الدرباسية/ نيرودا كرد – الريف تجمع سكني أكثر بساطة وألفة ومحبة، لأن هذه الخصائص تتعزز كلما صغر التجمع السكني، في حين أن التجمعات الكبيرة تُصهر هذه الخصائص من خلال ازدحاماها وتباعد قاطنيها جغرافياً، فضلا عن مشاغل سكانها.
تتميز مناطق الريف بجمالها الطبيعي الساحر ورونقها الهادئ، الذي يجذب الكثيرين للاستمتاع بعيدا عن الضوضاء، وصخب المدينة، وتعد الحياة في الريف تجربة مميزة تمنحك فرصة لاكتشاف جمال الزراعة والحيوانات والمناظر الطبيعية الخلابة.
الطبيعة والبساطة
ويعيش سكان الريف حياة بسيطة تقترب من الطبيعة، حيث يعتمدون على الزراعة وتربية الماشية كمصدر رزق رئيسي، فمناظر الحقول الخضراء والسهول الواسعة تضفي على الريف جاذبية خاصة تجعله ملاذًا هادئًا للباحثين عن الهدوء والسلام.
وفي هذا الإطار، يمثل الريف في إقليم شمال وشرق سوريا، جزءًا لا يتجزأ من البنية الاجتماعية والاقتصادية، ويلعب دورًا هامًا في تعزيز التنوع الثقافي والبيئي. حيث أن القرى هي عبارة عن مجتمعات صغيرة تعيش في بيئة ريفية تتميز بالهدوء والطبيعة الخلابة، وتلعب القرى دورًا مهمًا في الحفاظ على التراث والثقافة التقليدية، حيث تحتفظ بعادات وتقاليد تمتد لقرون.
وتتميز القرى في إقليم شمال وشرق سوريا بعمارتها الفريدة، وأسواقها التقليدية، وحرفييها الماهرين، الذين يصنعون منتجات يدوية تميزها الجودة والجمال.
كما تعدُّ القرى مراكز للحياة الاجتماعية والثقافية، حيث يتشارك أفراد المجتمع في الأنشطة والاحتفالات التقليدية، بالإضافة إلى ذلك، تلعب القرى دورًا حيويًا في الاقتصاد المحلي، حيث توفر فرص عمل في الزراعة والصناعات اليدوية.
قرية هبو مثالاً
على بعد أكثر من خمسين كم من مركز مدينة الدرباسية باتجاه الجنوب، تقع قرية “هبو” التي يبلغ عمرها أكثر من قرن من الزمن، وتحدها من الغرب قرية فرحية، ومن الجنوب قرية كوخ، ومن الشرق وحشك، ومن الشمال مشقوق.
ولمعرفة المزيد عن تفاصيل قرية “هبو”، التقت صحيفتنا أحد سكانها الحاج “محمد عمو“: “في السابق كانت القرى تبنى دون إجراءات البيع والشراء، لأن غالبية الأراضي كانت في ذلك الوقت عبارة عن مشاع، وكان يستطيع أي شخص بناء قرية ما، في أي منطقة كانت، كان باستطاعته البناء فوراً وبهذه الطريقة بنيت غالبية قرى إقليم شمال وشرق سوريا، ومن ضمنها قريتنا “هبو”.
وتابع: “أعداد قليلة من الأشخاص تشاركوا في بناء هذه القرية، وكانوا في حينها من الشعب العربي، فأتت بعد ذلك بعض العوائل الكردية وقاموا بشراء هذه القرية، فبقيت في القرية عوائل من عشيرة (الأومرا)، وأيضا عدد من عوائل عشيرة (التات)، وكذلك بعض العوائل من الشعب العربي، ليبلغ عددهم جميعاً اليوم 30 منزلاً، يعيشون جميعهم في وئام ومحبة منذ بناء هذه القرية، وحتى اليوم”.
دور المسنين في القرية
وتابع عمو: “بشكل عام تحترم القرى ومن ضمنها قريتنا، دور الشيوخ والمسنين، وتستفيد من حكمتهم وخبرتهم في توجيه الشباب والأجيال الصاعدة؛ ما يعزز التوازن والاستقرار في العلاقات الأسرية، لأن الشيوخ والمسنين، ونتيجة للتجارب الحياتية، التي مروا بها، باتوا يشكلون مرجعاً في العديد من الأمور لدى الجيل الناشئ، فكنا نرى كيف كان الشباب يلتفون حول المسنين في المضافات، ليتعلموا منهم العديد من الدروس التي تساعدهم على مواجه هذه الحياة”. وأردف: “ومن جهة أخرى، فإن للمسنين في القرية دوراً فعالاً في حل المشاكل والخلافات التي قد تنشب بين أهالي القرية، والسبب في ذلك يعود إلى الاحترام الذي يكنه أهالي القرية لدور كبار السن، فمهما كان الخلاف كبيراً، وبغض النظر من كان على حق، ومن كان مخطئاً، فإن تدخل كبار السن في القرية في المشكلة سيؤدي إلى تصحيح الخطأ حكماً، وهذا ما ساعد على حل الكثير من الخلافات التي كانت تنشب في القرى”.
الزراعة مصدر دخل
وأشار عمو، إلى أن أهالي القرية منذ بدايتهم يعتمدون على الزراعة كمصدر دخل أساسي، حيث تبلغ مساحة القرية خمسة آلاف دونم، ولكل عائلة قطعة أرض تمتلكها وتقوم بزراعتها وقضاء حاجاتها منها، ففي العصور القديمة، كانت الزراعة تقتصر على استخدام الأدوات البسيطة مثل المجارف، والمياه لزراعة الحقول يدويًا، وكانت المجتمعات تعتمد على زراعة الحبوب وتربية المواشي، كوسيلة رئيسية للبقاء وتحقيق الاكتفاء الذاتي، أما اليوم فقد شهدت الزراعة تطورات هائلة من خلال مفهوم الزراعة الذكية، واستخدام التقنيات الحديثة مثل الزراعة العضوية، والزراعة الدقيقة، وتهدف هذه التقنيات إلى تحسين جودة المحاصيل، وحماية البيئة، وتحقيق الاستدامة في إنتاج الغذاء.
واختتم الحاج “محمد عمو” حديثه: “إلى جانب ذلك، كانت الزراعة في السابق لا تتطلب تلك التكاليف الباهظة، حيث أن الأسعار كانت أرخص، وبالتالي فإن التكاليف الزراعية هي أيضاً أرخص، أما اليوم، فقد باتت الزراعة تثقل كاهلنا كمزارعين، فأسعار كافة المستلزمات الزراعية باتت أضعافاً مضاعفة، ما يشكل أعباء كبيرة علينا، الأمر الذي اضطر الكثير من المزارعين للكف عن زراعة أراضيهم، لما بات لها من تكاليف مرتفعة لا يستطيع الكثير من المزارعين أن يتحملوها”.
المصدر | صحيفة روناهي
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=66087