علي شمدين: نشوء القضية الكردية في سوريا
قد تبلورت القضية الكردية في سوريا بعد إنهيار الإمبراطورية العثمانية وإعادة ترسيم الحدود بين سوريا وتركيا وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو التي تم توقيعها بين الدولتين الاستعماريتين فرنسا وبريطانيا عام (1916)، فألحِقَت بموجبها المناطق الكردية (الجزيرة، كوباني، عفرين)، بحدود الدولة السورية الحديثة التي كانت تعيش آنذاك تحت الانتداب الفرنسي، ولعب الكرد خلال مرحلة الانتداب دوراً هاماً في بناء هذه الدولة وإدارتها في مختلف المجالات، حتى أن البعض منهم تبوأوا منصب رئاسة الجمهورية، ورئاسة أركان الجيش وغيرها من المناصب الإدارية والعسكرية الرفيعة..
وما أن تم إجلاء الفرنسيين عن البلاد عام (1946)، حتى بدأ الفكر الشوفيني ينتعش ويتنامى لدى الأوساط العروبية شيئاً فشيئاً، إلى أن تمخض هذا الفكر عن تأسيس حزب عربي شوفيني باسم (البعث)، دعا في برنامجه إلى صهر المكونات الأخرى في بوتقة الأمة العربية معتبراً كل من تكلم العربية عربياً، ونجح إلى حدّ ما في حشد الرأي العام العربي حول سياساته العنصرية وتحريضه ضد الكرد بشكل خاص وضد القوميات الأخرى المتعايشة معه، وسخر أبواقه الإعلامية لمحاربتهم وتشويه قضيتهم القومية، كما أن الحزب الشيوعي السوري كان منتشراً بين الأوساط الكردية بكثافة، وصار يبث بين صفوفها النزعة الكوسموبوليتية، هذا فضلاً عن أن الاتجاهات الإسلامية هي الأخرى كانت تحارب القومية لإيمانها بأنه لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح، كل ذلك كان يتم في ظلّ غياب أيّة تنظيمات سياسية كردية من شأنها أن تأخذ على عاتقها مهمة الدفاع عن وجود الشعب الكردي في سوريا والتعريف بقضيته القومية والنضال من أجل حلها بالسبل الديمقراطية السلمية.
ومع تصاعد هذا الفكر الشوفيني الأسود، صار الشعب الكردي في سوريا يواجه خطراً حقيقياً يهدد وجوده وهويته القومية، وكان لابدّ له من مواجهة هذا الخطر دفاعاً عن نفسه، وإستجابة لهذه الضرورة القومية التاريخية بادرت نخبة من المتنورين الكرد إلى الإعلان عن تأسيس أول تنظيم سياسي كردي في سوريا في (14/6/1957)، وكان لمام جلال الذي تواجد حينذاك في الشام الدور الأبرز في تشجيعهم على تأسيس حزبهم، ودعمهم بكل إمكاناته المادية والمعنوية، وسرعان ما استقطب الحزب الجديد الجماهير الكردية التي التفت حوله بالآلاف من كافة شرائح المجتمع الكردي وفئاته، وانتشرت تنظيماته في مختلف المناطق الكردية كإنتشار النار في الهشيم، ونجح إلى حد كبيرفي حشد الرأي العام الكردي حوله وتوجيهه نحو رفض الظلم والمطالبة بحقوقه القومية والوطنية.
وهكذا نشأ أول تنظيم سياسي كردي في سوريا، وصار يعمل بكل قوته على تنظيم طاقات الجماهير الكردية واستقطابها حوله، وجرها إلى النضال ضد تلك السياسات الشوفينية التي تفتقت عنها العقلية العنصرية لحزب البعث، والتي استهدفت وجود الشعب الكردي في سوريا، ودعت بكل السبل إلى تغيير ديمغرافية مناطقه وتعريبها والشطب على هويتها القومية.
5/3/2024
المصدر: PUKMEDIA
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=37747