الجمعة 27 حزيران 2025

من فجّر كنيسة مار إلياس؟ الحقيقة خلف مسرحيات هيئة تحرير الشام

د. محمود عباس

حين غابت القيم، كانت الحقيقة أول الضحايا. في لحظة تهاوت فيها الأخلاق وتفسّخت المبادئ، بات من السهل على القوى المنافقة أن تُلصق بشكل مباشر أو غير مباشر، تهم الإرهاب بقوى كوردية عصرية، كانت قد دفعت آلاف الشهداء فداءً لسوريا ومكوناتها، وفي مقدمتهم المسيحيون السريان والأشوريون، ممن ذاقوا الويلات على أيدي داعش وشقيقاتها من التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، الامتداد المقنّع لجبهة النصرة بأسمائها المتعددة وأدوارها الملتوية.

ومع تصاعد حملات التشويه، روّجت الجهات نفسها رواية مفبركة، زعمت أن الانتحاري التكفيري الذي فجّر كنيسة مار إلياس، وارتكب مجزرة بحق العشرات من إخوتنا المسيحيين، قد خرج من مخيم الهول، في محاولة مكشوفة لتوريط الإدارة الذاتية الكوردية في جريمة يعلم الجميع أن بصماتها تعود إلى الحاضنة الأصلية لداعش، والتي حافظت على وجودها داخل المخيم باعتباره العاصمة غير المعلنة للتنظيم.

وحتى لو صحّت رواية خروجه من المخيم، فقد كان الأجدر البحث عن الجهات التي ساعدته على الهرب، تمامًا كما جرى سابقًا في حالات تهريب منظمة لعناصر داعش، بدعم من أطراف إقليمية، وتحت أعين من يدّعون أنهم “ممثلون للثورة”.

ولم يكن خافيًا على أحد أن ما جرى لاحقًا من “اعتقالات استعراضية” لعناصر أخرى، لم يكن سوى مسرحية أمنية لتغطية البنية المتطرفة التي تهيمن على الحكومة السورية الانتقالية، ومع مرور الوقت، ستُوضع هذه الحكومة أمام مفترق طرق، فإما أن تحارب بصدق التيار التكفيري داخلها، وتطلب دعم قوات سوريا الديمقراطية أو المنظمات الدولية، وإما أن تُفتضح حقيقتها، وتنكشف وظيفتها كغطاء شرعي للإرهاب المتقن التمويه.

المفارقة الأشد سخرية، أن هذه الحكومة، التي شكّلتها هيئة تحرير الشام بدعم تركي مباشر، حاولت أن تستغل القانون الدولي للاستيلاء على مخيم الهول، لا لحماية المدنيين، بل لتأمين ممرات لهروب خلايا داعش وإعادة تدويرهم في فوضى قادمة يُراد لها أن تنفجر من جديد في الجغرافيا السورية.

وهكذا، فإن كل تهمة وُجّهت إلى القوى الكوردية، كانت في حقيقتها شهادة إدانة ضد من أطلقوا سراح القتلة، ومن مدّوا لهم الجسور، وفتحوا لهم الممرات، بل ومنحوا لهم منصات باسم “الشرعية” و”الثورة”، بينما كان من حارب داعش في كوباني، وسنجار يُصنّف إرهابيًا، ويُحرّض عليه إعلام الممولين.

لقد كشفت المسيرات التكفيرية التي جابت شوارع إدلب، وحارة باب توما في دمشق وغيرها من المناطق، أن من يتحكم بمفاصل “الحكومة المؤقتة” ليسوا سوى أذرع للجماعات المتطرفة، وأن من بايع النصرة أمس، أصبح يتحدث اليوم بلسان الثورة، في مفارقة تراجيدية سوداء، يُكافَأ فيها الجلاد، ويُدان فيها المقاوم.

ولأن الكذب لا يصنع تاريخًا، وحملات التشويه لا تصنع مشروعًا، فإن من يقاتلون لأجل الحقيقة، وإن خذلهم العالم، سيبقون المنارة الوحيدة في هذا الظلام، حتى حين تختلط رايات الثورة بأعلام الإرهاب، وتتحوّل المؤتمرات إلى محاكم تفتيش.

الولايات المتحدة الأمريكية

25/6/2025م