شوكت شيخو
رغم الحظر الجائر! ألوف مؤلفة من الكُرد؛ باتوا يتًقنون لغتهم قراءةً وكتابةً؛ أصول الصرف والنحو والقواعد، فاضت القرائح المكبوتة بالروائع، فامتلأت المكتبات بمختلف الكتب، بالقصائد والأبحاث وبالخواطر.
أعدادٌ ليست بالقليلة من الجيل الكردي الناشئ تفوّقوا بميادين العلوم من الطب للحقوق؛ نال البعض بالغرب الأوربي شهادات عليا بهندسة الطائرات، بالقطارات والبواخر… ورغم أنّ الوقائع على الأرض أصدق أنباءً من الكتب، جمعنا أكداساً من الوثائق، مَلَلنا إلقاء الأشعار مِن على المنابر، الخِطابات النارية بالمحافل، هُتافات المتظاهرين بالساحات وقد جرحت الصدور والحناجر؛ كَرِهنا هديرَ الطائرات، أزيز الرصاص، دويّ المدافع، القَتلَ العَمد ولونَ الدم، رؤيةَ الجثثِ المتفسخة على نواصي الشوارع.
اختار البعض حمل السّلاح، كمُدافع لا مُحارب، أفضى لتشكيلٍ عسكري باسم وحدات حماية الشعب والمرأة (Y.P.G-Y.P.J) للدفاع عن الأرض والعرض، لا حباً بسفك الدماء ولا القتالَ من أجل القتال أو المالِ؛ التموضع خارج مناطقنا الإدارية لم يكن بالحُسبان أو خَطَرَ يوماً على البالٍ، أما تمركز بعض تلك القوات قَبل التهجير القسري للعفرينيين إلى مناطق الشهباء، فكان لإبعاد الميليشيات المرتزقة الإسلاموية الموالية لحكومة حزب العدالة والتنمية – تركيا، ولفك الحصار عن عفرين وفتح الطريق إلى حلب لإمدادها بالخُبز والخُضار وغيره.
أما سيطرة قوات سوريا الديمقراطية «قسد» على الرقة ومن ثم على الباغوز شرقاً قرب الحدود السورية العراقية، كانت رَدَةَ فِعلٍ ونتيجة لهجوم تنظيم داعش على كوباني/عين العرب، ولدحرّ ذاك التنظيم الإرهابي وتخليص البلد والبشرية من كابوسه؛ أما ما يُثار من مقاربات بين ما يحدث في المناطق الكردية المحتلة من قبل الجيش التركي ومرتزقته؛ وبين مناطق سيطرة «قسد»، إنما لِذرّ الرماد بالعيون ولقلب الحقائق!
أما أحزابنا الكردية! حَدّث وما من حَرج (زِدّ وبارك)، الكأسُ لِمَن يُحصي أسمائَها؛ دون أن يُخطِئ؛ لم يَبخَل معها شعُبنا الكردي يوماً، قدّم الرخيص والنفيس، شهداء ومعاقين، أيتام وثكالى وأرامل؛ عقود ونحن نناضل لتأمين حقوقنا القومية المشروعة في إطار وحدة البلاد، لكن! كلّ ما تقدم لم يُسعفنا، إنما! خَسِرنا عفرين، سري كانيه/رأس العين وكري سبي/تل أبيض؛ أما كوباني/عين العرب فمحاصرة من عدة جهات، فيما قامشلي والحسكة تُدار من قِبَلِ الإدارة الذاتية الديمقراطية مع وجود مربعاتٍ للنظام وبعض مؤسسات الدولة، مناوشاتهما بين الحين والحين ماثلة للعيان؛ أما ما يجري في عفرين المُحتلة مِن جرائم وانتهاكات لا تخطر على بال وتوشم جباه مرتكبيها ورعاتها ومبرريها بوصّمة عارٍ.
لو كانت الظروف الدولية والوضع الداخلي في تركيا تسمح للأخيرة بقضم المزيد من الأراضي السورية؛ لَما توقفت إلاّ على أبواب حلب ومهاباد، فلا تُخفي نيّتها في ذلك، ولا تتوقف عن التهديد ليل نهار لمحاربة أيّ كيانٍ كردي مُحتمَل، إن كان على أسوار الصين أو بالغرب الأمريكي أو بالقطب المتجمد الشمالي أو بالربع الخالي!
أمّا نحن!؟ فقد أنهكتنا الحروب، القتل والتغييب، من نزوح إلى نزوح، من رحيل لترحال عبر المعابر، وما أدراك ما المعابر، وما تفرض من أتاوى وضرائب، وما تَحفُّها من مخاطر؛ حالةٌ من التيهِ والضَياع، بين الحُلم بوطن آمن يلمُّ شتاتنا وشَتاتٍ يُثقِل كواهلنا، مزيداً من البؤس والاذلال، للخضوع مكرهين! سَيّان للأمر الواقع أو لواقع الحال.
لم يَعرف الكُرد الجُبنَ يوماً ولا التخاذل، فقدّموا من الشهداء والمُعاقين، ومازال لديهم الاستعداد لدفع المزيد من التضحيات وقرابين التحرّر من الظلم والاضطهاد، رغم نفورهم من نزف الدّم والدمار؛ فما قدّموا من تضحيات على عَتبة تحررهم لا تُقدّر بأثمان.
الكرد ليسوا أغبياء ولا سُذجاً، كما يحاول البعض تسويقه عبثاً، فقد استخلصوا من تجاربهم المرّيرة الكثير من الدروس والعِبَر عن أساليب النضال وسُبُلِ التحرر؛ استوعبوا صيرورة التاريخ، لعبةَ السياسة، دورَ المصالحِ؛ فإذا كانت الظروف الجيو سياسة ومصالح شركات الاحتكار الدولية ومخططات الأنظمة الغاصبة لكردستان أبرز العقبات الرئيسية أمام نيلهم لحقوقهم القومية المشروعة، للمسألةِ جانبٌ ثانِ.
رغم أهمية التطور الحاصل بالشارع الكردي ودور الثقافة؛ فمن العار تلاقي الاستخبارات السورية مع أجهزة السافاك الإيراني، وأصحاب «الخوّذ البيضاء» مع منظمة بسمة الكويتية وفلسطينيين من «الثمانية والأربعين» والميت التركي، لمحاربة الكُرد ووجودهم ودورهم ولتغيير التركيبة الديموغرافية لمناطقهم التاريخية؛ فيما تعاني حركتنا الوطنية الكردية حالة التشرذم والتجاذبات، فهي عاجزة حتى عن توحيد خِطابها السياسي، رغم الكثير من القواسم المشتركة؛ شَتّان ما بين التكاتف والتنافر، بين المصالح الحزبوية الضيّقة واستحقاقات النضال دفاعاً عن قضايا عادلة؛ الأولوية هي إصلاح البيت الكردي، في الوقت الذي الشارع الكردي فيه بغالبيته غير راضٍ عن ذا الحال.
لا بديل عن التلاقي بين أطراف الحركة، عن توحيد الجهود، تشكيل هيئة مشتركة لطرق أبواب مراكز صنع القرار الدولي، وأخرى لرفع الدعاوى ضد مرتكبي الانتهاكات والجرائم بحق الكُرد، في باريس ولاهاي وغيرهما، وتغيير وسائل النضال للأجدى، بديناميكية وزخم، ووضع خطط لأنشطة وتظاهرات سلمية تجدد أوجه النضال والدفاع عن قضايانا العادلة؛ انطلاقاً من ساحات دمشق وأنقرة وطهران؛ وما لم يكن الكُـرد رهن إشارة اجماع قياداته، ليكن لأهل الشأن حديثٌ ثانٍ!
بالمُختصر! خطوةٌ عملية خيرٌ من ألف خِطابٍ وشِعار، قصيدةٍ ومقال؛ سيكون للتاريخ كلمته، بكلّ الأحوال إما ستُنصَب للمناضلين تماثيلاً بالساحات أو تُلاحِقُنا المَهانةُ أجيالاً بعد أجيال؛ أما كتم فاه خمسين مليون كرديٍ على ذا الحال… جِدّ صَعبٌ ومُحال.
* جريدة الوحـدة – العدد /338/- 05 آب 2022م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).
أصدر المكتب الإعلامي لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي) فرع عفرين تقريره الدوري عفرين تحت الاحتلال رقم (209) الذي يوثق الانتهاكات التي ارتكبتها فصائل المعارضة السورية الموالية لتركيا في المنطقة.
ننشر النص الكامل للتقرير:
نتيجة فشل أردوغان في الحصول على موافقاتٍ من روسيا وأمريكا وإيران على شنّ عملية عسكرية جديدة، يعمل الجيش التركي وميليشياته على توتير الأوضاع في ريف حلب الشمالي الواقع تحت سيطرة الجيش السوري والمكتظ بمُهجّري عفرين، عبر القصف المكثف بالمدفعية الثقيلة وبقذائف الطائرات المسيّرة، وبالتالي تقع أضرار مادية كبيرة بالممتلكات ويقع ضحايا قتلى وجرحى بين المدنيين.
فيما يلي نوثّق انتهاكات وجرائم عديدة:
= قريتي “كمرش- Kumreş” و “كُريه- Kurê“:
صغيرتان متجاورتان وتتبعان ناحية راجو وتبعدان عن مركزها بحوالي /8/ كم، مؤلفتان من حوالي /80/ منزل، وكان فيهما حوالي /500/ نسمة سكّان كُـرد أصليين، جميهم نزحوا إبان العدوان على المنطقة، وعاد منهم حوالي /50 عائلة = 200 نسمة/، أما البقية هُجّروا قسراً، وتم توطين حوالي /30 عائلة = 175 نسمة/ من المستقدمين فيهما. ونتيجة القصف أصيب عدد من المنازل بأضرار جزئية، وتم تدمير المدرسة الابتدائية (مدرسة سندره- كُريه) بالكامل.
تُسيطر عليهما ميليشيات “فرقة الحمزات”، ولحين السماح للأهالي بالعودة إليهما بعد الاجتياح بأكثر من شهر، أواسط نيسان 2018م، سرقت من المنازل، المؤن والأدوات النحاسية وأسطوانات الغاز وشاشات التلفاز والأدوات والتجهيزات الكهربائية ومجموعات الطاقة الشمسية وغيرها، ومحتويات المسجد من السجّاد وأجهزة الصوت وغيرها، فأُعيد تجهيزه فيما بعد، علاوةّ على كامل محتويات المنازل المستولى عليها، وكذلك سيارة لـ”يوسف حسكو” وجرار زراعي لـ”أنور حبو” وجرار مع سيارة للمرحوم “عمر حسن”، ومحوّلة وكوابل ومعظم أعمدة شبكة الكهرباء العامة وللخط الرئيسي /3 كم/ الممتد من قرية “قده” المجاورة.
وتفرض أتاوى مختلفة على مواسم انتاج أملاك الغائبين والمتواجدين، وقطعت معظم أشجار الغابات الطبيعية المحيطة بالقريتين، مواقع “وادي نَعنَعه، سَرخرابا، شكيريه… ” وأشجار المزار الإسلامي وأشجار توت معمّرة وسنديان وشمسية في فسحات المنازل، بغية التحطيب والاتجار به.
هذا، وتعرّض الأهالي لمختلف صنوف الانتهاكات، من اختطاف واعتقال تعسفي وتعذيب وإهانات وابتزاز مادي وغيره، حيث اعتقل المواطنان “محمد حمو بن عمر وسولية، حسن حمو بن حميد وزينب” من قرية “كمرش”، لدى مراجعتهما سلطات الاحتلال في بلدة ميدان أكبس بتاريخ 19/3/2018، أثناء رحلة العودة إلى ديارهم، وأُخفيا قسراً في سجن بلدة الراعي السيء الصيت لأكثر من سنتين وتسعة أشهر، إلى أن نُقلا إلى سجن “ماراته” – عفرين قبل إطلاق سراحهما (الأول في شباط 2021م والثاني في آذار 2021) بحوالي الشهرين.
كما أنّ سلطات الاحتلال- في إطار سياسات التغيير الديمغرافي- غيّرت اسم قرية “كمرش” الأصلي الذي يدوّن في بند (محل الولادة) في بطاقات التعريف الشخصية الممنوحة، إلى “جرما” في بند (محل الإقامة).
= حكمٌ بالإعدام:
حسب ما ورد في تقريرنا (167) تاريخ 16/10/2021م، بدءاً بأوائل أيار 2021م اعتقلت سلطات الاحتلال ثلاثة مواطنين عُدلاء وزوجاتهم الشقيقات وقريبين لهم، بتهم العلاقة مع “الوحـدات الكردية”، وهم:
– الزوجان “مصطفى محمد حسين- مواليد 1993م” و “زينب محمد أولاشي – مواليد 1994م”، لديهما طفلان.
– الزوجان “حسين يوسف حسين – مواليد 1995م” و “ميديا محمد أولاشي- مواليد 1992م”.
– الزوجان “ماهر عبد الرحمن محمد – مواليد 1989م” و “جيهان محمد أولاشي – مواليد 1990م”، لديهما خمسة أطفال.
– الشاب “عز الدين يوسف حسين – مواليد 2004م”، وهو شقيق “حسين”.
– المسن “يوسف مصطفى حسين” والد “الشقيقين حسين و عز الدين”.
بعد حوالي ثلاثة أسابيع من إطلاق سراح “مصطفى” عقب ثلاث سنوات من الإخفاء القسري لدى سلطات الاحتلال، تعرّض للاعتقال مجدداً إثر مداهمة منزله في مدينة عفرين، وبعده بيومين اعتقل “حسين و عز الدين”، وبعد أسبوع اعتقلت “زينب و ميديا”، وبعد أسبوعين اعتقلت “جيهان”، وبعد ثلاثة أسابيع اعتقل “ماهر” بتاريخ 17/6/2021م تحديداً، ثم “يوسف”.
وهم من أهالي بلدة شيه/شيخ الحديد، ما عدا “ماهر” فهو من أهالي قرية “كوليا”- ناحية راجو ويعاني من إعاقة خلقية في ساقه اليسرى، والجميع كانوا مقيمين في مدينة عفرين؛ وقد تَجنب ذويهم الحديث عن الاعتقال لأكثر من خمسة أشهر خوفاً من تعرضهم للمزيد من التعذيب أو عسى أن يُفرج عنهم وتجنباً لاعتقال أقرباء آخرين لهم.
علمنا مؤخراً أنه نُزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب أثناء التحقيق، وحُكم على “حسين يوسف حسين” بالإعدام بتهمة “تنفيذ تفجيرات في عفرين”، ولم نتمكن من الحصول على نسخةٍ من قرار الحكم الذي تحرص المحكمة ومحامي الدفاع على عدم تسليمه لأحد.
= قصف ريف حلب الشمالي واستشهاد مُهجّرة:
– نتيجة القصف التركي، مساء الثلاثاء 26/7/2022م، على ريف حلب الشمالي الواقع تحت سيطرة الجيش السوري والمكتظ بمُهجّري عفرين، أصيب /6/ نساء وأطفال منهم بجروح متفاوتة، أثناء تواجدهم بين الأراضي الزراعية في محيط مدينة تل رفعت، حيث نُقلت المواطنة “فهيمة فوزي رشو /22/ عاماً” من مُهجّري قرية “رمضانا”- جنديرس إلى حلب وفقدت حياتها بتاريخ 1/8/2022م متأثرةً بجراحها البليغة.
– نتيجة القصف التركي بطائرة مسيّرة، بتاريخ 4/8/2022م، لسوقٍ شعبي في مدينة تل رفعت- شمال حلب المكتظّة بمُهجري عفرين، أصيب /9/ منهم (أوريفان محمد عبدو /15/ عاماً، دنيا عثمان /6/ أعوام، حسين جمال قاسم /7/ أعوام، آفرين عبد الرحمن حيدر /13/ عاماً، محمود غريب مامو /6/ أعوام، روناهي سلو /27/ عاماً، حسين بيرم عكلو /43/ عاماً، صباح حنان حمو /10/ أعوام، آرزية أحمد رشو /23/ عاماً) بجروح متفاوتة، بينهم /6/ أطفال أحدهم مصاب في الرأس ونقل إلى حلب لخطورة وضعه؛ وأدى أيضاً لوقوع أضرارٍ مادية.
– مساء 6/8/2022م، نتيجة القصف المكثّف من قبل القوات التركية وميليشياته على محيط قرية “بينيه/أبين”- جبل ليلون الواقعة تحت سيطرة الجيش السوري، اشتعلت الحرائق بين الحقول الزراعية.
= اعتقالات تعسفية:
اعتقلت سلطات الاحتلال:
– منذ أواسط شهر أيار 2022م، المواطن “سمير شيخ أحمد /35/ عاماً” من أهالي قرية “ماراته”، بتهمة العلاقة مع الإدارة الذاتية السابقة، بعد عودته من حلب- وجهة النزوح، ولا يزال قيد الاحتجاز التعسفي.
– منذ أكثر من عشرين يوم، المواطنة “كردستان منان مصطفى /37/ عاماً” من أهالي قرية “كيلا”- بلبل ومقيمة في حي الأشرفية بعفرين، بتهمة العلاقة مع الإدارة الذاتية السابقة، وأُفرج عنها بعد ثلاثة أيام.
– بتاريخ 21/7/2022م، الشقيقين “منان سليم حسين /45/ عاماً، مصطفى سليم حسين /40/ عاماً” من أهالي قرية “ديرصوان”- شرّا/شرّان، من قبل حاجز “مفرق معرين”- أعزاز، حيث أطلق سراح الثاني في 30/7/2022م، وبقي الأول محتجزاً لاستكمال حكم صادر بحقه عن محكمة تركية، كان قد قضى منه ثلاث سنوات في سجن تركي وستة أشهر إقامة جبرية من أصل سنة.
– بتاريخ 28/7/2022م، المواطن “جمعة محمود نعسان” من أهالي قرية “ديرصوان”- شرّ/شرّان، في تركيا ونُقل إلى أعزاز، ليُطلق سراحه بعد أسبوع.
– منذ أسبوع، المواطنة “عائشة نعسان بنت مصطفى” من أهالي قرية “ديرصوان”- شرّا/شرّان، للمرة الثانية، وأُطلق سراحها بعد دفع غرامات قد فرضت عليها بتهمة العلاقة مع الإدارة الذاتية السابقة.
– بتاريخ 2/8/2022م، المواطنين “محمود محمد كلش /70/ عاماً، حسن علي صبري /60/ عاماً” من أهالي قرية “سناره”- شيه/شيخ الحديد، من قبل الاستخبارات التركية وميليشيات “الشرطة العسكرية”، بعد حوالي الشهر من عودتهما من حلب- وجهة النزوح، ولا يزالا قيد الاحتجاز التعسفي.
= فوضى وفلتان:
– بتاريخ 5/8/2022م، وقعت اشتباكات بين عائلتين من المستوطنين في “الضاحية الشامية السكنية” التي تم تشييدها قرب قرية “خالتا”- جبل ليلون، فأدت إلى وقوع قتلى وجرحى من الطرفين.
– نتيجة الخلافات والنزاعات القديمة الجديدة بين ميليشيات “الجبهة الشامية” و “حركة أحرار الشام”، توتر الوضع بينهما في قريتي “فقيرا، جولاقا”- جنديرس منذ أسبوع؛ واليوم استنفرت “الشامية” في الأحياء التي تُسيطر عليها في مدينة عفرين.
– منذ يومين، وقعت اشتباكات وتوتر الوضع بين مسلّحين منحدرين من قرية “تقاد”- ريف حلب الغربي وميليشيات “فيلق الشام” في محيط قريتي “غزاوية، برج عبدالو”- شيروا، نتيجة النزاع حول تهريب الدخان إلى إدلب وريفها الواقع تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام”.
– بتاريخ 6/8/2022م، قامت مجموعة مسلّحين منحدرين من ريف حمص باقتحام فرع ميليشيات “الشرطة العسكرية” في مدينة جنديرس، وأخرجت عدداً من النساء قُبض عليهنّ بتهمة الانتماء إلى تنظيم داعش.
= حرائق الغابات:
– بتاريخ 28/7/2022م، قامت فرق “الدفاع المدني في عفرين” بإخماد حريقٍ أضرم في غابة حراجية قرب قرية “برج عبدالو”- شيروا.
– يومي 31/7- 1/8/2022م، أضرمت حرائق هائلة في غابات حراجية قرب قرية “آنقلة”- شيه/شيخ الحديد، وفي جبل “جركو” – غرب قرية “بازيا”- جنديرس؛ وقد أكّد “الدفاع المدني في عفرين” على أنّ فرقه قامت بإخمادها بصعوبة.
= انتهاكات أخرى:
– منذ أسبوعين كثرت حالات السرقة من المنازل في قرية “ماراته” قرب عفرين، في ظلّ حالة الفوضى، دون ملاحقة اللصوص والقبض عليهم؛ كان من بين المسروقات: دراجة نارية، بطارية سيارة، جهاز هاتف خليوي لمسنيّن يسكنا لوحدهما.
من بين الأطراف الدولية الفاعلة (عسكرياً وسياسياً) على الساحة السورية، في هذه المرحلة، تركيا هي الوحيدة التي تلجأ للتصعيد العسكري واغتنام الفرص للمزيد من التوسع في شمالي سوريا على حساب الكُـرد ودورهم، رغم تدهور الأوضاع الإنسانية عموماً؛ فمن واجب المجتمع الدولي كبح جماحها.
نقلت “منظمة حقوق الإنسان عفرين- سوريا” عن مصادر محلية أنه في يوم الثلاثاء تاريخ 2-8-2022 أقدم مسلحو “لواء الوقاص” التابع لتركيا على اختطاف المواطن “محمد أحمد عبدالله”40” عاما والدته “كله” من أهالي قرية سناره التابعة لناحية شيه/شيخ الحديد في عفرين شمالي سوريا.
وأضاف المصدر بأن مسلحو “سمرقند” قد اختطفوا المواطن “محمد” فور عودته إلى قريته قادما من مناطق النزوح القسري بتهمة التعامل مع الإدارة الذاتية السابقة ، حيث تم نقله إلى جهة مجهولة، ولا يزال مصيره مجهولا حتى الآن.
وفي قرية هيكجه – ناحية “شيه /شيخ الحديد” شن الفرع الأمني “للواء الوقاص” حملة اختطاف واسعة وتم اختطاف 5 مواطنين من أهالي القرية وهم كل من :
1- محمد عدنان 34 عامأ
2- أحمد بطال إبراهيم 30 عاما
3- محمد عدنان تامر 37 عاما
4- مراد قازقلي دالو 23 عاما
5- جميل زكريا طانا 35 عاما والدته فيدان.
هذا وقد جرت عملية الاختطاف دون أسباب.
وفي قرية المحمدية- ناحية جنديرس بريف عفرين اعتقلت ما تسمى ب”الشرطة المدنية ” التابعة لتركيا المواطن “عبود علي كامل” البالغ من العمر 32 عاما والدته “صفاء” من أهالي القرية .
وأضاف المصدر بأن عناصر الشرطة المدنية اعتقلت المواطن “عبود” دون معرفه التهم الموجه إليه واقتادوه إلى جهة مجهولة .
علق الاتحاد الوطني الكردستاني وجماعة العدل الكردستانية، يوم الأحد، على التظاهرات التي نظمتها حركة الجيل الجديد في السليمانية بإقليم كردستان، والتي شهدت صدامات واحتكاكات، واعتقالات لعدد من الصحفيين.
وجاء ذلك في بيان مشترك أصدره الحزبان بعد انتهاء اجتماع المكتبين السياسيين الذي جرى اليوم الأحد، دعيا فيه الى “التعامل مع مستجدات الأوضاع السياسية في العراق بمسؤولية اكبر”.
وأضاف البيان ان “على القوى الكردية ان تكون موحدة اكثر في مواقفها مع التأكيد على أهمية حل المشاكل حسب الدستور”.
لاهور شيخ جنكي يحذر من اندلاع انتفاضة مسلحة في كردستان
من جانبه حذر لاهور شيخ جنكي وهو الرئيس المشترك السابق للاتحاد الوطني الكردستاني، من اندلاع انتفاضة مسلحة في كردستان اذا استمرت مجابهة التظاهرات بالطريقة الحالية.
وقال شيخ جنكي في بيان، “برغم عـدم إيماننا بالتظاهرات غير المنظمة و التي لا يمكن أن تحدث تغييـراً حقيقياً الا اننـا نرفض التصرفات التـي بـدرت فـي الأيام الأخيرة مـن قبل سلطات حكومة إقليم كردستان ضـد أعضاء البرلمان والصحفيين والمتظاهرين المدنيين ونعتبرها خطـوة خطيرة للغايـة ونكسـة كبيرة لحرية التعبيـر والمطالبة بالحقـوق الفرديـة في إقليم كردستان، في حين كان الرئيـس مـام جلال يتحدث عنهـا دومـا بـكل فخـر واعتزاز”.
وتابع، “على سلطات حكومة إقليم كردستان أن تأخـذ بنظر الاعتبار أن الاستمرار بهذه الطريقـة فـي مواجهة الشعب سيؤدي إلى انتفاضة مسلحة قـد لا نرغب بها جميعا”.
وامس السبت، فندت اللجنة الأمنية في محافظة السليمانية، ادعاءات اعتقال نواب وصحفيين وناشطين مدنيين بالتظاهرات.
وعبرت السفارة البريطانية في العراق، اليوم الأحد، عن “قلقها” لعمليات الاعتقال التي شهدها إقليم كردستان مؤخرا.
وقالت السفارة على حسابها في “تويتر”: “نشعر بالقلق لاعتقال نواب وصحفيين ونشطاء سياسيين في إقليم كردستان خلال الأيام الأخيرة”.
وأضافت، أن “حريات التعبير، والإعلام وإقامة التجمعات هي جزء أساسي من العملية الديموقراطية”.
تقارير إخبارية: اعتقال 42 من نواب وقيادات حزب الجيل الجديد الكردي
وانطلقت في السليمانية بإقليم كردستان، أمس السبت، تظاهرة وسط المحافظة تطالب بإجراء تغييرات في الآليات المتبعة في إدارة الحكم واعتماد النظام الديمقراطي.
وأفادت وكالة شفق نيوز، أن العشرات من المتظاهرين تجمعوا في شارع “مولوي” الشهير وسط مدينة السليمانية، للمطالبة بتغيير نظام الحكم في إقليم كردستان.
ونقلت الوكالة عن مراسلها إن القوات الأمنية قامت بتفريق المتظاهرين باستخدام الغاز المسيل للدموع، كما منعت وسائل الإعلام من الوصول إلى مكان التظاهرة، وكذلك منعت المواطنين من استخدام أجهزة الهاتف النقال حتى وإن كان لإجراء اتصال حيث يتم اعتقال من يستخدمه هاتف فوراً.
وكشفت تقارير إخبارية كردية أمس السبت أن قوات البيشمركة وجهاز الأمن الكردي تمكن من اعتقال 42 من نواب وقيادات حزب الجيل الجديد الكردي على خلفية المظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها مناطق متفرقة بمحافظة السليمانية، وفقاً لوكالة (د ب أ) الألمانية.
وكشفت النائبة الكردية عن حزب الجيل الجديد في البرلمان العراقي الإتحادي سروة عبد الواحد عصر اليوم أن قوات عسكرية وأمنية تابعة لسلطات إقليم كردستان اعتقلت عددا من قياديي ونواب حزب الجيل الجديد في محافظة السليمانية.
وقالت النائبة سروة عبد الواحد في تغريدة على حسابها في موقع التواصل الاجتماعي في تويتر “هناك أكثر من 30سيارة عسكرية مسلحة تحاصر مقر حزب الجيل الجديد في محافظة السليمانية”.
وأضافت “أن حزب الجيل الجديد يحمل سلطات إقليم كردستان وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني مسؤولية الحفاظ على نواب وقياديي حزب الحراك الجديد وقد أبلغنا عددا من سفارات الأمم المتحدة بما يحدث”.
وكان رئيس حراك الجيل الجديد شاسوار عبد الواحد كتب في تغريدة في الأول من آب/أغسطس أن “الوضع في إقليم كردستان سيء، السلطات لا تقوم بمعالجة المشاكل، بل تزيد عليها. الفساد، الفقر، البطالة، وصلت إلى ذروتها. حكومة الإقليم لا تصغي إلى القوى المعارضة ولن تقوم بإجراء انتخابات جديدة. هل من خيار آخر أمامنا سوى التظاهر؟”.
تعرّضَ الكُرد خلال مئة عامٍ مضت لكثير من الحملات الظّالمة استهدفت وجوده، وحقوقه، وثقافته، وكانت بعض تلك الحملات عنيفة جداً إلى درجة استخدام الأسلحة الكيماوية والإبادة الجماعية، رافقتها حملة إعلامية تحريضية لتشويه صورة الكُرد لدى الشّعوب المجاورة والمتعايشة معه. ناهيك عن تجاهلهم في المناهج التّعليمية، وممارسة سياساتٍ لتذويبهم والقضاء عليهم.
«إذ ليس في غرب آسيا جغرافيا تعرضت للتّشويه مثل جغرافية كردستان، ولا يوجد تاريخ شعب أصبح عرضة للتّحريف والتّعتيم والتّغييب مثل تاريخ الشّعب الكُردي، وكانت النّتيجة أنّ الأجيال العربية خاصة، وشعوب غربي آسيا عامة ، تعرف معلومات وافرة عن كثير من الشعوب والبلدان في هذا العالم، أما عن كردستان والشعب الكردي فلا تعرف شيئا في أحيان كثيرة، أو ثمة القليل في أحسن الأحوال، بل حتى ذلك القليل لم ينج من التّشويه والتّحريف» .
لكن من الصّعب نسيان أو إمحاء تاريخهم الحافل بالأحداث، لأنّ «الأكراد أحد أقدم شعوب الشّرقين الأوسط والأدني، فقد تركوا أثراً ملحوظاً في تاريخ المنطقة، وشاركوا تقريباً في أهم أحداث الماضي. وبما أنّ لديهم ثقافة أصلية فقد ساهموا مساهمة كبيرة في التّطور الروحي لشعوب تركيا وإيران والبلدان العربية»( ).
والتَّاريخ الحقيقي يفنّدُ كثيراً من المواقف المشوّهة التي اتخذتها اتجاهات شوفينية من المتشددين الترك والعرب التي تتنكّر لمساهمة الشَّعب الكردي في محطات مفصلية من تاريخ المنطقة، والمساهمة في بنائها وازدهارها، فكانت تنتشر ممالك كردية عديدة على مساحات هائلة من جغرافية المنطقة، وبقيت مستمرة حتى في العهد العثماني، «ففي عام (1515م) قام العلامة إدريس، بعد تفويضه من قبل السّلطان العثماني، بعقد اتفاقية مع الأمراء الكرد، يتضمن اعتراف الدّولة العثمانية بسيادة تلك الإمارات على كردستان وبقاء الحكم الوراثي فيها ومساندة الأستانة لها عند تعرضها للغزو أو الاعتداء مقابل أن تدفع الإمارات الكردية رسومات سنوية كرمز لتبعيتها للدّولة العثمانية» .
تقسيم كردستان:
جاء التّقسيم الأول لبلاد الكُرد المعروفة بـ«كردستان 435 ألفكم2» بين الإمبراطورية العثمانية والدّولة الصَّفوية وفقاً لاتفاقية جالديران 1514م، التهمَت الدَّولةُ العثمانية المنتصرةُ عراقَ العرب، وعراقَ العجم وإقليم الجبال الذي يتضمن المناطق الجبلية الكردية والفارسية والآذرية، وبذلك خضعَت غالبية أراضي الكُرد «311 ألف كم2» تحت النفوذ الدّولة العثمانية التي نهبت تاريخهم وثقافتهم كباقي بلاد العرب وغيرهم، وبقيت أجزاء أخرى من بلاد الكرد أكثر من 125 كم2 تحت النفوذ الصّفويين.
قبل أن نوضّح جذور المشكلة الكردية في العصر الحديث، لنُلْقِ نظرة سريعة على وضع الكرد في ظل العهد الإسلامي. فقد أسّس الكردُ إماراتٍ ودولاً كثيرة، مستقلة، وشبه مستقلة، امتدت لفترات طويلة، وشملت مناطق واسعة من الجغرافية الكردستانية، كالدّولة الرّوادية والدّوستكية، وجغرافية غير كردستانية كحال الدّولة الأيوبية في مصر والشّام. لن نستطيع في مقال كهذا أن نقف على أهميتها وتاريخها وقوتها، وعوامل انهيارها، سنكتفي بذكر بعضها:
الحكومات الكردية في العهد الإسلامي( ).
(1)الحكومة الروادية (230 – 618 هـ)
(2) الحكومةالسالارية بآذربيجان (300 – 420 ھ)
(3) الحكومة الحسنوية البرزكانية (330 – 405 ه) بهمذان.
(4) الحكومة الشّدادية بأران (340-465ه)
(5) الحكومة الدّوستكية المروانية بديار بكر (350 – 380 – 476 هـ)
(6) الحكومات الأيوبية بمصر والشّام (567 – 685 – 950)
(7) الحكومة الأردلانية بايران (617 – 1284)
الحكومة الملكية الكردية بخراسان (143 – 785)
كان التّقسيم الأول نتيجة الاصطدام بين الدّولة العثمانية الصّاعدة والدّولة الصّفوية الذي هزّ المنطقة كلّها وغيّر الجغرافية السّياسية لشعوبها، وتمّ تقسيم المنطقة بينهما بتسوية تتناسب قوة كلّ منها.
استمر الوضعُ بضعة قرون على ذلك التَّقسيم الأليم، حتى الحرب العالمية الأولى عندما بدأت الإمبراطورية العثمانية تنهار، وتتساقط منها الأقاليم، وازدادت أطماع المنتصرين في الحرب لنهش الجسم المريض المتهاوي، فتقاسمت فرنسا وبريطانيا بقايا وجودها في المنطقة خاصّة في (سوريا والعراق) في اتفاقية «سايكس بيكو» التي جزّأت بلادَ الكُرد «وكان ذلك التّقسيم الثّاني لكردستان»، فأُلحِقَ جزءٌ منها يُقدّر بـ 72 ألف كم2 بالعراق (تحت الانتداب البريطاني) ووجزء آخر يُقدّر بـ 40 ألف كم2 بسوريا (تحت الانتداب الفرنسي) وبقي الجزء الأكبر تحت سيطرة الدّولة التّركية 194كم2 واحتفظت إيران بـ124كم2 فكان هذا التقسيم الرّباعي أحد العوامل الأكثر شدة في تعقيد القضية الكردية في العصر الحديث، وزاد في التعقيد شراسةً الصّراعاتُ السّياسية بين أنظمة هذه الدّول والحروب التي لم تتوقف بعد.
ورغم بعض التّوصيات والمطالبات الدّولية خلال فترة الانهيار العثماني ونهب أراضيها من قبل القوى العظمى كفرنسا وبريطانيا التي رجّحت مصالحها على حساب حلّ القضية الكردية، فقد قّدم عضو الوفد الأميركي في مؤتمر باريس البروفسور ألبرت ليبي مذكرة تضمنت مقترحات لحلّ المسألة الكردية: »أنه يجب منح الأكراد المنطقة الجغرافية الطّبيعية بين أرمينيا المقترحة في الشّمال، وميسوبوتاميا في الجنوب، وبين الفرات ودجلة، على الحدود الغربية وبين الحدود الفارسية من الشرق ويجوز منح هذه الأراضي الواقعة تحت حكم انتدابي صارم، الإدارة الذّاتية لإعدادها للاستقلال أو لاتحاد فدرالي مع جارتها على أساس اتحاد له إدارة ذاتية واسعة»11
معاهدة سان ريمو، التي كان الموضوع الكردي أحد المواضيع المطروحة فيها للمناقشة، مهّدت الأرضية لاتفاقية سيفر التي أقرّت حقوق الكرد في دولة مستقلة ببنود 62 و62 و64 لكن مصالح بعض الدّول حالت دون تنفيذ الاتفاق وتجاهلت معاهدةُ لوزان تلك الحقوق التي اختفت تحت جنازير الدَّبابات وفوّهات المدافع الكمالية.
الثّورات والحركات الكردية:
اقتنع الشّعب الكردي بأنّ الإخوةَ في التّاريخ والجغرافية والجوار، الإخوة في الدّين، قد طعنوه من الظّهر، فلم يجد الكُردُ أمامهم إلا القيام بالثّورات في وسط سياسي شديد التّعقيد، ردّاً تعبيرياً على اتفاقية لوزان، كثورة الشّيخ سعيد بيران 1925، ثورة جبل أرارات مركزها آكري عام 1927- 1930 وثورة درسيم 1937.
وفي إيران أعلن الكُرد جمهورية مستقلة (جمهورية مهاباد) في الجزء الملحق بالدّولة الإيرانية 1946، لكنها لم تستمر سوى سنة واحدة، فقد تخلّى السّوفيت عنها فسحقَتْها القوات الإيرانية واستمرَّ العمل السّياسي حتى 1973 حيث اعتمد المؤتمر الثَّالث للحزب الدّيمقراطي الكردستاني بقيادة الدّكتور عبدالرحمن قاسملو عام 1973 الشّعار «الديمقراطية لإيران، والاستقلال الذاتي لكردستان»، واللجوء إلى العمل العسكري لتحقيق الهدف. اندلعت الثّورة الكرُدية عام 1967 في إيران في مارس 1967، لتحقيق استقلال ذاتي للكُرد في كردستان إيران، في إطار جمهورية فدرالية.
لجأ الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى القتال المفتوح مرة أخرى بين عامي 1989 و 1996 حيث حدثت انتفاضة من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني في كردستان الإيرانية، بسبب اغتيال زعيمه المنفي قاسملو في يوليو 1989، ويتميّز النّظام السّياسي هناك باستخدام العنف الدّموي ضد معارضيه.
أما في العراق: لم يهدأ الوضع الكردي فيه، فقامت ثورة أيلول وهو صراع مسلح شهده إقليم كردستان مابين عامي 1961 – 1970، وثورة البارزاني الثاني 1974-1975، والانتفاضة الشّاملة بعد هزيمة العراق في الكويت 1991، وشكّل الكُرد برلماناً وحكومة في أربيل بعد فرض الحظر الجوي على شمال خط 36 واستمرّ حتى إسقاط النّظام بعد التدخل العسكري الأميريكي فيه.
بما أنّ الشّعب الكردي توزع بين أربع دول ذات أنظمة سياسية واجتماعية مختلفة، منها من تنكّر لوجوده وحقوقه، ومنها من استخدم العنف المفرط في القمع والتّنكيل به، كالأسلحة الكيمياوية في حلبجة وخورمال، لم يجد الكُرد بدّاً سوى اللجوء إلى تنظيم قواه الحية في أحزابٍ تقود النّضال السّياسي، فمحاولة الكُرد للنّهوض سياسياً اصطدم بتعنُّت الأنظمة، فبرزت القضية الكُردية كأحد القضايا الجوهرية في الشّرق الأوسط، لاتّساعها الجغرافي وشمولها أربع خرائط قلقة، ولتعداد سكانها الهائل، من هنا «اكتسبت القضية الكردية في وقتنا أهمية كبيرة ، ويتلخص جوهرها في التّناقض بين المستوى الرفيع لوعي الأكراد، الذي يتجلى في نضال بطولي عنيد في سبيل حق تقرير المصير ، وبين رفض السّلطات الحاكمة في الدول التي تقتسم كردستان، الاعتراف بحقوق الشّعب الكردي المشروعة. وحسب إحصائيات تقديرية، يعيش حاليا حوالي عشرين مليون كردي( ) في الشّرق الأوسط، منهم عشرة ملايين في تركيا، وستة ملايين في إيران ، وثلاثة ملايين في العراق ، ومليون في سوريا. ولا تؤثر القضية الكردية في الوضع السّياسي في بلدان الشّرقين الأوسط»
إن الحدود السّياسية التي رسمتها اتفاقية «سايكس بيكو» على الطّاولة لم تكن حدوداً تتناسب والتّوزع القومي لشعوب المنطقة، بل كانت تنسجم مع مصالح المنتصرين الذين نهبوا ممتلكات الرّجل المريض فتداخلت القوميات والحدود، هكذت كانت القومية الكردية مقسمةً بين دولٍ شديدة القسوة في تعاملها معهم. وجرّت على الثّوب الكُردي جراحات عديدة كارثية للشّعب وقاسية على الخرائط الجبلية المدماة، وكذلك عرقلت التّطور الطّبيعي للكُرد ولتلك الشّعوب.
الوضع الكردي في سوريا: قضية سياسية بامتياز:
بدأت القضية الكُردية في سورية تطفو على السّطح كقضية سياسية بعد تجاهل الحكومات السّورية المتعاقبة لوجودها، وإنكارها لحقوق الكُرد السّياسية، فشكّل الكُرد حزباً سياسياً عام 1957م بهدف تحرير وتوحيد كردستان، فتعامل النظام معه منذ لك الوقت بعنفٍ شديد، السّجن والنّفي والقمع. فقامت الدّولة بعدة إجراءات عملية لأنهاء الكُرد والقضاء عليهم في سوريا، منها: القيام بتجريد أكثر من 150 ألفاً كردياً من الهوية الوطنية عام سنة 1962 وفق المرسوم التّشريعيّ رقم (93) الذي كان جرحاً استنزف الشعب الكردي أكثر خمسين سنة، ونجمَ عنه انقسام الكُرد إلى ثلاث فئات:
•الكرد السّوريين الذين يملكون الجنسيّة السّورية.
• الكرد السّوريين المجرّدون من الجنسيّة السّوريّة.
• الكرد السّوريون المجرّدون من الجنسيّة وغيرُ المسجّلين في سجلات الأحوال المدنيّة الرسمية (هذه الفئة تم وصفهم بـمكتومي القيد، وهو مصطلح يشير إلى عدم وجود أيّ إشارة للشخص المشمول في السّجلات الرسميّة، ويشمل كل من ولِدَ من أب أجنبي وأم سورية، ومن ولِدَ من أب أجنبي وأم مكتومة القيد، وأيضاً من أبوين مكتومي القيد).
وكذلك الاستيلاء على أراضي الكُرد الزّراعية في منطقة الجزيرة المحاذية للحدود التّركية- العراقية، خلال ما عُرفَ سابقاً بـ«مشروع الحزام العربي»، الذي حرّم الكُرد من مصدر رزقهم، بهدف إفقار الكُرد وتهجيرهم، وثمّ توزيعها على عشائرَ عربيةٍ تمَّ استقدامُها من المحافظات الأخرى، إضافة إلى تعريب معالم المنطقة، ومنع اللّغة الكُردية من التّداول والتّعليم، ورغم ذلك كان الكًرد يطالبون بحلّ قضيتهم ضمن إطار الدّولة السّورية، فتلخّصت مطاليب الحركة الكردية في بناء حكم ديمقراطي لسوريا وتوفير الحريات السّياسية، والاعتراف الدَّستوري بحقوق الشّعب الكرُدي، كالمشاركة في الحياة السّياسية، واستخدام اللغة الكردية في التّعليم والنشر والحياة العامة، في مناطق ذات الأغلبية الكردية، وإزالة المراسيم والإجراءات العنصرية بحقهم، كالحزام والإحصاء والتّعريب القسري، والتّغيير الدّيمغرافي، فقد كانت الإجراءاتُ السّياسية التي استهدفت الوجود الكُردي، وطمسَتْه أشبهَ بعملية فتكٍ للثَّقافة الكردية، لغةً وفنّاً وفلوكلوراً وموسيقى، فرضتْ وفق إيديولوجية قومية قاتمة، لوناً واحداً في الحياة وألغت ما يخالفها في الموقف والفكر، بل أخضعَتْ بقوة العنف جميع الاتجاهات السّياسية لمنظوراتها القمعية.
هكذا كانَ الأمر حتى انفجار الثّورة السّورية المغدورة في مهدها، وقيام العاصفة التي اجتاحتْ كلّ الجغرافية السّورية. ورسمت أوضاعاً استثنائية للوطن السُّوري كلّه بعربه وكرده، ولهذا الأمر حديثٌ آخر.
[1] تاريخ الكرد في العهود الإسلامية، أحمد محمود الخليل، دار الساقي 1013 بيروت، ط1 ص22
[2] الحركة الكردية في العصر الحديث، جليلي جليلي، م.س. لازاريف. م.أ. حسرتيان. شاكرو محويان. أولغا جيغالينا. ترجمة: د. عبدي حاجي، دار أراس للطباعة والنشر. ط2 2013م.
[3] تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي، محمد أمين زكي 1937، مطبعة السعادة مصر، 1948، ص28
[4] تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي، محمد أمين زكي 1937، مطبعة السعادة مصر، 1948، ص28
[5] العدد (عشرون مليونا) إحصائية تشير إلى سنوات قبل 2000م، العدد الكلي عام 2020 أكثر من (45) مليوناً. (الملاحظة لكاتب المقال).
[6] الحركة الكردية في العصر الحديث، جليلي جليلي، م.س. لازاريف. م.أ. حسرتيان. شاكرو محويان. أولغا جيغالينا. ترجمة: د. عبدي حاجي، دار أراس للطباعة والنشر. ط2 2013م.
[7] في 23 آب/ أغسطس سنة 1962، أصدر رئيس الجمهوريّة السّوريّة، ناظم القدسي، المرسوم التّشريعيّ رقم (93)، الذي نصّ على إجراء إحصاء سكاني استثنائي في محافظة الحسكة. استندَ المرسوم إلى المرسوم التّشريعي رقم (1) والمؤرخ في 30/4/1962، وإلى القرار الصادر عن رئيس مجلس الوزراء، بشير العظمة، والمؤرخ في 22/8/1962.
——————–
*صبري رسول: ناقد وكاتب قصصي من سوريا، له خمس مجموعاتٍ مطبوعة، وعدة مخطوطات، يكتب في الصَّحاقة العربية والكُردية.
المصدر: مجلة ميريت الثقافية المصرية، العدد 44 أغسطس 2022
وفي الـ 9 من أكتوبر/ تشرين الاول 2019,اجتاح الجيش التركي والفصائل الموالية له مدينتي تل أبيض وسري كانيه/ رأس العين والمناطق المحيطة بهما بمسافة تقدر بأكثر من 130كم على طول الحدود السورية التركية, وبعمق يصل إلى 30 كم.
وتسببت العملية التي لاقت استنكاراً عدد من الدول الغربية تهجير أكثر من 300 ألف شخص من المنطقة.
قالت رابطة “تآزر” للضحايا، في تقرير إن تركيا فشلت في تحمّل مسؤولياتها إزاء المناطق التي تحتلها في شمال شرق سوريا، و لم تتخذ أي إجراءات حقيقية لضمان الأمن والسلامة العامة، كما غضت البصر عن حالات الاقتتال بين فصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض التي تدعمها، وعن تفشي ظاهرة انتشار السلاح واستخدامه بين المدنيين، ذلك في ظل غياب المساءلة واستمرار الإفلات من العقاب
ملخص تنفيذي:
وثقت رابطة “تآزر” للضحايا، خلال النصف الأول من عام 2022، نشوب 23 حالة اقتتال/اشتباك داخلي بين فصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض، في منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، أدّت إلى مقتل مدني وإصابة ثمانية آخرين، بينهم سيدة وطفل، فضلاً عن مقتل 19 عنصراً وإصابة 75 آخرين على الأقل، من مسلحي تلك الفصائل التي تدعمها تركيا.
كما وثقت الرابطة، خلال الفترة ذاتها، حدوث أربع حالات قتل/اغتيال نفذها مسلحون مجهولون، قُتل خلالها عنصران من “الجيش الوطني السوري” ومدنيان، بينهما صائغ مجوهرات قُتل بداعي السرقة، وحادثتان لمحاولة قتل/اغتيال، أصيب خلالهما 3 عناصر من فصائل “الجيش الوطني”، بالإضافة إلى توثيق حادثة واحدة تمَّ خلالها إطلاق النار بشكل مباشر من قبل مجموعة مُسلحة تتبع لـ “فرقة الحمزة” على تجمع للمدنيين، ما أدى إلى إصابة طفل بجروح.
بيّنت المعلومات التي جمعتها “تآزر” أن حالات الاقتتال بين فصائل “الجيش الوطني السوري” تعود لأسباب عدّة، تتمحور أغلبها حول خلافات على السلطة والنفوذ، وإدارة تجارة المخدرات، وتهريب البشر بين سوريا وتركيا، وتندلع مواجهات أخرى نتيجة نزاعات فردية تتطور في بعض الحالات لتصبح مواجهات عسكرية واسعة، كما تسهم “العصبية القبائلية/العشائرية” في تطور بعض الخلافات بين مقاتلي الفصائل إلى مواجهات واسعة.
شهد شهر نيسان/أبريل، الذي وافق شهر رمضان، أكبر عدد من حالات الاقتتال الداخلي بين فصائل “الجيش الوطني السوري”، خلال النصف الأول من عام 2022، حيث اندلعت خلاله 8 اشتباكات، تلاه شهر آذار/مارس الذي شهد 7 اشتباكات، في حين شهد شهر أيار/مايو أربعة اشتباكات، كان أحدها الاقتتال الداخلي الأعنف الذي شهدته مناطق النفوذ التركي في شمال سوريا.
وكانت فرقة “الحمزة” أكثر الفصائل مشاركةً في الاشتباكات الداخلية في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، خلال الفترة التي يغطيها التقرير، حيث كانت طرفاً في 16 اقتتال، يليها تجمع “أحرار الشرقية” الذي شارك في 7 اشتباكات، ومن ثم “الفرقة 20” في 6 اشتباكات، و “الشرطة العسكرية” بواقع 5 مشاركات في حالات الاقتتال، التي لم تكن تندلع بين فصيلان مسلحان مختلفان فقط، كما هو متوقع، فقد نشبت ثمانية اشتباكات على الأقل بين مجموعات مسلحة ضمن الفصيل ذاته.
جرت جميع حالات الاقتتال الداخلي بين فصائل “الجيش الوطني السوري” التي شهدتها منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، في مناطق مأهولة بالسكان، كالأسواق العامة والأحياء السكنية والقرى، وفي حالات أخرى على حواجز طرقية يمّر عبرها المدنيون في المنطقة، فضلاً عن توثيق حالات قتل واغتيال وإطلاق النار ضمن البلدات والقرى.
بناءً على ما سبق، وخلافاً لما روّجت له تركيا بأن عمليتها العسكرية “نبع السلام” ستنشئ “منطقة آمنة” فإن فوضى السلاح وانعدام الأمان والاستقرار هما السمة الأبرز لواقع الحال في منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، رغم مضي أكثر من عامين ونصف على احتلالهما.
من وجهة نظر الضحايا، لا تقتصر آثار الاقتتال الداخلي وفوضى السلاح في مناطق النفوذ التركي، على وقوع ضحايا في صفوف المدنيين وإلحاق الضرر بممتلكاتهم، بل تتعدى ذلك إلى دفع السكان بالتفكير في مغادرة المنطقة، حيث يزيد الوضع الأمني المتردي من حالة عدم الاستقرار، ويؤثر بشكل واضح في عملية التنمية الاقتصادية، ما يفاقم الوضع الاقتصادي السيئ وحالة الفقر الشديد التي يعاني منها غالبية السوريين داخل البلاد.
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019، تحتل تركيا المنطقة الممتدة بين رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، التي غزتها تحت مُسّمى عملية “نبع السلام”، لذا فأنها ملزمة بضمان احترام واجباتها كسلطة احتلالٍ على النحو المنصوص عليه في المواد 42 – 56 من لوائح لاهاي[1] لعام 1907، والمواد 27 – 34 و 47 – 78 من اتفاقية جنيف الرابعة، بالإضافة إلى المادة 2 المشتركة من اتفاقيات جنيف، ذلك بغض النظر عن مدة الاحتلال والالتزامات الإضافية التي تصبح سارية بمرور الوقت.[2]
إلى جانب عدم اعترافها باحتلال أجزاء من شمال شرق سوريا، وعدم التزاماها بواجباتها كسلطة احتلال في المنطقة الممتدة بين رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، تشير حالة فوضى السلاح وانعدام الأمان التي تشهدها تلك المناطق، إلى خرق تركيا لبنود اتفاقية “وقف اطلاق النار” في شمال شرق سوريا، التي تمَّ الإعلان عنها بين الحكومتين التركية والأمريكية، بتاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019.
كل ما سبق، بالإضافة إلى الانتهاكات اليومية التي ترتكبها فصائل “الجيش الوطني السوري” التي تدعمها “أنقرة”، مع غياب المساءلة واستمرار الإفلات من العقاب، يجعل المناطق الخاضعة للاحتلال التركي غير آمنة البتّة، ولا تتوافق مع معايير العودة الطوعية التي حددتها الأمم المتحدة.
توصيات:
فشلت تركيا في تحمل مسؤولياتها إزاء المناطق التي تحتلها في سوريا، إذ أنها لم تتخذ أي إجراءات حقيقية لضمان حماية المدنيين، كما أنها غضت البصر عن حالات الاقتتال الداخلي بين الفصائل المسلحة التي أولتها إدارة المنطقة، ورغم أن السلطات التركية تتحكم بهذه المناطق فعلياً، فهي لم تتدخل لوقف تلك الحوادث، إلا في مرة واحدة تزامنت مع تواجد مسؤولين أتراك في المنطقة، ولم تحاسب عناصر الفصائل الذين تسببوا بمقتل مدنيين أو جرحهم، كما لم تفرض على أي فصيل تعويض الأضرار المادية التي تسبب بها خلال الاشتباك.
بناءً على ما سبق، توصي رابطة “تآزر” للضحايا بالآتي:
يجب على السلطات التركية باعتبارها “قوة احتلال” أن تتحمل مسؤولية ضمان النظام العام والسلامة العامة وتوفير حماية خاصة للنساء والأطفال، ذلك عبر اتخاذ جميع التدابير ضمن نطاق سلطتها لاستعادة وضمان النظام والسلامة العامَّين في المنطقة المحتلة قدر الإمكان.
يجب على الحكومة التركية الالتزام بالاتفاق الأمريكي-التركي، وبالأخص البندين الرابع والسابع منه، ذلك عبر التزامهما بدعم الحياة الإنسانية وحقوق الإنسان وحماية المجتمعات الدينية والعرقية، وضمان سلامة ورفاه السكان المقيمين في جميع المراكز السكانية الخاضعة لسيطرتها.
يجب على الحكومة التركية باعتبارها تقود فعلياً “الجيش الوطني السوري” المعارض أن تبذل أقصى جهدها لصون حقوق الإنسان الأساسية في المناطق التي تحتلها، ذلك عبر الحفاظ على القانون ومحاسبة منتهكيه، وعدم تعريض السكان المدنيين للابتزاز والخطر الأمني والعسكري.
يجب على الحكومة السورية المؤقتة/المعارضة وقبلها الحكومة التركية كسلطة احتلال ضمان حق جميع الضحايا في المناطق المحتلة من الوصول إلى العدالة، من خلال إيجاد آليات انتصاف فعالة وواضحة وسهلة الوصول تضمن التحقيق الفوري والنزيه ومحاسبة المنتهكين وفرض تدابير الجبر المناسبة للضحايا.
يجب على فصائل “الجيش الوطني السوري” المعارض، وعملاً بموجبات القانون الدولي الإنساني، ألا تقيم مقراتها ومواقع تواجدها العسكري داخل المدن أو بالقرب من أماكن سكن وتجمع المدنيين. تتحمل قيادات هذه الفصائل المسؤولية القانونية عن هذا الأمر، كما تتحمل السلطات التركية بوصفها “قوة احتلال” مسؤولية ضمان الالتزام بهذه الواجبات.
خلفية:
بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، بدأ الجيش التركي عملية عسكرية داخل أراضي شمال شرق سوريا، حيث أعلن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” توغل قوات بلاده مع مجموعات من المعارضة السوريّة المسلّحة/”الجيش الوطني السوري” تحت مسمّى عملية “نبع السلام”، ذلك عقب انسحاب القوات الأمريكية/التحالف الدولي، وحصول “أنقرة” على ضوء أخضر أمريكي باجتياحها، خلال مكالمة هاتفية جرت بين الرئيس التركي والرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، بتاريخ 6 تشرين الأول/أكتوبر 2019.[3]
كان للهجوم التركي تداعيات خطيرة على سكان المنطقة، وبالأخصّ المدنيين منهم، فقد أدى الغزو مباشرةً إلى نزوح أكثر من 180 ألف شخص من منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، خلال الأيام الأولى من العملية، بمن فيهم عشرات آلاف النساء والأطفال، في موجات نزوح سريعة وغير منسقة، بحسب الأمم المتحدة.[4]
وبتاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، وقعت تركيا اتفاقاً مع الولايات المتحدة الأمريكية، قضى بتعليق العمليات العسكرية التركية في شمال شرق سوريا لمدة (120) ساعة، تلاه وقف عملية “نبع السلام” بعد استكمال قوات سوريا الديمقراطية انسحابها من المنطقة.
أفضت عملية “نبع السلام” التي انتهت بتاريخ 22 تشرين الأول/أكتوبر 2019، إلى سيطرة تركيا وفصائل “الجيش الوطني” التي تدعمها “أنقرة” على شريط حدودي بطول 120 كم بين مدينتي رأس العين/سري كانيه شمال غرب الحسكة، وتل أبيض شمال الرقة، وبعمق 32 كم، وأدت إلى نزوح أكثر من 175 ألف شخص من المنطقة، بحسب لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا.[5]
إبان انتهاء العملية العسكرية المسمّاة “نبع السلام” في المنطقة الممتدة من رأس العين/سري كانيه إلى تل أبيض، تقاسمت فصائل “الجيش الوطني” مناطق النفوذ فيها، حيث انتشرت فصائل: “الجبهة الشامية” و “فيلق المجد” و “أحرار الشرقية” في منطقة تل أبيض، في حين انتشرت “فرقة السلطان مراد” و “فرقة الحمزة/الحمزات” بشكل أساسي في منطقة رأس العين/سري كانيه، مع تواجد وانتشار أقل لفصائل أخرى منها “جيش الإسلام” و “فيلق الرحمن” و “لواء صقور الشمال” و “فرقة المعتصم” و “الفرقة 20”.
وعلى الرغم من توقيع تركيا اتفاق “وقف إطلاق النار” مع أمريكا، واتفاق “المنطقة الآمنة” مع روسيا، في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2019، عمدت الفصائل المسلّحة المدعومة من “أنقرة” بشكل مباشر إلى ارتكاب العديد من الانتهاكات بحق سكان المنطقة، تنوعت بين الاعدام خارج نطاق القانون والاعتقال التعسفي والتعذيب والاستيلاء على المنازل ومنع العودة، علاوةً على عمليات نهب واستيلاء على ممتلكات ومبانٍ عامة، بما فيها الاستيلاء على مخزون الحبوب الاستراتيجي في المنطقة وبيع قسم منه إلى تركيا، حيث سبق أن أعدت “تآزر” العديد من التقارير التي توثق جزءاً من الانتهاكات التي ارتكبتها تلك الفصائل في منطقتي تل أبيض ورأس العين/سري كانيه.
كما قامت العشرات من الجهات المحلية والدولية والأممية بتوثيق أنماط من الانتهاكات بحق السكان في مناطق “نبع السلام”، كان على رأس تلك الجهات “لجنة التحقيق الدولية” الخاصة بسوريا، التي وثقت أنماطاً لا حصر لها من الانتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي على يد فصائل “الجيش الوطني السوري”، في نمط متسق مع ما حدث في عفرين قبل ذلك في العام 2018.[6]
المدنيون ضحايا فوضى السلاح:
وثقت رابطة “تآزر” للضحايا، نشوب 23 حالة اقتتال داخلي بين فصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض، في منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، خلال النصف الأول من عام 2022، أدّت إلى مقتل مدني وإصابة ثمانية آخرين، بينهم سيدة وطفل، فضلاً عن مقتل 19 عنصراً وإصابة 75 آخرين على الأقل، من مسلحي تلك الفصائل التي تدعمها تركيا.
كما وثقت الرابطة، خلال الفترة ذاتها، حدوث أربع حالات قتل/اغتيال نفذها مسلحون مجهولون، قُتل خلالها عنصران من “الجيش الوطني السوري” ومدنيان، وحادثتان لمحاولة قتل/اغتيال، أصيب خلالهما 3 عناصر من “الجيش الوطني”، بالإضافة إلى توثيق حادثة واحدة تمَّ خلالها إطلاق النار بشكل مباشر من قبل مجموعة مُسلحة تتبع لـ “فرقة الحمزة” على تجمع للمدنيين، ما أدى إلى إصابة طفل بجروح.
اعتمدت “تآزر” في توثيقاتها على المعلومات التي جمعتها في قاعدة البيانات الخاصة بها من قبل شبكة باحثيها المنتشرين في المنطقة، والشهادات التي حصلت عليها من الضحايا وعائلاتهم/ن ومن شهود العيان، فضلاً عن التحقق من معلومات المصادر المتاحة للعموم (المصادر المفتوحة).
وتُنوّه رابطة “تآزر” للضحايا، أن حالات الاقتتال الداخلي بين فصائل “الجيش الوطني السوري” في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض قد تكون أكثر مما تمَّ ذكره، ذلك لأن الرابطة تعلن الحالات التي تمَّ توثيقها والتحقق منها فقط.
اقتتال بسبب خلاف على طرق التهريب:
بتاريخ 9 كانون الثاني/يناير 2022، نشب اقتتال/اشتباك داخلي مُسلح بين عناصر من فرقة “الحمزة” والشرطة العسكرية التابعة لـ “الجيش الوطني السوري/المُعارض” في مدينة رأس العين/سري كانيه، تركز في شوارع الكنائس والعبرة وحي المحطة الشمالي، واستُخدمت فيه أسلحة رشاشة.
أدى الاشتباك الذي دام عدة ساعات إلى إصابة عنصر من فرقة “الحمزة”، وفق شهادة سيدة من حي المحطة الشمالي في رأس العين/سري كانيه، والتي قالت لـ “تآزر”: [7]
“أصيب أحد مسلحي فرقة الحمزة برصاصة في قدمه، وقد عرفت بالأمر لأنه يقطن في منزل استولى عليه في ذات الشارع الذي اعيش فيه مع عائلتي، عقب نزوح العائلة الكُردية مالكة المنزل نتيجة عملية (نبع السلام) التركية، وقد علمت من زوجة المسلح المصاب بعد أيام، أن الاقتتال كان قد نشب نتيجة خلاف حول التمركز في نقطة حدودية تستخدم لتهريب البشر بطريقة غير شرعية إلى داخل الأراضي التركية مقابل المال”.
تجارة المواد المخدرة تُنشب اقتتالاً بين مسلحي “الجيش الوطني”:
بعد نحو شهر، وتحديداً بتاريخ 9 شباط/فبراير 2022، دخل مسلحو فرقة “الحمزة” وعناصر “الشرطة العسكرية” في اقتتال آخر شهدته مدينة رأس العين/سري كانيه، لكن هذه المرة كانوا معاً أحد طرفا هذا الاشتباك في مواجهة مسلحين من فرقة “السلطان مراد” وتجمع “أحرار الشرقية”.
أحد عناصر “الشرطة المدنية” في رأس العين، التي لم تكن طرفاً في الاقتتال وحاولت تهدئته، قال لـ “تآزر” إن الاشتباك نشب بسبب خلافات داخلية حول تجارة المواد المخدرة في المنطقة[8]، وتابع حديثه قائلاً:
“ضبطت دورية تابعة للشرطة العسكرية مجموعة من عناصر فرقة السلطان مراد تقوم بتجارة المواد المخدرة بالشراكة مع مجموعة تتبع لتجمع أحرار الشرقية في حي الحوارنة/زورآفا، وحين محاولة اعتقالهم قاموا بإطلاق الرصاص على الدورية، ما أدى لإصابة أحد أفراد الشرطة، الذين تراجعوا، قبل أن تتدخل فرقة الحمزة للقتال إلى جانب الشرطة العسكرية بعد أن امتدت الاشتباكات إلى مناطق نفوذها بالقرب من شارع الكنائس”
دام الاشتباك حتى ساعات الليل المتأخرة في ذاك اليوم، وأدى إلى إصابة ثلاثة عناصر، أحدهم من “الشرطة العسكرية” والآخران من فرقة “السلطان مراد”.
إطلاق النار بشكل مباشر على محتجين بينهم نساءٌ وأطفال:
وشهد شهر آذار/مارس 2022، سبع حالات اقتتال داخلي بين فصائل “الجيش الوطني السوري”، التي أولتها تركيا إدارة المنطقة الممتدة بين رأس العين/سري كانيه وتل أبيض (منطقة نبع السلام)، أدت إلى مقتل 4 مسلحين وجرح 25 آخرين من عناصر تلك الفصائل.
كما بدأ الشهر بحادثة اغتيال شخص عراقي الجنسية على يد مسلحان كانا يستقلان دراجة نارية وسط مدينة رأس العين، ولم تكشف الأجهزة الأمنية التابعة لـ “الجيش الوطني السوري” عن هوية القتيل أو حيثيات الجريمة. وثقت رابطة “تآزر” تواجد 55 عائلة، على الأقل، من عائلات مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، من الجنسية العراقية، في منازل نازحين ومُهجرين قسراً تمّ الاستيلاء عليها في حيّي “زورآفا/الحوارنة” و “زرادشت” في مدينة رأس العين/سري كانيه.[9]
ونشب اقتتال داخلي بين فصائل “الجيش الوطني السوري”، بتاريخ 9 آذار/مارس 2022، بين مسلحي فرقة “الحمزة” من جهة، وعناصر من “أحرار الشرقية” و “الفرقة 20″، في قرية “السفح” جنوبي رأس /سري كانيه، نتيجة خلافات بينية على موقع عسكري/منطقة نفوذ، وأدى الاشتباك المُسلح إلى إصابة خمسة على الأقل من عناصر تلك الفصائل، وفق ما روى أحد سكان قرية “السفح” لرابطة “تآزر”.
في ذات اليوم أيضاً، أي 9 آذار/مارس 2022، حدث اشتباك مسلح بين نازحين من ريف دير الزور[10] ومسلحي فرقة “الحمزة”، وسط مدينة رأس العين، على خلفية اعتداء عناصر من الفرقة على أحد النازحين، وقد تم استخدام البنادق وقذائف الـ RPG خلال الاقتتال، ما سبب حالة من الذعر بين المدنيين داخل أحياء المدينة. لم يتم توثيق أي خسائر بشرية.
بعد يوم واحد، أي بتاريخ 10 آذار/مارس 2022، حاصرت فرقة “الحمزة” و “لواء شهداء بدر” المنضوي ضمنها، مسلحي فصيل “القعقاع” التابع للفرقة في قرية “مختلة” غربي رأس العين/سري كانيه، ذلك عقب إعلان الفصيل انفصاله عن “لواء شهداء بدر” وفرقة “الحمزة” بسبب تخفيض الدعم العسكري واللوجستي المُقدم له. سكان من القرية قالوا لـ “تآزر” إنه حتى مضي 48 ساعة، أي بتاريخ 12 آذار/مارس 2022، طُرد مسلحو فصيل “القعقاع” من القرية ومن صفوف فرقة “الحمزة” أيضاً.
وكانت فرقة “الحمزة” و “لواء شهداء بدر” طرفاً في اقتتال آخر، نشب بتاريخ 13 آذار/مارس 2022، ضد فصيلي “أحرار الشرقية” و “الفرقة 20″، في قرية “تل أرقم” غربي رأس العين/سري كانيه، ما أدى لإصابة خمسة عناصر على الأقل من الفصائل المتقاتلة. امتد الاقتتال إلى “شارع الكنائس” وسط مدينة رأس العين.
ووفقاً للباحث الميداني لدى “تآزر” فأن الاقتتال نشب بسبب خلافات على خلفية انشقاقات في صفوف الجهات المتقاتلة، كنتيجة لتقليص الدعم اللوجستي والعسكري عن بعض فصائل “الجيش الوطني السوري” من قبل تركيا.
وبتاريخ 14 آذار/مارس 2022، أصيب الطفل “ابراهيم اسماعيل الخضر[11]” (10 أعوام) نتيجة إطلاق عناصر فرقة “الحمزة” الرصاص الحي على متظاهرين من قرية “تل أرقم” غربي رأس العين/سري كانيه، كانوا قد احتجوا مطالبين بوقف السرقات والاستيلاء على الممتلكات بالقوة.
نُقل الطفل إلى المشفى إثر جروحه البليغة، وفقاً لأحد أفراد عائلته[12]، الذي قال لـ “تآزر” إن سكان من القرية تجمعوا واحتجوا عقب محاولة عناصر من فرقة “الحمزة” المنضوية ضمن “هيئة ثائرون للتحرير” سرقة كابلات كهربائية من القرية، وسرد تفاصيل ما جرى قائلاً:
“في فجر ذاك اليوم، حاول عناصر من فرقة الحمزة سرقة كابلات كهربائية من محولة القرية، لكنهم سرعان ما لاذوا بالفرار عندما اكتُشف أمرهم، تلى ذلك خروج عشرات من سكان القرية للتظاهر أمام نقطة عسكرية تابعة للفرقة، بينهم نساء وأطفال، احتجاجاً على تكرر حالات السرقة والاستيلاء على ممتلكات السكان بالقوة من قبل عناصر الفصيل، الذي قاموا بإطلاق النار بشكل مباشر على المحتجين لإنهاء المظاهرة، وهو ما حصل، بعد أن أصيب ابراهيم”.
وبحسب الشاهد، فأن الطفل “ابراهيم الخضر” قد تلقى العلاج في مشفى “رأس العين” العام حتى تحسن وضعه الصحي.
عقب أسبوع، وتحديداً بتاريخ 21 آذار/مارس 2022، قُتل عنصر من فرقة “الحمزة” يدعى “نديم الزوان” برصاص عناصر من “لواء شهداء بدر” التابع للفرقة، على حاجز يتبع لها في قرية “العزيزية” غربي رأس العين/سري كانيه، نتيجة اقتتال داخلي نشب بين المجموعتين.
شاهد على الاقتتال من سكان قرية “العزيزية” أفاد لـ “تآزر” أن الاقتتال اندلع نتيجة خلاف حول تقاسم النفوذ والاتاوات من طرق للإتجار بالبشر وتهريبهم بطريقة غير شرعية إلى تركيا.[13] وتابع حديثه قائلاً:
“نشب الاشتباك بين مجموعة تتبع لـ (أبو حميد الحربي) في فرقة الحمزة، ومجموعة (أبو اسكندر الديري) التابعة للواء شهداء بدر، بعد أن حاولت الفرقة الاستيلاء على حاجز الأخيرة في القرية، الذي يفرض اتاوات على القادمين للعبور إلى تركيا بطريقة غير شرعية، في حين تقوم مجموعات مسلحة من الجيش الوطني السوري، وبالتحديد فرقة الحمزة، والفرقة 20، وأحرار الشرقية، بتهريب الأشخاص الراغبين إلى تركيا مقابل المال”.
عقب يوم واحد، أي بتاريخ 22 آذار/مارس 2022، نشب اقتتال مسلح بين عناصر من فرقة “الحمزة”، وعناصر منشقين عنها وآخرين من فصيلي “أحرار الشرقية” و “الفرقة 20″، بالقرب من بلدة “تل حلف” غربي رأس العين/سري كانيه، ومزرعة “أصفر و نجار” جنوبي المدينة، وقد استُخدمت خلال الاشتباك بنادق رشاشة وقذائف صاروخية من نوع RPG.
تابع الباحث الميداني لدى “تآزر” حيثيات ذاك الاقتتال، وأكد أن الاشتباك نشب بسبب خلافات حول تقاسم مناطق النفوذ، إذ تتسارع تلك الفصائل للاستفادة غير الشرعية من واردات عمليات تهريب المواد الغذائية إلى مناطق الإدارة الذاتية/قوات سوريا الديمقراطية، وتهريب البشر إلى تركيا مقابل المال، وقد أدى الاقتتال إلى إصابة أربعة عناصر من تلك الفصائل.
وكانت فرقة “الحمزة” طرفاً في جميع الاقتتالات/الاشتباكات التي شهدتها منطقة “نبع السلام” في شهر آذار/مارس 2022، وكان آخرها في مدينة رأس العين/سري كانيه، بينها وبين عناصر “الفرقة 20″، بتاريخ 30 آذار/مارس، ذلك على خلفية انشقاق كتيبة “أحرار القعقاع” عن فرقة “الحمزة” وانضمامها إلى “الفرقة 20″، ما أدى إلى نشوب اشتباكات بالأسلحة الرشاشة بين الطرفين في “شارع الكنائس” والشوارع المحيطة به، ومقتل ثلاثة عناصر وإصابة 11 آخرين من الطرفين.
دار الاشتباك بين منازل المدنيين، الذين نزح بعضهم بشكل مؤقت إلى أحياء أكثر أمناً، خوفاً على حياتهم، ومن بينهم “قاسم صوفي” الذي شهد الساعات الأولى من الاشتباك، وكشف لـ “تآزر” عن سرقة مسلحي فرقة “الحمزة” لمنازل بعض المدنيين أثناء نزوحهم المؤقت عنها.
عقب انتهاء الاشتباك، أطلقت الفرقة حملة مداهمات استهدفت منازل المدنيين، تحدث “صوفي” حولها قائلاً:[14]
“ما أن فُضَ الاشتباك، بدأ أمنيو فرقة الحمزة بمداهمة وتفتيش للعديد من المنازل في شارع الكنائس والشوارع القريبة منه، بذريعة انحياز سكان تلك المنازل لصالح الفصيل الخصم، واعتقلوا ثلاثة أشخاص بتهمة تسريب معلومات أمنية إلى الفرقة 20، ولم يجرؤ أحد من السكان على الاعتراض أو التقدم بشكوى، ذلك نتيجة غياب المحاسبة في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني السوري”.
تركيا تغض البصر عن الاقتتال بين فصائل “الجيش الوطني السوري”:
شهد شهر نيسان/أبريل، الذي وافق شهر “رمضان”، أكبر عدد من حالات الاقتتال الداخلي بين فصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض، خلال النصف الأول من عام 2022، حيث اندلعت خلاله 8 اشتباكات، أدت إلى مقتل 8 أشخاص، وجرح 26 آخرين، بينهم مدنيان أثنان.
كما عثر سكان من قرية “عاجلة” غربي رأس العين/سري كانيه، بتاريخ 2 نيسان/أبريل 2022، على جثة شخص يُدعى “علي أبو ابراهيم” قيل أنه عنصر في “الجيش الوطني السوري” في تل أبيض، وينحدر من بلدة “سلوك” شمالي الرقة. تحقق “تآزر” حول إفادات تشير إلى مقتل “أبو ابراهيم” على يد قيادييّن من “الشرطة العسكرية” التابعة لـ “الجيش الوطني السوري”، على خلفية اكتشافه محاولتهما تهريب عدد من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” إلى تركيا بطريقة غير شرعية.
وبتاريخ 7 نيسان/أبريل 2022، نشب اقتتال/اشتباك بين فرقتي “الحمزة” و “ملك شاه” في بلدة “تل حلف” غربي رأس العين/سري كانيه، نتيجة خلافات بينية حول تقاسم واردات تهريب البشر بطريقة غير شرعية إلى تركيا. لم يعلن أي من الطرفين عن وقوع خسائر بشرية في صفوفه.
في ذات اليوم، نشب اقتتال داخلي بين مجموعتان تتبعان لفرقة “المعتصم” في رأس العين/سري كانيه، بسبب خلاف بين قادة المجموعتين على منزل مُستولى عليه تعود ملكيته لأحد المهجرين قسراً من المدينة. استمر الاشتباك بالأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية نحو ساعة كاملة في أحياء “الحوارنة/زورآفا” و “ساحة الديوان”، لكنها لم تسفر عن أي خسائر بشرية.
عقب يومين، وبتاريخ 9 نيسان/أبريل 2022، جرى اقتتال آخر بين عناصر “لواء شهداء بدر” التابع لفرقة “الحمزة”، ومسلحي فصيل الفرقة 20، في قرية “مختلة” غربي رأس العين/سري كانيه، نتيجة الصراع على النفوذ وطرق تهريب البشر وتقاسم واردات الحواجز العسكرية التي تفرض اتاوات على السكان المحليين.
وفقاً للباحث الميداني لدى “تآزر” فقد استمر الاشتباك حتى صباح اليوم التالي، وأدى إلى إصابة ثلاث من عناصر “لواء شهداء بدر” بجروح، في حين جُرح مسلحيّن اثنين من “الفرقة 20”.
ومرةً أخرى بسبب خلافات حول تقاسم واردات تهريب البشر بطريقة غير شرعية إلى تركيا، قُتل عنصر من فرقة “الحمزة” وأصيب آخر بجروح، بتاريخ 13 نيسان/أبريل 2022، نتيجة اقتتال داخلي بين عناصر مجموعتين مسلحتين ضمن الفرقة ذاتها في محيط قرية “تل أرقم” غربي رأس العين/سري كانيه.
في ذات اليوم، 13 نيسان/أبريل 2022، نشب اقتتال داخلي بين عناصر من فرقة “الحمزة” بالقرب من شارع “الكنائس” وسط مدينة رأس العين/سري كانيه، لكنه لم يدم سوى عدة ساعات، إثر تدخل قوات “الشرطة العسكرية” لوقف الاشتباك، ولم ترد أي معلومات عن خسائر بشرية على خلفية الاقتتال.
عقب أسبوع، وبتاريخ 20 نيسان/أبريل 2022، نشب اقتتال بين عناصر من “هيئة ثائرون للتحرير[15]” من طرف، وعناصر من “الشرطة العسكرية” في رأس العين/سري كانيه على خلفية اعتقال القوات الأمنية التابعة للهيئة عنصراً من “الشرطة العسكرية” في بلدة “مبروكة” غربي رأس العين.
تحققت “تآزر” من مشاركة مسلحين من فرقة “الحمزة” وآخرون ينتمون لقبيلة “العكيدات” ضمن صفوف “الجيش الوطني السوري” في القتال إلى جانب عناصر “الشرطة العسكرية” بحكم القرابة العشائرية بين عناصر تلك الفصائل. امتد القتال إلى أحياء مختلفة داخل المدينة، وأدى إلى مقتل عنصر من فرقة “الحمزة” ووقوع ثلاث جرحى من الطرفين.
عقب يومين، وبتاريخ 22 نيسان/أبريل 2022، نشب اقتتال دامي بين عناصر من الشرطة المدنية، وعناصر من “هيئة ثائرون للتحرير”، في مدينة رأس العين/سري كانيه، على خلفية اعتقال أمنيو الأخيرة خمسة عناصر من “الشرطة المدنية”، بسبب تعديهم على شقيق أحد الأمنيين في الهيئة، لرفضه بيعهم بالدين في محل بقالية يملكه، إذ قام أمنيو الهيئة بحلق شعر ثلاثة من عناصر “الشرطة المدنية” بعد اعتقالهم، فيما أفرجوا عن العنصرين الآخريّن.
واسفرت الاشتباكات عن مقتل ستة عناصر من الطرفين، بينهم القيادي في “هيئة ثائرون” عبد الكريم الموالي، بعد تعرضه لإصابة بليغة، وجُرح 13 مقاتلين آخرين، فضلاً عن إصابة مدنييّن اثنين على الأقل.
ووقع تبادل إطلاق النار، أثناء خروج “مروة عيسى” وأطفالها لشراء ملابس ومستلزمات العيد، ما تسبب بحالة ذعر بين الناس في سوق المدينة، الذي شهد إقبالاً متزايداً في الأسبوع الأخير من شهر “رمضان”.
وعبّرت “عيسى” وهي نازحة سورية من مدينة “حمص” نقلتها القوات التركية مع عائلتها من مدينة جرابلس إلى رأس العين/سري كانيه عقب عملية “نبع السلام”، في حديثها لـ “تآزر” عن استيائها نتيجة فوضى السلاح في مناطق “الجيش الوطني السوري”، قائلةً:[16]
“نشب الاشتباك المسلح بالقرب من دوار البريد وعبارة الحاج وصفي التي تكظ بالمتسوقين، وانتشر إلى أحياء المدينة الشمالية، ما أثار حالة ذعر بين المدنيين، ولا سيما النساء والأطفال، وأصيب شاب برصاصة في قدمه بالقرب منا، فاحتمينا داخل أحد المحلات في العبارة حتى ما قبل حلول موعد الإفطار، حيث تدخلت دوريات تركية لفض الاشتباك وتهدئة الطرفين”.
وبحسب “مروة عيسى” فأن معظم الاقتتالات/الاشتباكات بين فصائل “الجيش الوطني السوري” تحدث على مقربة من القوات التركية، لكنها تغظ البصر عنها، وبررت سبب تدخلها لفض الاشتباك الأخير قائلةً:[17]
“ما كانت القوات التركية لتتدخل، لولا أن الاقتتال تزامن مع وصول والي ولاية شانلي أورفا التركية، عبدالله أرين، إلى رأس العين/سري كانيه لحضور مأدبة إفطار جماعية”.
تحققت “تآزر” من زيارة والي ولاية “شانلي أورفا” التركية، عبدالله أرين، للمدينة في مساء ذات اليوم، 22 نيسان/أبريل 2022، بالتزامن مع نشوب الاقتتال/الاشتباك بين “الشرطة المدنية” وهيئة “ثائرون للتحرير”، ونشر الوالي التركي منشوراً عبر صفحته الرسمية على موقع “فيس بوك”[18]، فجر يوم 23 نيسان/أبريل 2022، يظهر صور زيارته إلى رأس العين/سري كانيه ولقائه مع المجلس المحلي لمدينة رأس العين التابع للحكومة السورية المؤقتة/الائتلاف السوري المعارض، ومشاركته مأدبة إفطار جماعية.[19] كما نشر “المجلس المحلي لمدينة رأس العين أيضاً، في ذات اليوم، صوراً تظهر زيارة الوالي التركي إلى المدينة.
وكان آخر اقتتال/اشتباك شهدته مناطق “نبع السلام” في شهر “رمضان” الكريم، قد نشب بتاريخ 26 نيسان/أبريل 2022، بين عناصر مجموعتان تتبعان لـ “جيش الشرقية” في ناحية “سلوك” التابعة لمدينة تل أبيض شمالي الرقة، بسب خلافات بينية حول تقاسم واردات عمليات تهريب المحروقات والمواد الغذائية بين مناطق “الجيش الوطني السوري” وقوات سوريا الديمقراطية – قسد.
توقف الاقتتال بعد الإفطار، مع حلول المساء، وأدى إلى إصابة عنصرين بجروح متفاوتة، نقلوا على إثرها إلى مشفى تل أبيض لتلقي العلاج، بحسب الباحث الميداني لدى “تآزر”.
غياب آليات انتصاف فعالة للضحايا في مناطق “نبع السلام”:
وشهد شهر أيار/مايو 2022، أربع اشتباكات داخلية بين فصائل “الجيش الوطني السوري”، أدت إلى مقتل مدني واحد، وإصابة 6 آخرين على الأقل، فضلاً عن مقتل 5 مسلحين وجرح 16 آخرين من عناصر الفصائل المتقاتلة.
بتاريخ 4 أيار/مايو 2022، أي في ثالث أيام عيد الفطر السعيد، قُتل المدني “ثامر الطريحة” وهو نازح من أبناء قبيلة “الشعيطات” في ريف دير الزور، نتيجة إطلاق النار عليه خلال اقتتال نشب بين عناصر من فصيل “أحرار الشرقية” وآخرين من “الشرطة العسكرية” في قرية “الراوية” غربي رأس العين/سري كانيه، على خلفية ضبط الأخيرة لعملية تهريب بشر إلى تركيا من قبل “أحرار الشرقية”، وقد أدى الاشتباك أيضاً إلى مقتل عنصر من “أحرار الشرقية” وإصابة آخر من “الشرطة العسكرية”.
مزارع من قرية “الراوية” كان على مقربة من موقع الاشتباك، وشاهداً على مقتل “ثامر الطريحة”، سرد لـ “تآزر” تفاصيل ما جرى قائلاً:[20]
“بدأ تبادل إطلاق النار دون سابق إنذار، حينها كان ثامر يستقل دراجة نارية، واقفاً على جانب الطريق ينتظر أحداً ما، ودار الاشتباك على مقربة منه، حيث أصيب بعدة طلقات نارية، وعلى الرغم من أن الاقتتال لم يدم أكثر من نصف ساعة، إلا أنه كان قد فارق الحياة على الفور”.
وبتاريخ 9 أيار/مايو 2022، نشب اقتتال داخلي بين عناصر من فرقة “السلطان مراد” في حيّ “الحوارنة/زورآفا” في رأس العين/سري كانيه، بسبب ضبط عملية تهريب حبوب مخدرة، وظهور خلاف بين عناصر الفرقة حول تقاسم واردات عملية التهريب، وقد أصيب عنصر من الفرقة خلال الاشتباك الذي دام نحو ساعة، وفقاً للباحث الميداني لدى “تآزر”.
بعد أقل من أسبوع، وتحديداً بتاريخ 14 أيار/مايو 2022، قُتل عنصر من “الجيش الوطني السوري” يدعى “صالح المحمد” من قرية “السوسة” في ريف دير الزور، إثر تعرضه لإطلاق نار وسط مدينة رأس العين/سري كانيه، دون معرفة الجناة، اللذين لاذوا بالفرار.
لم ينشر “الجيش الوطني السوري” أي معلومات حول الحادثة، في حين قال “منذر غالي” وهو نازح من حمص مقيم في رأس العين/سري كانيه لـ “تآزر” إن الجريمة وقعت بالقرب من “ساحة الديوان” وسط المدينة، وتابع حديثه قائلاً:[21]
“ما أن نزل الرجل من السيارة، حتى تعرض لإطلاق نار مباشر من سيارة أخرى قريبة من نوع (هيونداي – سنتافي)، إذ أصيب صالح برصاصتين في البطن، وفارق الحياة متأثراً بجراحه”.
وطوال يوم 18 أيار/مايو 2022، دار اقتتال/اشتباك متقطع بين عناصر “الشرطة العسكرية” و “الشرطة المدنية في رأس العين/سري كانيه، على الطريق الممتد بين دوار البريد في مركز المدينة ودوار “الجوزة/الأعلاف” على طريق بلدة تل حلف.
وفقاً للمعلومات التي حصلت عليها “تآزر” وتحققت منها، فقد أدى الاقتتال إلى مقتل عنصر من “الشرطة المدنية” وجرح ثلاثة آخرون، فضلاً عن إصابة مدنيان اثنان على الأقل، أحدهما “محمد ناصر العبدالله” كانت جروحه بليغة.
في اليوم التالي، بتاريخ 19 أيار/مايو 2022، أصيب أحد عناصر “الشرطة العسكرية” بجروح، نتيجة تعرضه لعملية طعن بالسكين من قبل مجهولين أمام منزله في قرية “حمام التركمان” بريف الرقة، نقل على إثرها إلى المشفى العام في رأس العين/سري كانيه لتلقي العلاج. لم تورد “الشرطة العسكرية” أي معلومات حول الحادثة.
الاقتتال الأعنف خلال النصف الأول من عام 2022، بدأ مع فجر يوم 25 أيار/مايو في رأس العين/سري كانيه، مع هجوم مسلحي فصائل “الجيش الوطني السوري” الذين ينتمون لقبيلة “العكيدات”، على مجموعات تتبع لفرقة “الحمزة” من أبناء قبيلة “الموالي”، ذلك على خلفية اقدام القيادي في الفرقة “خالد العبدالله” الذي يُكنى بـ “أبو حمصي الموالي” على قتل الشاب “محمد العواد الدعار” وهو عنصر في “الجيش الوطني” من أبناء قبيلة “العكيدات” في ريف دير الزور الشرقي.
سعياً للثأر، كما وصف أبناء قبيلة “العكيدات” في تسجيلات صوتية نُشرت على مجموعات إخبارية على تطبيقات “واتس آب وتلغرام”، حشدت القبيلة جميع المسلحين الموالين لها في رأس العين/سري كانيه وريفها، وأطلقت هجوماً واسعاً، بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة على مقرات ومراكز عسكرية تُديرها مجموعات مسلحة تابعة لقبيلة “الموالي”، وبشكل رئيسي ضمن فرقة “الحمزة”.
وقد وثق مقطع فيديو تمَّ تصويره بتاريخ 25 أيار/مايو 2022، جانباً من الاشتباكات بين الطرفين بالقرب من مدرسة “أبن خلدون” الثانوية في حي “المحطة الشمالي” بالمدينة، حيث يظهر بشكل جليّ استخدام الأسلحة الرشاشة وإطلاق قذائف صاروخية من نوع RPG خلال الاقتتال الدائر بين الأحياء السكنية.
كنتيجة للاشتباكات، سُرعان ما سيطر مسلحو “العكيدات” على عدة أحياء في مدينة رأس العين/سري كانيه، وقرى في ريفيها الغربي والجنوبي، وسط حالة من الخوف والذعر بين المدنيين، ولا سيما النساء والأطفال، حيث نزحت عشرات العائلات بشكل مؤقت إلى خارج المدينة، تمَّ إيواء عدد منها داخل “صالة الأمين للأفراح” على طريق الحسكة جنوبي رأس العين، وقد أدى الاقتتال إلى إصابة أربعة مدنيين على الأقل، بينهم سيدة وطفل.
السيدة التركية “كار بياز ديمير” (40 عاماً) التي تقطن مدينة “جيلان بينار” كانت إحدى ضحايا الاقتتال، حيث أصيبت برصاصة عشوائية مصدرها مدينة رأس العين/سري كانيه المتاخمة لمدينتها في الجانب السوري. وبحسب وسائل إعلامية تركية فأنّ الرصاصة اخترقت رقبة “ديمير”، وأدّت إلى تعرّضها لإصابة بالغة، نُقلت على إثرها إلى مشفى “جيلان بينار” الحكومي لتلقّي العلاج.
من بين المصابين أيضاً “عبد الرحمن كاجي” من سكان رأس العين/سري كانيه، الذي أصابته شظية قذيفة في الوجه، حيث استُخدمت خلال الاقتتال أسلحة رشاشة وقذائف صاروخية من نوع RPG، كما ألحق أضراراً مادية كبيرة بسيارات ومنازل الأهالي.
أسفرت تلك الاشتباكات عن مقتل 3 مسلحين وإصابة 8 آخرين من عناصر فرقة “الحمزة” المنتمين لقبيلة “الموالي”، فيما جُرح ثلاثة آخرون من عناصر “الجيش الوطني السوري” المنتمين لقبيلة “العكيدات”.
أحد السكان المدنيين الذين لحق الضرر بمنازلهم نتيجة الاقتتال بين مسلحي فصائل “الجيش الوطني السوري”، قال لـ “تآزر” إنه تقدم بشكاوى رسمية للشرطة العسكرية والمجلس المحلي في رأس العين، مطالباً بترميم الضرر الذي أصاب منزله، لكن طلبه قوبل بالاستهزاء، حيث سرد قصته قائلاً:[22]
“أصابت قذيفة صاروخية سطح منزلي في حي زرادشت، خلال الاشتباك الأخير، وبحمد الله لم نصب أنا وعائلتي بأذى، وقد تقدمت بشكوى للشرطة العسكرية وأخرى للمجلس المحلي في رأس العين ضد المجموعات المسلحة المتقاتلة، عقب عودة الهدوء إلى المدينة، وطالبت بترميم منزلي حتى نستطيع العودة إليه مجدداً، لكنهم استهزئوا بي، وقال أحد أعضاء المجلس المحلي ضاحكاً: أذهب، جيدٌ أنك وعائلتك لا تزالون بخير”.
قتل صائغ ذهب في وضح النهار بداعي السرقة:
وشهد شهر حزيران/يونيو 2022 حالتي اقتتال داخلي، أسفرتا عن مقتل مسلحيّن وجرح 5 آخرين من عناصر الفصائل المتقاتلة، كما اختتم الشهر ذاته بحادثة قتل صائغ مجوهرات في رأس العين/سري كانيه، من قبل مسلحان مجهولان بداعي السرقة.
بتاريخ 15 حزيران/يونيو 2022، نشب اقتتال في مدينة رأس العين/سري كانيه بين عناصر من فصيل “أحرار الشرقية” وآخرون من فرقة “الحمزة”. لم ترد أي معلومات عن سبب الاشتباك والخسائر البشرية في صفوف الطرفين، لكن في اليوم التالي، أي بتاريخ 16 حزيران/يونيو 2022، أصيب عنصر في الشرطة المدنية وآخر من من فرقة “الحمزة” بجروح نتيجة استهدافهم بالرصاص داخل المدينة، دون بيان هوية المهاجمين.
عقب يومين، وتحديداً بتاريخ 18 حزيران/يونيو 2022، شهدت قرية “تل ذياب” غربي رأس العين/سري كانيه، اقتتالاً عنيفاً بين تجمع “أحرار الشرقية” من جهة، وفرقة “الحمزة” و “الفرقة 20” من جهة أخرى، ذلك على خلفية صراع مستمر بين الطرفين للاستيلاء على محطة وقود وأراض زراعية تمَّ تهجير مالكيها. استُخدمت خلال الاشتباك أسلحة خفيفة ومتوسطة وقذائف صاروخية، وأدى إلى نزوح سكان القرية بشكل مؤقت، كما قُتل عنصرين وأصيب ثلاثة آخرون بجروح خطيرة، فضلاً عن سيطرة فرقة “الحمزة” على نقاط ومقرات فصيل “أحرار الشرقية”.
وفي اليوم الأخير من النصف الأول في عام 2022، أي بتاريخ 30 حزيران/يونيو، قُتل صائغ الذهب والمجوهرات “محمد البرهاوي” وهو من أبناء المكون “الشيشاني” في رأس العين/سري كانيه، بعد تعرضه لإطلاق نار وسرقة من قبل ملثميّن يستقلان دراجة نارية، أمام منزله في المدينة. بيّنت تسجيلات مصورة[23] مأخوذة من كاميرات المراقبة أمام منزل “البرهاوي” أثناء ارتكاب الجريمة، تعرضه لإطلاق النار من أحد الملثميّن بشكل مباشر، وسرقة الحقيبة التي كان يحملها في يده.
في اليوم التالي، شهدت مدينة رأس العين/سري كانيه مظاهرة لعشرات الأشخاص في أثناء تشييع جنازة “البرهاوي”، احتجاجاً على الفلتان الأمني وفوضى السلاح الذي تشهده المنطقة بعد احتلالها من قبل تركيا وإيلاء السيطرة عليها إلى قوات “الجيش الوطني السوري” المُعارض.
وردد المتظاهرون شعار “نبع السلام، مافي أمان” احتجاجاً على انعدام الأمان في “المنطقة الآمنة”، مطالبين تركيا بضبط الأمن ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.
انعدام الأمان في “نبع السلام”:
برّرت الحكومة التركية عمليتها العسكرية “نبع السلام” على شمال شرق سوريا، في تشرين الأول/أكتوبر 2019، بأنها ستنشئ “منطقة آمنة” لحماية أمنها القومي وإحلال السلام والأمان في المنطقة، لكن خلافاً لما روّجت له تركيا، فإن فوضى السلاح وانعدام الأمان والاستقرار هما السمة الأبرز لواقع الحال في منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، رغم مضي أكثر من عامين ونصف على احتلالهما.
من جانب آخر، تعاني مناطق النفوذ التركي في شمال سوريا، بما في ذلك منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، فوضى في انتشار السلاح واستخدامه بين المدنيين، دون وجود رقابة أو ترخيص؛ ذلك على الرغم من أن وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة”، المظلة السياسية لـ “الجيش الوطني السوري”، قد أصدرت تعميماً، بتاريخ 12 نيسان/أبريل 2022، حول ضبط حمل السلاح في مناطق سيطرتها، وحصر تواجده في المعسكرات وخطوط المواجهة مع العدو والنقاط الأمنية[24]، إلا أنه لا يزال منتشراً وبكثرة، ودائماً ما يتحول أي شجار إلى الاستخدام الفوري للسلاح، سواءً عبر إطلاق النار في الهواء لنشر الهلع والخوف، أو بشكل مباشر لتحقيق إصابات.
مسؤولية تركيا القانونية كقوة احتلال:
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019، تمارس تركيا سيطرة فعالة على المنطقة الممتدة بين رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، التي غزتها تحت مُسّمى عملية “نبع السلام”، وتحتفظ بوجود عسكري مستمر فيها، مع فرض القانون التركي وإدارة المدارس والوظائف العامة الأخرى، لذا فهي قوة احتلال.
تعتبر الأرض محتلة عندما تقع تحت سيطرة أو سلطة فعلية للقوات المسلحة الأجنبية، سواءً جزئياً أو كلياً، دون موافقة الحكومة المحلية. يمكن اليوم أن تُمارَس السيطرة الفعلية لسلطة الاحتلال دون تواجد عسكري مستمر لها في المنطقة، حيث ينصب التركيز على حجم السلطة التي تحتفظ بها القوات الأجنبية بدلاً من التركيز بشكل حصري على كيفية ممارستها.[25] وبمجرد أن تصبح الأرض تحت السيطرة الفعلية للقوات المسلحة الأجنبية، تنطبق قوانين الاحتلال.
تتعامل تركيا مع هذه المناطق التي تحتلها كجزء من بلادها، وعلى سبيل المثال، فإن مدينتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض المحتلتان، تتبعان من الناحية الخدمية والإدارية إلى ولاية/محافظة “شانلي أورفا” التركية، حيث يقدم “مركز الدعم والتنسيق السوري”، وهو قسم تابع لمكتب والي/محافظ “أورفا”، خدمات عامة، بما فيها المياه، وجمع القمامة، والنظافة، وخدمات الرعاية الصحية، والمساعدات الإنسانية، كما قام كل من الوالي السابق لولاية “أورفا”، عبدالله آرين، وخلفه الحالي “صالح أيهان” بزيارات عدة للإشراف وتفقد المشاريع المنفذة في المنطقة المحتلة. تنسق الإدارات الحكومية التركية هذه الخدمات، بدعم ومساعدة من القوات المسلحة التركية[26].
من ناحية أخرى، لا تزال القوات المسلحة التركية في هذه المناطق، وأنشأت لها قواعد عسكرية[27] ونقاط تفتيش، كما تزود الحكومة التركية “الجيش الوطني السوري” وقوات الشرطة في المنطقة المحتلة بالتدريب والدعم اللوجستي، كما تنسّق معهم عن كثب على أعلى المستويات، بما في ذلك توجيه الأوامر التنفيذية للقادة رفيعي المستوى.
في المناطق الخاضعة للاحتلال التركي، تتحمل تركيا مسؤولية ضمان النظام العام والسلامة العامة وتوفير حماية خاصة للنساء والأطفال. وتظل تركيا مُلزَمة بالتزامات الواجبة التطبيق في مجال حقوق الإنسان تجاه جميع الأفراد الموجودين في تلك الأراضي. وإذا لم تتدخل القوات التركية لوقف تلك الانتهاكات عندما يتم إعلامها بها، فأنها قد تنتهك الالتزامات المذكورة أعلاه.
علاوةً على ذلك، فإن سلطة الاحتلال ملزمةٌ باحترام بنود معاهدات حقوق الإنسان التي وقعت عليها الدولة التي احتُلت أراضيها بشكلٍ جزئي أو كلي.[28] كما أن تطبيق اتفاقيات حقوق الإنسان خارج الحدود الإقليمية هو التزامٌ يقع على عاتق سلطة الاحتلال.[29]
وبما أن سلطة الاحتلال “مُلزَمة، وفقاً للمادة 43 من لوائح لاهاي لعام 1907، باتخاذ جميع التدابير ضمن نطاق سلطتها لاستعادة وضمان النظام والسلامة العامَّين في المنطقة المحتلة قدر الإمكان.”[30] فإن تركيا ملزمة “بضمان احترام القواعد المعمول بها من القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، لحماية سكان المناطق المحتلة من أعمال العنف، وعدم التساهل مع أعمال العنف المرتكبة من قبل أي طرفٍ ثالثٍ.” لذلك يجب على المحتل أيضاً أن يحترم التزاماته المستمدة من تعهداته تجاه أية اتفاقيات دولية أو إقليمية، بالإضافة إلى أية أحكام عرفية. هذا ما أكدته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي شددت على أن الدولة الطرف في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان [31]، ملزمة بتطبيق الاتفاقية خارج أراضيها الوطنية، لصالح الرعايا الأجانب، طالما أنها تمارس السيطرة والسلطة على فردٍ أجنبيٍ، وطالما أنها تمارس سيطرةً فعليةً على إقليمٍ آخر غير إقليمها الوطني.[32]
خرق لبنود الاتفاق التركي-الأمريكي:
تشير حالة فوضى السلاح وانعدام الأمان التي تشهدها تلك المناطق، إلى خرق تركيا لبنود اتفاقية “وقف اطلاق النار” في شمال شرق سوريا، التي تمَّ الإعلان عنها بين الحكومتين التركية والأمريكية، بتاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، ووصفها “البيت الأبيض” بـ “الاتفاقية التاريخية”.
الاتفاق الأمريكي-التركي تمَّ الإعلان عنه من قبل “مايكل بنس” نائب الرئيس الأمريكي “ترامب” آنذاك، عقب محادثات في “أنقرة” مع الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، وسرعان ما أشاد بها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” وقال إنها ستنقذ “ملايين الأرواح”. وذكر بيان أمريكي-تركي مشترك عقب المحادثات “أن القوات المسلحة التركية ستتولى إقامة المنطقة الآمنة”.
وبحسب البند الرابع من البيان المشترك “الأمريكي-التركي”، الصادر في 13 بنداً، “يؤكد البلدان التزامهما بدعم الحياة الإنسانية وحقوق الإنسان وحماية المجتمعات الدينية والعرقية“. كما جاء في البند السابع من الاتفاقية “أعرب الجانب التركي عن التزامه بضمان سلامة ورفاه السكان المقيمين في جميع المراكز السكانية في المنطقة الآمنة التي تسيطر عليها القوات التركية، وأكد مجدداً انه سيتم بذل أقصى درجات الحذر من أجل عدم إلحاق الضرر بالمدنيين والبنية التحتية المدنية“.
فشلت تركيا في تحمل مسؤولياتها، كسلطة احتلال، بالحفاظ على سلامة وأمن السكان المدنيين المقيمين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، فكثرة وتجدد حالات الاقتتال الداخلي بين فصائل “الجيش الوطني السوري” التي تدعمها “أنقرة”، مع تفشي ظاهرة انتشار السلاح واستخدامه بين المدنيين، تؤكد أن المنطقة الممتدة بين رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، التي تطلق عليها تركيا تسمية “المنطقة الآمنة”، ليست آمنة البتّة، كما تتعرض فيها حياة المدنيين للخطر، خلافاً للبند السابع من الاتفاق الأمريكي-التركي.
كما أن عدم اتخاذ السلطات التركية المتحكمة بهذه المناطق فعليّاً، أي إجراءات حقيقية لضمان الأمن والسلامة، وغض الطرف عن حالات الاقتتال الداخلي بين الفصائل المسلحة التي أولتها إدارة المنطقة المحتلة، يخرق التزامها بدعم الحياة الإنسانية وحقوق الإنسان، خلافاً للبند الرابع من الاتفاق مع “واشنطن”، فإلى جانب وقوع ضحايا في صفوف المدنيين وخسائرهم المادية، خلال تلك الاشتباكات، تلاها تعرض مدنيين للاعتقال من قبل الفصائل المتقاتلة، في أكثر من مناسبة، بتهمة التعامل مع الفصيل الخصم، فضلاً عن اجبار المدنيين على النزوح خوفاً على حياتهم، ونهب منازلهم وممتلكاتهم.
[1] الاتفاقية الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية، لاهاي في 18 تشرين الأول/أكتوبر 1907.
[2] ICRC, ‘Occupation and other Forms of Administration. Expert Meeting’, March 2012, p. 18.
[4] مفوضية اللاجئين: أكثر من 10،000 سوري عبروا الحدود العراقية منذ بدء الحملة التركية في شمال شرق سوريا، الأمم المتحدة، 25 تشرين الأول/أكتوبر 2019. (آخر زيارة للرابط بتاريخ 25 تموز/يوليو 2022). https://news.un.org/ar/story/2019/10/1042501
[5] لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا، 28 كانون الثاني/يناير 2020، الفقرة 54، رقم الوثيقة A/HRC/43/57.
[6] المصدر السابق.
[7] تمّ إجراء المقابلة بتاريخ 28 تموز/يوليو 2022، والتحفظ على اسمها بناءً على رغبتها.
[8] يُتهم قادة فصائل من “الجيش الوطني السوري” بالتورط في تجارة المواد المخدرة في المناطق الخاضعة للنفوذ التركي شمال سوريا.
[10] بينهم أفراد من عائلات مسلحي فصائل الجيش الوطني السوري، وآخرون قامت تركيا بترحيلهم قسراً من أراضيها إلى المناطق التي تحتلها، بما في ذلك رأس العين/سري كانيه.
[11] ذكرت صفحات ومواقع محلية نقلت الخبر أن اسم الضحية “محمود اسماعيل الخضر”، لكن “تآزر” تحققت من الاسم وحيثيات الحادثة.
[12] تمَّ إجراء اللقاء معه بتاريخ 15 آذار/مارس 2022، وتحفظ الشاهد على نشر معلوماته الشخصية لأسباب أمنية.
[13] تعد قرية “العزيزية” الحدودية غربي رأس العين/سري كانيه نقطة لتهريب البشر إلى داخل الأراضي التركية بطريقة غير شرعية، منذ احتلال المنطقة نتيجة عملية “نبع السلام” التركية في تشرين الأول/أكتوبر 2019، وتستثمرها فصائل “الجيش الوطني السوري” وتحديداً فرقة “الحمزة” و “أحرار الشرقية” والفرقة 20، غربي رأس العين/سري كانيه لجمع الأموال عبر فرض الاتاوات على الأشخاص الراغبين/ات بالعبور إلى تركيا بطريقة غير شرعية، فضلاً عن تهريب المحروقات والمواد الغذائية من وإلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
[14] تمَّ إجراء اللقاء عبر الأنترنت، بتاريخ 18 تموز/يوليو 2022، وتمَّ النشر تحت اسم مستعار بناءً على رغبة الشاهد.
[15] هو تحالف تأسس بتاريخ 23 كانون الثاني/يناير 2022، نتيجة اندماج “حركة ثائرون” التي تضم 9 فصائل من “الجيش الوطني السوري” أبرزها فرقة “السلطان مراد” و”فرقة السلطان سليمان شاه”، مع الجبهة السورية للتحرير المكوَّنة من فصيلين هما: “فرقة الحمزة” و “فرقة المعتصم”، وذلك في إطار كيان جديد يحمل اسم “هيئة ثائرون للتحرير”، بقيادة “فهيم عيسى”.
[16] تم إجراء اللقاء عن طريق الأنترنت، بتاريخ 15 تموز/يوليو 2022، وتمّ النشر تحت اسم مستعار بناءً على رغبة الشاهدة.
[17] يظهر مقطع فيديو تمَّ تداوله بتاريخ 22 نيسان/أبريل 2022 دخول دبابات ومدرعات تركية إلى رأس العين/سري كانيه لفض النزاع الدائر بين المجموعات المتقاتلة التابعة لـ “الجيش الوطني السوري”. (آخر زيارة للرابط بتاريخ 27 تموز/يوليو 2022).
[18] الحساب موثق بالعلامة الزرقاء، وتمَّ التحقق من أنه الحساب الرسمي لـ “عبدالله أرين”، الوالي السابق لولاية “شانلي أورفا” التركية.
[19] نشر الوالي التركي منشور زيارته في تمام الساعة 2:27 فجراً بتاريخ 23 نيسان/أبريل 2022، ويتضح في الصورة التي تظهر دخوله من المعبر الحدودي أنه عبر ليلاً، أي مساء يوم 22 نيسان/أبريل 2022.
[20] تمَّ إجراء اللقاء عبر الأنترنت بتاريخ 19 تموز/يوليو 2022، وتمَّ التحفظ على اسم الشاهد بناءً على رغبته.
[21] تمَّ إجراء المقابلة بتاريخ 6 حزيران/يونيو 2022، واخفاء معلومات الشاهد بناءً على رغبته.
[22] تمَّ إجراء اللقاء عبر اتصال هاتفي، بتاريخ 30 أيار/مايو 2022، وقد تم إخفاء اسم الشاهد حفاظاً على سلامته.
[23] نشرتها العديد من الشبكات المحلية على وسائل التواصل الاجتماعي، وتحتفظ “تآزر” بنسخة منها في قاعدة بياناتها.
[24] وزارة الدفاع في “المؤقتة” تُصدر تعميماً لضبط حمل السلاح بمناطق سيطرتها، عنب بلدي، 13 نيسان/أبريل 2022. (آخر زيارة للرابط بتاريخ 25 تموز/يوليو 2022). https://www.enabbaladi.net/archives/564901.
[28] UN Human Rights Committee (HRC), CCPR General Comment No. 26: Continuity of Obligations, 8 December 1997, CCPR/C/21/Rev.1/Add.8/Rev.1. §4.
[29] ICJ, Legal Consequences of the Construction of a Wall in the Occupied Palestinian Territory, Advisory Opinion, ICJ Reports 2004, p. 136, § 106.
[30] ICJ, Armed Activities on the Territory of the Congo (Democratic Republic of the Congo v. Uganda), Judgment, 19 December 2005, ICJ Reports 2005, para. 178.
[31]تركيا دولة طرف منذ 18 أيار/مايو 1954.
[32] ECtHR, Al-Skeini et al. v. the United Kingdom, Application no. 55721/07, Judgment (Grand Chamber), 7 July 2011, §§ 131-140.
إبراهيم حميدي
سأل مسؤول عربي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قبل أيام، عن سر التعاون الفريد بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان، فأجاب لافروف بأن هناك «علاقة شخصية خاصة بينهما. الرئيس بوتين يعتقد أن إردوغان ينفذ ما يتعهد به، رغم الصعوبة والمنافسة بينهما والتاريخ العدائي بين البلدين. تركيا لها نفوذ عسكري في ساحات مختلفة، من ليبيا إلى ناغورنو قرة باغ إلى أوكرانيا، وانتهاء بسوريا، وبوتين يعتقد بإمكانية إيجاد صيغ للتعاون مع إردوغان».
النموذج السوري الأخير لهذا «التعاون العدائي»، يتعلق بنيات إردوغان شن عملية عسكرية في شمال سوريا ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية، عمود «قوات سوريا الديمقراطية»، الحليفة لأميركا؛ إذ إنه رغم التهديدات المتكررة من إردوغان والاستعدادات العسكرية لجيشه وفصائل سورية موالية لأنقرة، فإن الهجمات الواسعة لم تبدأ؛ لأن موسكو لم تعطِ الضوء الأخضر لذلك، كما هو الحال في التوغلات التركية السابقة في 2016 و2018 و2019 و2020 التي جرت بتفاهمات روسية-تركية.
الوصفة الجديدة التي أبلغها بوتين لإردوغان لدى لقائهما على هامش القمة الثلاثية (مع الرئيس الإيراني) في طهران، أو الثنائية في سوتشي، كانت مختلفة هذه المرة، وتتضمن:
أولاً، السماح بتوسيع ضربات المُسيَّرات (الدرون) ضد قياديين من «حزب العمال الكردستاني» أو من «وحدات الحماية»، تقول أنقرة إنهم على علاقة بـ«الكردستاني» بدلاً من التوغل العسكري. أي استهدافات جوية تسمح بها منظومة الصواريخ الروسية، واستبعاد الهجوم البري والصدام مع القوات السورية والكردية. وهذا ما حصل، علماً بأن الأكراد يتحدثون عن استهدافات لقادة ليسوا من «الكردستاني» أو مدنيين.
ثانياً، استضافة موسكو سلسلة من الاجتماعات الأمنية رفيعة المستوى بين مسؤولين سوريين وأتراك، للبحث عن إمكانية تلبية المطالب التركية دون التوغل البري والإقامة في الأراضي السورية. وهذا حصل فعلاً في الأيام الأخيرة بالعاصمة الروسية.
ثالثاً، وضع اتفاق أضنة بين أنقرة ودمشق لعام 1998 على مائدة التفاوض، وإمكانية البحث عن توقيع اتفاق «أضنة-2» بما يعكس الواقع السوري الجديد ويسمح لتنسيق أمني سوري- تركي لضمان أمن الحدود ومحاربة الإرهاب، وتعاون سياسي مستقبلي. هنا، كان لافتاً كلام وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن «دعم سياسي» لدمشق ضد الأكراد.
رابعاً، دفع دمشق و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) للتعاون بإجراء تنسيق عسكري ومناورات مشتركة، وتمديد انتشار الجيش السوري في مناطق النفوذ شرق الفرات، وصولاً إلى أن تكون يد دمشق هي الأعلى على «قسد»، بانتظار نضوج ظروف الانسحاب الأميركي من شمال شرقي سوريا، أو «تفكيك» الوجود العسكري الموالي لواشنطن، من الداخل مع مرور الزمن. أي أن تنسج موسكو سجادة تسير عليها «قسد» بالطريق إلى الحضن السوري، وطريقاً لعودة الجيش السوري إلى شرق الفرات.
خامساً، إمكانية السماح الروسي بعملية عسكرية تركية محدودة في تل رفعت في ريف حلب، لتحييد منصات الصواريخ التي تشكل تهديداً ومصدراً للهجمات على الجيش التركي وفصائل موالية له في عفرين. موعد هذه العملية مرتبط بمواعيد تركية تخص الانتخابات، وتفاهمات بين موسكو وأنقرة تخص ملفات أخرى، بما فيها «صفقة الحبوب» الأوكرانية. وربما تخص أيضاً المكاسرة الأميركية- الروسية على المسار السياسي في جنيف؛ إذ إنه بعد إصرار موسكو على عدم انعقاد اللجنة الدستورية السورية في جنيف، تعمل واشنطن على استضافة اجتماع سياسي يخص سوريا في جنيف بداية الشهر المقبل. وبين المكاسرة القطبية، اقترحت أنقرة عقد اجتماعات «الدستورية» في مقر أممي في دول ما، وكأنها اقتربت من الطرح الروسي على حساب الاستعراض الأميركي.
واقع الحال، لم يأتِ «الفيتو» ضد العملية التركية البرية الواسعة، من موسكو فقط؛ بل إنه جاء من طهران وواشنطن، ولكل عاصمة أسبابها. بالنسبة لطهران، يتعلق الأمر بعلاقتها مع دمشق. أما بالنسبة للجانب الأميركي والغربي، فـمصدر «الفيتو»، هو القلق من أن تؤدي العملية إلى تراجع انخراط «قسد» في الحرب ضد «داعش». بالفعل، تبلغت أنقرة تحذيرات واشنطن التي تضمنت تلويحاً بعقوبات لا يريدها إردوغان، مع اقتراب موعد الانتخابات منتصف العام المقبل. عدا عن ذلك، ليس هناك مانع لدى واشنطن في إنجاز موسكو ترتيبات أمنية وسياسية وعسكرية واقتصادية بين دمشق والقامشلي؛ خصوصاً أن المسؤولين الأميركيين يقولون دائماً إن إقامتهم العسكرية مستمرة مع إدارة الرئيس جو بايدن؛ لكنها ليست أبدية، وعلى الأكراد أخذ هذا بالحسبان.
لكن هذا «الفيتو»، لم يوفر مظلة أميركية ضد «المسيرات التركية». تراخي واشنطن في الحسم «الأحمر» ضد أنقرة، ذكَّر الأكراد بـ«خيانات أميركية» سابقة في الشرق الأوسط. بعضها كان في سوريا لدى الانسحاب المفاجئ من مناطق في شرق الفرات نهاية 2019. وقتذاك، اندفع الأكراد للتعاون مع دمشق بمظلة روسية. كما أن إغراءات موسكو ذكَّرت الأكراد أيضاً بـ«الخيانات الروسية» في 2016 بعملية «درع الفرات»، وفي 2018 بعملية «غصن الزيتون». فهل تمهد «الخيانات» الأميركية والروسية طريق الأكراد إلى دمشق؟