الأربعاء, أكتوبر 30, 2024

فاضل هورامي: ضغط إيران على الأكراد قد يعود بنتيجة عكسيّة

كرّست إيران طاقة هائلة لمحاولة منع الأكراد العراقيّين من إجراء استفتائهم على الاستقلال يوم 25 أيلول/سبتمبر، واتّهمت القيادة الكرديّة بالتّهوّر وتعريض استقرار المنطقة للخطر. لكن بعد أن فشل المسؤولون في طهران في مسعاهم هذا، باتوا الآن في حيرة من أمرهم بشأن نوع التدابير العقابيّة الواقعيّة التي يمكن أن يتّخذوها لمعاقبة الأكراد من دون التسبّب بمزيد من عدم الاستقرار على حدودهم.

مع تزايد الضّغط على الأكراد العراقيّين عقب الاستفتاء الذي أدلى فيه حوالي 93% من النّاخبين بأصواتهم لصالح الانفصال عن العراق، تبدو إيران، وهي حليف تاريخي للأكراد العراقيّين، متردّدة في اتّخاذ تدابير متشدّدة بحقّ جارتها الغربيّة، خوفًا من زيادة عدم الاستقرار الذي قد يتسرّب بسهولة إلى مناطق إيران الكرديّة. لكنّ طهران اتّخذت بعض أنصاف الحلول بحقّ الأكراد العراقيّين، للاستهلاك المحلّي بشكل رئيسي على ما يبدو.

فرضت طهران عقوبات على الوقود يوم 30 أيلول/سبتمبر، وجرى تعليق الرّحلات من إيران إلى مطاري كردستان العراق الرّئيسيّين وشاركت القوّات المسلّحة الإيرانيّة في تدريبات مشتركة مع الجيش العراقي على حدود كردستان العراق. التقى أيضًا المسؤولون الإيرانيّون بنظرائهم الأتراك والعراقيّين لاتّخاذ بعض التّدابير المشتركة بحقّ الإدارة الكرديّة في شمال العراق على حدّ ما قيل.

لكنّ إيران لا يمكنها تحمّل مجافاة الأكراد العراقيّين الذين يشكّلون في الوقت الرّاهن شريكًا أمنيًا، وسياسيًا وتجاريًا مهمًا كما وحليفًا تاريخيًا لطهران. وقال ابراهيم رحيمبور، مساعد وزير الخارجيّة الإيراني لشؤون آسيا والمحيط الهادئ، “تاريخيًا، كانت علاقات إيران بالأكراد أفضل من الدّول الأخرى. نأمل أن يتوقّفوا عند هذا الاستفتاء وإظهارهم لمشاعر الناس”. ويلمّح رحيمبور بذلك إلى أنّ طهران بإمكانها التّعايش مع الاستفتاء إذا لم يتّخذ الأكراد أيّ خطوات إضافيّة نحو الاستقلال، ويعتقد أنّ وتيرة الأحداث سريعة للغاية بما يصعّب على طهران توقّع ما سيحدث لاحقًا”.

عقدت لجنة الأمن القومي والسّياسة الخارجيّة بالبرلمان الإيراني جلسة استثنائيّة في السّرّ يوم 27 أيلول/سبتمبر لمناقشة مسألة استفتاء كردستان. وقد حضر ممثّلون عن وزارة الخارجيّة، ووزارة الاستخبارات وفيلق القدس، فضلاً عن علي شامخاني، أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي. قال بهروز نعمتي، المتحدّث باسم مجلس رئاسة البرلمان والذي كان موجودًا أيضًا في الاجتماع إنّ “إيران لا تعترف بالاستفتاء على استقلال كردستان، وهو [شامخاني] ناقش سلامة الأراضي العراقيّة وتطرّق إلى التّدابير التي يجب أن تتّخذها بلادنا وكذلك منطقتنا. إلا أنّ تدابيرنا موجّهة بمعظمها نحو الحوار … تبرز مشاكل في التّجارة وتصدير النّفط من المناطق الكرديّة، ونعتقد بوجوب حلّها من خلال الدّبلوماسيّة”.

طوال عقود، دعمت إيران التّحالفات الإقليميّة والقوّات المحاربة بالوكالة لتقوم بما يُطلب منها خارج حدودها؛ وغالبًا ما يتباهى قادة الحرس الثّوري الإيراني بمستوى الأمن الموجود في إيران باعتباره أحد أهمّ إنجازاتهم. وآخر ما قد ترغب فيه إيران، نظرًا إلى الوجود الأميركي في العراق، هو تهديد أمني تطرحه آلاف قوّات البيشمركة من الأكراد الإيرانيّين المتمركزين على حدودها الغربيّة، يمكن أن تستعملهم الولايات المتّحدة أو أيّ من الخصوم الإقليميّين الآخرين ضدّ طهران. أثار الاستفتاء في كردستان العراق موجة من التّظاهرات والاحتفالات في كافّة أنحاء المنطقة الكرديّة بإيران ما سبّب ذعرًا في طهران التي نشرت آلاف القوّات الإضافيّة للحفاظ على السّلام في المنطقة. وهتف حشد في مدينة سنندج في محافظة كردستان، “قاسملو قاسملو في خطّك سنستمرّ”، في إشارة إلى أمين عام الحزب الدّيمقراطي الكردستاني الإيراني الذي اغتاله عملاء إيرانيّون في فيينا في العام 1989. تجدر الإشارة إلى أنّ إيران خاضت حربًا دمويّة ضدّ قوّات البيشمركة الكرديّة في ثمانينيّات القرن الماضي، ويدرك المسؤولون الإيرانيّون إمكانيّة اندلاع أعمال شغب في المنطقة الكرديّة بالبلاد. وقد حرصت الأجهزة الأمنيّة الإيرانيّة على عدم قتل أيّ من المتظاهرين على الرّغم من توقيف عدد كبير من الأكراد الذين شاركوا في التّظاهرات. وقال اللّواء حسين حسني سعدي في 24 أيلول/سبتمبر إنّ “ثلثي الجيش كان معطَّلاً في كردستان”، مشيرًا إلى نزاع الجمهوريّة الإسلاميّة الناشئ مع المسلّحين الأكراد في ثمانينيّات القرن الماضي.

إنّ القوى المحرّكة الإقليميّة وعين الشّك التي تنظر فيها إيران إلى الدّور التّركي في العراق والمنطقة تؤدّي أيضًا أدورًا حيويّة في الطّريقة التي يحسب فيها المسؤولون الإيرانيّون سياساتهم. ساعدت طهران حليفها الرّئيسي، الرّئيس السّوري بشار الأسد، ليصمد طوال ستّ سنوات من الحرب الأهليّة على الرّغم من أفضل جهود تركيا، والغرب والعالم العربي السّنّي للإطاحة به. وبالإضافة إلى حزب الله في لبنان الذي يشكّل حليفًا إقليميًا لا غنى عنه، تتمتّع إيران بثلاث علاقات أكثر أهميّة: حوثيّو اليمن، والميليشيات في سوريا ووحدات الحشد الشّعبي في العراق، ومعظمها موالية لطهران. إذًا موقف إيران في المنطقة قويّ وهي لا تحتاج إلى المشاركة في نزاع آخر.

على الرّغم من الخطاب بشأن التّعاون المتبادل بين طهران وأنقرة ضدّ الأكراد، نلاحظ أنّ للبلدين تاريخًا من الشّكّ والخيانة. ففي ثمانينيّات القرن الماضي، ساعدت تركيا نظام صدام حسين بشكل غير مباشر ضدّ إيران من خلال السّماح بتصدير كميّات كبيرة من النّفط من كركوك إلى جيهان ومن هناك إلى السّوق الدّولي، سامحة بذلك لصدام بشراء المزيد من الأسلحة لمحاربة الإيرانيّين. وفي تسعينيّات القرن الماضي، دخلت تركيا وإيران في منافسة مريرة أثناء الحرب الأهليّة الكرديّة التي أنشأت تركيا في خلالها عدّة قواعد عسكريّة في المنطقة الكرديّة العراقيّة، ما زاد نفوذها مع الحزب الدّيمقراطي الكردستاني التّابع لمسعود بارزاني، وهو الحزب الرّئيسي الحاكم في كردستان العراق.

وهكذا، قد يعود أيّ ضغط اقتصادي أو أمني غير ضروري يمارَس على الأكراد بنتيجة عكسيّة على طهران، إذ من شأنه أن يخلق عداوة مع الجمهور الكردي – الذي أيّد الاستفتاء بأغلبيّة ساحقة – ويعرّض أيضًا للخطر نفوذ طهران مع حليفها الرّئيسي في المنطقة الكرديّة العراقيّة، الاتّحاد الوطني الكردستاني.

وجد في :جهود لإقامة دولة كردية

فاضل هورامي محرر من kurdishblogger.com وصحافي مستقلة مقره حاليا في كردستان العراق

“المونيتور”

الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *