الخميس, أبريل 18, 2024

معبر سيمالكا – فيش خابور بين سوريا والعراق في مهب الخلافات الكردية

آراء

جوان ديبو

في أعقاب اندلاع الأزمة السورية في ربيع 2011، انتقلت السلطة تدريجيا في معظم المناطق الكردية في شمال وشرق سوريا إلى سلطة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي أسس فيما بعد الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا سنة 2014. ذلك الانتقال كان أشبه ما يكون بالاستلام والتسليم وملء الفراغ المباشر وغير المباشر بين النظام السوري والاتحاد الديمقراطي، لاضطرار نظام بشار الأسد إلى التركيز على بؤر التوتر المتصاعدة في جنوب وشمال ووسط سوريا التي بدأت تهز أركانه.

في سنة 2013 تمّ افتتاح معبر سيمالكا – فيش خابور بين مناطق شمال شرق سوريا وإقليم كردستان العراق عقب اجتماع عُقد في أربيل بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي في سوريا برعاية رئيس الإقليم الأسبق مسعود بارزاني.

في ذلك الاجتماع تم إبرام اتفاق مبدئي غير ملزم على أساس محاصصة النفوذ والامتيازات مناصفة بين الاتحاد الديمقراطي والمجلس الكردي الموالي لأربيل والمنضوي ضمن الائتلاف السوري المعارض الموالي لأنقرة، في محاولة يائسة من “حدك” أربيل لتصدير نموذج الحكم الهش في كردستان العراق إلى كردستان سوريا.

لكن خطة “حدك” ورئيسه لم تتكلل بالنجاح لانتفاء المقومات وتمايز النموذجين عن بعضهما في حيثيات متعددة منها موازين القوى.

يُعتبر معبر سيمالكا – فيش خابور المنفذ والمتنفس الوحيد لكردستان سوريا نحو العالم الخارجي، حيث إن مناطق الإدارة الذاتية محاصرة ومهددة بالكامل من قبل تركيا التي اقتطعت أجزاء مهمة منها في عفرين وسرى كانيه (رأس العين) وكرى سبي (تل أبيض).

ولم تكف تركيا للحظة عن التربص ببقية المناطق بهدف الانقضاض عليها وتقويض الإدارة الذاتية بالكامل. ولم يكبح جماحها سوى اللاءات الأميركية الخجولة والتحفظات الروسية غير النزيهة. وليس لهذه المناطق أي منفذ جوي خاص بها عدا مطار القامشلي الذي يخضع لسيطرة قوات وأجهزة أمن النظام السوري.

المعبر مخصص للمبادلات التجارية بين الجهتين والتي تشترك فيها شبكة معقدة من الأطراف والجهات المحلية والإقليمية. هذه الأطراف وإن بدت متخاصمة علنيا وإعلاميا، إلا أنها متفقة تجاريا وربحيا لما تدره هذه المبادلات من أرباح طائلة على كافة المستفيدين القلائل، ابتداء من دمشق والقرداحة والقامشلي ومرورا بأربيل والسليمانية وانتهاء بعواصم إقليمية ودولية.

والأهمية القصوى للمعبر تكمن في أغراضه المدنية والإنسانية، حيث يستخدم لحركة المسافرين من وإلى مناطق الإدارة الذاتية في روج آفاي كردستان بهدف السفر والعلاج والدراسة والعمل ولم الشمل للمقيمين في أوروبا. وإقليم كردستان العراق بالنسبة للكثيرين يعتبر إما الوجهة الأخيرة للاستقرار أو مجرد محطة للانتقال إلى أوروبا.

تعرض المعبر خلال السنوات العشر الماضية للإغلاق عدة مرات. وفي كل مرة كان الحزبان اللذان يسيطران على المعبر من الجهتين، أي الاتحاد الديمقراطي والديمقراطي الكردستاني، يتبادلان التهم بشأن المسؤولية عن إيقاف المعبر عن العمل. آخر مرة تم فيها إغلاق المعبر كانت في الثاني عشر من الشهر الجاري عندما أغلق الحزب الديمقراطي الكردستاني المعبر من جهة إقليم كردستان العراق (فيش خابور) وبقرار فردي، ردا على عدم سماح سلطات معبر سيمالكا التابعة للإدارة الذاتية التي يقودها الاتحاد الديمقراطي لوفد المجلس الوطني الكردي في سوريا التابع لأربيل بحضور افتتاح متحف بارزاني، بناء على دعوة من رئيس الإقليم الأسبق مسعود بارزاني، وكذلك للتحضير للمؤتمر القادم للحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا، أكبر أحزاب المجلس الوطني والذي يعتبر فرع “حدك” أربيل في سوريا.

أليس من المعيب والظلم والإجحاف أن تبادر حكومة الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل بإقفال المعبر من جهتها وإنزال العقوبة الجماعية بمئات الآلاف من البشر في شمال شرق سوريا، الذين يعانون الأمرين منذ 2011 لمجرد أن سلطة الاتحاد الديمقراطي قد منعت وفد المجلس الكردي المدلل لدى أربيل من حضور افتتاح متحف بارزاني؟ أليس من العار أن يقدم “حدك” في أربيل على إحكام الحصار على مناطق الإدارة الذاتية وإغلاق المعبر ومعاقبة عشرات بل مئات الآلاف من البشر بجريرة غيرهم؟ هذا إذا اعتبرنا عدم السماح لأشباه السياسيين والمرتزقة والمتسكعين في عواصم العالم والمنطقة باسم الشعب والقضية، جريرة تستحق إنزال العقاب بشعب كامل.

الدعوة التي وجهها “حدك” لأتباعه ومريديه في المجلس الكردي لحضور افتتاح متحف بارزاني فيها استفزاز صارخ لسلطة الاتحاد الديمقراطي، بصرف النظر عما إذا كنا من مؤيدي أو معارضي هذه السلطة. والأسباب هي أن “حدك” لم يوجه دعوة للاتحاد الديمقراطي أو لممثلي الإدارة الذاتية لحضور المناسبة حرصا على عدم إغضاب تركيا الأردوغانية التي على الأغلب قد شاركت وبفعالية في المناسبة، إما عن طريق سفيرها في بغداد أو قنصلها في أربيل أو عن طريق الاثنين معا.

وبالمناسبة، “حدك” أربيل وأزلامه في المجلس الكردي في سوريا لا يعترفون أساسا بسلطة الإدارة الذاتية، ولطالما نعتوها بسلطة الأمر الواقع على أساس أن بقية أنظمة وحكومات المنطقة بما فيها حكومة “حدك” في أربيل هي ليست حكومات أمر واقع، وإنما حكومات منتخبة ديمقراطيا وأن الانتخابات والديمقراطية المزيفة التي يتباهون بها لا تشوبها أي شائبة، وسبق لها وأن أجرت استفتاءات شعبية عديدة على شرعيتها!

وقد سبق لكبار ممثلي المجلس الكردي في الائتلاف السوري المعارض القابعين في أنقرة والذين يعيشون من نعم السلطان أردوغان ويأتمرون بأوامر استخباراته، أن دعوا تركيا مرارا وتكرارا إلى الهجوم على بقية مناطق الإدارة الذاتية واحتلالها ودك وتدمير ما تبقى من سلطة تلك الإدارة.

كما سبق لهم وأن وصفوا المناطق الكردية التي تحتلها تركيا في شمال وشمال غرب وشمال شرق سوريا بالمناطق المحررة، بعد أن نزعتها تركيا من قبضة قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل قوات حماية الشعب وحماية المرأة عمادها الرئيسي. وقد دفعت هذه القوات حوالي 15 ألف شهيد معظمهم من الكرد للذود عن تلك المناطق وحمايتها من جحيم الدواعش، بمن فيهم أسر وعوائل أعضاء المجلس الوطني الكردي. وقد سبق لممثلي المجلس الكردي أن زاروا تلك المناطق بعد تحريرها من سكانها الكرد، أبناء جلدتهم، برفقة الأتراك.

ليس من الحكمة والمروءة والشجاعة تسييس المعابر التي تستخدم لأغراض إنسانية وإغاثية وتوظيفها للأجندات السياسية والحزبية الضيقة، التي لا تخدم سوى مصالح حفنة من السياسيين على حساب الإضرار بمصالح عشرات بل ومئات الآلاف من المدنيين الذين يعتبرون من ضحايا أولئك السياسيين. وهذا ما يقوم به “حدك” في أربيل الذي يعتبر أن من لا يدور في فلكه من الكرد في كردستان سوريا فهو خصم وند وعدو وجب محاربته وتهميشه.

تاريخيا، “حدك” لم يستسغ الشركاء والأصدقاء من الأشقاء، ولطالما دأب ويدأب على إيجاد وخلق المريدين والأتباع والعبيد الطوعيين والمرتزقة فاقدي البصر والبصيرة ومسلوبي الإرادة وضعاف النفوس أمام المال والامتيازات، أمثال القيادات المنضوية تحت لواء ما يسمى بالمجلس الوطني الكردي.

ولذلك ولولا الخشية من الأميركان الذين يحمون معبر سيمالكا – فيش خابور ويستخدمونه للأغراض العسكرية ودعم قسد في محاربة خلايا وفلول داعش في سوريا، لأقدم “حدك” منذ فترة على إغلاق هذا المعبر إرضاء لنزوعه في الهيمنة وكذلك للخليفة أردوغان.

 

جوان ديبو
كاتب سوري كردي

المصدر: العرب اللندنية