كلما قفز العلم قفزة باتجاه التطور والاكتشاف والاختراع، شده التاريخ لأصوله، وأساسيات إبداعه، التي قد يراها اليوم لا تستحق الذكر بينما هي في حقيقتها القاعدة لكل علوم اليوم.
على عمق نصف متر فقط عثر علماء الآثار في العراق على ما يشبه حانة تعود إلى نحو 2700 عام قبل الميلاد، في مدينة لكش السومرية جنوب البلاد.
تقع لكش على نهر دجلة، شمالي نقطة التقائه بنهر الفرات، تمتد على مساحة بطول 1900 متر، وعرض 3600 متر، كانت مركزاً تجارياً مزدهراً خلال فترة السلالات المبكرة، التي استمرت من 3200 إلى 2900 قبل الميلاد، وهي الفترة التي شهدت ظهور بعض المدن الأولى في العالم، وكانت المدينة جزءاً من الحضارة السومرية، التي كانت عبارة عن مجموعة من المراكز الحضرية على ضفاف نهري دجلة والفرات، واستمرت من أواخر العصر النيوليتي، حتى أوائل العصر البرونزي، وهي واحدة من أكبر المدن جنوب بلاد الرافدين (ميزوبوتاميا)، وتعدّ واحدة من أقدم المراكز الحضرية في العالم
وقالت ساره بيزيمنتي من جامعة بيزا الإيطالية وهي عضو في فريق من الباحثين، الذين يدرسون المدينة القديمة منذ خمس سنوات، لبي بي سي: “يضم الموقع منطقة مشتركة كبيرة، ربما كانت المكان، الذي يتم فيه تناول الطعام”
مقاعد وفرن وثلاجة عمرها خمسة آلاف سنة
باستخدام تقنيات جديدة مثل التصوير بالطائرات المسيرة، والمسح المغناطيسي للأرض، الذي يسمح لعلماء الآثار “برؤية” ما هو موجود تحت سطح الأرض، تمكن الفريق من القيام بعمليات حفر دقيقة، بعد تحديد موقع الحانة تم العثور على المقاعد، وما يشبه ثلاجة من الفخار، وفرن وبقايا أوعية تخزين، والعديد منها لا تزال تحوي بقايا طعام.
وقالت مديرة المشروع هولي بيتمان لبي بي سي: “بفضل نوع الفخار، الذي عثرنا عليه في الموقع، والنقوش الموجودة على الأحجار الكريمة، والمنحوتات عرفنا بشكل قطعي أن الحانة عمرها 5000 عام تقريباً”.
يحتوي الحوض الخارجي الفخاري المبطن بالرمل الرطب على إناء داخلي فخاري، مطلي بالزجاج لمنع تسرب السوائل إلى داخله، ويحفظ الطعام داخله، يؤدي تبخر السائل الموجود في الحوض الأول إلى سحب الحرارة من الحوض الداخلي. يمكن تبريد أي شيء في هذا الحوض، الذي كان بمثابة الثلاجة في ذلك العصر.
وقال عالم الآثار ريد جودمان من جامعة بنسلفانيا لبي بي سي: “نحاول أن نفهم كيف تطورت هذه المدينة من أحد المواقع الصغيرة، التي كانت شائعة في المنطقة في الفترات السابقة إلى شبكة مدن أكبر بكثير، وأكثر تكاملاً فيما بينها”.
بقايا طعام عمرها خمسة آلاف عام
بجوار الفرن والثلاجة الفخارية وجد علماء الآثار غرفة أخرى بها أوعية طعام، وأكواب وأواني، ولم تكن هذه الأواني والأكواب فارغة.
وقالت ساره بيزيمنتي: “وجدنا أكثر من 100 وعاء فيه بقايا طعام؛ ما جعلنا نعتقد أن الناس كان يترددون على هذا المكان في ذلك الوقت، للجلوس فيه لتناول الطعام، أو شرب شيء، المكان لا يمكن أن يكون مطبخاً منزلياً بسبب كمية الطعام الهائلة، التي كان يتم إعدادها فيه، وان آثار الطعام تدل أن الأشخاص، الذين ارتادوا الحانة قبل 5000 عام تناولوا فيها الأسماك”.
وقالت هولي بيتمان: “وجدنا داخل بعض هذه الأوعية كمية كبيرة من عظام السمك، محفوظة جيداً”.
لكن ما يحير علماء الآثار، هو سبب عدم تناول الطعام، وقالت ساره بيزيمنتي بهذا الخصوص: “الأشياء كلها، التي وجدناها في الموقع تُركت كما هي؛ ما يوحي بوقوع شيء ما، لكننا لا نعرف ما هو، وهذا شيء نريد اكتشافه”.
حلقة مفقودة من اللغز
يرغب العلماء أيضاً بمعرفة الأشخاص، الذين كانوا يترددون على الحانة، وحالتهم الاجتماعية، فقد كشفت الحفريات السابقة في الموقع، أن مدينة لكش كانت تضم ثلاثة مجمعات عبادة، حيث كانت تعيش الطبقات العليا، ويعتقد العلماء، أن الحانة لم تكن واقعة في الجزء الراقي من المدينة، “الحي الذي عثر فيه على الحانة، لا يبدو أنه كان يقع في منطقة النخبة. يبدو أنه كان حياً يتردد عليه الناس العاديون”.
ويعتقد العلماء، أن الحانة كانت مكاناً يستطيع فيه الأشخاص، الذين يعملون بعيدا عن موطن عيشهم، تناول وجباتهم اليومية فيه.
وقالت هولي بيتمان: “ما نريد اكتشافه هو ما إذا كان هؤلاء الأشخاص عملوا في إنتاج الخزف”، الفريق حريص على معرفة المزيد عن حياة الناس العاديين في لكش.
ويقول غودمان: “نأمل الوصول إلى رواية أكثر توازناً، وأشمل عن سكان هذه المدن، لأن الرواية الشائعة منذ فترة طويلة عن هذه الأماكن المبكرة لبروز الحضارات، أنها كانت مجتمعات تضم الأغنياء والفقراء فقط، وفئة ضئيلة للغاية ما بين الطبقتين“.
الثقافة – صحيفة روناهي
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=12135