واقع القضية الكوردية في الحراك الأمريكي بقيادة ترامب – سامي عبدالقادر ريكاني

سامي عبدالقادر ريكاني

ضمن التحرك الأمريكي لمواجهة الصعود الصيني وحماية مصالحها العالمية، تبنّى دونالد ترامب استراتيجية جديدة تعيد صياغة دور الولايات المتحدة على الساحة الدولية، في محاولة لاستعادة هيبتها التي تراجعت داخليًا وخارجيًا، خاصة على الصعيدين الاقتصادي والقيادي.

في هذا الإطار، اعتمد ترامب ما يُعرف بسياسة القوة الذكية، وهي مزيج محسوب من القوة الصلبة (العسكرية والعقوبات) والناعمة (الدبلوماسية والصفقات)، لكنه وظّفها بطريقة انتقائية وعدوانية، تختلف عن النماذج السابقة او الكلاسيكية: فلم يكن مرنًا مثل أوباما، ولم يكن عسكريًا صرفًا مثل بوش، بل استخدم التهديد أولًا، ثم فتح باب الصفقة لاحقًا.

وفي تطبيقاته لهذه السياسة في الشرق الأوسط كانت كالتالي:
• مع دول الخليج: خطاب صارم، صفقات اقتصادية ضخمة، وضمانات أمنية، أي دمج بين الترغيب والترهيب
• مع تركيا: عقوبات محددة، تهديدات عسكرية ضمنية، توافقات حول القضية الكوردية، ثم تفاهمات أمنية واقتصادية
• مع إيران: اغتيال قاسم سليماني كأداة صلبة، مراسلات تفاوض كأداة ناعمة، وتهديد بعمل عسكري واسع، مع إبقاء باب الاتفاق المشروط مفتوحًا
• ومع سوريا وبتعاون عربي تركي امريكي إسرائيلي أتوا باحمد الشرع وبشروط أمريكية
حتى الآن، نجح هذا النهج في تقريب العرب والأتراك من المشروع الأمريكي بعد تأمين مصالح اقتصادية وترتيبات أمنية تمنع تغلغل الصين في المنطقة. وقد برز ذلك في لقاءات ترامب الأخيرة بالسعودية مع محمد بن سلمان، وأردوغان الذي شارك عبر الاتصال، وأحمد الشرع.
أما إيران، فالمؤشرات تفيد بأنها ستنتهي إلى نفس المسار، إذ لا خيار أمامها سوى القبول بمطالب ترامب إذا أرادت البقاء في المعادلة.
وفي سوريا، اليوم اعلن ترامب برفع العقوبات عن سوريا بعد ان الزمه بشروط انجز بعضها وطلب منه انجاز الباقي
في قلب هذا المشهد، برزت القضية الكردية كجزء محوري من استراتيجية ترامب.
لكن مقاربة واشنطن للكورد كانت مختلفة، فلم ترَ فيهم تهديدًا ولا خصمًا، بل حليفًا فاعلًا يمكن الاعتماد عليه، خاصة أنهم مستهدفون من عدة أطراف (تركيا، إيران، سوريا، العراق)، ولا يملكون أدوات دولة أو دعمًا دوليًا مماثلًا لخصوم أمريكا، ومع ذلك، اكتسب الكرد أهمية متزايدة لعدة أسباب:
• يتقاطعون في مصالحهم مع واشنطن، ما يجعلهم حلفاء موثوقين
• يشكّلون عنصر توازن في مواجهة خصوم أمريكا بالمنطقة
• لهم حضور عسكري فعّال على الأرض، أثبتوه في الحرب ضد داعش

ترامب أدرك هذه القيمة، وتعامل معهم كقوة وظيفية ضرورية لإنجاح مشروعه دون أن يخلق عداء مباشر مع تركيا أو إيران. فاعتمد عليهم في:
• تثبيت الاتفاقات الإقليمية دون إشعار الحلفاء بالتخلي عنهم
• ضمان استقرار المناطق المتوترة دون تدخل عسكري أمريكي مباشر
• الحفاظ على نفوذ واشنطن دون خلق نزاعات حدودية

في المقابل، فهم الكرد اللعبة جيدًا.
فمن منطلق حاجة الكورد إلى حماية واعتراف سياسي، الا انهم يدركون أن مطلب الدولة المستقلة شبه مستحيل في الظروف الحالية، وقد يؤدي إلى عزلهم أو استعداء قوى إقليمية كبرى.
لذلك، قبلوا بالصيغة الأمريكية التي تمحورت في عهد ترامب حول:
• دعم فدرالية كردية في سوريا على غرار النموذج العراقي
• تحويل الحراك الكردي في تركيا من مسلح إلى سياسي، مع دفع باتجاه اعتراف دستوري بحقوقهم
• انتظار لحظة تفاوض مع إيران تفتح بابًا أمام نوع من الاعتراف بالحقوق الكردية

وبالنتيجة: السياسة الامريكية مع الكورد يتمحور حول: استخدامهم كعامل استقرار دون خسارة العلاقات مع أنقرة أو طهران أو بغداد او سوريا، وفي الوقت نفسه ضمان مصالح الكرد عبر دعم سياسي تدريجي يُبقيهم ضمن المعسكر الأمريكي.
لكن هذا التوازن هش، فهو مرهون ببقاء ترامب أو من يسير على نهجه في البيت الأبيض، وبمدى قدرة الكرد على تحويل هذا الدور الوظيفي إلى مكسب سياسي دائم.
والسؤال هنا: هل سينجح الكورد في ترسيخ موقعهم كحليف استراتيجي دائم؟ أم أن التحوّلات في واشنطن ستعيدهم إلى مربع التهميش والتفاوض من نقطة الصفر؟