الإثنين, مارس 3, 2025

قراءة في دعوة أوجلان للسلام

بير رستم

ربما ما زال مبكراً لنعلم ما هي تداعيات هذه الحركة أو الدعوة التي أتت من طرف الزعيم الكردي؛ أوجلان، مؤخراً بالتخلي عن السلاح والدعوة لعقد مؤتمر لحزب العمال الكردستاني وحل الحزب، وبالتالي فإن أي تحليل بهذا الخصوص فلن يتعدى نوع من التخمين والاستقراء لما ستؤول إليه أوضاع المنطقة وسط صراع الأجندات والمشاريع المتعددة والمتصارعة، لكن وبعجالة يمكن القول؛ إنها بداية مرحلة جديدة في كفاح هذه الحركة السياسية ضد الهيمنة التركية ومشاريعها الفاشية حيث بدأت الأولى مع تأسيس الحزب على يد مجموعة ثورية شبابية عام ١٩٧٨، ثم بدأت المرحلة الثانية مع إعلان الكفاح المسلح وها هي المرحلة الثالثة حيث الدعوة لترك السلاح والدعوة للنضال السلمي الديمقراطي والذي بدأ قبل سنوات مع إعلان وقف إطلاق النار من طرف واحد؛ العمال الكردستاني ودخول عدد من وفود السلام للبلاد، لكن وللأسف فإن الفاشية التركية حينها، وبالأخص الدولة العميقة في تركيا، أفشلت مبادرة السلام لنصل إلى يومنا هذا حيث جاءت رسالة أوجلان مع الوفد الذي زاره في إيمرلي.

إن رسالة السيد أوجلان، وبقناعتي، لن تكون فقط نقطة تحول ولحظة تاريخية مفصلية في تاريخ الصراع الكردي التركي أو بنسختها الجديدة بين الديمقراطية والفاشية، بل أيضاً ستضع تركيا وحكومة العدالة والتنمية في مأزق حقيقي حيث من جهة ستسحب كل الذرائع من يد حكومة العدالة وأردوغان في ادعاءاتها وأحقية تركيا بالهجوم على مناطق الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية وذلك بدعوى إنها “جزء من منظومة إرهابية”، فحلّ الحزب سيجعل لا معنى لتلك الإتهامات حيث لا وجود للمنظمة أساساً لتقول بأنها؛ إرهابية أو غير إرهابية وبالتالي سحب تلك الورقة من يد تركيا، مما سيعطي مساحة حركة لتعمل مؤسسات الإدارة الذاتية بحرية، كما إنه سيقوي موقف قوى التحالف بالتصدي لأي محاولات اعتداء تركية على روژآڤا ومناطق شمال وشرق سوريا! وكذلك ستعطي فرصة لكل من الإدارة الجديدة في دمشق ومؤسسات الإدارة الذاتية لتعميق الحوارات والاتفاق على مشروع سياسي وطني ينهي الاحتلال التركي لمناطقنا وبالتالي وضع حد لمأساة أهلنا بعفرين وباقي مناطق الاحتلال التركي حيث نعلم؛ بأن تركيا كانت وما زالت هي التي تعيق مثل هذه الاتفاقيات، إن كانت مع قوى المعارضة السورية سابقاً، أو حالياً مع إدارة الشرع الجديدة.

ذاك كان على المستوى المحلي الداخلي؛ أي السوري وما يخص شقنا في مناطق الإدارة الذاتية.. أما بخصوص الملف الكردي في باكور وتركيا، فإنها ستضع تركيا وحكومة العدالة في الزاوية وتحشرها، كون المبادرة وضعت الكرة في ملعبهم حيث باتت تركيا؛ إما تقبل بالدخول في عملية مفاوضات وسلام مع الكرد وحل القضية، مما قد يجعل التيارات المتشددة تنقلب على أردوغان وترفض المشروع وتركيا برمتها في أزمة سياسية وكذلك اقتصادية حيث سيسحب منه ورقة الحرب مع الكردستاني كأهم أسباب أزمتها الاقتصادية وإنهيار الليرة التركية، وبالتالي ستكون حكومة العدالة مطالبة بإيجاد حلول اقتصادية لوضعها المعيشي أو انتفاضة الشارع التركي ضد سياساتها الخاطئة والتي قد تكون بداية ربيع تركي على غرار الربيع العربي وربما تصبح بداية النهاية لسقوط سلطة حزب العدالة. إما في حال رفض حكومة العدالة لتلبية الدعوة ورفضت الدخول في مفاوضات وحل القضية سلمياً، فإنها ستضعها في مواجهة مع القوى الدولية وذلك في ظل ما نجده من دعم دولي لمبادرة أو دعوة أوجلان السلمية.

وهكذا نجد بأن أردوغان سيكون بين نارين؛ نار الداخل في حال لم يقدم حلولاً ترضي كل الأطراف والقوى الداخلية وبين نار الخارج إن لم يدرك كيف يمشي مع هذا الزخم والتيار الدولي المؤيد للسلام وحل القضية الكردية.. يعني وباختصار؛ جنت براقش على نفسها، وبالتالي وقع أردوغان، أو بالأحرى الدولة العميقة في تركيا بشر أعمالها! طبعاً سيكون صعباً على الكثيرين ممن نشأوا وتربوا على الفكر السياسي الأوجلاني وتكونت شخصيتهم وهويتهم السياسية وفق التعريف بأنهم “بككلية”؛ أي المنضوين والمتقمصين، أو بالأحرى الذين تكونت شخصيتهم السياسية على أساس إنهم ب ك ك، سيكون صعباً عليهم تقبل فكرة حل الحزب، كونه سيعتبر للكثيرين منهم على إنه نهاية وجودهم الكياني، وهنا نقصد بالمعنى السياسي أو الحزبي، وخاصةً في ظل تنشأة حزبية للأعضاء وفق المنظومة الفكرية القاصرة لحركتنا الوطنية الكردية حيث يتم تنشأة الأجيال وفق الرؤية الضيقة بالانتماء للحزب أكثر ما يكون الانتماء للقضية وللأسف، لكن وبقناعتي ستكون مؤقتة وخاصةً عندما تبدأ بوادر هذه الدعوة تنعكس إيجاباً على القضايا الكردية في عموم كردستان وليس فقط في باكور وروژآڤا، بل حتى في الأجزاء الأخرى أيضاً!

أما في حال رفض أردوغان وحزب العدالة للتعاطي بإيجابية ومنطق العقل مع مبادرة أوجلان والاستمرار بمنطق القوة والاستسلام، وليس السلام، فسيكون للحديث منحى آخر وقد أشارت إليها قنديل وعلى لسان القائد الآخر؛ مراد قريلان والذي صرح، وبما معناه؛ بأنهم سيلتزمون بدعوة قائدهم ولكن وقبل التخلي عن السلاح أو حل الحزب سيرون ما هي فاعلة تركيا؛ أي ما هي الخطوة والمبادرة الإيجابية المقابلة من جانب تركيا وحكومة العدالة والتنمية وبالتالي فأي رفض تركي لتقديم ما يقابل دعوة أوجلان، سيكون مصير المبادرة الفشل والذي لا نتمناه حيث سيعيد دوامة العنف وهذه لن تخدم أي طرف.. بكل الأحوال وبحسب قراءتنا للمرحلة، وقد سبق وقلتها مراراً؛ بأن الكفاح المسلح لم يعد يجدي الشعوب التي تتطلع للحرية والاستقلال حيث كانت عنوان وأداة مرحلة تاريخية نضالية مضت وأنتهت حواملها وفواعلها واليوم باتت الحركات السلمية والنضال المدني أكثر نجاعةً لاجبار الفاشيات على الرضوخ لإرادة الشعوب والتي نأمل أن تكون بداية نيل شعبنا في مختلف أجزاء كردستان لحقوقه الوطنية كاملةً وفق العهود والمواثيق الدولية ذات الشأن.. فهل ستكون بداية عهد جديد في تركيا والشرق الأوسط الجديد؟!

شارك هذه المقالة على المنصات التالية