الجمعة, أبريل 19, 2024

شوكت شيخو: إن بقيّنا على ذا المِنوال… المآل للأسوأ لا مُحال!

آراء

شوكت شيخو
رغم الحظر الجائر! ألوف مؤلفة من الكُرد؛ باتوا يتًقنون لغتهم قراءةً وكتابةً؛ أصول الصرف والنحو والقواعد، فاضت القرائح المكبوتة بالروائع، فامتلأت المكتبات بمختلف الكتب، بالقصائد والأبحاث وبالخواطر.

أعدادٌ ليست بالقليلة من الجيل الكردي الناشئ تفوّقوا بميادين العلوم من الطب للحقوق؛ نال البعض بالغرب الأوربي شهادات عليا بهندسة الطائرات، بالقطارات والبواخر… ورغم أنّ الوقائع على الأرض أصدق أنباءً من الكتب، جمعنا أكداساً من الوثائق، مَلَلنا إلقاء الأشعار مِن على المنابر، الخِطابات النارية بالمحافل، هُتافات المتظاهرين بالساحات وقد جرحت الصدور والحناجر؛ كَرِهنا هديرَ الطائرات، أزيز الرصاص، دويّ المدافع، القَتلَ العَمد ولونَ الدم، رؤيةَ الجثثِ المتفسخة على نواصي الشوارع.

اختار البعض حمل السّلاح، كمُدافع لا مُحارب، أفضى لتشكيلٍ عسكري باسم وحدات حماية الشعب والمرأة (Y.P.G-Y.P.J) للدفاع عن الأرض والعرض، لا حباً بسفك الدماء ولا القتالَ من أجل القتال أو المالِ؛ التموضع خارج مناطقنا الإدارية لم يكن بالحُسبان أو خَطَرَ يوماً على البالٍ، أما تمركز بعض تلك القوات قَبل التهجير القسري للعفرينيين إلى مناطق الشهباء، فكان لإبعاد الميليشيات المرتزقة الإسلاموية الموالية لحكومة حزب العدالة والتنمية – تركيا، ولفك الحصار عن عفرين وفتح الطريق إلى حلب لإمدادها بالخُبز والخُضار وغيره.

أما سيطرة قوات سوريا الديمقراطية «قسد» على الرقة ومن ثم على الباغوز شرقاً قرب الحدود السورية العراقية، كانت رَدَةَ فِعلٍ ونتيجة لهجوم تنظيم داعش على كوباني/عين العرب، ولدحرّ ذاك التنظيم الإرهابي وتخليص البلد والبشرية من كابوسه؛ أما ما يُثار من مقاربات بين ما يحدث في المناطق الكردية المحتلة من قبل الجيش التركي ومرتزقته؛ وبين مناطق سيطرة «قسد»، إنما لِذرّ الرماد بالعيون ولقلب الحقائق!

أما أحزابنا الكردية! حَدّث وما من حَرج (زِدّ وبارك)، الكأسُ لِمَن يُحصي أسمائَها؛ دون أن يُخطِئ؛ لم يَبخَل معها شعُبنا الكردي يوماً، قدّم الرخيص والنفيس، شهداء ومعاقين، أيتام وثكالى وأرامل؛ عقود ونحن نناضل لتأمين حقوقنا القومية المشروعة في إطار وحدة البلاد، لكن! كلّ ما تقدم لم يُسعفنا، إنما! خَسِرنا عفرين، سري كانيه/رأس العين وكري سبي/تل أبيض؛ أما كوباني/عين العرب فمحاصرة من عدة جهات، فيما قامشلي والحسكة تُدار من قِبَلِ الإدارة الذاتية الديمقراطية مع وجود مربعاتٍ للنظام وبعض مؤسسات الدولة، مناوشاتهما بين الحين والحين ماثلة للعيان؛ أما ما يجري في عفرين المُحتلة مِن جرائم وانتهاكات لا تخطر على بال وتوشم جباه مرتكبيها ورعاتها ومبرريها بوصّمة عارٍ.

لو كانت الظروف الدولية والوضع الداخلي في تركيا تسمح للأخيرة بقضم المزيد من الأراضي السورية؛ لَما توقفت إلاّ على أبواب حلب ومهاباد، فلا تُخفي نيّتها في ذلك، ولا تتوقف عن التهديد ليل نهار لمحاربة أيّ كيانٍ كردي مُحتمَل، إن كان على أسوار الصين أو بالغرب الأمريكي أو بالقطب المتجمد الشمالي أو بالربع الخالي!

أمّا نحن!؟ فقد أنهكتنا الحروب، القتل والتغييب، من نزوح إلى نزوح، من رحيل لترحال عبر المعابر، وما أدراك ما المعابر، وما تفرض من أتاوى وضرائب، وما تَحفُّها من مخاطر؛ حالةٌ من التيهِ والضَياع، بين الحُلم بوطن آمن يلمُّ شتاتنا وشَتاتٍ يُثقِل كواهلنا، مزيداً من البؤس والاذلال، للخضوع مكرهين! سَيّان للأمر الواقع أو لواقع الحال.

لم يَعرف الكُرد الجُبنَ يوماً ولا التخاذل، فقدّموا من الشهداء والمُعاقين، ومازال لديهم الاستعداد لدفع المزيد من التضحيات وقرابين التحرّر من الظلم والاضطهاد، رغم نفورهم من نزف الدّم والدمار؛ فما قدّموا من تضحيات على عَتبة تحررهم لا تُقدّر بأثمان.

الكرد ليسوا أغبياء ولا سُذجاً، كما يحاول البعض تسويقه عبثاً، فقد استخلصوا من تجاربهم المرّيرة الكثير من الدروس والعِبَر عن أساليب النضال وسُبُلِ التحرر؛ استوعبوا صيرورة التاريخ، لعبةَ السياسة، دورَ المصالحِ؛ فإذا كانت الظروف الجيو سياسة ومصالح شركات الاحتكار الدولية ومخططات الأنظمة الغاصبة لكردستان أبرز العقبات الرئيسية أمام نيلهم لحقوقهم القومية المشروعة، للمسألةِ جانبٌ ثانِ.

رغم أهمية التطور الحاصل بالشارع الكردي ودور الثقافة؛ فمن العار تلاقي الاستخبارات السورية مع أجهزة السافاك الإيراني، وأصحاب «الخوّذ البيضاء» مع منظمة بسمة الكويتية وفلسطينيين من «الثمانية والأربعين» والميت التركي، لمحاربة الكُرد ووجودهم ودورهم ولتغيير التركيبة الديموغرافية لمناطقهم التاريخية؛ فيما تعاني حركتنا الوطنية الكردية حالة التشرذم والتجاذبات، فهي عاجزة حتى عن توحيد خِطابها السياسي، رغم الكثير من القواسم المشتركة؛ شَتّان ما بين التكاتف والتنافر، بين المصالح الحزبوية الضيّقة واستحقاقات النضال دفاعاً عن قضايا عادلة؛ الأولوية هي إصلاح البيت الكردي، في الوقت الذي الشارع الكردي فيه بغالبيته غير راضٍ عن ذا الحال.

لا بديل عن التلاقي بين أطراف الحركة، عن توحيد الجهود، تشكيل هيئة مشتركة لطرق أبواب مراكز صنع القرار الدولي، وأخرى لرفع الدعاوى ضد مرتكبي الانتهاكات والجرائم بحق الكُرد، في باريس ولاهاي وغيرهما، وتغيير وسائل النضال للأجدى، بديناميكية وزخم، ووضع خطط لأنشطة وتظاهرات سلمية تجدد أوجه النضال والدفاع عن قضايانا العادلة؛ انطلاقاً من ساحات دمشق وأنقرة وطهران؛ وما لم يكن الكُـرد رهن إشارة اجماع قياداته، ليكن لأهل الشأن حديثٌ ثانٍ!

بالمُختصر! خطوةٌ عملية خيرٌ من ألف خِطابٍ وشِعار، قصيدةٍ ومقال؛ سيكون للتاريخ كلمته، بكلّ الأحوال إما ستُنصَب للمناضلين تماثيلاً بالساحات أو تُلاحِقُنا المَهانةُ أجيالاً بعد أجيال؛ أما كتم فاه خمسين مليون كرديٍ على ذا الحال… جِدّ صَعبٌ ومُحال.

* جريدة الوحـدة – العدد /338/- 05 آب 2022م– الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

شارك هذا الموضوع على