لم تمضِ اربعة وعشرون ساعة على التصريحات التي ادلى بها رئيس مجلس سوريا الديمقراطية الجديد السيد محمود المسلط، وهو يبدي استعداده لفتح صفحة جديدة مع “الجارة” تركيا، ويبعث برسائل سلام إليها، ويؤكد جاهزية مجلسه لتبديد كل “مخاوف تركيا المزعومة” حول امنها القومي، حتى باشر الطيران التركي الحربي والمسير بشن عشرات الضربات الجوية والصاروخية،استهدفت كل المرافق والبنى التحتية المدنية لمناطق شمال وشرق سوريا، وعلى طول الحدود التركية السورية من ديريك على الحدود العراقية شرقاً وصولاً إلى مدينة كوباني واريافها غربا، وكانت حملة الاستهدافات الاخيرة هي الاعنف والاكثر ضرراً، حيث تم قصف جميع المحطات والحقول النفطية، ومحطات المياه، وكذلك تم تدمير جميع محطات الطاقة والتحويل الكهربائية في مختلف انحاء مناطق الإدارة الذاتية وحولتها إلى رُكام، حيث قُدر حجم الاضرار في محطة السويدية الغازية والكهربائية وحدها بأكثر من مليار دولار.
فواقع الامر اليوم، ان تركيا الغارقة بأزماتها الاقتصادية والسياسية، والمهوسة بشماعة “امنها القومي”، باتت كلما ضاقت بها السبل للهروب من استحقاقاتها الداخلية، وحاجة حكامها إلى نصر انتخابي، يجدون ضالتهم بافتعال حرب في هذه الدولة او تلك، كجزء من استراتيجية فاشلة، وهي تصدير المشاكل الداخلية إلى خارج الحدود، والحجة جاهزة محاربة التنظيمات الارهابية وحماية أمنها القومي.
ولتبيان الحقيقة، فان جميع المبررات التركية الآنفة الذكر باطلة ولا تمت للوقائع بصلة، فجدية تركيا بمحاربة الارهاب اختبرت في محطات عديدة، فعلى سبيل المثال فان تركيا كانت ومازالت اول دولة منْ عارضت وتُعارض تشكيل محكمة دولية في شمال شرق سوريا لمحاكمة قادة تنظيم داعش المتطرف، ليس لأن تشكيل تلك المحكمة ستُطفي بعض الشرعية الدولية على الإدارة الذاتية فحسب، بل لأنها تدرك جيداً ان تلك المحكمة ستُثبت تورطها الكامل في دعم ذلك التنظيم من خلال استقبال كافة عناصر ذلك التنظيم في مطاراتها وتحت أعين أجهزة مخابراتها وتقديم كل التسهيلات لهم من خلال التحرك داخل الأراضي التركية، والتمويل المالي عبر البنوك التركية وغيرها، وذلك قبل السماح بادخالهم إلى كل من سوريا والعراق، حيث ظلت تركيا البوابة التي تُأمن للتنظيم كافة احتياجاته اللوجستية من مال وعناصر.
فتركيا وفق تقارير وحقائق لم تعد تقبل الشك عمدت إلى فتح المعابر مع التنظيم الارهابي عندما سيطر على اكثر من 300 كيلو متر من الحدود السورية التركية ما بين اعوام 2014 – 2016، وتعاملت معه على مختلف المستويات بما فيها تجارة النفط السوري المنهوب التي كانت تدر عليها مئات الملايين من الدولارات آنذاك.. ولم يشكل تواجد ذلك التنظيم الارهابي وحتى تنظيم النصرة الذي يسيطر على إدلب اليوم أي خطر حقيقي يذكر يهدد الأمن القومي التركي، بعكس ما تتحجج به بعد دحر التنظيم من قبل قوات سوريا الديمقراطية وسيطرتها على الحدود، فتحول محاربو الارهاب والذين قضوا عليه بنظر تركيا اليوم إلى “إرهابيين” اليوم.
حقيقة ان علاقة الدولة التركية بالتنظيمات الارهابية كداعش والنصرة التي مازالت مستمرة مع الاخيرة بشكل وثيق وعلني جداً، لم تعد تحتاج إلى عناء البحث عنها .. فقد تم ادانة تركيا على دعمها لتنظيم داعش من جانب اعلى مسؤول أميركي في التحالف الدولي لمحاربة داعش بريت ماكورك في ادارة الرئيسين الاميركيين باراك اوباما ودونالد ترامب، وكذلك من جانب الرئيس الفرنسي الحالي ايمانويل ماكرون، وكذلك عشرات التحقيقات والتقارير المدعومة بالادلة والبراهين، وقامت بنشرها الصحافة الاميركية والغربية والعربية وكذلك التركية نفسها.

تركيا المريضة بالعقدة الكردية المزمنة، والتي وصف رئيسها رجب طيب اردوغان روژافا كردستان/ شمال شرق سوريا الاسبوع الماضي ب”ارهبستان”، وهو يتبجح على شاشات التلفزة باستهدافه وتدميره للمنشآت الحيوية المدنية لسكان شمال شرق سوريا تحت انظار المجتمع الدولي، وصفٌ لا يصدر الا من رموز دولة علاوةً على الفاشية والعقلية الاقصائية وعقدة الصعود الكردي، بل اجتاحها الشعبوية السياسية ايضاً، مشاكل تركيا الداخلية، لن تحلها لا تدمير محطات الغاز والكهرباء والمياه لسكان شمال شرق سوريا، ولا حتى القضاء على تجربة الإدارة الذاتية، ولا حربها ضد حزب العمال الكردستاني، واعتقالها لعشرات الالاف من الكرد في شمال كردستان، الايمان بالحوار ووضع المشاكل على الطاولة وامتلاك الارادة السياسية هو السبيل الوحيد لحل كافة مشاكل تركيا التاريخية والسياسية والاقتصادية، لأن تجربة المئة السنة الاخيرة اثبتت بشكل قاطع، لو ان القمع والقتل والطمس كانت حلاً للقضية الكردية، لحسمتها تركيا لصالحها منذ أمد بعيد .

المصدر: الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

تابعونا على غوغل نيوز
تابعونا على غوغل نيوز