يتم تقديم عودة سوريا إلى الجامعة العربية، في طهران، على أنّها “مكافأة لمحور المقاومة” ونتيجة لدعم “الجمهورية الإسلامية” لبقاء حكومة الأسد. لكن عملياً، يمكن أن ينتهي تطبيع علاقات سوريا مع دول المنطقة على حساب “الجمهورية الإسلامية”، ويؤدي إلى تقليص النفوذ الأمني والاقتصادي لطهران في هذا البلد.

قررت الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية إنهاء تعليق عضوية سوريا في هذه الجامعة، حيث تم طرد سوريا من الجامعة العربية قبل 12 عاماً، عقب اندلاع الحرب الأهلية في البلاد.

ترافقت عودة سوريا إلى الجامعة العربية بشروط ومطالب عديدة، من بينها وجوب سعي نظام الأسد إلى الحوار مع المعارضة ضمن إطار قرار الأمم المتحدة /2254/ للعام 2015. من أجل فتح الهيكل السياسي للبلاد ودفع عملية صياغة دستور جديد إلى الأمام، وضمان العودة الآمنة لما يقارب من 7 ملايين لاجئ من البلدان المجاورة أو الأبعد، وأن يتصدّى للمواد المخدّرة، ومن بينها حبوب الكبتاغون (وهي نوع من الإمفيتامين) التي تُنتج على نطاق واسع في سوريا، أو يتم تصديرها عبرها، وتحوّلت إلى مشكلة كبيرة للأردن والدول العربية الأخرى المجاورة.

في مقابل ذلك، وعدت الدول العربية بتقديم مساعدات كبيرة لإعادة بناء الاقتصاد السوري وتنشيطه.

تواجد لا فائدة منه لأمن سوريا؟

إنّ تطبيع علاقات حكومة الأسد مع الدول العربية في المنطقة وحتى مع تركيا، يعني بحدّ ذاته تنويع قدراتها والاستغناء عن الحاجة الأمنية والاقتصادية الهائلة إلى إيران وروسيا أيضاً. لا سيّما إذا تحرّك نظام الأسد ضمن إطار الشروط التي حددتها الجامعة العربية لإعادة العلاقات معه، مثل فتح الهيكل السياسي وفقاً لقرار الأمم المتحدة /2254/، ما سيؤدي إلى حلّ هيكل السلطة، ولو بشكل محدود؛ الأمر الذي لن يكون في مصلحة إيران، بلا أدنى شكّ.

في الوقت نفسه، ستزيد مثل هذه الخطوات من قدرات الدول العربية القوية على المساومة مع الغرب من أجل تخفيف أو رفع العقوبات المفروضة على سوريا.

إنّ تنوّع القدرات وأوراق اللعب لنظام الأسد، تجعله يستغني –إلى حدٍّ ما- عن العلاقات الوثيقة والإشكالية أحياناً مع طهران، سيّما في ظلّ الوضع الذي أصبح فيه التواجد والنفوذ الإيراني في سوريا، سبباً للهجمات الإسرائيلية المتكررة على مواقع ومنشآت حكومة طهران داخل الأراضي السورية، وبالتالي التسبب في عدم الاستقرار، والدمار، وضرب إعادة الإعمار.

في ظل تحسّن العلاقات الإقليمية لنظام دمشق، ومن أجل الخلاص من هذا الوضع، وبالتالي تجنب التصادم مع إسرائيل وخطر وقوع حرب ساخنة، فإنّه من الطبيعي أن يطلب بلباقة من طهران أن تحدّ من الوجود الأمني والعسكري لها ولحلفائها في سوريا.

في مثل هذه الحالة، لن تعود سوريا -كما كانت في السابق- جزءاً من “محور المقاومة” و”العمق الاستراتيجي” للجمهورية الإسلامية الإيرانية (ضد إسرائيل والغرب)، كما إنّه من غير المرجّح أن تستمر الاستفادة من سوريا كجسر للتواصل مع حزب الله اللبناني، كما هو الحال عليه الآن.

الطرف الخاسر في العلاقات الاقتصادية

من ناحية أخرى، حتى إذا لم تتحسّن علاقات حكومة الأسد مع العالم العربي وتركيا، فلن يكون للعلاقات الاقتصادية بين إيران وسوريا، القدرة على الانفتاح والتوسع- على الرغم من الحاجة الماسّة لسوريا إلى البناء واسع النطاق لإعادة الإعمار- وذلك نظراً للعقوبات المفروضة على البلدين.

في الوقت الحالي، حيث يفوق حجم التبادل الاقتصادي لإيران مع العراق بكثير حجم تبادلها وعلاقاتها مع سوريا، فإنّ طهران تواجه مشكلة في صرف مستحقاتها المالية من العراق؛ وهي قرابة 12 مليار دولار، بسبب العقوبات المفروضة عليها، والتي تمنعها من الوصول السهل إلى الموارد المالية المستحقة من التجارة مع بغداد، التي تديرها حكومة “صديقة لطهران”.

في وضعٍ ترزح فيه سوريا تحت وطأة العقوبات الواسعة من الأمم المتحدة والغرب، ولا تكون مواردها المالية قابلة للمقارنة بموارد العراق على الإطلاق، يكون من الطبيعي أن تواجه إيران الخاضعة للعقوبات مشاكل في علاقاتها الاقتصادية مع سوريا، وهي مشاكل تفوق بكثير علاقاتها مع العراق. وهذا يعني أنّ الاتفاقيات الخمسة عشر الموقعة بين إيران وسوريا، خلال زيارة إبراهيم رئيسي الأخيرة إلى دمشق، ستبقى في المجمل، حبراً على ورق، حتى إشعارٍ آخر.

اللافت هو أنّ إحدى هذه الاتفاقات، على سبيل المثال، تتعلق بزيادة عدد الرحلات الجوية بين إيران وسوريا، ونقل عدد كبير من الزوّار بين البلدين. في حين أنّه تم الإعلان في طهران، قبل أيام من زيارة رئيسي إلى دمشق، أنّ الخطوط الجوية الإيرانية المحليّة ليست لديها أيّة رحلات إلى سوريا، لأنها تخشى تعرّضها لعقوبات الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإنّها ستُمنع من السفر إلى المدن الأوروبية.

لا يقتصر الأمر على جامعة الدول العربية

بطبيعة الحال، فإنّ سوريا، في ظل الانفتاح الإقليمي والدولي الجديد، قد تتمكن من الوصول أحياناً إلى القدرات المالية والاقتصادية للدول العربية وتركيا، ومن الطبيعي في هذا الإطار، أن تكون زيادة استخدام القدرات الفنية والهندسية وصادرات شركات هذه الدول، من ضمن الشروط المفروضة على سوريا، وألّا تكون من أولويات نظام الأسد العودة إلى إيران، التي تقف وراء المشاكل الاقتصادية لسوريا، وتشهد قدراتها الفنية والهندسية، تراجعاً، مقارنةً بدول الجوار.

ثمة مسألة لا يتمّ إنكارها في طهران، وهي أنّ المؤسسات الحكومية السورية وغير الحكومية منها، لا ترغب في التعاون مع الشركات الإيرانية، وذلك على الرغم من كونها “مديونة” للجمهورية الإسلامية الإيرانية في دعمها لنظام الأسد في الصراع السوري الداخلي، وأنّ أولوية هذه المؤسسات هي الشركات التركية والصينية والأوروبية، وذلك يعود إلى الجودة العالية للخدمات التي تقدّمها. وما يؤكد هذا التوجه، هو قول سكرتير جمعية مصدّري الخدمات الفنيّة والهندسية الإيرانية، مؤخراً، إنّه في سوريا “يُنظر إلى الشركات الإيرانية كما ينظر إلى سوق البضائع المستعملة.”

إضافةً إلى ذلك، فإنّ التطورات الجارية في المنطقة من ناحية أخرى، أي المباحثات المتعلقة بمسار “أستانا” قد لا تجعل سوريا بحاجة إلى إيران.

بسبب الصراع الداخلي، كانت سوريا، خلال هذه السنوات، في حالة صراع وقطع للعلاقات مع تركيا، وهي ما تزال حتى الآن بحاجة إلى إيران؛ للدفاع عن مصالحها في المباحثات المعروفة بـ “عملية أستانا” التي تجرى في كازاخستان.

تستمر عملية أستانا منذ عام 2019 بمشاركة روسيا وتركيا وإيران، لإدارة القضايا الأمنيّة في سوريا، ومناقشة التواجد العسكري والأمني التركي في البلاد. الآن، وفي الوقت الذي تشير فيه معظم المؤشرات إلى تحرّك كل من تركيا وسوريا نحو تطبيع العلاقات، وحلّ الخلافات، من خلال المفاوضات المستقيمة بين الطرفين، فإنه من الطبيعي أن يكون دور إيران في هذا المجال فاقداً للأهمية، بدرجة كبيرة.

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ تركيا، خلال سنوات الصراع المحتدمة مع سوريا، صدّرت إلى الأخيرة 10 أضعاف ما صدّرته إيران، ويعود ذلك إلى عدم وجود عقوبات على الاقتصاد التركي، وجودة السلع والخدمات الأفضل لهذا البلد.

مشكلة طهران أكثر تجذّراً

في المحصّلة، على الرغم من أنّ عودة سوريا، كحليف للجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلى جامعة الدول العربية، يُنظر إليها -هنا وهناك- على أنها تنازل من الرياض لطهران، لكي تقدّم “الجمهورية الإسلامية” أيضاً تنازلات للسعودية في حلّ الأزمة اليمنية، لكنّ الحقيقة هي أنّ عملية تطبيع العلاقات بين العالم العربي وحكومة دمشق، كانت بدأت قبل ما يقارب خمسة أعوام، وذلك على الرّغم جميع الجرائم التي ارتكبتها هذه الحكومة خلال الصراع الداخلي السوري.

في هذا الصدد، ووفقاً للنقاط التي تم ذكرها في هذا المقال، فإنّ تحسين علاقات سوريا مع الدول العربية في المنطقة، وعودتها إلى جامعة الدول العربية، من شأنها أن تثير قلقاً في طهران أكثر من الرضا.

يمكن اعتبار زيارة رئيسي الأخيرة إلى سوريا محاولةً لاحتواء والحدّ من العواقب السلبية لتحسين علاقات حكومة دمشق مع اللاعبين الرئيسيين الآخرين في المنطقة. من الطبيعي، في ظل الحقائق القائمة على الأرض، ألّا تكون لعملية التحسين والانفتاح في العلاقات الإقليمية لحكومة الأسد، علاقة حقيقية بالخطابات والضجيج في طهران وإضافتها إلى رصيد “نجاحات محور المقاومة.”

إنّ إحياء العلاقات بين جامعة الدول العربية وسوريا، والانفتاح الأكثر في العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، والتي قد تشمل السعودية أيضاً، هو تأكيد لواقع تشكيل وبروز معادلات ومسارات جديدة في المنطقة، والتي من الممكن أن تكون أساساً وحجر زاوية لعلاقات وهياكل جديدة من التقارب والتماسك في الشرق الأوسط، مع عدم إمكانية الادعاء بضمان ديمومة واستقرار هذا التوجه. لكن حتى الآن، لم تستطع إيران الاستفادة من هذه المعادلات الجديدة.

بعبارةٍ أخرى، ما دامت علاقات “الجمهورية الإسلامية” مع جزء من العالم سيّئة ويسودها التوتّر، وما دامت طهران لا تغيّر من نهجها العقيم والقمعي في الداخل، ولا تغيّر سلوكها لحلّ قضاياها الدولية والإقليمية، بدءاً من الملفّ النووي، مروراً بعلاقتها مع أمريكا، وصولاً إلى الطريقة التي تنظر بها إلى وجود إسرائيل، فإنها ستظل خاسرة، وبعيدة عن هذه الاتجاهات والمعادلات.

على الرّغم من الشعارات الصاخبة في طهران، فإنّ سياسة “التطلّع إلى الشرق” و”الجوار” لم ولن تكون قادرة أيضاً على تعويض الجزء المعيوب والمتضرر في سياسة طهران الخارجية، وأن تضع عملية تآكل وتضرر المصالح الوطنية والأمنية والاقتصادية الإيرانية في المسار المعاكس والصحيح.

………………………………………………

الكاتب: حبيب حسيني فرد: محلل سياسي إيران مختص بالشؤون الدولية.

ترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة.

رابط المقال الأصلي

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية