جان دوست
مختصر رأيي في موضوع الوعي القومي لدى شرفخان. ليس رداً على البروفسور سربست نبي في أن شرفخان كتب شرفنامه بطلب من السلطان، بل لإبراز رأيي في موضوع جذور الوعي القومي المبكر لدى النخبة الكردية. وهو مستل من مقدمة شرحي لكتاب مم وزين الصادر عام 1995 في دمشق لأول مرة:
“لقد كتب الأمير المؤرخ شرفخان بدليسي أول كتاب في التاريخ الكردي باللغة الفارسية التي كانت كما أسلفنا في أوج مجدها وذيوعها وكانت مسيطرة على الثقافة الشرقية آنذاك حتى حدود الهند، لكن خاني – واقتداء بسلفه الجزري وغيره – لم يشأ ذلك وصرح في المقدمة أنه ترك الذهب (اللغة الفارسية الرائجة) وانكب مشتغلاً في النحاس (اللغة الكردية) وكأني به يرد بذلك على شرفخان وكتابه التاريخي شرفنامه الذي نعتقد أن خاني اطلع عليه وتأثر به في أفكاره التحررية، وكان تأليف ذلك الكتاب قد أنجز قبل قرن من ظهور مم وزين، مما يدعونا إلى القول بأسبقية شرفخان وكونه واضع حجر الأساس في مدرسة القومية الكردية. لقد كان لدى شرفخان مشروع قومي كبير لم يلق النجاح (فقد سعى سعياً حثيثاً لبث روح الاتحاد والوئام في الشعب الكردي….فدعا على قدر ما سمحت له الظروف والأحوال حينذاك إلى تأسيس وحدة سياسية وتكوين جبهة مشتركة بين الحكومات والإمارات الوطنية من الفدراسيون (الحكومات المتحدة) يكون مركزها مدينة جزيرة ابن عمر(جزيرة بوتان) ولكن هذه الفكرة السديدة حقاً لم تلق آذاناً صاغية من زعماء الكرد وأمرائهم) . (من كتاب تاريخ الكرد وكردستان. محمد أمين زكي. ص 202. 203.)
لقد عبر شرفخان بنفسه في مقدمة شرفنامه عن أهدافه القومية وراء تأليف ذلك الكتاب الهام، وبمقارنة الكتابين (مم وزين وشرفنامه) نستنتج أن الهدف من تأليفهما مشتركٌ لدى الكاتبين، فكلاهما وضع نُصْبَ عينيه بعثَ جمراتٍ مطمورة بالرماد وإحياء التراث الكردي المهدد بالضياع. وبالرغم من التقائهما في الهدف النهائي إلا أن هناك نقطة اختلاف جوهرية بين الاثنين، ففي حين توخى شرفخان بعث تاريخ الأسر الكردية الحاكمة التي توالت على الإمارات المستقلة في كردستان و ( حتى لا يبقى صيت الأسر الكردية ذات الأثر الفعال في حياة كردستان العامة في حجاب الستر والكتمان) نجد أن غاية خاني هي أسمى من غاية سلفه شرفخان وأكثر وضوحاً والتصاقاً بالهوية القومية الكردية والشخصية الثقافية المتمايزة فهو:
ترك صافي الخمرة وشرب الرديء، ونظم الدرر من اللغة الكردية
وتجشم المصاعب في سبيل العامة من شعبه
كما أنه يقول أنه لم يؤلف هذه القصة لأنه خبير بأسرار الأدب بل تعصباً لبني قومه وعشيرته، ويوضح في رموز مفهومة أنه ترك صافي الخمر (اللغات الفارسية والتركية والعربية) ولم يكتب إلا بلغته الكردية المهملة كالثفل المترسب في قاع الكأس فنظم من دررها عقداً فريداً ونسقاً جميلاً حتى لا يقول الناس: إن الكرد يفتقرون إلى ثقافة أصيلة وهم محرومون من معرفة الحب وتذوقه.
إن الطريقة التي كتب بها هذان الرائدان مقدمتيهما تدل على أن خاني تأثر بشرفخان في مجمل أفكاره القومية وعلى أن هناك قضايا هامة وملحة كانت تشغل بال النخبة الثقافية في تلك القرون الغابرة وأهمها قضية الوحدة والاستقلال!! لقد كان من الشائع في الأوساط العامة أن الكرد لن يتوحدوا لأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بذلك لما رأى من غلظة وجلافة مبعوث أوغوزخان التركستاني وهوبغدوز الكردي قائلاً: لا وفق الله هذه الطائفة (يعني الأكراد) إلى الوفاق والاتحاد وإلا فإن العالم يهلك على أيديهم إذا ما اتحدوا! .
ويعقب المؤرخ شرفخان على هذا الحديث النبوي الموضوع بالطبع قائلاً: ومن ذلك اليوم لم توفق هذه الطائفة إلى تأسيس دولة عظمى متحدة وسلطنة كبرى موحدة .
بطبيعة الحال لسنا مع المؤرخ في هذه النقطة ولن نصدق أن دعوة كهذه هي التي جعلت الكرد منقسمين على أنفسهم بين دول وإمبراطوريات، بل هناك أمور أهم بكثير بيَّن الكاتبان بعضاً منها، فيقول شرفخان: ولا يطيع الأكرادُ بعضهم بعضاً، فلا اتفاق بينهم ولا تعاون . بينما نجد خاني يصوغ هذه الفكرة في بيت من الشعر قائلاً:
إنهم أشتات متفرقون في جملتهم ودائموالتمرد والشقاق!
ويقول شرفخان وهو يعزوالتمزق إلى انعدام وجود قائد فذ: ولما كان الأكراد ليس بينهم الآن عموماً من يُطاعُ أمره فيهم ويُنَفَّذُ حكمه، فإن أكثرهم صاروا يسفكون الدماء ويستهترون بقواعد الأمن والنظام وإنهم يثورون لأتفه الأسباب . ويورد في مكان آخر من شرفنامه واقعة جديرة بالوقوف عندها طويلاً حيث طلب السلطان العثماني سليم خان من الشيخ إدريس البدليسي بعد معركة چالديران أن يختار الأمراءُ والحكامُ الكرد من بينهم من يصلُح لتولي منصب أمير الأمراء بحيث يخضع له الجميع فقال إدريس البدليسي: إن كل واحد يقول أنا لا غيري. ولا يطيع أحد الآخر . ويوافق الشاعر خاني سلفه في هذه النقطة ويذهب أبعد من ذلك حينما يتمنى ظهور قائد مستقل يحكم دولة آمنة ويرعى الأدب والفكر ويقوم بحرب استقلال ليلقي عن كاهل الشعب الكردي استعمار العثمانيين واحتلالهم البغيض لكردستان.
إن كلاً من هذين الرائدين يرسمان البنية النفسية ذاتها للشخصية الكردية ويقدمان الصفات العامة نفسها التي يتحلى بها الشعب الكردي، ففي حين يكتب شرفخان واضعاً إطاراً عاماً للكرد قائلاً: وأكثر جماعاتهم موصوفون بفرط الشجاعة والتهور ووفرة المروءة والسخاء مع ما جُبِلوا عليه من الغيرة الشديدة والإباء البالغ والأنَفَة الزائدة(…..) فيلقون بأنفسهم إلى المهالك ويقحمون بها في المخاطر حتى لا يضطروا لِمَدِّ اليد إلى اللئام والأنذال بطلب المساعدة والإحسان ، نجد أن خاني يكرر نفس العبارات شعراً، ولا أظن الأمر من باب التقليد أوسرقة الأفكار، بل من باب وقع الحافر على الحافر فقد اتفق الاثنان على صفات واحدة لأن الموصوف واحد” .
المصدر:
https://www.facebook.com/share/p/1FzBJ3qFrq/
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=80097





