الخميس, أبريل 18, 2024

منظمة: “المناطق الآمنة” انتهاكات واقتتال دائم بين مجموعات المعارضة المسلحة في سوريا

حقوق الإنسان

قالت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” إن حوادث “الاقتتال” بين مجموعات المعارضة السورية المسلحة في النصف الأول من 2022 أزدادت الأمر الذي عكس فشل الحكومة التركية في تحمّل مسؤولياتها “كقوة احتلال” عن ضمان النظام العام والسلامة العامة وتوفير حماية خاصّة للنساء والأطفال.

وذكرت المنظمة في تقرير أنه في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة التركية وبشكل رسمي عن خطة لإعادة أكثر من مليون لاجئ سوري في تركيا إلى ما تسمّيها بـ”المناطق الآمنة” شمالي سوريا تحت مسمّى “العودة الطوعية”، ما تزال تلك المناطق الواقعة تحت السيطرة التركية؛ “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام” مسرحاً لفوضى السلاح وساحة لاقتتال دائم ومستمر بين فصائل “الجيش الوطني السوري” التابع للحكومة السورية المؤقتة/الائتلاف السوري المعارض وتنافس هذه الفصائل لتحقيق المكاسب على حساب المدنيين والسكان الأصليين.

يأتي ذلك تزامناً مع إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عزم بلاده شنّ غزو/عملية عسكرية بهدف إقامة “منطقة آمنة”جديدة بعمق 30 كلم شمالي سوريا ، وهو الأمر الذي حاز موافقة ضمنية من “مجلس الأمن القومي التركي” لاحقاً. بينما اعترضت عليه الولايات المتحدة الأمريكية بشدّة ودول أخرى فاعلة في المشهد السوري مثل الاتحاد الروسي.

في هذا التقرير تعرض “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” حصيلة الاقتتالات/الاشتباكات الداخلية بين فصائل “الجيش الوطني السوري” المعارض وأسبابها ونتائجها الكارثية على حياة المدنيين وممتلكاتهم، إلى جانب الدور الذي لعبته السلطات التركية في بدء وتأجيج تلك الاشتباكات تارة، وفي تجاهلها وغض الطرف عن الفوضى التي تسببها تارة أخرى.

لقد تبيّن من خلال الرصد والتوثيق الذي أجرته “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، أنه ومنذ بداية العام 2022 حتى نهاية حزيران/يونيو (أي الأشهر الستة الأولى)، جرت اشتباكات بمقدار ثلاثة أضعاف عن تلك التي حصلت في كامل العام 2021، وأكثر من كامل عدد الاشتباكات التي حصلت في العام 2020، وحوالي ضعف الاشتباكات التي وقعت خلال الأعوام 2018 و2019 و2021 مجتمعة.

تدّل هذه الإحصائيات التي وثقتها “سوريون” بشكل دقيق وعلى مدار الأشهر الماضية، على زيادة الانقسام داخل الإدارة العسكرية لـ”الجيش الوطني”، وتزايد الصراع على المصالح الشخصية البحتة (خاصة الاقتصادية المتمثلة بالأتاوات على الحواجز وطرق التهريب وممتلكات المدنيين) في مناطق السيطرة الثلاث، في ظل عدم اتخاذ السلطات التركية المسيطرة على هذه المناطق فعليّاً، أي إجراءات حقيقية لضمان سلامة السكان في تلك المناطق المحتّلة.

لقد وثقت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” وابتداءاً من العام 2018 وقوع 69 اشتباكاً بين فصائل “الجيش الوطني” في مناطق النفوذ التركي الثلاث، وقع 28 اشتباكاً في الأشهر الستة الأولى من 2022، و 9 اشتباكات في العام 2021، و 26 اشتباكاً في العام 2020 و 6 اشتباكات في العام 2018 و 2019.

كما شهدت تلك المناطق العديد من الهجمات الأخرى بواسطة العبوات الناسفة والسيارات المفخخة، التي وجّهت أصابع الاتهام في عدد منها إلى الأجهزة الأمنية السورية، وعناصر من تنظيم “الدولة الإسلامية” و”قوات سوريا الديمقراطية/قسد” المسيطرة على شمال شرق سوريا، بينما وجّهت أصابع الاتهام في بعض التفجيرات إلى فصائل معارضة بعينها بسبب خلافات بينها وبين فصائل أخرى.

إضافة إلى ذلك، وُثّقت عمليات قصف عشوائية خلصت فيها “سوريون” إلى أنّ عدداً من تلك الهجمات انطلقت من مناطق خاضعة لسيطرة مشتركة ما بين القوات السورية/الروسية و”وحدات حماية الشعب”.

لا تتوقف معاناة السكان (أهالي المناطق والنازحين من مختلف المناطق السورية الوافدين إلى هذه المناطق) على الاشتباكات والتفجيرات والقصف العشوائي، فهم يتعرضون لانتهاكات جسمية لحقوق الإنسان بشكل يومي، منها عمليات استيلاء على الممتلكات وسوء استغلال السلطة من قبل قادة وعناصر في عدة فصائل دون خضوعهم لمحاكمات قضائية أو محاسبتهم على أفعالهم على مر السنوات السابقة إلا في حالات نادرة ونتيجة الضغط الشعبي.

أيضاً، أفادت الشهادات التي جمعتها “سوريون” من مصادر عديدة بينهم مدنيون ضحايا، وقادة ضمن “الجيش الوطني” ومسؤولون في جهازي الشرطة المدنية والعسكرية، بأن أسباب الاشتباكات تتلخص بشكل أساسي في الرغبة بالاستيلاء على ممتلكات ومنشآت تجارية إضافية تعود ملكيتها للمدنيين. ومؤخراً تطورت بعض تلك الأسباب واتخذ الاقتتال شكلاً آخراً من أشكال الصراع للهيمنة على المنظومة العسكرية ككل.

كما أضافت المصادر التي أجرت “سوريون” لقاءات معها لغرض هذا التقرير، أسباب أخرى لتلك الاشتباكات، منها الرغبة بفرض السيطرة على مناطق تعتبر استراتيجية وحيوية لتمويل الفصيل، مثل النزاع على إدارة تجارة المخدرات وتجارة تهريب البشر بين مناطق السيطرة المختلفة، سواء داخل سوريا أو الحدودية بين سوريا وتركيا، والنزاع على المعابر بين مناطق نفوذ المعارضة مع مختلف القوى في سوريا.

أيضاً أفادت المعلومات التي قدمها مدنيون متضررون من الاشتباكات بأن الأضرار لا تقتصر على وقوع ضحايا في صفوف المدنيين وخسائرهم المادية، بل تعدت ذلك إلى شن حملات دهم واعتقال بتهمة التعامل مع الفصيل الخصم واعتقال المدنيين الذين يتقدمون بشكوى ضد الفصائل المشتبكة.

وفي بعض الأحيان أُجبر المدنيون على النزوح مؤقتاً خوفاً على حياتهم خلال الاشتباكات. وعند عودتهم وجدوا أن منازلهم قد نهبت. ورغم بعض حالات إعلان الطرفان المشتبكان (من فصائل الجيش الوطني) عن اتفاق صلح الذي ينص عادة تعويض المدنيين عن خسائرهم المادية ودفع ديات الضحايا، إلا أن الكثير مم المدنيين لم يحصلوا على أي شكل من أشكال التعويض، بل جرى اعتقال وتهديد حياة أشخاص طالبوا بالتعويض.

إنّ الأدلّة والشهادت التي جمعتها “سوريون” تؤكد المزاعم القائلة بكون المناطق الخاضعة للنفوذ التركي غير آمنة البتّة ولا تتوافق مع معايير العودة الطوعية التي حددتها الأمم المتحدة. وهي ما عبّر عنه أيضاً لجنة التحقيق الدولية حول سوريا عندما قالت في آخر تقرير لها في العام 2021 بأنّ “الجمهورية العربية السورية” لا توفر بعد، بيئة آمنة ومستقرة لعودة اللاجئين، عودة مستدامة وكريمة. (الوثيقة رقم A/HRC/48/70).

استندت “سوريون من أجل الحقيقة” في هذا التقرير على (11) شهادة مفصّلة ومركّزة، أفاد بها (4) مدنيين متضررين و (7) قادة من الصف الأول والثاني ضمن “الجيش الوطني” والمؤسسات التابعة له، كما راجعت “سوريون” عشرات التوثيقات المختلفة (فيديو وصور وبيانات) المحفوظة في قاعدة بياناتها الخاصّة، وحلّلت عشرات مقاطع الفيديو والصور من المصادر المفتوحة التي وثقت معظم عمليات الاقتتال والضرر الذي لحق بالسكان.

المصدر: سوريون من أجل الحقيقة والعدالة