الجمعة, أبريل 26, 2024

في عفرين يتلاشى قناع جيش الاحتلال التركي ومرتزقته- 3 على خطى داعش تركيا تدمر حضارة الشمال السوري

حقوق الإنسانمنبر التيارات السياسية (بيانات)

صلاح إيبو – باسل رشيد/الشهباء

إذ أظهرت مقاطع فيديو وصور حصرية حصلنا عليها من داخل عفرين عبث مرتزقة الاحتلال التركي بالأماكن الأثرية وحفر الأماكن الدينية والمزارات الإسلامية إضافة إلى عمليات تنقيب مستمرة في المواقع الأثرية بعد فصلها عن محيطها بجدران حديدية واسمنتية وتحويل معظم الأماكن الأثرية إلى نقاط ومقار عسكرية لتسهيل عمليات النهب والتنقيب غير الشرعية.

تشكل مقاطعة عفرين الواقعة في أقصى الشمال الغربي من الحدود السورية التركية، منطقة جذابة بطبيعتها الخلابة وجوها المعتدل، وانتشار المواقع الأثرية الهامة في جغرافيتها المتنوعة بين السهول والوديان والجبال، وتعتبر المواقع الأثرية في عفرين في غاية الأهمية من حيث قِدمها وجمالها، إذ أعطت عفرين للعالم هيكلاً عظمياً لطفل نياندرتالي بعمر السنتين هو الأول من نوعه في سوريا والأكمل في جميع أنحاء العالم، تم اكتشافه في مغارة “دوداريه – Du deriyê”، إضافة لمواقع أثرية أخرى هامة مثل النبي هوري وتل عين دارة وقرية براد الموضوعة على لائحة التراث العالمي في منظمة اليونسكو، ومن هنا تأتي الأهمية التاريخية والسياحية لعفرين.

وبالرغم من توفر المقاومات الطبيعية والجمالية والمواقع الأثرية التي تجعل من مقاطعة عفرين مكاناً هاماً للسياحة الداخلية والخارجية، إلى إلا أنها واجهت إهمالاً مقصوداً من قبل سلطات البعث الحاكمة في سوريا قبل الأزمة السورية التي انطلقت في عام 2011.

وبعد ثورة 19 تموز عام 2012، عملت الإدارة الذاتية في مقاطعة عفرين على حماية المواقع الأثرية من النهب والسلب ووضعت القوانين التي تحمي هذه المواقع، وأحدثت مديرية خاصة بالآثار هدفها الحفاظ على المواقع الأثرية وتوثيق الاكتشافات الجديدة إن وجدت والعمل على ترميم المتضررة منها، وبالفعل بقيت المواقع الأثرية والسياحية محمية ومتاحة أمام عامة الناس الوافدين إلى المقاطعة للاصطياف والسياحة وشكلت هذه المواقع نقطة جذب للسكان المحليين في المناسبات والعطل.

الجيش التركي استهدف الحضارة الميتانية والهورية في عفرين

ومن المواقع الأثرية الهامة في مقاطعة عفرين “تل عين دارة” الأثري الذي يعود تاريخه للبدايات الحيثية والهورية بحسب غالبية الباحثين في علم الآثار، وتعرض هذا الموقع للقصف الجوي التركي المباشر أثناء العدوان التركي على مقاطعة عفرين، وبحسب ما وثقته مديرية الآثار في مقاطعة عفرين أن تل عين دارة تعرض للقصف المتعمد في اليوم الثالث للهجمات التركية الموافق لـ 23 كانون الأول من العام الجاري، واستهدف القصف بشكلٍ مباشر المعبد الذي يشير غالبية الباحثين في علم الآثار إلى أنه مقام على الطراز الهيلاني، وهو نمط بناء هوري – ميتاني، وهذا ما يؤكد أن الاحتلال التركي استهدف بشكلٍ متعمد حضارة شعوب المنطقة وسكانها الأصليين الكرد.

ويشير خبير الآثار صلاح الدين سينو العامل في مديرية الآثار بمقاطعة عفرين إلى أنهم وثقوا ما تعرض له تل عين دارة في بدايات الهجمة التركية على عفرين، وقدروا نسبة الضرر في الموقع الأثري بـ60%.

ولكن لم يتوقف الاحتلال التركي في تدميره الممنهج لحضارة عفرين عند تل عين دارة، بل عمد إلى استهداف المدرج الروماني في موقع النبي هوري(مدينة كورش أو سيروس) الواقعة في ناحية شرا، ويعود تاريخ هذا الموقع إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، وألحق القصف المدفعي المباشر للمدرج الروماني خلال الأسبوع الثالث للعدوان التركي أضراراً كبيرة بالمدرج. 

الحضارة المسيحية… باتت مهددة هي الأخرى

ومن المواقع التي تعرضت للقصف المدفعي والطيران التركي أيضاً هو موقع علبيسكي الأثري الواقع في منطقة راجو، ويحتوى هذا الموقع على لوحات فسيفسائية تعود للألفية الأولى قبل الميلاد، وتل جنديرسه الأثري، كما تعرض موقع قرية براد الواقع في ناحية شيراوا هو الآخر للقصف التركي المباشر في 22 آذار المنصرم، وأدانت المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية، في بيان، استهداف طائرات النظام التركي للمواقع الأثرية والدينية السورية، واصفة إياه بالعدوان الهمجي الجديد.

القصف أدى إلى تدمير الكثير من المباني الأثرية المهمة، ومن ضمنها ضريح القديس “مار مارون” شفيع الطائفة المارونية، وكنيسة “جوليانوس” التي تضم الضريح، وتعد من أقدم الكنائس المسيحية في العالم “بنيت نهاية القرن الرابع للميلاد”، كما يضم الموقع العديد من الكنائس والأديرة البيزنطية، علاوة على معبد وحمام ودور سكنية ومعاصر ومدافن تعود كلها إلى العصر الروماني “القرنين الثاني والثالث للميلاد” وتم اكتشافها عام 2002 من قبل البعثة الأثرية الفرنسية وباتت قبلة لملايين المسيحين من الطائفة المارونية.

أربعين موقعاً أثرياُ مهدداً في الشمال السوري

من جانبه أكد مدير البعثة السورية الفرنسية الأثرية في شمالي سوريا، الدكتور مأمون عبد الكريم لوسائل إعلام، أن الأعمال العسكرية والتخريبية في هذه المنطقة ستنتج كارثة ثقافية، لأهم ثمانية محميات أثرية، وجميعها مدرجة على لائحة التراث العالمي في 2011، مبيناً أن ثلاث منها في جبل سمعان وخمسة في محافظة إدلب وتضم المحميات الثمانية حوالي أربعين موقع أثري في شمال سوريا ومدرج على لائحة “اليونسكو”.

ولم تقتصر الخطة التركية الممنهجة لاستهداف تراث المنطقة وكل مقومات الحضارة السورية، والوصول إلى محو الهوية الكردية والثقافية عبر القصف المباشر، بل تعدته إلى إطلاق يد مرتزقته من المجموعات المسلحة المتعددة لسرقة الآثار والتنقيب فيها بأجهزة متطورة يتم الحصول عليها من تركيا مباشرةً.

مرتزقة الاحتلال تنهب الآثار بحماية تركية

وبعد الاحتلال التركي لمقاطعة عفرين، بدأت المجموعات المسلحة وبحماية تركية، بالتنقيب والكشف عن الآثار، وتم تحويل غالبية المواقع الأثرية في المقاطعة إلى مناطق يحظر على المدنيين وسكان عفرين الأصليين الاقتراب منها، وقالت مديرية الآثار في مقاطعة عفرين والمتواجدة حالياً في مقاطعة الشهباء، أنهم يتابعون وضع المواقع الأثرية عن كثب ويوثقون الانتهاكات التي تقوم بها سلطات الاحتلال التركي.

إذ أوضحت بعض الصور ومقاطع الفيديو التي حصلنا عليها من مديرية الآثار في عفرين، بناء معسكرات للتنقيب في موقع النبي هور، وقيام أشخاص بعمليات الحفر والتنقيب بواسطة أجهزة كشف المعادن والآثار وتحت حماية المجموعات المسلحة، إضافة لبناء أبنية بمحاذاة الموقع المذكور دون وضوح الهدف منها.

المواقع الأثرية باتت مناطق عسكرية ومعسكرات للنهب والتخريب

وبدأ الاحتلال التركي ببناء سور معدني حول قلعة نبي هوري التي تعتبر من المواقع الأثرية الهامة في المنطقة، ويعتقد الخبير صلاح الدين سينو أن الهدف منه هو التنقيب والحفر بعيداً عن أعين الأهالي وتحويل المنطقة إلى منطقة عسكرية بهدف النهب والسلب.

كما أكدت مصادر محلية عن قيام المجموعات المسلحة بنهب آثار قرية براد ونبش ضريح القديس مرمارون شفيع الطائفة المارونية، وكنيسة جوليانوس إضافة لعمليات تخريب متعمدة لآثار قرية دير مشمش القريبة من قرية براد في ناحية شيراوا، إضافة لعمليات تنقيب وحفر عشوائية في تل جنديريسة الأثري وموقع كفر نبو وكوبالة، وقرية كتخ التابعة لناحية موباتا ونهب آثار موقع “خرابي رزا” الواقع في قرية ترميشا في ناحية شيه بعفرين وذلك بعد منع مرتزقة الاحتلال التركي أهالي القرية من العودة إلى منازلهم لمدة شهرين بهدف نهب الموقع الأثري بشكلٍ كامل، وبحسب ما وثقته مديرية الآثار في مقاطعة عفرين من خلال تقرير مفصل حصلنا على نسخة منه، ويؤكد التقرير قيام الجماعات المسلحة بإزالة بعض المنازل التي كانت تعيق عملية إخراج الآثار وخاصة المدافن ولوحات الفسيفساء الممتدة إلى أسفلها.

ويذكر أن مديرية الآثار قامت بتوثيق جزئي للوحة فسيفسائية كانت قد ظهرت مع أحد الأهالي أثناء حفره في حديقة منزله وذلك عام 2017.

كما وثقت الجهات المختصة، تحويل جيش الاحتلال التركي قريتي قورقلاق وكفر روم ومحيطهما إلى منطقة عسكرية، وبدأوا بأعمال التنقيب عن الآثار والمدفونات الذهبية في المنطقة، وبحسب العديد من المصادر المحلية فإن العديد من المناطق تعرضت للحفر وتم استخراج مقتنيات ذهبية وقطع فخارية من مواقع متعددة في القرى والبلدات بمقاطعة عفرين.

هل أبلغت اليونسكو فعلاً تركيا باحترام القانون الدولي؟

ويؤكد خبير الآثار في مديرية الآثار بعفرين صلاح سينو خلال لقاء خاص، أن سرقة الآثار والمتاحف والتنقيب عنها  وتهريبها، يشكل مورداً مالياً رئيسياً لمعظم المجموعات المرتزقة في سوريا كجبهة النصرة وداعش وغيرها، إذ تعرضت العديد من المواقع الأثرية على امتداد الجغرافيا السورية للسرقة والنهب، ولكن حالة عفرين مختلفة، وينوه سينو إلى أن ما قام به الاحتلال التركي من استهداف للمواقع الأثرية، يؤكد أن موضوع الآثار وحضارة المنطقة كان موضوعاً ضمن جدول المواقع التي يجب أن تستهدف من قبل طيران الاحتلال التركي، وبهذا “نكون أمام هجمة همجية وحشية مدروسة تستهدف الحضارة والثقافة الإنسانية”.

ومن الدلائل التي تؤكد سعي تركيا الصريح لتدمير الآثار في عفرين، هو قيام منظمة اليونسكو بإبلاغ الجانب التركي قبيل عدوانها على عفرين بإحداثيات المواقع الأثرية الموضوعة على لائحة التراث الإنسانية، ويؤكد سينو أنهم عبر تواصلهم مع منظمة اليونسكو تأكدوا من ذلك، ولكن جيش الاحتلال التركي لم يلتزم بالقوانين والمعايير الدولية التي تكفل حماية المواقع الأثرية التي تعتبر ملكاً حضارياً وإنسانياً للإنسانية جمعاء.

أضرحة الأئمة.. هي الأخرى نبشت

إضافة للمواقع الأثرية، تعرضت الأضرحة الدينية المختلفة للنبش والتخريب، ومن بينها مزار شيخ حنان ومزار قرة جرنه وعدد من الأضرحة الدينية والمزارات الموزعة في قرى مقاطعة عفرين.

ويشير المحامي محمد جميل أن سرقة الآثار والتنقيب عنها يخالف المواثيق والمعايير الدولية، ويتابع “تهدف تركيا عبر ذلك إلى طمس الحضارة والثقافة السورية وبالتحديد الكردية منها في منطقة عفرين وهو ما يخالف العرف والقانون الدولي المصادق عليه عام 1966 والذي ينص على احترام القيم الثقافية والاجتماعية والتراث والحضارة الإنسانية في النزاعات المسلحة”.

مناشدات عدة ولكن هل من مجيب؟

وناشد صلاح الدين سينو المنظمات الدولية المعنية بالتدخل والقيام بجولات مستعجلة إلى المواقع الأثرية للتأكد من سلامتها وتحمل مسؤوليتها القانونية في حماية التراث الإنساني  من الهجمة البربرية التي تستهدف عفرين والتي لا تختلف من حيث مبدأها  عما قام به مرتزقة داعش من تدمر.

(ن ح)

ANHA

شارك هذا الموضوع على

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *