غيفارا معو: إشكالية الحفاظ على الهوية
إذا كانت مسألة الهوية قد طفت إلى السطح في العالم نتيجة وضعيات الصراع والتعدد الثقافي التي فرضتها الهجرة والعولمة، إضافة إلى إخفاق السياسات الثقافية المتبعة في العقود الماضية في استيعاب قيم وعناصر الحضارة الحديثة. الشيء الذي خلق مجتمعات يعايش الفرد فيها نماذج ثقافية متعددة في آن واحد، مما يجعله يعيش ثقافته بشكل صراعي تتجاذبه الحداثة بمقابل إلزامية الحفاظ على الثقافة المحلية إن كل ثقافة تعتمد على التناسق بين الفرد الاجتماعي ومحيطه الخارجي في عملية انتقالها من جيل إلى آخر، وهذا بالتركيز على الوظيفة الانطولوجية، لكن قد نجد عكس ذلك بالتركيز الوظيفة البراغماتية بقوة في فترات التحول والتفاعل الثقافي مع ثقافات وافدة لأن الفرد في هذه الفترة تظهر لديه في كل لحظة أزمة معنى مما يدفعه إلى اللجوء إلى مجموعة من الاستراتيجيات النفسية الجماعية للتوفيق بين هذه المعايير الثقافية المتضادة، وتساعده في اكتساب هوية ديناميكية قادرة على التغير المستمر.
لنأتي الى الهوية القومية الكردية ذات الاشكالية الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وصراع المستعمرات هذا الشعب مسلوب الارادة تلون بجميع الثقافات واتقنها إلا ثقافته تارة بسبب الطغيان وتارة بسبب العائلة وتارة بسبب الحزبوية والطامة الاكبر التبعية العمياء فقد خلاله هذا الشعب عناصر كثيرة من هويته رغم إن القلة القليلة هي من صمدت أمام تلك الظروف التي حكمت هذا الشعب وبعد مرور مئات السنوات سنحت له فرصة لتجديد هويته القومية رغم تشتته الجغرافي وانتشاره على ساحات الهجرة واللجوء فأنبثقت عنها حالات لاتشبه تلك الهوية لا من قريب ولا من بعيد .
وحتى لا نغوص في اشياء بعيدة عن المعتاد ننطلق من المناسبات والاعياد التي هي جزء من الهوية القومية لهذا الشعب
نوروز رأس السنة الكردية
والتي عانى فيه الكرد الامرين تحت سلطات الامر الواقع العربية والفارسية والتركية من أجل محو هذا التاريخ المقدس الذي يبدء في العشرين من آذار في كل عام بشعلة الحرية حيث يتم اشعال النيران في مساء العيد على الجبال والتلال وامام البيوت وفي فسحات والساحات العامة التي يتخللها بعض الاغاني والدبكات الفلكلورية الكردية حتى ساعات متأخرة ثم يبدء الصباح مع رحلات في الربيع ومسارح تعرض الفن والتراث الكردي ويرتدي الكرديات والكرد اجمل الملابس الفلكلوري الكردية الزي الكردي ويمضي اليوم بالفرح والمتعة حتى ساعات المساء .
حين كانت تلك الايام تمر تحت الضغط والترهيب والقمع من قبل السلطات الحاكمة على كردستان كل حسب قوانينه في مد وجزر ولكن بعد 1991 اصبح في كردستان العراق بصورة اكثر لمعانا بعد ان تم الفصل بالقوات الدولية بين النظام الحاكم في العراق وكردستان الى ان سقط نظام الطاغية صدام حسين وتشكيل حكومة فدرالية تمت الكرد فيها بالحكم الفيدرالية على منطقة كردستان وأصبحت الاحتفال يبدء في 20 آذار ويمتد حتى اسبوع كامل وهي عطلة رسمية في كردستان .
وايضا تحول في سوريا في 21 أذار 1986 م استشهد سليمان آدي برصاص قوات الحرس الجمهوري, أثناء المسيرة الاحتجاجية التي قام بها الشعب الكوردي في كوردستان سوريا الى القصر الجمهوري ، بعد منعهم من الاحتفال بعيد نوروز من قبل السلطات حينذاك.
وأصدر بعد ذلك رئيس النظام السوري حافظ الأسد مرسوما اعتبر بموجبه يوم 21 أذار عطلة رسمية في البلاد ليس بمناسبة (عيد النوروز) و إنما بحجة (عيد الأم).
ويعتبر عيد النوروز اهم الاعياد الوطنية في ايران. وبمناسبة هذا العيد، تستمر عطلة النوروز بشكل رسمي في ايران لمدة اربعة ايام ورغم ذلك، فان عطلة المدارس والجامعات تستمر 13 يوما. كما ان الدوائر الحكومية ومؤسسات وشركات القطاع الخاص تكون في شبه عطلة لمدة 13 يوما.
وكان يحتفل الشعب الكردي بهذا اليوم حسب فلكلوره المنتشر في جميع انحاء كردستان رغم إنه لم يكن يسلم من بطش الحكومة الإيرانية رغم إنه عيد رسمي في البلاد .
ولكن بعد 2011 والهجرة واللجوء المليونية للكرد الى دول العالم أصبح هذا العيد يفقد أهميته وهويته القومية يوما بعد يوم رغم إن هنالك أصوات نادرة تحاول إيقاف هذا التشويه لرأس السنة الكردية نوروز ولكن حاولت الأحزاب والمؤسسات والرأسمال الكردي تحويل هذا العيد حسب أهوائهم وأمزجتهم ومكاسبهم المادية التي ليست لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بهذا اليوم التاريخي المقدس بامتياز عند الشعب الكردي فأصبحت احتفالاته تكون في أي يوم عطلة يختارها الرأسمالي ويطبل له الشعراء والفنانين والشعب الذي يحب الهوبرة وين ما بدك تاخدني جاي معاك ………..
حتى فقد هذا اليوم قدسيته وجرد من هويته القومية وأصبح يوم كغيره من الأيام
طبعا هنالك أعياد مناسبات أخرى وحتى دخيلة على المجتمع الكردي أصبح يقدسها في يومها أكثر من رأس السنة الكردية نوروز
………………………يتبع
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=38063