يقول المثل أن الكثرة تغلب الشجاعة، ولكن فرقة صغيرة ومتحركة من مقاتلي وحدات حماية الشعب والمرأة كسروا تلك القاعدة ضمن مقاومة العصر، وبشجاعتهم وقلة عددهم ألحقوا بجيش الاحتلال التركي ومرتزقته رغم كثرة عددهم وعتادهم الضربات الموجعة وأجبروهم التراجع في الكثير من قرى عفرين ضمن المرحلة الأولى من مقاومة العصر.
قصة مقاومة أخرى من بين آلاف قصص المقاومة في عفرين يرويها لنا المقاتل في صفوف وحدات حماية الشعب وأحد مقاتلي الفرقة المتحركة زهر الدين كوباني، الذي انضم إلى وحدات الحماية عام 2015 و اكتسب خبرة جيدة في القتال لمشاركته في الكثير من المعارك ضد المجموعات المرتزقة المهاجمة على روج آفا وشمال سوريا خلال تلك الأعوام، والذي شارك في مقاومة العصر ضد الاحتلال التركي ومرتزقته ضمن فرقة صغيرة مؤلفة من 6 مقاتلين، وهي فرقة متحركة تساند كافة الجبهات ومهمتها الأساسية تنفيذ العمليات النوعية ضد جيش الاحتلال والمرتزقة.
وهذه الفرقة كان لها حضورها في الكثير من الجبهات بدءاً من قرى ناحية بلبلة في أقصى شمال مقاطعة عفرين وحتى قرى ناحية شيراوا أقصى الجنوب.
6 مقاتلين ينظفون شيخ خورزه من مئات المرتزقة
يسرد المقاتل زهر الدين كوباني المقاومة التي أبدتها فرقتهم في قرية شيخ خورزة التابعة لناحية بلبلة قائلاً:” في اليوم الثامن من مقاومة العصر طُلب منا تشكيل فرقة متحركة يتمتع مقاتلوها بتجارب المعارك وتنفيذ العمليات القتالية وسرعة الحركة، وعليه شكلنا مجموعة مؤلفة من 6 مقاتلين بيننا مقاتلة من وحدات حماية المرأة تسمى أنكيزك، وتوجهنا بعدها إلى ناحية بلبلة الحدودية وكانت حينها تجري المعارك والقصف المكثف على قرية شيخ خورزه، ولدى توجهنا إلى القرية لمؤازرة رفاقنا فيها وصلتنا الأنباء بانسحاب رفاقنا منها لكثافة غارات الطيران الحربي والقصف المدفعي على القرية، وعليه اتخذنا مواقعنا في التلال القريبة من القرية، وفي اليوم الأول من دخول جيش الاحتلال التركي ومرتزقته القرية قررنا مباغتتهم بتنفيذ عملية نوعية ضدهم قبل أن يتخذوا مواقعهم وتحصيناتهم في القرية.
جهزنا أنفسنا وحملنا أسلحتنا والذخائر اللازمة وتسللنا عبر الوديان والأراضي الحراجية المحيطة بالقرية، حتى وصلنا أطرافها، وهناك وزعنا أنفسنا إلى مجموعتين وقررنا الدخول من محورين إلى القرية، وتسللنا إلى أطراف القرية وشاهدنا جيش الاحتلال والمرتزقة منتشرين بين منازل القرية ويخلعون الأبواب ويدخلونها بقصد النهب والسرقة، وكان واضحاً أنهم غير مستعدين للقتال لأنهم لا يتوقعون أن ننفذ عملية بهذه السرعة ضدهم بعد كل القصف المكثف الذي طال القرية، ولم يكن المرتزقة يعملون على تحصين مواقعهم لأن همهم الأول لدى احتلال أي قرية تفتيش كامل المنازل ونهبها والبحث عن الغنائم، وعليه بدأنا باستهداف مجموعات جيش الاحتلال والمرتزقة من محورين واستفدنا أيضاً من معرفتنا لجغرافية القرية وكانت حركاتنا بين المنازل وشوارعها دقيقة بحيث نوجه الضربات لهم وننتقل بسرعة إلى نقاط جديدة لتشتيت العدو وحتى لا يعرف الجهة التي نهاجمهم منها، وخلال هذه المعركة التي استمرت قرابة نصف ساعة فقط قتلنا وجرحنا العشرات منهم، وأجبرنا البقية الفرار من القرية، ورغم أن طائرات الاستطلاع والحربي كانا يحلقان فوق القرية لكنها لم تستطع القصف باعتبار أننا وجيش الاحتلال والمرتزقة أصبحنا بين بعضنا في القرية، وبعد فرار كافة المرتزقة وجيش الاحتلال، بدأ الطيران بقصف القرية من جديد وبشكل مكثف، وبعدها انسحبنا من القرية مجدداً واختبأنا على أطرافها بين الأشجار.
وأضاف زهر الدين:” هذه العملية كان لها تأثير كبير في بدايات مقاومة العصر لأنها حطمت معنويات جيش الاحتلال ومرتزقته، ورفعت من معنوياتنا.
وبعد عدة ساعات من القصف المتواصل من قبل الطيران والمدفعية والدبابات على القرية، عاد جيش الاحتلال والمرتزقة في محاولة التقدم صوب القرية ظناً منهم أن القصف لم يبقي أحداً منا، بقينا مختبئين في مواقعنا بين الأشجار والمرتفعات القريبة من القرية، وكانت المقاتلة أنكيزك تتقدم كل فترة وترصد تحركات المرتزقة، وعادت مرة وأخبرتنا أن العدو يدخل من جديد القرية مصطحبين معهم المدرعات والدبابات، وانتظرنا حتى دخلوا القرية وحينها قررنا تنفيذ عملية أخرى، ووضعنا خطة للتسلل وانتظرنا حتى حلول الليل وتحركنا صوب القرية ودخلناها هذه المرة من خلف خطوط العدو، وهاجمنا في نفس الوقت على عدة نقاط كان المرتزقة يتمركزون فيها وألقينا عليهم القنابل اليدوية ثم فتحنا نيران الرشاشات عليهم، وتعالت أصوات الرصاص مرة أخرى، واستنفر جيش الاحتلال والمرتزقة وأصابتهم حالة هيستيرية وباتوا يهربون بكافة الاتجاهات ولايعرفون من أي اتجاه نهاجمهم، وكنا نتصيدهم بسهولة ونتحرك بسرعة من مكان إلى آخر، وبهذا الشكل لم يستطيعوا الاستفادة من الدبابات والمدرعات لأنها لاتفيد في مثل هذه المواجهات، وأجبرناهم مرة أخرى على الفرار والخروج من القرية بعد أن كبدناهم خسائر كبيرة.
وبقينا في القرية حتى الفجر وبعدها جاء سرب من الطيران الحربي يتقدمهم طائرات الاستطلاع وبدأوا بشن غارات جنونية على القرية وإمطارها بالقذائف والصواريخ بالإضافة إلى قصف القرية بالدبابات والمدفعية، كان واضحاً أن عمليتنا أوجعتهم كثيراً وأحبطتهم حتى لجأوا إلى سياسة الأرض المحروقة بتكثيف القصف بكافة أشكاله على القرية.
وأردف زهر الدين:” أمام همجية هذا القصف لم يكن أمامناً خيار سوى الانسحاب من القرية لأننا لا نستطيع فعل شيء في مواجهة سرب الطائرات تلك، وانسحبنا على 3 دفعات كل مقاتلين يخرجان معاً حتى لا ترصدنا طائرات الاستطلاع، وبعد خروج 4 مقاتلين بقي اثنان من رفاقنا ولدى انسحابهما سقطت قذيفة بجانبهما واستشهدا، كانت تلك اللحظة عصيبة جداً علينا، وقررنا ألا نعود إلى نقاطنا إلا ونأخذ معنا جثماني الشهيدين، أو أن نستشهد معهما، وبالفعل عدنا إليهما زحفاً وسحبنا جثمانيهما وأخرجناهما من القرية وحملناهما معنا وعدنا من بين الحراج إلى نقاط تمركز رفاقنا القريبة.
إعادة تشكيل الفرقة وكمين تلة عكا
وواصل زهر الدين سرد ماجرى معهم بالقول:” بعدة استراحة قصيرة جاءتنا التعليمات بإعادة تشكيل الفرقة المتحركة والتوجه هذه المرة إلى قرية عكا بناحية بلبلة، وعليه سارعنا لتشكيل الفرقة بضم مقاتلين آخرين إليها وتوجهنا إلى تلك القرية، ولدى وصولنا القرية كانت تجري اشتباكات وقصف عنيف على تلة قرية عكا، وبعدها وصلتنا أنباء باستشهاد 4 مقاتلين بينهم مقاتلتان من وحدات حماية المرأة على التل بعد أن أبدوا مقاومة بطولية في التصدي لجيش الاحتلال والمرتزقة.
وعليه قررنا التوجه إلى التل وتخليص جثامين الشهداء والانتقام لرفاقنا، وجهزنا أنفسنا وتوجهنا إلى التل وكانت تساندنا مجموعة أخرى من المقاتلين، واستطعنا مع حلول المساء الوصول إلى أعلى التل وكان هناك مقاتلان فقط يواصلان التصدي بعد استشهاد رفاقهما، وطلبنا منهما ومن مقاتلين آخرين من فرقتنا نقل جثامين الشهداء والعودة إلى القرية، وبقينا 4 مقاتلين بيننا المقاتلة أنكيزك نتصدى لهجمات العدو، وبعد منتصف الليل هطلت أمطار غزيرة وأصبح الظلام دامساً ولم نعد نرى حولنا لعدة أمتار، وكان جيش الاحتلال ومرتزقته يواصلون قصف التل ويحاولون التقدم والسيطرة عليها، فقررنا حينها إيقاع المرتزقة في كمين، وكان حينها الطين يغطي كامل جسدنا، ونزلنا من التل واختبأنا على أطرافها وكل منا استلقى تحت شجرة، وانتظرنا حتى يدخل المرتزقة التل، وبعد أن لاحظ جيش الاحتلال والمرتزقة أنه لم يعد يطلق من التل أية رصاصة اعتقدوا أننا إما استشهدنا أو هربنا، وأرسلوا مجموعة من المرتزقة ليدخلوا التل، ورأينا المرتزقة يتقدمون ببطء نحو التل ومرة يسيرون على ركبهم، ومرة يتقدمون زحفاً وأخرى يهرولون وهم يحنون ظهرهم، كان واضحاً من حركاتهم تلك مدى الخوف الذي ينتابهم، وبدأوا بتسلق التل حتى وصلوا القمة، وعندما اطمأنوا أن لا أحد في التل بدأوا بإطلاق الرصاص في الهواء فرحين بسيطرتهم على التل وبعدها بلحظات تحركنا وصعدنا التل من الخلف وكنا نتسلق ببطء لأن هطول الأمطار وكثرة تشكل الطين كانت تعيق الحركة، وقبل وصولنا إلى قمة التل توزعنا في عدة اتجاهات وهاجمنا المرتزقة وفتحنا نيران الرشاشات عليهم وألقينا صوبهم عدداً من القنابل اليدوية، وخلال عدة دقائق قتلنا كل من صعد التل وكان عددهم يزيد عن 10 مرتزقة حينها. وقبل حلول الفجر جمعنا كافة أسلحة وذخائر المرتزقة وحملناها معنا وانسحبنا من التل باتجاه القرية لأننا نعلم أن التل سيتم قصفه بالطيران مع حلول النهار، وبالفعل ما إن أخلينا التل حتى شن الطيران الحربي عدة غارات على التل.
المقاومة في قرى شيراوا وأسر مرتزقين بعملية نوعية
وأكمل زهر الدين الحديث عن فرقتهم المتنقلة بالقول:” بعد مقاومة تلة عكا والضربة التي ألحقناها بالمرتزقة، أرسلت القيادة مجموعة أخرى مكاننا وطلبوا منا التوجه إلى ناحية شيراوا، التي تتمتع بجغرافيتها الوعرة والجبلية والمليئة بالصخور التي تساعدنا كفرقة متحركة للتحرك فيها بسهولة والتخفي ونصب الكمائن، ولدى وصولنا الناحية أرسلونا إلى قرية خالتا التي كانت تتعرض لهجمات الاحتلال ومرتزقته، ذهبنا كمؤازرة لرفاقنا الذين يصدون الهجمات في القرية.
دخلنا المعركة وكان جيش الاحتلال ومرتزقته قد وصلوا أحد أطراف القرية بعد أن هدموها من القصف بالمدفعية والطيران، وقررنا أن نلتف خلف إحدى نقاط المرتزقة وتنفيذ عملية نوعية ضدهم، وتحركنا بعد متصف الليل واختبأنا خلف الصخور والأشجار واستطعنا الالتفاف على إحدى نقاط المرتزقة على أطراف القرية، وعندما اقتربنا منها رأينا فيها مرتزقين فقط، فقررنا أن نأسرهم بدل قتلهم لأنه في حال أطلقنا عليهم الرصاص قد يحس عليها باقي المرتزقة ويشتبكون معنا، فتوزعنا على محورين وتقدمنا صوب النقطة وفاجأنا المرتزقين ووضعنا فوهات أسلحتنا على رأسيهما وطلبنا منهم ألا يؤتوا بأية حركة أو يصدروا أي صوت، وعصبنا عينيهما، وأخذنا أسلحتهما والجعب والذخيرة وعدنا بهما إلى نقاط رفاقنا دون أن يشعر بنا أحد.
وهناك سألنا المرتزقين لماذا تهاجمون عفرين مع الاحتلال التركي، ادعوا في البداية أن الاحتلال التركي أجبرهم على ذلك، ثم قالوا أن تركيا أغرتهم وقالوا كل من يشارك في معركة عفرين سيحصل على أراضي وسيارة ومنزل، وبدأوا يبكون ويتوسلون إلينا ألا نقتلهم، ثم سلمناهما إلى الجهات المختصة بالأسرى.
مقاومة برج حيدر واستشهاد بعض مقاتلي الفرقة في باصوفان
وتابع المقاتل سرد قصة مقاومتهم قائلاً:” من خالتا توجهنا بعدها إلى قرية برج حيدر التابعة أيضاً لناحية شيراوا، واتخذنا أماكننا في نقاط على أطراف قرية برج حيدر للتصدي لهجمات جيش الاحتلال ومرتزقته، بقينا هناك 3 أيام لم نسمح لهم التقدم نحو القرية، وبعدها لجأوا كعادتهم إلى الطيران والقصف المدفعي واستهدفوا القرية التي كانت لاتزال مأهولة بالسكان المدنيين، ونتيجة القصف استشهد 6 مدنيين وعليه توجهنا إلى القرية لإنقاذ المدنيين وإخراج الشهداء والمصابين، وكنا نفتح طرق آمنة للمدنيين تحت القصف ونخرجهم ليتجهوا إلى أماكن آمنة، واتخذ رفاقنا نقاطهم في القرية وواصلوا مواجهة الهجمات، بعدها طلب من فرقتنا التوجه إلى تلة قرية باصوفان لتحريرها.
وعليه قررنا التسلل من بين الأشجار والصخور إلى محيط التلة وضرب المرتزقة المتمركزين فيها، وقسمنا أنفسنا إلى 3 فرق كل مقاتلين يتحركان من جهة ونتقدم معاً، وأثناء تسللنا تم رصدنا من قبل طائرة استطلاع تركية وبدأت تحوم فوقنا، وعليه توزعنا واختبأنا خلف الصخور وتحت الأشجار، ولكن الطائرة كانت قد حددت النقطة التي اختبأت فيها مع المقاتلة، وقصفتنا وبنتيجتها تعرضت لبعض الإصابات، أما المقاتلة فلم يصبها شيء، وسارعت إلى إنقاذي وسحبتني إلى جرف خلف صخرة كبيرة حتى لا يعاود الطيران قصفي، وبعدها رأينا الطائرة تبحث عن باقي رفاقنا، بادرت المقاتلة أنكيزك بالتحرك من مكان إلى آخر للفت انتباه الطيران وإبعادها عن نقاط رفاقنا حتى يتمكنوا من تغيير مواقعهم، وبدأ طيران الاستطلاع تعقبها ولدى قصفها قفزت تحت صخرة كبيرة وبقيت تحتها، وأنا كنت أنزف وبقيت في مكاني، ولم تمض عدة دقائق حتى جاء الطيران الحربي وبدأ بشن غارات مكثفة على كامل المنطقة التي كنا فيها، وارتفع الدخان والغبار من حولي وصمّ صوت التفجيرات أذناي، ولم أعد أعرف ماحل برفاقي.
بعد مرور حوالي نصف الساعة خيم الهدوء على المنطقة ونظرت إلى السماء لم أشاهد الطيران، ناديت على رفاقي لم أيجبني أحد، وبعد عدة دقائق شاهدت المقاتلة تخرج من تحت الصخرة التي اختبأت تحتها وركضت باتجاهي، وقالت هل أنت بخير؟ أجبتها نعم ولكن أين باقي رفاقنا، سارعت المقاتلة بالبحث عنهم وبعد مدة قصيرة عادت إلي وكانت عيناها غارقتان بالدموع وقالت رفاقنا الأربعة استشهدوا، كانت كلماتها كصاعقة نزلت على رأسي وأحسست بغضب وحزن شديدين اجتاحا قلبي.
ثم تواصلت رفيقتنا المقاتلة مع باقي رفاقنا وطلبت منهم المساعدة، وبالفعل جاء بعض رفاقنا وأخذونا معهم وجلبوا جثامين رفاقنا الشهداء، وأسعفوني إلى مشفى أفرين لتلقي العلاج، وبعد عدة أيام وصل جيش الاحتلال والمرتزقة أطراف مدينة عفرين ثم أعلن عن انتهاء المرحلة الأولى من مقاومة العصر والبدء بالمرحلة الثانية.
واختتم زهر الدين كوباني كلامه بالقول:” لم تكن المعارك التي نخوضها سهلة ولكننا عاهدنا منذ انضمامنا إلى وحدات الحماية على حماية أرضنا وشعبنا بوجه كافة الأعداء، واليوم نجدد العهد لشعبنا ورفاقنا الشهداء بالانتقام لهم ومواصلة المقاومة وتحرير عفرين مهما كان الثمن”.
ANHA
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=691





