أردوغان والانتخابات .. بين إيميرالي والسليمانية

خورشيد دلي

كلما كانت هناك انتخابات في تركيا، يوجه أردوغان الأنظار إلى إيميرالي، حيث يقبع زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، منذ نحو ربع قرن، مناسبة هذا الحديث ما سربته مؤخراً صحيفة “يني شفق” المقربة من أردوغان، عندما كشفت عن إرسال حزب العدالة والتنمية الحاكم وفداً إلى إيميرالي للقاء أوجلان لبحث موضوع الانتخابات، لكن الحصيلة لم تكن وفق ما أراده أردوغان وفق ما سربته الصحيفة نفسها، عندما قالت على لسان أوجلان إن هناك حركة وحزب في الخارج (خارج السجن) تحدثوا إليهم، فهم يتخذون قراراتهم بأنفسهم، بل ذهبت الصحيفة أبعد من ذلك عندما كشفت عن محاولة النظام التركي الاتصال مع قنديل بشكل غير مباشر دون الحصول على جواب، وما كشفته يني شفق سبق أن تحدثت عنه زعيمة حزب الجيد ميرال إكشنار عندما أفصحت عن لقاءات حصلت مع أوجلان، وكذلك تلميحات من أردوغان نفسه، عندما قال أمام كتلة حزبه البرلمانية قبل فترة (القابع في أدرنه سيقدم كشف الحساب الأكبر لذلك القابع في إيميرالي) في إشارة  إلى كل من أوجلان وصلاح الدين ديميرداش دون تحديدهما بالإسم، وهو ما دفع بديميرداش وقتها إلى الدعوة لرفع العزلة المفروضة على أوجلان كي يتمكن من التحدث بنفسه.

ماذا يعني الكلام السابق؟ يقيناً ثمة قناعة لدى أردوغان أنه خسر الصوت الكردي بعد أن فشلت سياسته على مدار عقدين في تنفيذ كل الوعود بشأن ايجاد حل سلمي للقضية الكردية في تركيا، وتنمية المناطق الكردية فيها، والأصعب ليس فشل هذه الوعود فحسب بل الوصول إلى إطلاق مقولة عدم وجود قضية كردية في تركيا، وحجم الاعتداءات ضد الكرد في الخارج، وهو ما يجعل الاعتقاد بخسارة الصوت الكردي واقعياً في معركة السياسة والوجود والهوية والسلطة، علماً أن الصوت الكردي كان عاملاً مهماً في فوز أردوغان وحزبه في سلسلة الانتخابات السابقة.

يبدو أن أردوغان في مواجهة هذه القناعة تصرف على ثلاث مستويات، وهي :

الأول- تعويم حزب هدى- بار بزعامة زكريا يايجي أوغلو في المناطق الكردية، وهو حزب إسلامي يشكل امتداداً لحزب الله التركي المنحل، الذي تورط في إغتيال عشرات المثقفين الكرد واليساريين مطلع تسعينيات القرن الماضي، وعليه، كان لافتاً ظهور يايجي أوغلو إلى جانب أردوغان في أكثر من مناسبة مؤخراً، وكشف الأول أن أردوغان طلب منه شخصياً الانضمام إلى تحالفه، وتخصيص حزب العدالة والتنمية كوتا لحزب هدى – بار على قوائمه الانتخابية، وأهمية هذه الحزب لأردوغان أنه ينشط في نفس المناطق التي يتمتع فيها حزب الشعوب الديمقراطي بنفوذ كبير، لاسيما دياربكر – آمد، حيث استغلال البعد الأيديولوجي الديني يشكل بوصلة عمل الجانبين، بل تحت هذا الستار ذهب حزب هدى – بار إلى حد محاربة الهوية القومية الكردية، إذ كثيرا ما يصور أي نشاط بهذه الخصوص على أنه مؤامرة ضد تركيا، في ملاقاة لخطاب أردوغان تجاه القضية الكردية.

الثاني- استهداف مطار السليمانية الدولي، إذ لم يكن قصف مطار السليمانية حدثاً عادياً، خاصة أن المطارات الدولية هي مدنية ومحرمة قصفها وفق القانون الدولي حتى في أوقات الحروب، وعليه كان هذا الاستهداف من قبل أردوغان، هدفه تحقيق انتصار سياسي في الانتخابات عبر تعبئة وحشد الأوساط القومية والدينية المتطرفة من خلفه من خلال النيل من رمزية قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، صحيح أن تركيا منزعجة من المشهد السياسي في السليمانية تاريخياً، كما أنها منزعجة من المواقف المتطورة قومياً للاتحاد الوطني الكردستاني، ومن التعاون بينه وبين قسد في مجال مكافحة الإرهاب لاسيما إرهاب داعش، لكن الثابت أن أردوغان يدرك جيداً أهمية ورمزية النيل من مظلوم عبدي في معركته الانتخابية المصيرية، لاسيما بعد إخفاقه في القيام بعملية عسكرية جديدة في شمال شرقي سوريا رغم كل التصعيد الذي مارسه، ولعل كل ما سبق يعني أنه  إلى حين موعد الانتخابات التركية في الرابع عشر من الشهر المقبل فإن  تركيا وبأمر من أردوغان قد تلجأ إلى المزيد من هذه الاعتداءات والعمليات لأهداف إنتخابية.

الثالث- توصيف المعارضة التركية بالإرهاب: منذ إعلان أحزاب طاولة الستة الاتفاق على ترشيح كمال كليجدار أوغلو مرشحاً رئاسياً لخوض معركة الانتخابات الرئاسية في مواجهة أردوغان، لا يتوقف الأخير وآلته الحزبية والإعلامية والسياسية عن وصف هذه المعارضة بالإرهاب، ودعمها الإرهابيين، والعمل على تقسيم تركيا، في إشارة إلى الحركة والقضية الكرديتين، ولعل هذا من أهم العوامل التي جعلت المعارضة التركية مترددة في الذهاب إلى التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي من خلال عدم الاستجابة للمبادئ التي قدمها الأخير لتحقيق الديمقراطية في تركيا وإيجاد حل سياسي للقضية الكردية فيها، وحسابات المعارضة هنا، لها علاقات بالخوف من تأليب أردوغان الأوساط القومية والدينية المتطرفة ضدها، وبالتالي خسارة هذه الأوساط، والموازنة بينها وبين أصوات الكرد التي كان لها الدور الأساسي في فوز حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات المحلية بالبلديات الكبرى، لاسيما إسطنبول وأنقرة، دون أن يعني ما سبق عدم إمكانية التحالف الضمني بين طاولة أحزاب الستة والتحالف الجديد الذي تشكل باسم حزب اليسار الأخضر بقيادة حزب الشعوب الديمقراطي، لكن في النهاية يريد أردوغان عدم تشكيل مثل هذا التحالف، وتشتيت الأصوات المعارضة له، سواء في الساحة الكردستانية أو في الساحة التركية بشكل عام.

بين محاولات أردوغان الانفتاح على إيميرالي واستهداف مطار السليمانية، من الواضح أن لعبته باتت مكشوفة، فلا شيء في أجندته لحل القضية الكردية، والشيء الوحيد الذي يشغل دماغه هو كيفية الفوز في الانتخابات المقبلة، وبأي وسيلة كانت، ومهما كان الثمن، إذ إن الرجل لا يتخيل ولو لحظة واحدة وجوده خارج القصر الرئاسي، خاصة أن ذلك قد يكلفه قضاء بقية حياته أمام المحاكم وربما في السجن.

المصدر: نورث برس

Read More

شارك هذه المقالة على المنصات التالية