الجمعة, نوفمبر 22, 2024

تل “موزان” الأثري والعاصمة “الحورية” “أوركيش” المغيبة

محمد عزو_
في نهاية العقد ما قبل الأخير من الألفية الثانية الميلادية، أنهى البروفسور “جورجيو بوتشلاتي” حفرياته الأثرية في مدينة “ترقا” التاريخية الواقعة عند نقطة التقاء “الفرات” برافده نهر” الخابور”، ومن حينها بدأ يبحث عن موقع أثري آخر؛ ليستمر في عمله التنقيبي، ونتيجة لأعمال المسوحات الأثرية، التي قام بها في التلال الأثرية في الشمال السوري، وقع اختياره على تل أثري اسمه تل “موزان”، الذي يقع في منتصف الطريق الواصلة بين مدينة “قامشلو” وبلدة “عامودا”.
كان “بوتشلاتي” قد أجرى دراسة مستفيضة على تضاريس التل، وعلى اللقى السطحية من الكسر الفخارية، فتوصل إلى نتيجة أن هذا التل ربما يحوي بين ثناياه بقايا، وآثار مدينة “أوركيش” العاصمة المغيبة للدولة “الحورية” القديمة… تل “موزان” تل أثري يقع عند الحدود السورية – التركية على الأطراف الغربية لمدينة “قامشلو” مجاوراً بلدة عامودا، ويقول “بوتشلاتي”: إن هذا التل محتمل جداً أن يكون هو الاسم الحالي لمدينة “أوركيش” الأثرية المغيبة في ثناياه، التي ازدهرت، ولمع نجمها في نهاية الألف الثالثة، وبداية الألف الثانية ق.م.. وفي عام /1988/م شاركت “الجمعية الشرقية الألمانية” في أعمال التنقيب الأثري في هذا التل، وكان لي شرف المشاركة في ثلاثة مواسم متتالية، حيث أمكن العثور من خلال مجريات التنقيب، على قسم من قصر يعود تاريخه إلى الربع الأخير من الألف الثالثة ق.م، كما تم العثور على أجزاء معمارية على شكل كتل يعود تاريخها إلى بداية الألف الثانية ق.م، ومن الاكتشافات المثيرة في تل “موزان” طبعات الأختام، إذ عثر المنقبون على أكثر من ألف طبعة ختم، وتم العثور على مائة ختم مختلفة.
ومن المكتشفات المهمة العثور على نصوص مدرسية، كانت الغاية منها تعليم الكتابة؛ ما يشير إلى مدى التطور، الذي بلغته “أوركيش”. ومع مجريات التنقيب الأثري عثر المنقبون على خمسة أختام، تعود ملكيتها لأحد ملوك أوركيش، بعضها يحمل اسم “توبكيش” وقد نقشت عليها صور للملك “أوريش” والملكة “أكنيتور”، كما تم العثور على لقى برونزية ذات استعمالات متعددة، وعلى مجموعة من التماثيل ذات الأشكال الحيوانية مصنوعة من الطين، ويقول “بوتشلاتي” أن هذه التماثيل توثق توثيقاً واقعياً ومباشراً طبيعة الحياة الحيوانية في “أوركيش”، إن بعضاً من تماثيل أوركيش الحيوانية تمثل فصائل الحيوانات البرية في هذه المنطقة من سوريا، وعلى خلاف التماثيل الحيوانية، كانت هناك معثورات من “أوركيش” على شكل تماثيل أدمية لكنها كانت قليلة.
يقول “بوتشلاتي”: إنه ومن خلال أكثر أسماء حكام المدينة، يتأكد لنا أنها أسماء حورية، مثل اسم “إيرويم إتال” الذي كان يعمل موظفاً عند “نارام سن” (حفيد سرغون الآكادي) حين كانت “أوركيش” تابعة للدولة الآكادية… وفي “تل موزان” عثر على نص “حوري” معروف يعود إلى الألف الثالثة ق.م، وهو عبارة عن نص سياسي يعود إلى” تيش- إيتال” مضمون النص يتحدث بإسهاب عن بناء معبد مدينة “أوركيش”.. كان “للحوريين” أثر وتميز كبيران في استخدامهم الخيول، حيث أنهم كانوا بارعين في ترويضها بمعرفة كبيرة، وكان للحوريين معرفة واسعة بالموسيقا خاصة “النوطة”، ونقرأ تأكيداً لهذا الكلام في نص مكتشف في “أوغاريت”، وكان “الحوريون” رواداً في تدريب الخيول، واستخدامها في جر العربات أثناء المعركة. وفي الأدب، منذ البدايات الأولى أسهموا في إغناء التراث الأدبي، إذ أنهم كتبوا الأساطير، التي كانت تعكس تصورات خاصة عن قصة خلق الكون على شاكلة “إينوما إليش”، وعن أصول الآلهة وصراعاتها وعلاقاتها بالبشر، وألفوا أناشيد وحكايات مستقاة من الموروث الشعبي، كتبوا هذه المؤلفات بلغتهم الهندو- آرية. واستعملوا أيضا اللغتين “الآكادية” و”الحثية”، كما اعتمد “الحوريون” الكتابة المسمارية في تدوين لغتهم، وهي لغة لا تنتمي إلى اللغات “السامية”، ولا إلى اللغات “الهندو – أوروبية”، يقول العلماء: أنها لغة قريبة من لغة “أورارتو الشمالية”.

​الثقافة – صحيفة روناهي  

شارك هذه المقالة على المنصات التالية