تعتبر استراتيجية الصهر من أجل بقاء الدولة من نواتج الحكم القومي، وجعل تلك الاستراتيجية بمثابة واجبات ترى الدولة أنها مطلوبة من الشعب، حيث أن التجريد من الحقوق الطبيعية من خلال هذه الرؤية هو واجب لابد للشعب من أن يرضى به كواقع حال من أجل ديمومة الدولة التي تتعرض لمؤامرات من قوى عالمية من أجل الشعب – حسب الزعم القومي، بهذه الشعارات يثقبون الذهنية ويدقون فيها مسامير نعشهم القومي، ففي سوريا أراد النظام خلق ذهنية الولاء للدولة والثقة بها دون تفكير في ذهن الأجيال، مع أنها وعلى الصعيد العلمي وعلى وجه الخصوص لم تستطع إنتاج تلك الأجيال التي لها المقدرة على مواكبة سوق العمل من جهة وكذلك فهمها للعلوم على أساس تنمية المجتمع وتطويره، فكان هناك فرق كبير ما بين الحاجة والمواد التي يتم عرضها أو تعليمها في مختلف المستويات، والدلائل كثيرة على المواد الجامدة والمواد الحشو التي كان المراد منها خلق المتعلم وفق حاجة الدولة لا المجتمع.
وفي روج آفا فإن الثورة التي بدأت أول شيء أرادت تغييره هي الذهنية، والفكر الذي عملت الدولة القومية على خلقه من أجل عدم نفاذ رصيد الولاء الأعمى لها، فإذا تحدثنا عن التعليم في ثورة روج آفا من حيث الأهداف والغايات يمكن الملاحظة أننا في روج آفا لم نرضَ بعملية تعديل أو إعادة النظر في المواد التي كانت تدّرس، نحن نريد تغيير لتلك الذهنية بما كانت تحمل من وسائل، التعلمية منها والعسكرية والسياسية والثقافية والفنية والاجتماعية، نحن نريد أن نكون رواداً في طرحنا التعليمي بمعنى أن نكون قريبين من فهم الثورة وغاياتها وعن الإجراءات التي تم ممارستها في عهد الحكم البعثي كانت بمثابة خلق جمود فكري على المستوى التعليمي، حيث لم يرد ذلك النظام خلق إنسان متوازن فكرياً مرتبط بالبيئة والطبيعية، كذلك عمل على تجريد الفكر من الوسائل التي يمكن من خلالها محاولة التقدم والتطوير، طرح البعض بالنسبة لما تم إيجاده من قبل الإدارة الذاتية في النواحي التعليمية قد يكون سلباً، فمثلاً يقول البعض كيف يمكن التعلم بلغة جديدة بعد سنوات من التعلم بلغة واحدة، هذا هو بحد ذاته ما أراد منه حكم البعث أن يثبته وهو الجمود الفكري ومنع التقدم وتربية العقل عن عدم إيلاء الأهمية للغة الأم، هنا يمكن التساؤل لماذا حينما يقوم البعض باللجوء إلى أوروبا يستميت على تعلم اللغة هناك ويحاول تعلمها حتى في عمر متقدم، بل ويرى نفسه مجبراً فقط لمواكبة الحياة هناك وهنا نحن نتهرب من لغتنا وثقافتنا ووسائل فهمنا لتاريخنا وأصالتنا وتراثنا؟!.
نحن نعلم أن المؤسسة التعليمية هي بمثابة مصنع للأجيال، فإما أن يتم استثمار تلك العقول لحاجة الدولة وإهمال الجوانب الوجدانية والاجتماعية في ذلك، وإما أن يتم فيه بناء إنسان حر بفكره ومعتقداته، فالأهالي لابد أن يدركوا الهدف من التعليم ومن محتوى المناهج، ولابد من التفكير في إمكانية قدرة التعليم على خلق ذلك الإنسان الفّعال الواعي لمجتمعه ومحيطه والعالم، اليوم لدينا مقومات كبيرة جداً من أجل أن نتعلم حقيقة تاريخنا التي شوهتها المناهج التي أرادت التحكم بعقولنا، تعلم حقيقة عاداتنا وأخلاقياتنا، نضالنا، ووجودنا، وهويتنا، لماذا اضطهدنا؟ ولماذا كنا دوماً وقودَ دوام الظلم علينا؟!، ونحن في روج آفا نسعى في هذا الجانب، ندرك أن التعليم الكمي والتعلم من أجل الحصول على الشهادة يؤثر على هدف التعليم وجودته، لذا التعليم لا يمكن اختصاره بشهادة في النهاية تكون المصداقية فيها مصدر شك!.
إن اتباع الإجراءات التي عملت الدولة الواحدة على تسويقها كمنهج تعليمي لا يمكن نعته بالتغيير، بل هو إتمام وحفاظ على الجمود ذاته، لا يمكن لنا أن نكون أحراراً إن لم نتعلم بلغاتنا الموجودة في سوريا والمنطقة /العربية، الكردية، السريانية، الآشورية.. إلخ/، لا يمكن لنا أن نحقق التغيير إن لم نتحرر من الثقافة التي نتاجها اليوم تدمير أجيال كاملة وقصف وقتل من أجل السلطة واستعباد الشعب، لا يمكن لنا أن نكون لائقين بحجم الثورة التي أسميناها ثورة الحرية ما لم نتعلم أن حقيقة التغيير تكمن في بناء إنسان حر، متعلم، واعٍ، مدركٍ لحاجته وحاجة مجتمعه، ويؤمن بأن الحياة الحرة نتاج فكر حر، نحن يجب أن نقرأ جميع التجارب التاريخية والطرق والمناهج التعليمية ولكن لا بد من إنتاج مناهج تلائم خصوصيتنا وحالة تنوعنا الفكرية وكذلك تداخل ثقافتنا، اليوم الأمة الديمقراطية مشروع يعالج كل هذه المضامين ويسعى إلى تحقيق الفرد المتعلم الحر لا التابع الذي يرى الثقافة المتطورة في تعلم ثقافة الآخرين وتبنيها على حساب انتمائه ويجهل حقيقته التاريخية، فمستوى التعليم لا يقاس بتلك الدرجات الممنوحة، والشهادة ليست معيار قياسي للثقافة، لابد لنا من أن نحافظ على مكتسباتنا الثورية والإنجازات التاريخية التي حققناها في روج آفا، اليوم قيادتنا للتغير في المنطقة، طرحنا الديمقراطي، سعينا لإزالة الفكر المتطرف، تطويرنا لثقافتنا الحرة، جميع هذه الأمور مكتسبات ودعائم يمكن من خلالها بناء نظام تعليمي وإنشاء أجيال تكون مدركة لحاجاتها ومفعمة بالروح الديمقراطية والثقافة الثورية، في روج آفا نحن ننقش على الصخور -التي كانت جاثمة على صدرنا على مدار عقود- حقيقة الحرية وعنوانها وذلك بدماء العشرات من خيرة أبنائنا وبناتنا، فلنكن لائقين بذلك، ولنحافظ على ما تم تحقيقه من خلال نشره وتوثيقه بالعلم والمعرفة، لأننا نبني مستقبلاً سيكون عنواناً للكثيرين عقود وراء عقود، وبخاصة ممن أضاع هويته أو فقد حريته أو تم انكار وجوده.
“روناهي”
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=2121