الخميس, ديسمبر 19, 2024

هل يمكن إعادة النظر في مفهوم النضال الكردي؟

جوان يوسف

منذ توقيع اتفاقية سايكس-بيكو عام 1916، التي قسّمت الشرق الأوسط بين القوى الاستعمارية آنذاك، تحوّلت كردستان إلى ضحية لهذه السياسات التي هدفت إلى تمزيق شعوب المنطقة وإضعافها. كانت كردستان، بأراضيها الشاسعة وشعبها المتجانس ثقافيًا ولغويًا إلى حد بعيد، إحدى أكبر ضحايا هذا الاتفاق؛ حيث تم تقسيمها بين أربع دول: تركيا، إيران، العراق، وسوريا.

منذ ذلك الحين، عملت الأنظمة التي تحتل كردستان على تكريس فكرة أن كل جزء من كردستان مستقل بذاته، وأن الكرد وحدهم أصحاب الأرض، بهدف تحويل القضية الكردية إلى قضية قومية منغلقة عن شركاء الوطن من عرب، وتركمان، وآشوريين، وغيرهم.

سعت هذه الأنظمة إلى جعل نضال الكرد محصورًا داخل حدود كل جزء، بعيدًا عن أي تنسيق أو وحدة مع الأجزاء الأخرى أو مع الأقوام الشريكة في أرض كردستان اللذين لهم ذات الحق.

لقد أدركت الأنظمة المحتلة لكردستان أن الوحدة الكردية والكردستانية تشكل تهديدًا مباشرًا لبقائها وسيطرتها على كردستان. لذلك، اعتمدت استراتيجيات متعددة لترسيخ فكرة الانفصال الذاتي بين أجزاء كردستان، ومن هذه الاستراتيجيات:

عمدت الأنظمة إلى تشويه أي حركة سياسية تدعو للوحدة الكردية، ووصفتها بالانفصالية أو الإرهابية وشجعت شخصيات وقيادات ومثقفين تحت عنوان الواقعية، التركيز على قضايا كل جزء بمعزل عن الأجزاء الأخرى أو مع الشركاء، ما أدى إلى ترسيخ فكرة القومية على حساب الوطنية التي أخذت منحا ومفهوما اخر، اذ صار الوطن هو معزولا عن الأرض!

كما أنها شجعت الفروقات الثقافية واللغوية بين أجزاء كردستان، مدعية أن الكرد في تركيا يختلفون عن الكرد في العراق أو إيران أو سوريا، بقصد التلاعب بالهوية الثقافية وبهدف إضعاف الشعور بالانتماء الوطني والقومي

أدى ذلك إلى تكريس الحدود السياسية التي فرضتها اتفاقية سايكس-بيكو، لتحوّلها إلى جدران نفسية وسياسية بين الكرد، مما جعل التواصل والتنسيق بين الأجزاء المختلفة محدودا.

بطبيعة الحال، كانت لهذه السياسات آثار سلبية كبيرة على حركة التحرر الكردستانية. فمن خلال ترسيخ عقلية التجزئة والانفصال، أصبحت الحركات الكردستانية في كل جزء تناضل بمعزل عن الأجزاء الأخرى، بل بمعزل عن الشركاء، وأُضفي عليها طابع قومي ضيق. أدى ذلك إلى إضعاف قدرتها على مواجهة الأنظمة القمعية بشكل جماعي. كما ساهمت هذه السياسات في تعزيز مبدأ الملكية والاستئثار من قبل بعض الأحزاب ، و تمكنت الأنظمة المحتلة من الاستفادة من غياب التنسيق بين الحركات الكردستانية والمجتمعات المحلية غير الكردية، التي صارت تميل إلى الحياد في أحسن الأحوال الى تعميق الشرخ .

إعادة النظر في مفهوم النضال الكردي

من المفيد القول إن مواجهة هذا الواقع المفروض تستدعي إعادة النظر في مفهوم النضال الكردي بوصفه حركة تحرر وطني تشمل كافة أقوام كردستان. فقد أثبتت التجارب التاريخية أن نجاح حركات التحرر يعتمد على توحيد الجهود واستغلال كافة الموارد البشرية والسياسية.

كردستان ليست أرض الكرد وحدهم، وليست أربع أجزاء منفصلة، بل هي وطن واحد لأقوام متعددة، وما يجمعهم هو وطن مشترك.

التنسيق بين الحركات الكردستانية في الأجزاء المختلفة لا يعني التدخل في الشؤون الداخلية لكل جزء، بل يعني تعزيز التضامن الوطني والاستفادة من التجارب المشتركة. فكما أن القمع الممارس ضد الكردستانيين في تركيا ليس منفصلًا عن القمع في سوريا أو العراق أو إيران، كذلك يجب أن يكون النضال الكردستاني موحدًا في مواجهة هذه الأنظمة.

لقد آن الأوان للكرد أن يتجاوزوا العقلية التي فرضتها الأنظمة المحتلة عليهم، ويؤمنوا بأن قوتهم تكمن في وحدتهم. يجب على الساسة والمفكرين الكرد أن يعملوا على تعزيز الوعي الوطني المشترك وتوحيد الجهود لتحقيق حلم تحرير كردستان. فالحدود التي رسمها المستعمر ليست قدرًا محتومًا.

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية