريون” حالات لأطفال مازالت عائلاتهم غير قادرة حتى اللحظة، على تسجيلهم ضمن دوائر الأحوال المدنية في سوريا، عقب سنوات من لجوئهم إلى بلدان مختلفة منها تركيا ومصر وإقليم كردستان العراق أو لبنان، وهو ما يجعل هؤلاء الأطفال مهددّين بخطر الحرمان من الجنسية، لعدم وجود أي أدلة أو وثائق تثبت جنسيتهم، ما يعرَضهم للحرمان من كافّة الحقوق الأساسية.
حدث ذلك بسبب عدم قدرة العديد من اللاجئين السوريين على تسجيل أطفالهم لدى الجهات الرسمية داخل سوريا، لأنهم غير قادرين في الأساس على تسجيل واقعات زواجهم، حيث نصت المادة 28 من قانون الأحوال المدنية رقم 13 لعام 2021 على أنه “لا يجوز تسجيل مولود من زواج غير مسجل، إلا بعد تسجيل الزواج أصولاً” وكان قانون الأحوال المدنية رقم 26 لعام 2007 ينص على نص مماثل.[7]
وتعود عدم قدرة العديد من اللاجئين السوريين على تسجيل واقعات الزواج، وبالتالي عدم القدرة على تسجيل أطفالهم، إلى عدّة أسباب: على رأسها النزوح واللجوء، والخوف من المساءلة الأمنية في حال العودة إلى سوريا، بالإضافة إلى عدم قدرتهم على تحمّل الأعباء المالية المترتبة على تسيير تلك الأوراق والمتمّثلة بالرشاوى المالية، حيث رصدت المنظمة، حالات للاجئين سوريين تمكنوا من تسجيل أطفالهم في الدوائر الرسمية في سوريا بعد دفع رشاوى مالية طائلة.
إضافة إلى ذلك، فقد سجّلت المنظمة بعض الحالات لأطفال لاجئين تمكنت عائلاتهم من تسجيل واقعات ولادتهم في عدد من بلدان اللجوء، لكنهم مازالوا حتى لحظة إعداد هذا التقرير في بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر 2022، غير قادرين على تسجيل أطفالهم بشكل رسمي ضمن دوائر الأحوال المدنية داخل سوريا.
ولا توجد إحصاءات أو أرقام رسمية حول عدد أطفال اللاجئين السوريين غير المسجلين في دوائر السجل المدني، في ظل انتشارهم بمعظم دول الجوار السوري وفي بلدان اللجوء الأوربي والغربي، فيما يتوقع تزايد أعدادهم في ظل استمرار الأزمة في البلاد، وعدم وجود أفق لإيجاد حل لهذه القضية في الفترة القادمة.
فئات أخرى لعديمي الجنسية:
لا تقتصر حالات “عديمي الجنسية” في سوريا على الفئات المذكورة آنفاً، ففي حين كان عديمو الجنسية قبل العام 2011 يقتصرون على الكرد المحرومين من الجنسية، والأطفال “مجهولي النسب”، وأبناء السوريات المتزوجات من غير سوري، والمعارضين السياسيين، وبعض العشائر المتنقلة بين المناطق السورية، إلا أنّ فئات عديمي الجنسية بعد العام 2011، اتسعت. وذلك بحسب عدّة مصادر منها، “المبادرة السورية للقضاء على انعدام الجنسية”، التي ذكرت فئات أخرى منها: أطفال من أبناء السوريات اللواتي تزوجن من مقاتلين أجانب (ساندوا أطراف النزاع أو انخطروا في صفوف التنظيمات الجهادية) أو أطفال مجهولي الوالدين نتيجة الحرب، أو أطفال ولدوا لمغتصبات في مراكز الاحتجاز أو على الحواجز الأمنية، أو أطفال لعائلات فقدت أوراقها الثبوتية خلال النزوح.[8]
لقراءة التقرير كاملاً وبصيغة ملف PDF يُرجى الضغط هنا.
[1] “المواطنة السورية المفقودة: كيف دمر إحصاء عام 1962 حياة الكرد السوريين وهويتهم”. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 15 أيلول/سبتمبر 2018. (آخر زيارة بتاريخ 28 أيلول/سبتمبر 2022). https://stj-sy.org/ar/746/
[2] نص المرسوم: المادة 1: يُمنح المُسجلون في سجلات أجانب الحسكة الجنسية العربية السورية. المادة 2: يُصدر وزير الداخلية القرارات المتضمنة للتعليمات التنفيذية لهذا المرسوم. المادة 3: يُعتبر هذا المرسوم نافذاً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
[3] إنكار الوجود: قمع الحقوق السياسية والثقافية للأكراد في سوريا. هيومن رايتس وتش. 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2009. (آخر زيارة للرابط: 4 تشرين الأول/أكتوبر 2022). https://www.hrw.org/ar/report/2009/11/26/256004
[4] بعد عدّة أشهر من صدور المرسوم رقم (49) من العام 2011، نُشرت أخبار بخصوص قرار وزاري يقضي بمعاملة فئة مكتومي القيد نفس معاملة الأجانب (فيما يخصّ الحصول على الجنسية السورية)، إلّا أنّه وعند مراجعة العديد من الأشخاص من فئة “المكتومين” لدوائر السجل المدني/النفوس، كان الرد يأتيهم بعدم إنكار القرار والتأكيد على صدوره، ولكن عدم معرفة الجهة التي سوف تتولى تنفيذه.
[5] “عديمو الجنسية” عقود مستمرة من انعدام الحقوق الأساسية”. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 6 تموز/يوليو 2021. (آخر زيارة بتاريخ 28 أيلول/سبتمبر 2022). https://stj-sy.org/ar/%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a7-%d8%b9%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%86%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%82%d9%88%d8%af-%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%85%d8%b1%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%86/
[6] منشور لعضو مجلس الشعب السوري: “خليل.عبدالرحمن” على موقع فيس بوك. نُشر في 1 شباط/فبراير 2021. (آخر زيارة للرابط: 4 تشرين الأول/ أكتوبر 2022).https://www.facebook.com/profile/100002324023373/search/?q=%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D9%85%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%AF
[7] ” قانون الأحوال المدنية. موقع وزارة الداخلية السورية. آخر زيارة للرابط: 29 أيلول/سبتمبر 2022. http://www.syriamoi.gov.sy/portal/site/arabic/index.php?node=55333&cat=1831&
[8] للمزيد انظر: رشا الطبشي. بشر بلا حدود. بحث في قضية حرمان المرأة من حقها في منح الجنسية وانعدام الجنسية في سوريا. المبادرة السورية للقضاء على انعدام الجنسية. 2021. (آخر زيارة للرابط: 4 تشرين الأول/أكتوبر 2022). https://lb.boell.org/sites/default/files/2021-11/%D8%A8%D8%B4%D8%B1%20%D8%A8%D9%84%D8%A7%20%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82.pdf
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=8360