الأربعاء, مايو 1, 2024

من وثائق الصراع على الجزيرة عام 1937-34- خالد عيسى

القسم الثقافي

 

عندما اشتدت مظالم حكام دمشق بحق سكان الجزيرة في أواسط الثلاثينات من القرن الماضي، تضامن قسم كبير من النخب الجزراوية، على اختلاف انتماءاتها، من أجل مقاومة الاضطهاد و المطالبة بالحكم الذاتي للجزيرة أسوة ببقية المناطق الخاضعة للانتداب الفرنسي. و ساهم الوجهاء المسيحيون بشكل فعّال في تلك الفترة في سبيل رفع الغبن عن أبناء الجزيرة.

و في الحقيقة منذ تشكل الكيانات التي تحولت فيما بعد إلى دولة سورية، لم تر السلطات العروبية، المتاجرة بالإسلام حيناً و بالعلمانية حيناً، المناطق الكردية إلا كبقرة حلوب، و كمرتع لها و لوكلائها، و حاولت، كما تحاول حالياً، مسخ وجود الشعب الكردي و تهميش نخبته الوطنية، و الإيقاع بين مختلف مكوناته الاجتماعية و السياسية.

بذلت و لا تزال تبذل الجهات العنصرية المتنفذة في سورية المساعي في سبيل تفكيك الوحدة الوطنية لضمان سيطرتها على مقدرات البلاد لحسابها و حساب عملائها من الأجانب، و ذلك بإثارة النزعات العنصرية بين مختلف مكونات الشعب السوري، فعملت و تعمل على حشد القوى غير الكردية في صراعها السلطوي لمسخ الوجود الكردي، من جهة، و من جهة ثانية تسعى إلى زعزعة وحدة الصف الكردي بكل ما تملكها من قوات و خدع، و من جهة ثالثة تستقوي بقوى أجنبية على الشعب الكردي.

ففي الوقت الذي تطالب القوى الوطنية الكردية بحل سلمي و عادل للقضية الكردية، تتنكر السلطات السورية لوجود الشعب الكردي و لحقوقه المشروعة، و تستمر في شن العمليات القمعية دعماً لسياساتها العنصرية، و بغية إضعاف الحركة الوطنية الديمقراطية في البلاد، تسعى إلى تحويل الصراع إلى صراع كردي عربي من جهة، و إلى تفكيك صف الحركة الوطنية الكردية، بجر بعض العناصر و الجماعات الكردية إلى مواقعها اللاوطنية.

فتدعي السلطات السورية بهتاناً بأن الحركة الكردية تستهدف انفصال المناطق الكردية عن سورية، و تلوح بالخطر الكردي المزعوم لإثارة المشاعر العنصرية لدى العناصر و القوى العربية، و تحاول في الوقت نفسه تدجين بعض العناصر و القوى الكردية، عن طريق اللعب على الانتماءات المناطقية و العشائرية و الفكرية لأبناء الشعب الكردي في سورية.

فتشدد حملاتها القمعية ضد سكان جبل الأكراد مرة و ضد سكان كوبانى أو سكان الجزيرة تارة أخرى، و تلجأ إلى محاولة الإيحاء بأنها تميز في التعامل الأمني بين التيارات الكردية التي تهتدي فكرياً بخط البرزاني أو بخط الطالبني أو بخط أوجآلان، و في الحقيقة لا تميز السلطات السورية بين أي من التيارات المذكورة و غيرها، فبالنسبة لها، يشكل الأكراد كتلة بشرية متجانسة على أراضيها، و يجب تعريب هذه المناطق، و يجب إقصاء كل النخب الكردية و منعها من المشاركة في المؤسسات السياسية في البلاد.

و ضمن إطار هذه السياسة، كانت تسعى الكتلة الوطنية إلى تأليب بعض العشائر العربية ضد العشائر و النخب الكردية، و كانت تبث الخلافات و الشقاق بين صفوف الكرد، لكي لا يتمكنوا من التمتع بالحكم الذاتي في مناطقهم، أسوة ببقية المناطق الخاضعة للانتداب الفرنسي، و لتمنع فيما بعد من اشتراك الكرد في الحياة السياسة بشكل منصف. و تبدو اليوم ملامح سياسة متطابقة لتلك السياسة العنصرية الغادرة بحق الشعب الكردية.

ففي الوقت الذي كانت تشتد فيه الحركة الشعبية المطالبة بالحكم الذاتي في المناطق الكردية عام 1937، كانت الكتلة الوطنية، بهدف الاستئثار بحكم هذه المناطق و بخيراتها، تستعمل الوعد و الوعيد لجر أطياف كردية إلى معسكرها لعزل الحركة القومية و إضعافها، و تتبع السلطات السورية الحالية سياسة مشابهة لتلك السياسة، ففي الوقت الذي يعاني الشعب الكردي من الاضطهاد الثقافي و الاقتصادي و السياسي، و تتعرض نخبته الوطنية إلى أشد أنواع القمع، تتمنع هذه السلطات في الشروع في فتح باب الحوار من أجل إيجاد حل سلمي و ديمقراطي ضمن الإطار الوطني، و تعتمد على الأساليب المخابراتية و القمعية في التعامل مع هذه القضية العادلة، و تستقوي بالقوى الأجنبية على الشعب الكردي و نخبته الوطنية، وبذلك تستهدف المصالح العليا للبلاد.

سنستمر في نشر بعض الوثائق المتعلقة بالحركة الشعبية المطالبة بالحكم الذاتي في الجزيرة في عام 1937 ، نترجم في هذه الحلقة وثيقة فرنسية، مرسلة في العشرين من شهر أيلول عام 1937، و وثيقة ثانية مرسلة في الثاني و العشرين من الشهر نفسه، من قبل مدير الأمن العام، المفتش العام للشرطة، إلى وزارة الخارجية الفرنسية في باريس. و تبين هاتان الوثيقتان بأن سكان الجزيرة كانوا غير راضين من سلطات دمشق العروبية الاسلاموية. و كان الزعماء المطالبون بحق الجزيرة في الحكم الذاتي متضامنين على اختلاف انتماءاتهم الدينية.

****

(الوثيقة الأولى)

الأمن العام

بيروت في العشرين من أيلول 1937

معلومة رقم 4949

أمن حلب :17-9-37.-

 

 

آ/س- عن الجزيرة (سيدنا حبى):

 

وصل إلى حلب سيدنا حبى، المطران السرياني الكاثوليكي في الجزيرة، و ذلك بقطار الشرق السريع المنطلق من تل كوجك في السابع عشر من الشهر الجاري، و كان برفقته نعيم قَرَزيوان.

 

و انطلق فوراً بالأتوماتريس إلى بيروت.

 

حسب المعلومات المحصول عليها، يبدو أن سيدنا حبى ذاهب إلى بيروت للتباحث مع الكاردينال تابوني بخصوص احتمال إرسال وفد من الجزيرة إلى باريس، مُكلّف بهمة تقديم مطالب سكان هذا الإقليم.

 

توقيع

مدير الأمن العام

المفتش العام لشرطة دول المشرق الخاضعة للانتداب الفرنسي

 

****

(الوثيقة الثانية)

الأمن العام

بيروت في الثاني و العشرين من أيلول 1937

معلومة رقم 4991

أمن حلب : 20-9-37.-

آ/س- عن الجزيرة :

غادر نعيم قَرَزيوان حلب إلى بيروت، و ذلك بالقطار المنتظم الليلي المنطلق في الثامن عشر من الشهر الجاري.

 

يحمل المذكور تقريراً مفصلاً مكتوباً و موقعاً من قبل زعماء الحركة الانفصالية في الجزيرة (1)، بخصوص مطالبهم. هذا التقرير هو موجه إلى الكاردينال تابوني.

————-

يقال أن سيدنا حبي مزوّدٌ بتفويض من قبل الزعماء الانفصاليين(1) في الجزيرة.

 

توقيع

مدير الأمن العام

المفتش العام لشرطة دول المشرق الخاضعة للانتداب الفرنسي

****

ملاحظة من المترجم:

(1)- من أنصار الحكم الذاتي للجزيرة.

 

15 April 2010

شارك هذا الموضوع على