الأربعاء 30 تموز 2025

لايمكن حل القضية الكردية السورية الا على ايدي أصحابها

صلاح بدرالدين
بعد اسقاط نظام الاستبداد ، وبزوغ فجر الحرية منذ التاسع من كانون الأول الماضي ، وانعاش الامال في استكمال تحقيق اهداف الثورة السورية مابعد الخطوة المفتاحية الأولى ، ومعالجة مختلف القضايا ، والمشاكل الحياتية ، الأمنية ، الاقتصادية ، الاجتماعية ، السياسية ، والاعمار وعودة الغائبين ، ومن ضمنها وضع الحلول الوطنية للقضية الكردية ، وسد هذه الفجوة التي استنفذت الطاقات ، والموارد ، لعقود خلت ، وخلقت إشكاليات حتى امام طريق الوحدة الوطنية ، والعيش المشترك ، والتي نشات نتيجة الحرمان ، والاضطهاد ، وتفاقمت اضعافا في ظل نظام البعث الشوفيني الذي وضع مخططات عنصرية ، وغيرالتركيب الديموغرافي للمناطق الكردية .
وبمناسبة طرح الموضوع الكردي مجددا منذ سقوط النظام البعثي الاسدي ، لابد من القاء نظرة ولو سريعة ، وفي هذه المرة وبايجاز شديد ، على المراحل التي تم تداول هذه القضية من جانب أهلها أي في منظور ، ومناهج التيارات الفكرية ، والسياسية التي تجسدت في تنظيمات حزبية متتالية وذلك من ( ١٩٦٥ – ٢٠٢٥ ) ، ومآلاتها فيما بعد .
في السنوات الأولى من انبثاق التنظيم الحزبي الاول غلب فيها الطابع القومي العفوي ، وحلت العواطف ، والمشاعر الجياشة – وهي متوقعة لدى أي شعب يعاني الحرمان لقرون – حيث تضمن منهاج الحزب بندا ينص على ( تحرير وتوحيد كردستان الكبرى ) ، وبعد حملة الاعتقالات بموجتيها ، ووقوف أعضاء القيادة امام المحاكم ، ومواجهة التبعات القانونية في دولة نظامها دكتاتوري امني شوفيني ، حصلت نقاشات ، واختلافات بالرأي بين النخب المسؤولة وهم ضمن جدران السجن ، ولم يمضي بضع سنوات حتى انتقلت السجالات الى التنظيمات الحزبية ، وخيم الذهول ، والعجز في تشخيص الازمة ، مما سادت نزعات – الشخصنة – ، وازدهرت عملية اصطفاف التكتلات – المتمردة – على الحزب عموما ، والولاءات لهذا القيادي اوذاك ، ولم يبق أي اثر لموقف قومي جامع واحد ، وكان ذلك كفيلا بتوجيه الأنظار الى العمق الكردستاني كمخرج او مهرب ، وكتعبير عن العجز في معالجة الازمة .
مرحلة المراجعة وإعادة التعريف
في الخامس من آب ١٩٦٥ وبعد ثمانية أعوام من ميلاد الحزب الكردي السوري الأول ، والانتكاسة العميقة التي واجهها ، وبهدف الإنقاذ جرت المحاولة الجادة المدروسة الأولى في الحياة السياسية الكردية ، وتمت مراجعة جذرية في الفكر والموقف السياسي ، وتشخيص الازمة بصورة علمية واقعية ، الى جانب إعادة تعريف الشعب ، والحقوق ، والقضية ، والموقف من نظام الاستبداد ، والعلاقات الوطنية ، والقومية يمكن ايجازها بالبنود التالية :
١ – الكرد السورييون شعب من السكان الأصليين يعيش على ارض الإباء والاجداد ، تتوفر فيه العلائم القومية الخاصة به ، ومن حقه تقرير مصيره السياسي والإداري في اطار سوريا الديموقراطية الموحدة . ٢ – القضية الكردية جزء من القضية الديموقراطية للشعب السوري ، ولن تحل قضيته الا بزوال الدكتاتورية . ٣ – الكرد بامس الحاجة الى تاطير نضالهم السلمي المدني في حركة سياسية ديموقراطية . ٤ – على الحركة السياسية الكردية السورية نسجع العلاقات النضالية مع القوى الديموقراطية على مستوى البلاد ، والحركة الوطنية العربية ، والحركة الثورية العالمية . ٥ – تعميق العلاقات القومية خاصة مع ثورة أيلول في كردستان العراق وزعيمها مصطفى بارزاني ، ٦ – صيانة الشخصية الوطنية الكردية السورية ، واستقلالية القرار في جميع التحالفات .
هذه البنود لم تكن مجرد شعارات ، بل جرى العمل من اجل شرحها وتحقيقها ليل نهار عبر النقاشات ، والاعلام ، ومنظمات الحزب في جميع المناطق ، والمدن ، بتماس مباشر مع الجمهور وخلال اكثر من أربعين عاما ، وكانت النتيجة الاقبال الواسع في استيعاب المبادئ الأساسية المنبثقة عن الكونفرانس الخامس من جانب النخب ، والفئات المتنورة ، وحتى عامة الشعب ، وكمثال فان صفة الشعب فرضت نفسها حتى على من كانوا يستخدمون مصطلح الأقلية ، وللتاريخ أقول ان عملية إعادة التعريف وضعت حدا للضياع ، وصقلت المفاهيم القومية والوطنية ، واعادت الاعتبار لارادة الشعب ومناضليه ، وتظهر قيمة هذه المرحلة اكثر في ردود أفعال نظام الاستبداد ومن بينها ايفاد الضابط الأمني – محمد منصورة – الى القامشلي ، لوقف ذلك النهوض ، واختراق الحزب الذي قاد عملية إعادة التعريف والبناء ، ودعم التيارات ، والشخصيات الموالية للنظام ، من اجل رعاية تيار سياسي كردي تحت السيطرة ، في مواجهة النضال الكردي الأصيل المتراكم عبر المراحل التاريخية .
المرحلة التالية
لاشك ان قسما من القيم الفكرية ، والمواقف السياسية ، والبرامج والمبادرات ، التي تبنتها مدرسة الخامس من آب لم تتحقق حينها وتم ترحيلها الى مراحل لاحقة بسبب وضع الأجهزة الأمنية كل ثقلها لمحاربة حامليها ، خاصة في مجال دعم مجموعات موازية موالية ، وتسخير قدرات الأجهزة باشراف – منصورة – باتجاه اصدار وثائق مزورة ، وتنظيم حملات إعلامية مضادة ، وبث الرعب في أوساط رفاقنا وانصارنا في كافة المناطق ، وحبك العديد من محاولات الاغتيال ليس في الداخل فحسب بل بالخارج أيضا وتحديدا في لبنان ، واربيل ، وشهدت أعوام بداية تسعينات القرن الماضي انكفاء في النضال السياسي الكردي السوري ، وتحول البرلمانييون الثلاثة المعينون الى ابواق لمدح النظام من دون تحقيق أي مكسب للكرد ، وظهرت علائم التردي بابشع صوره خلال قيام أحزاب – منصورة – الكردية بواجب تقديم التعازي ( بوفاة البطل المفدى حافظ الأسد ؟!) هذه العبارة منقولة من الصفحات الأولى للصحف الناطقة باسم تلك الأحزاب .
بلغ التردي أوجه بالوافدين الجدد من قنديل بداية الثورة السورية ، حسب خطة إقليمية محكمة وضعتها الأجهزة الإيرانية ، وباركها قادة كرد عراقييون ، فهم جاؤوا لنصرة النظام ضد ثورة الشعب السوري ، ووجدوا أحزاب – منصورة – الكردية لقمة سائغة فتعاملوا معها بوسائل القضم المتدرج ، وتكتيك العصا والجزرة ، وفي حقيقة الامر لم يكن هناك خلاف يذكر بين الطرفين بشان الحالة الكردية الخاصة والاستحقاقات ، لان السقف الأعلى للجميع هو – الحقوق الثقافية – والإدارة المحلية التي وردت أساسا في دساتير نظام البعث ، واذا كان الوافدون من جماعات – ب ك ك – في حل من – كرديتهم – اسما ومضمونا كما اعلنوا ذلك مرارا وتكرارا ، فان الاخرين منشغلون في إيجاد وسائل ، ومخارج، للتخلص حتى من أسمائهم – الكردستانية – لانهم استخدموها أساسا للاستهلاك ، والتضليل .
ان التبعية للمحاور – الكردستانية – وحمل اجندتها على حساب الشخصية الكردية السورية المستقلة اخطر ماواجه حركتنا في العقود الثلاثة الأخيرة ، وكانت الوظيفة المركزية للوافدين من – قنديل – تحويل قضية الكرد السوريين الى مشكلة مع تركيا فقط لاغير ، وبالاحرى ربطها بمشروع – ب ك ك – في المنطقة ، وقد شكل بيان الشرع – عبدي كمينا محكما بهذا الشأن سرعان ماانتبهت الحكومة السورية ، وأوضحت ان – قسد – لايمثل الكرد السوريين ، وان اللقاء والبيان والتواصل لحل مسائل عسكرية – امنية ، اما الكمين الاخر – كونفرانس القامشلي – وبالرغم من اعتباره من جانب المتفائلين تجسيد للوحدة فانه يشكل بنظر الكثيرين قفزة نحو المجهول لانه يكرس القضية الكردية السورية – كملحق – بالمشروع الإقليمي لمركز – ب ك ك قنديل – ، وهو كما نعلم مشروع مدمر اخفق حتى في موطنه الأصلي ، والحق الأذى بالاجزاء الأخرى ، وحتى مؤسسه توصل الى قناعة بضرورة حله .
كل ذلك يجري بغياب وتغييب أصحاب القضية الحقيقيين منذ أربعين عاما ( وهم الغالبية العظمى ) ، والسؤال هو : هل يمكن حل القضية الكردية السورية من دون أصحابها ؟ .